ممتاز كان العمل العربي المشترك على مستوى وزراء الخارجية في نيويورك هذا الاسبوع بهدف دفع مجلس الأمن الى تبني قرار يطالب بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة وانسحاب القوات الاسرائيلية، ويدعو الى نشر قوة مراقبين دولية لرصد تنفيذ وقف النار وآلية فاعلة لمنع قيام «حماس» بإطلاق الصواريخ من غزة ولضمان عدم تهريب الأسلحة اليها وفتح المعابر الى غزة ورفع الحصار عنها.
الهدف الرئيسي كان وقف الفتك بالمدنيين وانقاذ أطفال غزة من عشوائية الحرب البائسة، من دون خوض في مَن كان البادئ ومَن أفرط في استخدام القوة العسكرية بعقاب جماعي للمدنيين. فالجميع يتفق على أن البادئ باستدعاء الحرب هي «حماس» وأن اسرائيل هي المفرطة باستخدام القوة لتحقيق هدف «القضاء على الإرهاب، وليس القضاء على حماس»، كما قال الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز، وان اسرائيل أرادت عملية عسكرية مفتوحة زمنياً لتستكمل أهدافاً مطاطية وغامضة. الإدارة الأميركية ورطت نفسها بتبنيها المنطق الاسرائيلي حتى بكلفة مدنية باهظة. وهذا ما جعلها تسيء تقدير المواقف العربية التي أتى بها وزراء الخارجية العرب الى الأمم المتحدة، فتصرفت بعجرفة وبثقة ليست في موضعها بدت عليها ملامح الإفلاس أخلاقياً وديبلوماسياً وهي ترفض مجرد فكرة اصدار قرار لمجلس الأمن بوقف النار وتحديد اطار زمني للانتهاء من العمليات العسكرية. فرنسا، من جهتها، ضاعت في مبادراتها وأضاعت معها آخرين بينهم مصر التي قرر رئيسها حسني مبارك - بإيحاء من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي - اطلاق مبادرة من القاهرة فاجأت حتى وزيري خارجيتهما اللذين كان أحدهما في نيويورك والآخر في طريقه اليها. انما المفاجأة الكبرى أتت لوزراء الخارجية العرب الذين كانوا في خضم التفاوض على صيغة لمشروع قرار لمجلس الأمن يكسب دعم أعضائه لاستصدار دعوة لوقف النار وإنشاء آلية مراقبة وتحقيق أهداف إعادة فتح المعابر بقرار دولي وبديبلوماسية مجلس الأمن بعدما فشلت صواريخ «حماس» في تحقيق هذه الأهداف التي قالت إنها وراء رفضها تمديد التهدئة. وعلى رغم الاندهاش، اسرعت الديبلوماسية الفلسطينية والسعودية والأردنية والليبية والإماراتية والمغربية الى التقاط الأنفاس، فاعتبرت المبادرة المصرية مكملة للتحرك العربي في مجلس الأمن، وأصرت على المضي بمشروع القرار في المجلس بموازاة مع حركة القاهرة بأمل أن يفضي احدهما الى وقف النار. وهكذا فعلت الديبلوماسية المصرية أيضاً بإعلانها أن التحركين يكملان بعضهما بعضاً. وقاد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل مع وزير خارجية ليبيا العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن عبدالرحمن شلقم الاستراتيجية العربية بإصرار على استصدار قرار للمجلس وباستعداد لتلبية مطالب التعديلات بما يضمن دعم الأصوات التسعة الضرورية لتبني أي قرار. وهكذا تم زج الإدارة الأميركية في الزاوية وتضعضعت الاستراتيجية الأميركية والأوروبية التي راهنت على عدم توافر دعم التسعة أصوات ووجدت في ذلك انقاذاً لها وورطة للعرب. مع حلول ليل الأربعاء، بدا العكس هو الصحيح عندما وافق الوزراء العرب على تعديلات تقدمت بها النمسا والمكسيك وكوستاريكا وفاجأوا الوفود الأميركية والأوروبية بهذه الموافقة. حتى بريطانيا وفرنسا وجدتا صعوبة في الامتناع عن التصويت على مشروع القرار العربي المنقح والمعدل. وحتى الوفد الأميركي شعر أن عليه الانتظار حتى اليوم التالي، يوم التصويت، ليرى ما هي التطورات على الأرض وإن كان هناك مجال لإعادة النظر. وزير خارجية ليبيا قال لوزراء خارجية الدول الثلاث، الأميركية كوندوليزا رايس والفرنسي برنار كوشنير والبريطاني ديفيد ميليباند إن الكرة في ساحتهم وأن مَن يستخدم الفيتو هو المسؤول عنها، وليس العرب. لو سمحت الولايات المتحدة لمجلس الأمن أن يتبنى قراراً كهذا تكون إدارة جورج بوش قررت ألا تهدر فرصة نادرة تترك لجورج بوش سمعة وسيرة تاريخية غير تلك التي تخلفها مراقبته مذبحة أطفال تمر بلا رمشة جفن بسبب هوسه بمحاربة الإرهاب. حتى ولو كان تصنيفه لـ «حماس» في خانة الإرهاب هو الذي يسيّر تفكيره، ان جورج بوش لن يتمكن من نفي واقع ما خلّفه الاحتلال وسياسات اسرائيل ذات النزعة الاحتلالية في غزة حتى بعد انسحابها انفرادياً من القطاع. واقع الأمر هو أن اسرائيل هي التي خلقت «حماس» لتقويض منظمة التحرير الفلسطينية، وهي التي تحرص على استمرار «حماس» لتكون شريكاً لها في تقويض السلطة الفلسطينية الساعية الى تحقيق رؤية الدولتين عبر التفاوض، تلك الرؤية الذي قال جورج بوش إنها رؤيته. لقد انطوى مشروع القرار العربي على فرصة اختتام جورج بوش ولايته بقرار يتوّج ما كان قد بدأ ولايته الأولى به لجهة رؤية المفاوضات لحل الدولتين ويسحب البساط من تحت أقدام «حماس»، مما يتماشى مع تعهده بإحباط الفصائل والميليشيات والمنظمات الرافضة لحل الدولتين. فالقرار هو فرصة لإنشاء واقع جديد على الأرض يكبّل قدرات «حماس» بمراقبة دولية وبضمانات ويعيد «السلطة الفلسطينية» الى غزة. ثم ان سماح إدارة بوش بتبني قرار كهذا يعطي إدارة الرئيس المنتخب باراك أوباما دفعة نوعية إذ يتركها في حال ثقة وليس في وضع الدفاع. فالولايات المتحدة برمتها ستعتبر المسؤولة عن إجهاض قرار وقف النار مهما اعتقد البعض أن الزمن الضائع بين الإدارتين هو الفرصة لفرض أمر واقع بلا محاسبة. ولذلك، لو قرر جورج بوش تقديم أرضية تفاهمات الى باراك أوباما، لوجد أن فرصة قرار لمجلس الأمن هي المواتية لتدشين صفحة علاقة سلمية بين الولايات المتحدة والعالم عشية تولي باراك أوباما الرئاسة، بمساهمة وكهدية من الرئيس المغادر. أما إذا وقع الرأي على مغادرة جورج بوش للبيت الأبيض رافعاً العلم الاسرائيلي والانسياق وراء ما تمليه اسرائيل حتى ولو أدى الى العداء مع أكثرية الدول العربية والى انتفاضة ضد الولايات المتحدة في بقعة حيث المصالح الأميركية تشمل القواعد العسكرية، فإن الرئيس الحالي يورط الرئيس المقبل ومعه الشعب الأميركي ورطة أعمق. فأن تقوم المملكة العربية السعودية بقيادة جهد كالذي بذله الأمير سعود الفيصل في نيويورك لاستصدار القرار انما يعكس جدية حاجة الاعتدال العربي الى توقف الولايات المتحدة عن الانصياع لاملاءات اسرائيل التي تخدم التطرف وتكافئه تكراراً. فالذي غاب عن اجتماعات وزراء خارجية «لجنة المتابعة» العربية هو وزير خارجية سورية. بل ان السفير السوري لدى الأمم المتحدة قاطع الاجتماعات ولم تتمثل سورية فيها على أي مستوى. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي توجه الى دمشق وطلب مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد للتأثير على «حماس» التي تستضيف دمشق قيادات لها. أيام مرت من دون أية نتيجة، وهو ما تطابق مع الرغبة الاسرائيلية في المزيد من الوقت قبل وقف النار. بالطبع «حماس» بدورها استمرت في اطلاق الصواريخ وبالتالي ليست اسرائيل وحدها مَن ساهم في اطالة الحرب وماطل في وقف النار. ساركوزي توجه الى الرئيس المصري حسني مبارك بموازاة توجهه الى الرئيس السوري والقيادة القطرية والقيادات التركية لاستخدام نفوذهم مع «حماس» وإقناعها بالليونة. هذا التكتيك ساهم في الاطالة والمماطلة لأن ساركوزي كان يلعب في مجلس الأمن لخدمة لعبته في المنطقة وهو يسعى الى تحقيق اختراق على يديه يكسب له مكانة. بمثل هذا التكتيك أساء الرئيس الفرنسي الى رئاسة مجلس الأمن إذ سخّرها لجهوده ومساعيه الشخصية وساهم في تشجيع سورية وقطر على الاعتقاد بأن إفشال الجهود العربية في مجلس الأمن سيؤدي الى إحياء أدوارهما في المنطقة كقناة سورية ضرورية للتأثير أو كاستضافة قطرية لقمة عربية أرادتها الدوحة. وساهم ساركوزي في عملية شراء الوقت لاسرائيل عبر الرسائل المتناقضة والمبعثرة التي بعثها من المنطقة وعبر وزير خارجيته برنار كوشنير، تارة ابرازاً لأهمية مجلس الأمن الذي تترأسه فرنسا هذا الشهر، وتارة معارضاً اصدار قرار عن المجلس، ودائماً ضائعاً - لربما عمداً - بين نيويورك والعواصم. لربما تأتي المبادرة المصرية التي أوصى بها ساركوزي لمبارك بنتائج ايجابية وتقبل اسرائيل والفصائل الفلسطينية بوقف نار فوري لفترة محددة ما يتيح فتح المعابر ويتيح لمصر مواصلة تحركها للتوصل الى وقف شامل ونهائي لوقف النار. وبعدئذ، ربما تسير الأمور على ما يرام تلبية لدعوة مصر لكل من اسرائيل والجانب الفلسطيني لاجتماعات عاجلة للتوصل للترتيبات والضمانات بما فيها تأمين الحدود ورفع الحصار وإعادة فتح المعابر. ولربما يكون السعي المصري للمصالحة بين السلطة الفلسطينية والفصائل ناجحاً. لا أحد سيحتج على ذلك النجاح. وفي حال النجاح سيستحق الرئيس الفرنسي - وليس فقط الرئيس المصري - الاعتراف بجدوى جهوده لا سيما وأنه ذهب الى المنطقة وقام برحلات مكوكية من أجل الديبلوماسية، ونجح. قد يقال: ما الخطأ في تحرك ساركوزي على ثلاثة أصعدة في آن واحد، الصعيد المصري، والصعيد السوري - القطري ومعه التركي، وصعيد مجلس الأمن؟ لا خطأ في ذلك لو كان هناك تكامل مع الجهات الثلاث. واقع الأمر أن ساركوزي لعب على التناقضات وهذا رهان صعب عندما يكون ضحايا الأمر الواقع مئات المدنيين من نساء وأطفال ورجال. الأمم المتحدة لعبت دوراً مهماً في الأزمة الانسانية وقامت وكالات الإغاثة، لا سيما الانروا، بدور فعّال. الأمين العام بان كي مون اتخذ مواقف جريئة وأخلاقية سياسية وانسانية، كذلك وكيله للشؤون الانسانية جون هولمز. وكذلك جان غنغ، مدير عمليات «انروا» الذي نقل صورة الوضع الانساني ببلاغة وعاطفية. انما مجلس الأمن يبقى بوصلة الأمم المتحدة في تحمل مسؤولياتها وهو هيئة يفترض أن تتسم بالهيبة الأعظم. تخاذله أو إفشاله فيما صور الأطفال المدفونين أحياء في الرمال ليس أمراً عابراً. انه نكسة للمنظمة الدولية وهو مخاطرة ومغامرة سيئة للدولة التي تتسبب في إعجاز المجلس وإفشاله. بالطبع، يمكن اللجوء الى الجمعية العامة لإبراز فشل تجمع الـ15 في مجلس الأمن. بغض النظر ان كانت الجمعية العامة - الهيئة لما يقارب مئتي دولة - مجرد منصة لا يستمع أحد للخاطبين فيها، فانعقادها لإبراز عجز مجلس الأمن بسبب فيتو أميركي أو تخاذل جماعي سيكون له أثر وتأثير. ولربما مجرد إعلان رئيس الجمعية اعتزامه عقد الجمعية العامة أثر على مداولات مجلس الأمن وكيفية تصويت الأعضاء فيه. مهما يحصل في مجلس الامن، فالاستراتيجية العربية كانت ممتازة وكذلك وجود وزراء الخارجية العرب والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في نيويورك للعمل على ابلاغ مجلس الأمن أن الغياب العربي عنه قد ولّى وأن التكاتف العربي في المطالبة بإجراءات هو عنوان المرحلة المقبلة. غزة محطة فائقة الأهمية اليوم، انما ما يحدث في مختلف طروحات التعامل مع غزة هو استثمار في كيفية التعاطي مع «السلطة الفلسطينية» مقابل «حماس» ومع خيار حل الدولتين ومع مستقبل الاعتدال والتطرف في المنطقة. اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
لنفس الكاتب
تاريخ النشر: 2009/5/30
تاريخ النشر: 2009/5/23
تاريخ النشر: 2009/5/16
تاريخ النشر: 2009/4/25
|