ليس للرئيس مواعيد مقدسة !
بقلم: مهند عبد الحميد
2005/10/25

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=4016


الرئيس الاميركي جورج بوش غير متأكد من ان الدولة الفلسطينية ستقام قبل انتهاء ولايته الرئاسية الثانية عام 2009." والرئيس لم يرد ايجابا او سلبا على اقتراح الرئيس محمود عباس بالشروع فورا في مفاوضات الوضع النهائي". ويبدو ان هذه المواقف دفعت مكتب شارون للقول "ان رئيس السلطة الفلسطينية لم يحقق شيئا في زيارته"، وللثناء على موقف بوش بالقول "الرئيس جدير بالتقدير على تمسكه باتفاقاته مع رئيس الوزراء شارون". وفي المحصلة الاخيرة استنتج العاملون في مكتب شارون "ان اسرائيل غير مطالبة الآن بالعمل طالما لم يفكك الفلسطينيون بنية المنظمات "الارهابية".

للمرة الثانية يؤجل الرئيس بوش تحقيق رؤيته لدولتين، فبعد ان كان توقيت إقامة الدولة عام 2005، جرى تحويله الى عام 2009، موعد نهاية ولاية الرئيس بوش، والآن جرى تعويم الموعد بدون تحديد تاريخ جديد. كان رابين أول من ابتدع فكرة المواعيد غير المقدسة، تلك الفكرة التي جعلت اتفاق اوسلو وعداً بلا موعد وبلا التزامات اسرائيلية. وقد ادى شطب التواريخ الى دخول الشعب الفلسطيني حالة من الجمود والشلل التي فجرت الانتفاضة. بعدئذ قام مصممو خارطة الطريق بتفادي الخلل الناجم عن فقدان المواعيد، فحددوا تواريخ ومراحل وآليات للتطبيق، وحددوا اشرافا دوليا من قبل الرباعية الدولية يتجاوز الوساطة الاميركية المنحازة لاسرائيل، واضافوا للتفاوض الثنائي الفلسطيني الاسرائيلي صيغة المؤتمر الدولي. غير ان هذه التعديلات تساقطت الواحدة بعد الاخرى وكان آخرها سقوط موعد إقامة الدولة الفلسطينية وعلى لسان صاحب الرؤية العتيدة. يحق للذين تفاءلوا نصف تفاؤل فما فوق ان يتشاءموا او ان يقلقوا كثيرا. فالذين قالوا لنا انهم استخلصوا الدرس، تراجعوا عن حكمتهم بدون جلبة. وكان البديل الوحيد هو خطة الفصل من طرف واحد التي تقدم بها شارون واصبحت من الناحية العملية بديلا لخارطة الطريق. كان العنصر الاهم في خارطة الطريق هو تاريخ اقامة الدولة الذي يفترض به ضبط العناصر الاخرى وتوظيفها لخدمة ذلك الهدف. وجاء شطبه من باب التلاؤم مع خطة الفصل من طرف واحد، لأن الطرف الواحد الذي يحاول فرض حل امني لا يحتاج الى مواعيد محددة بل يحتاج الى وقت مفتوح يساعده في إضافة وقائع جديدة من استيطان وجدار وتهويد وفصل وسيطرة وتحكم بشعب كامل. وهذا ما يحدث عندنا الى حد كبير وبوتائر متسارعة.

اثناء زيارة الرئيس ابو مازن للولايات المتحدة اعلنت القيادة العسكرية الاسرائيلية عن البدء بتطبيق خطة الفصل داخل الضفة الغربية. وتقضي هذه الخطة بتقسيم الضفة مناصفة بين المستوطنين الكولونياليين الذين يشكلون 10% من السكان، والشعب الفلسطيني 90%. وقد شرعت قوات الاحتلال بحظر حركة انتقال المواطنين في الشوارع الخارجية بين المدن والقرى الفلسطينية، وقصرت استخدامها على المستوطنين، لتقدم بذلك ابشع شكل للفصل العنصري. وحتى لا يبقى شعب بأكمله بلا طرق طلب جهاز الامن الاسرائيلي الدول المانحة والبنك الدولي بتمويل شبكة طرق جديدة بطول-500 كم- للفلسطينيين، وبقيمة 200 مليون دولار.

وفي غضون الشهرين الاخيرين انضم 1100 مستوطن اسرائيلي للسكن في المستعمرات المقامة على الارض الفلسطينية. وفي الشهور التسعة الماضية من هذا العام انضم 12 الف مستوطن جلهم من الاصوليين العنصريين، بزيادة مقدارها 5% من عدد المستوطنين. اما حركة البناء فقد تم بناء 1097 وحدة سكنية في النصف الاول من هذا العام بزيادة مقدارها 20% عن السنة الماضية. ويوجد 3984 وحدة سكنية قيد البناء. الارقام السابقة تشير الى قيام الحكومة الاسرائيلية بتكثيف الاستيطان على الارض، والى خلق قوة جذب من الامتيازات لدفع اعداد كبيرة من الاسرائيليين للاستيطان في اراضي الدولة الفلسطينية الموعودة.

وكان مبعوث "الرباعية" الدولية -جيمس ولفنسون- قد ابلغ وزراء الخارجية "ان اسرائيل تتصرف كما لو انها لم تنسحب من قطاع غزة، وانها ترفض اتخاذ القرارات الصعبة وتفضل نقل الموضوعات الكبيرة الى لجان فرعية بطيئة الحركة". واضاف ان اسرائيل تعطل اتفاقات تتعلق بفتح المعابرامام حركة الناس والبضائع. وتمنع تنفيذ اقتراح البنك الدولي حول مرور المسافرين والبضائع ضمن قوافل بين الضفة والقطاع.

ويلاحظ ان اسرائيل لم تلتزم بحدود تفاهماتها مع الادارة الاميركية- خارج خارطة الطريق والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية - حول بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة في الاراضي الفلسطينية "باعتبارها امراً واقعاً يصعب تغييره". والاكتفاء بنقل 70 الف مستوطن ومستوطناتهم داخل اسرائيل وتلك الكتل. وكان من شأن الالتزام الاسرائيلي "بوعد بوش"، الشروع فورا بإزالة البؤر الاستيطانية الـ 120 المنتشرة في العمق الفلسطيني، ووقف البناء والتوسع في المستوطنات المزمع نقلها ووقف تمدد الكتل الباقية في محيطها. لم يحدث اي شيء من هذا القبيل. وما حدث هو العكس، وخاصة لجهة اغلاق المنطقة الممتدة بين مستعمرة معالي ادوميم ومدينة القدس العربية بتوسعات تفصل المدينة عن محيطها وتفصل الجنوب عن الوسط والشمال، وتقوض مقومات الدولة.

وما يحدث الآن هو تطبيق الفصل من طرف واحد، بدعم دولي مؤسس على اعتقاد ان الفصل الاسرائيلي يشكل جزءا من خارطة الطريق. وبين شد خطة الفصل ورخي خارطة الطريق ترجح الكفة الاولى. ولن تتغير هذه المعادلة بالمناشدات والدعوات الخجولة التي تطلقها الادارة الاميركية وتدعو فيها الى فتح معبر هنا والسماح بادخال >كونتينر هناك< وشق طرقات جديدة وتخفيف مضار الجدار وتخفيف عذابات الفلسطينيين. إن هذا الوضع يتطلب تدخلاً فلسطينياً من نوع آخر، يبدأ بالامتناع عن شراء الوعود او بيع الاحلام التي لا تملك رصيدا، ووقف اسلوب المناشدة والمطالبة الدائمة للذين يوصدون آذانهم ولا يحركون ساكنا ولا يحترمون وعودهم. ويمر عبر محاولات مثابرة لاختراق هذه المعادلة، وإعادة بناء عناصر الضغط والاولويات الداخلية والخارجية.

http://www.miftah.org