يصعب على الذاكرة أن تستعرض شريط الأحداث اليومي، الدامي لسيناريو الحرب الدائرة ظلماً على قطاع غزة، غزة الموجوعة، الباكية ظلماً والمأسورة بقيدٍ دامٍ، ما تزال نيران الحقد الصهيوني مستعرةً لليوم الثامن على التوالي، لم يتوقف القصف الجوي على منازل المدنين، ولم ينم السكان لحظة,,!! فكل ربع ساعةٍ غارة جوية، وبين الغارة والغارة غارة، وشهداء يرتقون إلى العلا، وجراح مفتوحة للألم الذي أوغل سكينه المسمومة في الخاصرة، كيف يهنأ المواطنون بلحظة أمان، فالنوم أصبح مفقوداً، والمضاجع مفتوحة للبرد القارص، مشهد صعب بكل تفاصيله، فعن أي شيء تتحدث ؟! عن الشهداء؟ أم النساء؟ أم المرضى والمسنين؟ أم عن الطفولة المبتورة ؟!
مليون سؤال وسؤال يجول وفي المخيلة، أسئلة فتحت كل أبواب الاحتمالات على العبث، نعم وبكل أسف، الوضع من سيء إلى أسوأ .. ككرة الثلج كلما تقدمت متراً زاد حجمها، وأمام هذا وذاك لا يملكُ شعبنا إلا خياراً واحداً، لن ينكسرَ في وجه العاصفة، ويبقى نخلاً مرفوع الرأس أمام الريح، فالريح وان تسارعت قوتها، وعصفت بأزيزها المقيت، إلا أنها لا تلبثُ أن تنكسر، لأن هذا الجذع الكنعاني يأبي أن يطأطئ الرأس في وجه أي عاصفة مهما حملت معها من نذر الشؤم . بكل أسف كانت صور الشهداء الواردة من قطاع غزة التي تناقلتها شاشات التلفزة مؤثرة أكثر من كل الأيام الماضية، فمعظمها صور أطفال لم يتجاوزوا العاشرة، رأيتهم يستشهدون، أمام عدسات الكاميرات، لله درهم، لم يكن ذنبهم إلا أنهم فلسطينيون، ربما كان قدري أن أشاهدَ تلك الصور لأن وقت التلفاز لم يعد مفتوحاً كما كان، فأطفالي وأطفال الضفة الغربية كأطفال غزة وإن فصلت بينهم أسلاك شائكة، وحقول ألغام، بدءوا يعانون مما يشاهدون ويصابون بحالات ذعر، وقلة نوم، مما يشاهدونه عبر الفضائيات، شاهدوا أيادي مقطعة وأطرفا مبتورة، وأشياء يصعب على الأقلام أن تكتبها. الآن أصبح من المحذور عليَّ أن أشاهد التلفاز والأطفال الصغار بالجوار، لذلك أحاول أن أختلس لحظة هنا، ولحظة هناك، دقيقة هنا، وبضعُ دقائق هناك، كي أكون متوصلاً مع ما يجري هناك في غزة حيث المحرقة تحرقُ نصفنا الآخر..!! تجاوز العدوان على غزة اليوم الحادي عشر ، والكل ينتظر يوماً أخر لعل فيه الخير، لكن بشائر الخير أصبحت مفقودةً، فما يصلنا من أنباء مذهلٌ حد الإغماء، آخر الإحصاءات الواردة من قطاع غزة نفيد " بأن عدد الشهداء تجاوز والجرحى بالآلف ، 35 % منهم من الأطفال، والأرقام في تزايد كل دقيقة، مرعبة هذه الأرقام بكل تفاصيلها، وما هو مرعب أكثر هو ارتفاع عدد الأطفال الشهداء، إذا كانت هذه الأرقام تذكرُ الشهداء فما حال الأحياء، بالتأكيد هم ليسوا بأحسن حال، الأطباء العاملون في مستشفيات القطاع والطواقم الطبية منهكة وهي تعمل ليل نهار بالإمكانيات المتواضعة، والمنازل قسم كبير منها قد دمر، وباقي المنازل محطمة الزجاج مفتوحة للريح وللبرد القارص بفعل غارات الطيران الحربي الصهيوني، الكل في حيرة والجو الآمن الذي تتحدث عنها النظريات الاجتماعية والنفسية أصبح كسراب في صحراء قاحلة..!! الأيام الماضية تسابقت الفعاليات الفصائلية ومؤسسات المجتمع المدني في مدينة قلقيلية بالضفة الغربية لعقد اجتماع لها في مبنى محافظة قلقيلية ترأسه العميد ربيح الخندقجي محافظ المحافظة، نخب من قيادات العمل الوطني تسارعت لتقدم المستحيل لغزة، جلسوا موحدين، تجمعهم وحدة الجرح، رفضوا حدود الفصائلية المقيتة، وأكدوا على عدم القبول بأية راية حزبية غير العلم الفلسطيني يرفع في الفعاليات التي سوف تجري في المحافظة، العلم الفلسطيني وحده بألوانه الأربعة المعروفة هو مرجعيتنا، تلك النخبة من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين وقادة الرأي، اقترحت برنامجاً يعج بالفعاليات القيمة، للدعم والمساندة، وللحق كل المقترحات أذهلتني لأنها تدل على عمق انتماء ورقي في التفكير، من بين الاقتراحات التي جعلتني اذهب بعيداً معها ما طرحه رائد عمر مراسل وكالة معاً في المحافظة، الذي اقترح بأن يقوم أطفال قلقيلية بتقديم العاب ودمى كهدايا لأطفال غزة ترسل عبر الصليب الأحمر الدولي، وللحق فإن كثيرا من الاقتراحات تناولت ما سيفعله أطفال قلقيلية من أجل أطفال غزة . قد يتساءل البعض هل لدى أطفال غزة الوقت للعب بالدمى ؟! الاقتراح برمزيته يحمل معه آية من الجمال، يحمل ترانيم لفجر نقي، أطفالنا برغم الموت، وبرغم الدمار، من حقهم أن يعيشوا طفولتهم التي كفلتها لهم كل المواثيق والأعراف الإنسانية، ولأننا شعب اعتاد أن يروض المستحيل كي لا ننكسر أمام العاصفة الهوجاء فمن حقنا أن يعيش أطفالنا اللحظة بجماليتها حتى لو كانت وسط بحر من الموت، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! هذا جيل الطفولة هو من سيحمل الراية ليسير بها نحو القدس، ليرفع طفل أو شبل من أشبال فلسطين العلم الفلسطيني فوق أسوار القدس وكنائس القدس، ومساجد القدس..!! كلمات الشهيد الخالد ياسر عرفات قبل أعوام أثناء قيام قوات الاحتلال بهدم وتدمير مدن وقرى ومخيمات بالضفة الغربية. منذ الأيام الأولى للعدوان الشيطاني على غزة جلت أماكن في قلقيلية، والتقيت عدداً من الأطفال، استمعت بإمعان لما قالوه عن العدوان ودونت بعضاً منه، إذ لا يمكن لك أن تهملَ حرفاً من حروفهم، للأمانة شعرت أنني احدثُ عظماء، رغم صغير سنهم، لقد أرسلوا حنينهم، وأشواقهم لأطفال غزة، قالوا لهم من خلف الجدار والأسوار التي تحيط بهم من كل الاتجاهات، قالوا ما تعجز الكلمات عن وصفه، وتجف المحابر من هوله، قالوا إنا معكم، كرروها مرات ومرات عبر الهواتف والنقالات، بكل براءة قالوها، ممزوجةً مع عطر الطفولة أرسلوها، لتصل هناك إلى مكان المحرقة، كي تداوي جرحاً مفتوحاً، فبالأمس كان أطفال غزة يرسلون أشواقهم ويعبرون عن تضامنهم مع أطفال قلقيلية أثناء الاجتياحات الصهيونية المتكررة للمدينة، هم الأطفال الرجال، يتضامنون بعضهم مع بعض برغم كل الحدود المصطنعة التي وضعها الاحتلال، فكل الاحتلالات زائلة لا محالة، ويبقى الوطن حضناً دافئاً لهم، فهذه هي رسائل أطفال قلقيلية لكم يا أطفال غزة، رسائل من تحت الحصار إلى المتواجدين تحت النار، فكونوا دائما في الانتظار دائما، صوتهم الطفولي الفلسطيني حتماً سيصلكم، وإن تجاوز الظالمون المدى ..!! اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|