منظمة التحرير الفلسطينية..... أين صارت، وكيف تعود؟
بقلم: عبد الله الحوراني
2005/3/15

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=2714


نظراً للتدهور الذي أصاب منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، والذي قارب حدود الاندثار خلال السنوات العشر الماضية، فإن غالبية أجيالنا الشابة لم تعد تعرف عنها وعن تاريخها ودورها شيئاً، مع أنها هي التكوين السياسي لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، وإطارها، وقيادتها. وهي من أحيا القضية الوطنية، وعبأ شعبنا ونظمه حولها منذ أواسط الستينات من القرن الماضي، وهي من حمى القضية، وحملها إلى العالم، وعرفه بها، واستقطب تأييده لها. وهي من شكل الوطن المعنوي الذي على أرضيته مارس الشعب الفلسطيني حياته السياسية والثقافية.

ولا أظن أن الجهل بالمنظمة، وتجاهلها، يقف عند حدود الأجيال الشابة، بل إن الكثير من أبنائها، ممن كانت المنظمة هي الرافعة التي ارتقت بهم إلى مواقع القيادة والمسؤولية، قد نسوها أو تناسوها، وانخرطوا أو انغمسوا في دوامة السلطة، ومظاهرها، وألقابها، ونعمها، وتصرفوا على أساس أن دور المنظمة قد انتهى مع قيام السلطة، وأن الحقوق والثوابت الوطنية التي حملتها المنظمة، وناضلت في سبيلها، قد تحققت بقيام السلطة، متجاهلين أن السلطة هي جزء من المنظمة وليست بديلا لها، وأنها أحد المؤسسات التي أقامتها المنظمة لرعاية وإدارة شؤون أهلنا في الداخل والمناطق التي يجلو عنها الاحتلال الإسرائيلي فقط، وأن المنظمة هي مرجعية هذه السلطة، وهي المسؤولة عنها وعن أدائها، وأن على عاتق المنظمة تقع المسؤولية السياسية عن القضية الفلسطينية بكل جوانبها، كما تقع عليها مسؤولية رعاية شؤون شعبنا الفلسطيني في كل مناطق الشتات، وهو الذي يشكل 53% من مجموع الشعب الفلسطيني. وأن المنظمة، وليس السلطة، هي من يمثل الشعب الفلسطيني في المحافل العربية والدولية، ومن يتحدث ويفاوض باسمه، وهي من يوقع أية اتفاقات تتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني ومصيره.

ومن المؤسف أن من أوجد هذا المفهوم الخاطئ، حول تراجع مكانة المنظمة ودورها، هي قيادة المنظمة نفسها، التي ألغت دوائر المنظمة العديدة، وأذابتها في دوائر السلطة ووزاراتها، وعطلت دور المنظمات الشعبية حتى ترهلت أو شاخت وانتهت فعالياتها، وعوّمت بنية ودور المؤسسات السياسية والتشريعية والتنفيذية للمنظمة. فالمجلس الوطني الفلسطيني أصبح عدده يتجاوز الـ750 عضواً لكثرة ما أضيف إليه من أشخاص دون أي اعتبار لموضوع الكفاءَة أو الاختصاص، فبات أقرب إلى صيغة المهرجانات الجماهيرية الخطابية، ولم يعقد أي اجتماع له من إبريل (نيسان) 1996، مع أن النظام الأساسي ينص على ضرورة انعقاده سنوياً، كما ينص على ضرورة تجديد العضوية (إعادة النظر في الأعضاء) كل ثلاث سنوات. والمجلس المركزي أيضاً، الذي ينص النظام على تجديده مع تجديد المجلس الوطني مضت عليه المدة نفسها دون تغيير، كما أنه لم يجتمع خلال السنوات التسع الماضية أكثر من أربع أو خمس مرات، مع أن نظامه ينص على ضرورة انعقاده كل ثلاثة أشهر، هذا فضلاً عن أن كثيرا من قراراته، إن لم نقل كلها، لم ينفذ، خاصة تلك التي تتعلق بإصلاح واقع المنظمة وتأكيد مرجعيتها، وتعزيز الوحدة الوطنية.

وبالطبع فإن حال اللجنة التنفيذية للمنظمة، وهي أعلى هيئة قيادية سياسية للشعب الفلسطيني، هو انعكاس لحال المجلسين، الوطني والمركزي. فهي لم يجر تجديد انتخابها منذ تسع سنوات، رغم ما جرى لها وعليها من أحداث. فمن بين أعضائها الثمانية عشر، هناك أربعة استشهدوا، وأحد الأخوة الأعضاء معتقل في سجون الاحتلال، وبعض الأعضاء ترك أو جمّد عضويته، وبعضهم غير متفرغ لعمله في اللجنة التنفيذية حيث يمارس مهمات وظيفية خارجها، رغم ما في ذلك من مخالفة صريحة للنظام الأساسي للمنظمة.

وآخرون لا يتولون أية مهمات، ولا يقومون بأية أعمال غير حضور اجتماعات اللجنة التنفيذية. وبدلاً من معالجة هذا الوضع، وفق ما ينص عليه النظام الأساسي، بما يعيد لها دورها وأهليتها ومكانتها القيادية، وشمولية تمثيلها لكل التيارات السياسية، بما يضفي مصداقية أكبر على وحدة ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني... جرى تعويمها أكثر، بفتح أبواب اجتماعاتها لكل من رغب، أو تواجد في مبنى الاجتماع من ممثلي فصائل، أو وزراء في السلطة، أو أعضاء في المجلس التشريعي أو حتى بعض موظفي المقر. لدرجة أن اجتماعاتها باتت أقل انضباطاً ونظاماً من اجتماع أي مكتب سياسي أو أي هيئة قيادية لأي فصيل من فصائلها. وهكذا تهلهل وضعها أكثر، ولم تعد بياناتها أو قراراتها تحمل معنى أو موقفاً محدداً، أو تحظى باهتمام واحترام الرأي العام. هذا الحال الذي وصلت إليه منظمة التحرير، بكل مؤسساتها، انعكس سلباً عليها وعلى دورها القيادي، وعلى الحياة السياسية الفلسطينية عموما.

وكان من أبرز هذه الانعكاسات السلبية، انقطاع الصلة بين المنظمة وأهلنا في الخارج، وخاصة في مخيمات الشتات، وتوقف اهتمامها بالمشاكل الكثيرة والكبيرة التي يتعرض لها هؤلاء الأهل.

كما أفقدها واقعها المتردي هذا مكانتها القيادية ومرجعيتها السياسية. وأضعف من صفتها التمثيلية مما فتح الباب أمام دعوات لتشكيل إطار قيادي موحد. مما يعني القفز عن المنظمة، وتجاوز كونها إطارنا السياسي القيادي الواحد الموحد.

كما قلل هذا الحال من مكانة المنظمة على الصعيدين العربي والدولي، ولدى المنظمات والهيئات السياسية والبرلمانية والشعبية الإقليمية والدولية. وفي كثير من الحالات تعاملت هذه الهيئات مع مؤسسات سلطتنا الوطنية كمؤسسات بديلة للمنظمة نتيجة غياب المنظمة.

ونتيجة لاستمرار حالة التسيب، وتراكم الأخطاء والسلبيات، وعدم التجاوب مع دعوات الإصلاح، على مدى أكثر من عشر سنوات، أصبحت مسألة إصلاح المنظمة، وإعادة الاعتبار لها، واستعادتها لمكانتها ودورها، مسألة ليست سهلة. فهي تحتاج أولا إلى استعادة أهلها إيمانهم بها وبدورها. وتوفر نية صادقة وتوجه حقيقي نحو إصلاحها وإعادة بنائها ثانياً، وبذل جهود مخلصة وصادقة من قبل أناس معنيين فعلاً بإعادة الاعتبار للمنظمة ثالثاً. وإخراجها من دائرة التبعية للسلطة، بما في ذلك استقلال ميزانيتها، رابعا. إن توفر هذه الأرضية من صدق النوايا والتوجهات في الدعوة الجديدة لإصلاح المنظمة هي شرط أساسي لنجاح هذه الدعوة، والتغلب على كل الصعوبات التي يمكن أن تعترض طريقها، ذلك أن غيابها في السابق هو الذي أدى إلى عدم نجاح دعوات الإصلاح في السنوات الماضية.

وبالنظر إلى الواقع المتردي الذي وصلت إليه المنظمة، والخلل الذي طال بنيتها التنظيمية ومكانتها السياسية، فإن عملية إصلاحها تحتاج - من وجهة نظري- إلى فترة زمنية يمكن تقسيمها إلى مرحلتين:

الأولى- تقوم على إعادة إحياء المنظمة.

والثانية- تقوم على إعادة بنائها.

وتبدأ عملية الإحياء بتصحيح وضع اللجنة التنفيذية واستكمال النواقص فيها، وإعادة إحياء دوائرها وتنشيطها، وتحديد مهمات أعضائها، وتوزيع المسؤوليات بينهم، وضبط وتنظيم اجتماعاتها، والحرص على دورية هذه الاجتماعات وهيبتها، بحيث لا يحضرها إلا أعضاء اللجنة إلا في حالات معنية تقتضي الموضوعات المطروحة على جدول الاجتماع حضور أشخاص معينين والاستماع إلى وجهة نظرهم، واستعادة دورها المرجعي في كل ما يتعلق بالقضايا السياسية، ومراقبة أداء السلطة الوطنية، ودعوة ومتابعة المنظمات الشعبية الفلسطينية العمالية والطلابية والنسائية والمهنية.... الخ التي تكلست وغاب دورها، إلى تفعيل وتنشيط مؤسساتها، وإجراء انتخاباتها التي توقفت منذ سنين طويلة، وتجديد قياداتها، وإعادة صلاتها مع مثيلاتها من المنظمات العربية والدولية لحشد الدعم والتأييد لقضيتنا الوطنية.

ومن مهمات اللجنة التنفيذية العاجلة تجديد وتنظيم وتعميق الصلة مع أبناء شعبنا في الخارج سواءٌ كانوا في المخيمات أو مع الجاليات في بلدان الشتات، لمتابعة أحوالهم وقضاياهم وإشراكهم في حياتنا السياسة ومؤسساتها.

وكذلك إعادة ربط الصلة مع الأحزاب والقوى السياسية في البلدان العربية، وتفعيل دورها في دعم وإسناد نضالنا الوطني، واستعادة العمق العربي القومي لقضيتنا. فلقد غابت هذه العلاقة الشعبية العربية، واقتصرت علاقاتنا العربية على الاتصال مع النظام الرسمي العربي فقط. وكذلك تنشيط العلاقات مع الأحزاب والقوى السياسية على الساحتين الإسلامية والدولية.

وتبقى المهمة الأهم التي تقع مسؤولية إنجازها على اللجنة التنفيذية بعد تصحيح وضعها واستكمال عضويتها، هي التحضير للمرحلة الثانية، وهي إعادة بناء المنظمة وفق أسس ديمقراطية وتمثيلية صحيحة تعزز حضورها، وتمكنها من القيام بمسؤولياتها.

أما كيف تتم عملية تصحيح وضع اللجنة التنفيذية، واستكمال عضويتها لتكون قادرة على إنجاز المرحلة الأولى من إصلاح المنظمة وهي التي سميناها مرحلة إحياء المنظمة، والبدء في إنجاز المرحلة الثانية التي سميناها إعادة بناء المنظمة، فإن ذلك لابد أن يتم بالاستناد إلى النظام الأساسي للمنظمة.

تنص المادة 14 (معدلة) من النظام الأساسي على ما يلي:

"إذا شغرت العضوية في اللجنة التنفيذية بين فترات انعقاد المجلس الوطني لأي سبب من الأسباب، تملأ الحالات الشاغرة كما يلي:

‌أ. إذا كانت الحالات الشاغرة تقل عن الثلث، يؤجل ملؤها إلى أول انعقاد للمجلس الوطني.

‌ب. إذا كانت الحالات الشاغرة تساوي ثلث أعضاء اللجنة التنفيذية أو أكثر، يتم ملؤها من قبل المجلس الوطني، في جلسة خاصة يدعى لها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما.

‌ج. في حالة القوة القاهرة التي يتعذر معها دعوة المجلس الوطني إلى اجتماع غير عادي، يتم ملء الشواغر، لأي من الحالتين السابقتين من قبل اللجنة التنفيذية، ومكتب المجلس، ومن يستطيع الحضور من أعضاء المجلس، وذلك في اجتماع مشترك يتم لهذا الغرض، ويكون اختيار الأعضاء الجدد بأغلبية أصوات الحاضرين".

وفي الحالة الراهنة التي تعيشها اللجنة التنفيذية فإن أكثر من ثلث أعضائها، البالغ عددهم ثمانية عشر عضواً ، يعتبر شاغراً - بالاستشهاد، أو الاعتقال، أو تجميد العضوية، أو التغيب-. وهذا يقتضي، كما ينص النظام، على ضرورة الدعوة الفورية للمجلس الوطني لاجتماع غير عادي لملء هذه الشواغر.

وإذا ما قيل بتعذر انعقاد المجلس نظراً لظروف الاحتلال القاهرة، ونظراً لكثرة عدد أعضاء المجلس (أكثر من 750)، ووجود أعداد غير قليلة منهم خارج الوطن ولا يسمح لهم بالدخول، ونظراً لانقطاع دورات المجلس عن الانعقاد لمدة تجاوزت التسع سنوات (مع أن النظام ينص على انعقاده سنوياً، ويتم تجديد المجلس أو تأكيد العضوية أو إعادة النظر فيها كل ثلاث سنوات)، ونظراً لتراكم العديد من القضايا التي تتطلب البحث، بما في ذلك الأنظمة والقوانين، وطريقة تركيب المجلس، واستيعاب القوى السياسية الموجودة خارج المنظمة.... فإنه قد يكون من الصعب عقد المجلس في وقت قريب، أو عقد دورة استثنائية لملء شواغر اللجنة التنفيذية فقط، وتأجيل بقية القضايا.

من هنا، ولسرعة معالجة وضع اللجنة التنفيذية التي منها وبها تنطلق عملية الإصلاح والتجديد والبناء، يمكن اعتماد النص الوارد في الفقرة (ج) من المادة الرابعة عشرة، لمعالجة النقص في اللجنة التنفيذية، ويمكن اعتبار المجلس المركزي هو الإطار الذي يجمع الجهات التي نصت عليها الفقرة (ج) لأنه يضمها بالفعل، وبالتالي يمكن دعوة المجلس المركزي للانعقاد فوراً لملء الشواغر في التنفيذية (ويمكن تطعيم اجتماعه - إذا ارتؤي ذلك- بحضور عدد إضافي من أعضاء المجلس الوطني الذين يمكن أن يغنوا اجتماع المركزي). مع الأخذ بالاعتبار تمثيل أهلنا في الخارج في التنفيذية، عند ملء الشواغر. ومن ثم تكلف اللجنة التنفيذية، بوضعها المكتمل، بممارسة مهماتها في إجراء الإصلاحات والخطوات اللازمة لاستعادة المنظمة لدورها، وتفعيل مؤسساتها. وفي البدء بالتحضير لإنجاز المرحلة الثانية، مرحلة إعادة بناء المنظمة، - على أن تحدد لذلك فترة زمنية معينة-.

خلال هذه الفترة المؤقتة أو التحضيرية من عمل اللجنة التنفيذية، لا يجوز أن يظل التيار الإسلامي غائباً، وبالتالي يمكن إشراك ممثلين عنه في اللجان التحضيرية للمرحلة القادمة، كما يمكن إشراك ممثلين عنه (يتم الاتفاق على عددهم) في اجتماعات اللجنة التنفيذية، كمراقبين لهم حق النقاش والمشاركة في اتخاذ القرارات، وبخاصة ذات البعد السياسي، وفق صيغة يتفق عليها، وذلك إلى أن يتم دخولهم للمنظمة بصفة رسمية عند انعقاد أول دورة للمجلس الوطني الجديد والمنتخب.

المرحلة الثانية- مرحلة إعادة البناء

تبدأ هذه المرحلة بإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره المؤسسة الأم التي انطلقت منها منظمة التحرير، وهو المرجعية الأساسية لكل القرارات المصيرية. وحسب النظام الأساسي فإن المادة الخامسة من الباب الثاني تنص على "انتخاب أعضاء المجلس الوطني عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني، بموجب نظام تضعه اللجنة التنفيذية لهذه الغاية". كما تنص المادة السادسة "أ" من الباب نفسه على أنه "إذا تعذر إجراء الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني، استمر المجلس الوطني قائماً إلى أن تتهيأ ظروف الانتخابات". ورغم أن الأساس في تشكيل المجلس الوطني هو الانتخاب، إلا أنه منذ تأسيس المنظمة وحتى الآن، لم يجر اعتماد مبدأ الانتخاب في تشكيل المجلس بسبب تعذر ذلك نتيجة لظروف الشتات من جهة، والاحتلال من جهة أخرى. وجرى اعتماد طريقة توافقت عليها فصائل المنظمة. وهذه الطريقة استندت إلى نظام الكوته.

‌أ. كوته للفصائل: أي خصص للفصائل كلها عدد محدد من أعضاء المجلس ووزع هذا العدد بينها بالتوافق، وترك لكل فصيل تسمية ممثليه ضمن العدد المقرر له، كما ترك له التبديل في أعضائه مع كل دورة.

‌ب. كوته للمنظمات والاتحادات الشعبية والمهنية: حدد للمنظمات والاتحادات الشعبية والمهنية أيضاً عدد معين وزع بينها حسب حجم كل اتحاد. وترك لاتحاداتهم تسمية ممثليهم من بين أماناتهم العامة المنتخبة، وترك لهم أيضاً التغيير في أعضائهم عند الحاجة.

‌ج. كوته للعسكريين من قيادات وضباط جيش التحرر الفلسطيني والقوات المسلحة الفلسطينية، وترك للرئيس الراحل الأخ أبو عمار تسميتهم بوصفه القائد العام للثورة.

‌د. عدد من الشخصيات الوطنية العامة المستقلة، والكفاءات، يتم التوافق عليهم بين أعضاء القيادة الفلسطينية من اللجنة التنفيذية والأمناء العامين للفصائل.

ﻫ عدد محدود من ممثلي الجاليات الفلسطينية في الخارج (أوروبا، أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية) وغيرها. وغالبا ما كان يتم ترشيح هؤلاء من قبل سفاراتنا في الخارج بالاتفاق مع الجاليات، وحسب مكانة هؤلاء المرشحين ونشاطاتهم في بلدانهم.

وعلى مدى السنوات التي مرت منذ قيام منظمة التحرير في الخارج، وحتى عودتها للداخل وقيام السلطة الوطنية، لم يكن الداخل (غزة والضفة) ممثلاً في المجلس الوطني بسبب منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لذلك.

والآن، وأمام المتغيرات والمستجدات التي حدثت في الساحة الفلسطينية، وإمكانية إجراء انتخابات في مناطق السلطة، والتوجه نحو ترسيخ مبدأ الديموقراطية في اختيار ممثلي الشعب الفلسطيني، فإن الطريقة التي كان يتم بها تشكيل المجلس الوطني، لم تعد هي الطريقة المناسبة أو التي تتماشى مع التطورات المحلية والإقليمية والدولية. وبالتالي فإن الخيار الأمثل هو إلغاء نظام الكوته والعودة لمبدأ الانتخاب المباشر، كما ينص النظام الأساسي.

فالانتخابات في الداخل أصبحت ممكنة، وتجربة المجلس التشريعي، وانتخابات المجالس المحلية، والرئاسة، أكدت ذلك.

أما التعامل مع أبناء شعبنا في الخارج، فإن مبدأ الانتخاب يجب أن يكون هو الأساس أيضاً، وإن كانت الحالة ستختلف من مكان إلى آخر.

فالتجمعات الفلسطينية الموجودة في لبنان وسوريا بشكل خاص، وفي بقية البلدان العربية (باستثناء الأردن) يمكن بالاتفاق مع الحكومات العربية إجراء هذه الانتخابات، وتوضع لها آلية خاصة، وإن اختلفت من بلد لآخر.

وأبناء الجاليات الموجودون في البلدان الأجنبية يمكن حصرهم عن طريق سفاراتنا في هذه البلدان بالتعاون مع ممثلي هذه الجاليات وقياداتها، ومن ثم اختيار ممثليهم في المجلس عن طريق الانتخاب وفق آلية توضع لذلك.

أما حالة أبناء شعبنا في الساحة الأردنية، وهم أكبر تجمع فلسطيني في الخارج، فإن التعامل مع قضية تمثيلهم في المجلس الوطني، يجب أن يوضع لها ترتيب خاص فلسطيني أردني يتفق عليه مع الحكومة الأردنية. ذلك أن الأغلبية الساحقة من هذا التجمع الذي يزيد عدده عن المليونين، أصبحوا يحملون الجنسية الأردنية، ويعتبرون مواطنين أردنيين، ويشاركون في الانتخابات البرلمانية الأردنية، وفي عضوية البرلمان والحكومة في الأردن. من هنا يجب التوصل إلى صيغة لتمثيلهم في المجلس الوطني، تحفظ لهم، من جهة، حقوقهم السياسية، وكل الحقوق الأخرى التي يتمتعون بها ويمارسونها في الأردن، وتبقى من جهة أخرى على انتمائهم الفلسطيني، وحقوقهم، كلاجئين، في العودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948، وتعطيهم الحق في المشاركة في القرارات التي تتعلق بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق العودة.

بهذا التصور لكيفية انتخاب أو اختيار أعضاء المجلس الوطني في مختلف الساحات نكون قد ضمنا مشاركة جميع أبناء الشعب الفلسطيني في حياتهم السياسية وفي تقرير مصيرهم، كما نكون قد ضمنا أوسع تمثيل لمختلف التيارات والقوى السياسية الفلسطينية، كل حسب حجمه وتأثيره، وبأسلوب ديموقراطي، ونكون أيضاً قد عززنا من صفة منظمة التحرير، ومكانتها، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

ولتعزيز دور المنظمة وهيئاتها التشريعية والقيادية، وعدم إغراقها في الشؤون اليومية للسلطة الوطنية ومؤسساتها، وتركيز مهماتها في الاهتمام بالقضية الوطنية ككل، فإني أقترح أن يكون نظامنا السياسي قائماً على مجلسين تشريعيين، أو ما يسمى بغرفتين برلمانيتين، يختص أولهما بمتابعة شؤون السلطة الوطنية، وهو المجلس التشريعي، ويتولى ثانيهما الإشراف على منظمة التحرير، وهو المجلس الوطني، وألا يكون أحدهما جزءً من الآخر كما هي الحال الآن التي تجعل من المجلس التشريعي جزءً من المجلس الوطني.

إن تجربة المجلس التشريعي خلال السنوات التسع الماضية، أكدت انشغاله وانغماسة كليا في شؤون السلطة، سواء ما يتعلق بقوانينها وأنظمتها وشؤونها الأمنية والقضائية، ومتابعة أداء وزاراتها، أو انشغال عدد غير قليل منهم بالسعي لمواقع وزارية. بحيث لم يكن لديه الحد الأدنى من الوقت لصرفه في الاهتمام بشؤون المنظمة، والقضايا التي تمثلها. وهذا ما يعزز الدعوة للفصل بينهما، بحيث يتم انتخاب أعضاء المجلس التشريعي في الضفة والقطاع لمهماتهم المتعلقة بمتابعة شؤون السلطة. كما تتم انتخابات أخرى في الضفة والقطاع لأعضاء المجلس الوطني، وذلك وفق النظام الانتخابي الذي تضعه اللجنة التنفيذية، كما نص على ذلك النظام الأساسي للمنظمة. ويمكن أن تجري الانتخابات للمجلسين في آن واحد، أي يتقدم الناخب الفلسطيني لانتخاب قائمتين. واحدة للتشريعي، وأخرى للوطني، حسب القانون الانتخابي لكل منهما، كما يمكن أن يتم الفصل زمنياً بين الانتخابين، أي أن تجري انتخابات التشريعي هذا العام، وانتخابات الوطني في العام القادم. وقد يكون تأجيل انتخابات الوطني للعام القادم أنسب لظرفنا الحالي الذي نحتاج فيه لوقت غير قليل لإصلاح وضع المنظمة وإعادة بنائها، ووضع اللوائح والأنظمة الخاصة بذلك، خاصة وأن عملية تجديد وربط الصلة بجماهيرنا في الخارج تحتاج إلى وقت كاف.

كما أن الأخذ بهذه الصيغة يعطي الفرصة لأهلنا في الداخل للمشاركة في المؤسسات القيادية للمنظمة من الوطني إلى المركزي إلى اللجنة التنفيذية، إذ لا يمكن بعد اعتماد مبدأ الانتخابات لأعضاء المجلس الوطني في الداخل والخارج أن تكون هناك فرصة لأي شخص غير منتخب أن يحتل أي موقع في هذه المؤسسات. ومثالنا على ذلك أن كل أعضاء اللجنة التنفيذية الحاليين المتواجدين في الداخل - ربما باستثناء الرئيس الذي جرى انتخابه مباشرة من الشعب، رغم أنه انتخب كرئيس للسلطة وليس للمنظمة، ولكنه منتخب واقعياً- لن تكون أمامهم فرصة مستقبلاً لاحتلال هذا الموقع القيادي إلا إذا جاءوا للمجلس الوطني منتخبين.

وإذا لم يتم الفصل في الانتخابات بين عضوية التشريعي، وعضوية الوطني، فإن أعضاء المجلس التشريعي - كمنتخبين- سيكون لهم وحدهم حق عضوية اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، ورئاسة دوائر المنظمة ومؤسساتها، بالإضافة إلى ما يتمتعون به من حقوق في السلطة من الوزارة إلى المؤسسات الأخرى.

إنني إذ أطرح هذا التصور لتصحيح وضع المنظمة، وإعادة بنائها لتأخذ دورها الحقيقي، إنما يدفعني إلى ذلك هو القلق على وضع مؤسستنا الوطنية الكبرى، والخوف على القضايا التي تمثلها، والحرص على مستقبلها وبقائها فاعلة ومؤثرة حتى تتحقق أهدافنا الوطنية الثابتة التي أنشأت من أجلها، وهي العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وإذ أضع هذا التصور بين يدي الأخ رئيس اللجنة التنفيذية، والأخوة أعضائها. والأخ رئيس المجلس الوطني، والأخوة ممثلي فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية، وكل المهتمين بحال المنظمة ومستقبلها، فإني أرجو أن أكون قد دفعت بموضوع إصلاح المنظمة خطوة إلى الأمام، ووضعت بين يدي كل المعنيين بذلك مشروعاً للبدء في نقاشه، وأرجو ألا يتأخروا في ذلك. لأننا جميعاً أمام امتحان لصدقيتنا وثقة شعبنا بنا. -(التجديد العربي 15/3/2005)-

http://www.miftah.org