نجحت إسرائيل في تكسير المبادرة
بقلم: مفتاح
2008/4/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9179

في مثل هذه الأيّام، وتحديداً في السادس من نيسان عام 1948، أرسل الشهيد عبد القادر الحسيني مذكرة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية حينذاك، قال فيها: "إني أحمّلكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح". واستشهد عبد القادر الحسيني، وسقط القسطل، وارتكبت مجزرة دير ياسين التي توالت بعدها سلسلة الأحداث التي قادت إلى نكبة الشعب الفلسطيني كله. والآن، في الخامس عشر من أيّار عام 2008، سنحيي الذكرى الستين للنكبة وسيحتفلون هم بعيد استقلالهم.

في مثل هذا اليوم بعد ستين سنة أو أكثر أو أقل، سيجد أطفالنا، عندما يراجعون الأرشيف القومي الفلسطيني، مراسلات ومحاضر اجتماعات عباس- أولمرت وفيّاض- باراك، وقريع- ليفني، وفي الملفّ الكبير للمبادرة العربية سيجدون، على الأغلب، ملفّاً أصغر بلون مختلف، هو ملفّ أعمال منتدى الدوحة الثامن للديمقراطية والتطوير والتجارة الحرّة، الذي يسجّل مشاركة تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية، و قد يتضمن الملف النص الكامل للمحاضرة التي ستلقيها عن الديمقراطية .

لنقل وداعاً وإلى الأبد للمبادرة العربية، فلن تحتاج إسرائيل، وأظنها لم تحتج يوماً أن تقبل المبادرة العربية أو تأخذها على محمل الجدّ، وقد تكون المبادرة عائقاً فعلياً في مواجهة جهود التطبيع العربية الإسرائيلية والفلسطينية الإسرائيلية. فقد استقبلت العاصمة القطرية-الدوحة - عام 2007 ، شمعون بيريس، عندما كان نائباً لرئيس الوزراء، ودعته يتجوّل براحته في الأسواق الشعبية بترحاب من المواطنين القطريين في الأسواق، وهم يلبسون زيّهم التقليدي و يبتسمون بكل أبهة للضيف الغريب. وهي الآن تستقبل ليفني في بادرة جديدة لتشكيل العلاقات بين البلدين.

قد يقول القائلون، انظروا، إذا كان العرب لا يلقون بالاً للأوضاع القاهرة التي يعانيها الفلسطينيون، ولا يضيعون أية فرصة ليتملقوا إسرائيل، كي يوصفوا بـ "المعتدلين" في المنطقة، فلنحاذر، ولنسابق نحن إلى اتفاق مبدئي يضمن لنا بعضاً من الحقوق قبل أن تتفكفك عُقد العلاقات الدبلوماسية العربية مع إسرائيل وتنفرط المسبحة كلّها مرّة واحدة، فنُساق كالقطيع للتوقيع على اتفاق إجرائي سريع يخلّص الأنظمة العربية من عقدة الذنب أمام شعوبها. وقد يقول آخرون، أننا، نحن الفلسطينيون، بأول إعلان مبادى مع إسرائيل، ومن ثم بإتفاق أوسلو، قد جررنا المنطقة كلّها وراءنا في الطريق إلى حديقة البيت الأبيض عندما وقعنا الإتفاق مع رابين، وهذه وجهة نظر أخرى. وربما تعود الذاكرة بالبعض إلى زيارة السادات إلى القدس واتفاقيات كامب دايفيد، باعتبارها أول إشارة إلى العلاقات العربية-الإسرائيلية التي تتكوّن حاليّاً.

أيّاً يكن، وبعيداً عن هذه الآراء وغيرها من وجهات النظر السياسية، ألم يان للقادة العرب، ونحن معهم، أن يتخلّصوا من هذه الشيزوفرينيا التي تجعلهم يتمسكون بالمبادرة العربية كخيار استراتيجي، يلوّحون بالتهديد بسحبه عندما تأخذهم "الفزعة" في القمّة العربية، ظنّاً منهم أنهم يلعبون بورقة رابحة، دون العلم بأن إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة قد اكتشفوا قبلاً أن الوقت كفيل بأن يطبق العرب جزأهم المتعلّق بتطبيع العلاقات دون أن تطبّق إسرائيل أياً من التزاماتها.

في الملف الكبير ذاته الذي سيطّلع عليه الجيل الفلسطيني والعربي القادم، سيجد أطفالنا رسالة من طفل غزّيّ إلى العالم كلّه يقول فيها: (إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتموني وأهلي في أوج صمودنا دون عون أو سند).

http://www.miftah.org