السير نحو نظام التفرقة العنصرية
بقلم: عطا القيمري
2002/10/15

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=52


فيما يتسلى وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعيزر بلعبة او بمسرحية إزالة الانوية الاستيطانية في الضفة الغربية، تتواصل مخططات الاستيطان المتسع في محيط القدس عزلا للقدس الشرقية وتقطيعا لأوصال الضفة شمالها عن جنوبها. وفيما تطرح مختلف انواع "الرؤى" والحلول عن الدولتين المتجاورتين المسالمتين، فان الحل لأزمة الشعبين يزداد ابتعادا.

بن اليعيزر لا ينوي ازالة الاستيطان مثلما ان شارون لا ينوي إقامة الدولة الفلسطينية المؤقتة التي لا يطرحها إلا لمجرد التكيف مع "رؤيا" بوش للحل بينما يؤدي تعميق الاستيطان الحقيقي في المستوطنات "الشرعية" حسب القرارات الحكومية الاسرائيلية الى تعطيل كل حل يقوم على اساس الدولتين.

ونحن أيضا رغم إصرارنا على حل الدولتين، فاننا لسنا مستعدين للقبول بمتطلباته القاسية. يمكن لسري نسيبه وعامي آيلون ان يخطا، واحد بالقلم وآخر بالرشاش، خط الفصل بين الدولتين الفلسطينية بلا يهود واليهودية بلا عرب، او الاحرى بلا عرب جدد - قدامى من اللاجئين العائدين.

ولكن هذا هو أيضا وهم آخر يتسلى به السياسيون الاحتياط في الطرفين، حيث أن اليهود في الدولة الفلسطينية - أي الاستيطان لن يزول، وذلك لأنه لن توجد في اسرائيل، على الاقل في المدى المنظور، أي قوة سياسية يمكنها ان تزيله دون أن تقضي على نفسها أولا وتحطم أسس الصهيونية التي تقوم اسرائيل على أساسها ثانية. كما أن الدولة اليهودية الصرف هذه سرعان ما ستتأزم مجددا محملة بأقليتها العربية المتزايدة باضطراد حتى تأكل هذه يهوديتها مع قدوم الزمن.

أي أن الحلول التي تقوم على أساس الفصل العنصري، عفوا الفصل على أساس الاختلاف القومي والديني، وضرب حدود جغرافية تميز بين الطرفي،ن لا تزال الحلول الوحيدة المطروحة على الساحة السياسية المحلية والدولية. وذلك رغم أن أفضل صيغة طرحت في ظل توازن القوى وملابسات السياسة الدولية، أي صيغة كلينتون التي ترى ما لليهود لاسرائيل وما للعرب لفلسطين، قد فشلت فشلا ذريعا وأسفرت عن هذه الأزمة التي نعيشها ولا نزال منذ ذلك العهد.

ومع ذلك، ليست الحلول هي التي نبحث عنها الان، اقصد الحلول الشاملة للنزاع. بل ان مجرد الحلول الآنية المؤقتة لازمة الصراع الناشيء الحالي، أي وقف العنف والاقتتال والتدمير والحصار بحيث يكون ممكنا العودة الى مسار التفاوض على الحلول العامة، غير ممكنة كما ثبت ذلك بفشل مهمات ميتشيل وتينت وزيني ومبادرات الاتحاد الاوروبي ورؤى بوش.

لقد ثبت على مدى الزمن في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ان الاستيطان من جهة والكفاح الوطني من جهة اخرى هما عاملان متلازمان لا ينفصلان عن بعضهما البعض بل يشترطا كل الاخر. فبينما لا تستطيع الصهيونية ان تتخلى عن نفسها إذ تتخلى عن الاستيطان، فان الحركة الوطنية الفلسطينية لا يمكنها ان تتخلى عن نفسها إذ تتخلى عن الكفاح.

وبقدر ما يعني المزيد من الاستيطان المزيد من الكفاح الوطني، فانه يعني المزيد من التداخل العنصري بين الشعبين، والمزيد من الابتعاد عن كل حلول تقوم على أساس الفصل بين الشعبين سواء في دولتين مستقلتين، بغض النظر عن نقائهما العنصري، أم بمبادرات من طرف القوي لوضع حد فاصل بين ما هو مضمون ومحسوم له وبين ما يسعى الى تهويده على المدى الابعد، ذاك الحد الذي يسمح بالرشح من اتجاه واحد، حيث تتسلل السيطرة الاسرائيلية في الطرف الاخر ويبقى هذا سوقا استهلاكية مفتوحة له، فيما يحظر على هذا الاخر النفاذ الى اسرائيل بأي تأثير كان.

ومع ابتعاد الحلول على أساس الدولتين، ومع تعمق الاستيطان الذي لا يتوقف، ومع تواصل الكفاح الوطني الفلسطيني الذي لن ينقطع بالضرورة، فان واقعا من التداخل والانفصال العرقي في ظل الانقلاب الديمغرافي المتواصل في صالح العرب في أرض فلسطين بحدودها الانتدابية، هو الذي يسير التاريخ في بلادنا نحوه. بمعنى أن واقعا من نظام التفرقة العنصرية - على نمط نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا هو الذي سيسود في العقد القادم في بلادنا.

وفي هذه الاثناء، فاننا هنا وفي العالم، سنواصل التعلل بوهم الدولتين للشعبين وذلك الى أن تتضح الصورة للجميع، في فلسطين وفي المنطقة وفي العالم، صورة نظام التفرقة العنصرية الذي تسود فيه الأقلية اليهودية في فلسطين وتتحكم بالاغلبية العربية تحت مسميات مختلفة.

عندها سيكون الحل في متناول الجميع. صوت واحد للفرد الواحد، ودولة المساواة والديمقراطية في كل فلسطين التي ستكون بلدا مفتوحة أمام كل من يدعي حق العيش فيها او يستطيبه، مثلما هو الحال في كل بلدان العالم المتمدن ولا سيما تلك القائمة على أساس استيعاب الهجرة مثل الولايات المتحدة.

*كاتب وصحافي فلسطيني، مدير مكتب "المصدر" للشؤون الإسرائيلية.

http://www.miftah.org