وقفة ٌ... بلا تناقضات
بقلم: مليحة نصار – أبو زيد-خاص بمفتاح
2008/10/25

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9850

كثيرة ٌهي تلك التناقضات التي نعيشها ... إلى حدٍ قد يصل ُبالإنسان للتصرف عكس ما يُريد أو عكس ما يؤمن به ... فما الذي يدفعنا لذلك؟ هل هي المصالح؟ أم الخوف؟ أم عدم القدرة على الدفاع عن مبادئنا وقيمنا أمام من يعارضنا؟ أو أنه تم إقصاؤنا حتى عن ذواتنا بشكل قسري أو اختياري؟ أم أننا نعرف الحقيقة ولا نتوجه إليها؟ أسئلة ٌ كثيرة تراودني ... وأعتقد ُ أنها جديرة ٌ بالتفكير لتشخيص كثيرٍ من المشاكل التي نواجهها على كافة المستويات وفي كافة المجالات في مجتمعنا وحياتنا اليومية.

نتحدث كثيراً عن الديمقراطية ونحن لا نمارسها... نتحدث عن حقوق الأطفال ولا نعطي أطفالنا حقوقهم كي يعيشوا حياة طبيعية ... نحاور ُ ونناقش ُ في أمور كثيرة تخص المرأة وحقوقها ولا نستطيع إنصافها... نتشدق كثيراً في السياسة ولا نحقق إنجازاتٍ ملموسة على أرض الواقع ... نعتبر أنفسنا خبراء في كثير من المجالات ولم نسجل أية اختراعات ولم نخرج بأي نظريات ... ننتقد الآخرين وننسى انتقاد أنفسنا... نتحدث عن الحوار والتفاهم بين الفصائل والمجموعات المختلفة ونقمع أطفالنا ومن حولنا إن عارضونا في رأي أو خالفونا... نرفع شعاراتٍ مزخرفةٍ و رنانةٍ ولا نمارسها أو ندافع عنها...

والعديد العديد مما نحن فيه وعليه من تناقضاتٍ تؤرّقنا وتخل اتزاننا وتبعدنا عن صفاتنا الإنسانية الجميلة والبسيطة ... والتي تعقدت وتراكمت... وبعضها فقد ... كنتيجةٍ حتميةٍ لما نظلم به أنفسنا ونمارسه يوماً بعد يومٍ خلاف ما قد يجب فعله وبما لا يتناسق مع شعورنا بأن ذلك هو الصواب... والذي قد يجعلنا أكثر راحة ويقربنا من أنفسنا لنحيا بواقعيةٍ وسلام أمام المحيطين بنا في البيت والعمل والمجتمع والعالم بأسره.

قد ينظر إلى ما تم طرحه على أنه نوع من المثالية... أو طرح غريب لا يتماشى مع السياسة أو المنطق أو الممارسة العملية... لكن ما عنيت هو أن نتصرف بشكل طبيعي وبسيط... فلا نعقد أو نغالي في أمور تافهة ... أو نقلل من شأن ما هو رفيع وسامي ويستحق العمل والنقاش والاهتمام... ما أقصد هو أن نطبق ولو خمسين بالمائة مما نطرحه على الآخرين... ما أعنيه هو أن لا نعلق أخطاءنا وعجزنا على أطراف أخرى أو نعزيها دائماً لظروف قاهرة... وما أقصده هو أن نقترب من ذواتنا أكثر ... بل ونحاسب أنفسنا ونقيمها ونكافؤها أو نعاقبها ... أن نعيش بسلام مع داخلنا قبل أن نتطلع إليه من الآخرين... أن ننعش ضمائرنا من وقتٍ لآخر... أن نعترف بأخطائنا ونحاول تصحيحها ... أن نفكر في مصالح الآخرين كما نفكر في مصالحنا ... وأن نعرف الحدود التي تتحقق فيها اهتماماتنا ومصالحنا دون التعدي على ما هو للآخرين.

فإذا حاول كل واحدٍ منا تمرين نفسه على هذه الممارسات... فإننا قد نقترب من الحقيقة أكثر ... ونرى أنفسنا بشكل أوضح .. وبالتالي سنكون حياديين ومنطقيين وأقدر على تشخيص مشاكلنا بأيدينا .. فتشخيص المشكلة هو نصف حلها.

معظمنا يعرف الحقيقة والصواب ويبتعد عنهما ... نرى الخطأ بأم أعيننا – ونظراً لاعتباراتٍ معينة - نقر بأن ذلك عين الصواب.

فلننفض هذه التناقضات ... ولنتجرأ معاً على قول الحقيقة ... ولنتعاون معاً في نقد ذواتنا ... كي نعيش بقدرٍ من الواقعية... ونبني أساساً وأملاً لأجيالَ لاحقة فقدت الأمل وسيطر عليها الإحباط... واختلطت عليها الأمور بشكلٍ لا يحتمل ... فتغيرت لديها الأولويات وتبدلت عليها الأحوال ... وتناست كثيراً من القيم والأخلاق... والتي وإن صلحت صلحت الأمة بأكملها... وتضاربت المصالح وانقلبت الموازين رأساً على عقب... ليصبح الجميع تائهاً ويعيش زمن يومه دون إحساسٍ به... وينظر إلى يومه التالي بلا تخطيط أو أمل.

http://www.miftah.org