التّكْريد المعكوس
بقلم: خيري منصور
2008/9/20

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9740

حتى وقت قريب كان المقصود بتكريد الفلسطينيين، الحيلولة إقليمياً ودولياً دون قيام دولة مستقلة، فقد وعد الأكراد بالدولة منذ الحرب العالمية الأولى، ولم يكن عددهم قد بلغ الثلاثين مليوناً كما هو الآن.

وما نعنيه بالتكريد المضاد أو المعكوس هو ما تحدثت عنه واحدة من أكثر المقالات انتساباً إلى أدبيات التحريض، فقد كتب "إسترجاري" مقالة بعنوان "الفلسطينيون ليسوا أكراداً"، عقد فيها عدة مقاربات بين المسألتين الكردية والفلسطينية، وإن كان الحكم الذاتي هو المحطة الأهم التي توقف عندها قطار إستر بعد أن أصابه العطب، يقول إن الأكراد حصلوا على الحكم الذاتي في حرب الخليج الثانية عام ،1991 بينما حصل الفلسطينيون على الحكم الذاتي بعد اتفاقية أوسلو وبفارق عامين فقط.

الفلسطينيون كما يرى "إستر" لا يستحقون دولة مستقلة، لأنهم إرهابيون، وحتى المعتدل منهم والذي يحظى بقبول الدولة العبرية هو إرهابي أيضاً، ولا يصح أن يكافأ الإرهابيون بأية كينونة سياسية ذات سيادة، ثم يقدم قائمة بأسماء الدول التي قضت على الإرهاب بدءاً من اليابان التي قضت على الجيش الأحمر مروراً بإيطاليا التي قضت على "الألوية الحمراء"، وانتهاء بألمانيا التي قضت هي الأخرى على جماعة "بادر ماينهوف".

لهذا كان ينتظر من السلطة الفلسطينية بعد أوسلو أن تقضي على جذور الإرهاب، وهو لا يفرق على الإطلاق بين المقاومة والإرهاب، ما دامت النية قد حددت المسار، ووضعت الدبابة لا العربة أمام الحصان.

هكذا يقدم إستر جملة من القرائن والبراهين لإثبات صدقية أطروحته حول إبقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال، أو الوصاية على الأقل، فهذا هو اللجام الذي يشكم المتمردين والعُصاة، تبعاً لمعيار "قَرَوَسْطي" أخرق.

ومن سوء حظ الكاتب أن مقالته تتزامن مع تصريحات وداعية لأولمرت الذي قال وهو مُدبرٌ عن الحياة السياسية كلها بأن الحلم ب"إسرائيل" الكبرى قد انتهى، وأن الدولة الصهيونية ألحقت بالشعب الفلسطيني أذى لأكثر من أربعة عقود.

هذا بالرغم من أن الإنصاف حتى في حده الأدنى لا يأتي من قادة أمريكيين وصهاينة إلا بعد أن يتقاعدوا عن العمل السياسي وعن مناصبهم أيضاً.

وهذا ما فعله جيمي كارتر عراب كامب ديفيد، بعد أن أصدر كتاباً عن الفصل العنصري أغضب ساسة الدولة العبرية وجنرالاتها واللوبي اليهودي في نيويورك.

ولا ندري ما هو المطلوب من الفلسطينيين أن يقدموه لينالوا شهادة حسن السلوك من أمثال إستر؟ فهم دائماً أقل من شركاء في عمليات السلام التي أصبحت أشبه بما سماه هيرمان هيسه لعبة الكريات الزجاجية.

يبدو أن الفلسطينيين مطالبون بالتخلي التام عن الأرض والحق واللغة والذاكرة القومية كي يصبحوا مؤهلين للحياة، وهذا ما يفسر لنا متوالية الفرار الصهيوني من أية التزامات تفاوضية.

إن التكريد بشقيه التقليدي والمعكوس أصبح وتراً أثيراً لدى العازفين الصهاينة، والذين لم يعد هذا العزف يطربهم لفرط ما كرروه وأدْمنوه.

http://www.miftah.org