كيف نتدرّب على الحياة
بقلم: مفتاح
2008/4/1

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9092

تبتكر الرفاهية الغربية كل يوم ميولاً جديدة تتسرب إلينا تدريجياُ وعلى مراحل، وقد برز في السنوات الأخيرة إقبالّ كبير من الشعوب الغربية على ما يسمى " التدريب على الحياة" وكانت من أشهر فلسفات علماء الغرب في هذا المجال ما قاله العالم كارل يونج " سوف تصبح رؤيتك واضحة فقط عندما تستطيع النظر في أعماقك، فمن ينظر خارج نفسه إنما يحلم، أما من ينظر داخلها، فيستيقظ وينتبه."

ومن أجل أن تصل العرب جرعة جديدة من هذا التدريب، كان لا بد أن يحظى الرئيس الليبي معمّر القذافي، كما في كلّ قمة عربية، بنصيب من العناوين الرئيسية أو الصفحات الداخلية من صحف الوطن العربي، لأنه في كلّ مرّة يوقظ الحلم العربي الغائم بكثير من الواقعية وقليل من الجنون. إلا أنه، وفي واقعيته المجنونة، يكاشفنا بهلوسات غير معتادة أن تخرج من أروقة القمّة واجتماعاتها المغلقة. قال القذافي أن العرب يكرهون بعضهم، ويتآمرون ضد بعضهم، وأن لا شي يجمعهم سوى قاعة انعقاد القمّة، وأنهم لم يتمكنوا حتى الآن من إقامة كيان موحّد يجمعهم،لأنهم مشتتين ومتنافسين.،

وفي أقوال القذافي ما يكفي من الصحّة لأن يوافقه المواطن العربي الرأي. فنتائج القمة هذه المرّة أيضاٌ عادية ومتوقعة، لا شيء فيها جديد أو مثير للاهتمام، سوى أنها موتورة بشكل فاضح أكثر من كلّ قمّة، وقد طفى الشقاق العربي إلى السطح لدرجة أنه لا يمكن أن تحجبه أضواء المجاملات والبروتوكلات الاعتيادية أمام شاشات التلفاز في الجلسة الافتتاحية. ذلك أن الدول العربية التي تسمى ب" المعتدلة" في المنطقة، قررت أن تخفض تمثيلها في القمة، ليس لعدم اقتناعها بجدوى القمّة، بل لأن القمّة، هذه المرّة بالذات، وفي هذا الوقت العصيب في العلاقات مع الغرب، تعقد في دمشق المغضوب عليها.

فلسطين، ذهبت كعادتها في كل قمّة، من باب الأدب السياسي، ولأنها لا تستطيع أن تتحمل نفقة عدم الحضور، وخرجت بالقرارات والتوصيات التي تعد نجاحاٌ لدولة فلسطين في كل مرّة. هذا ليس مهماُ، فلدى الفلسطينيين ما هو أهم للتباحث، وهو الحوار الفلسطيني الداخلي الذي من المأمول أن يتخذ منحى جديّاُ إذا ما تضافرت الجهود الشعبية والسياسية لإنجاحه. وفي المفاوضات مع إسرائيل، شكك الرئيس الليبي في جدّيتها وجدواها، وبالفعل، فهي تراوح مكانها وتتأرجح ما بين الإصرار الأمريكي على تضخيم الحقائق واعتبار أن إسرائيل تقدّم تنازلات حقيقية على الأرض، للتبجح بالقول أن مثل هذه المبادرات حسنة النوايا ستحقق تقدّماُ في العملية السلمية فبل نهاية العام، كما تأمل إدارة بوش قبل نهاية ولايتها، وما بين الانجرار الفلسطيني إلى أيّة مباحثات تجري ولو على شقّ تمرة.

في القمّة، عندما ننظر إلى أعماقنا، نرانا هرمين في معاناتنا، أقوياء في أملنا، ومراهقين جدّاّ في سياساتنا، لذا دعونا لا ننظر إلى أنفسنا، فلم يحن الأوان للعرب بعد أن يتلقوا تدريباُ مهنياُ على الحياة.

http://www.miftah.org