لن أخوض في تفسيرات السياسة، لن احلل أو انقد البعد الحالي للأحداث التي تدور في قطاع غزة، فهذا عمل صانعي ومنفذي السياسة والمحللين والناقدين منهم.. سأترك الحاضر قليلا فهذا شأنهم، وسأكتب عمّا سيأتي لاحقا، وعن التاريخ الذي مضى فالتاريخ مرآة ما سيأتي.
سموها محرقة غزة، مجزرة غزة، أو أزمة غزة. تعددت التسميات والنتيجة واحدة، مرحلة يمر بها جزء من أجزاء هذا الوطن المهترىء والمفتت أصلا مرحلة زمنية لها بدايتها وأحداثها وسيكون لها نهايتها القريبة جدا شئنا أم أبينا، نهاية رضينا بها أم لم نرضَ فهي قادمة أو مفروضة علينا. المنتصر سيخرج ليقول انتصرت وكلهم منتصرون. لن أضع الجاني بجانب المجني عليه ولا الجلاد بجانب من تحت السوط، ولكن هذه حقيقة واقعة ستظهر بعد حين ، ستخرج المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لتقول انتصرنا ومعهم حق فأناس لا يملكون حولاً ولا قوة واجهوا وحاربوا وصمدوا في وجه أكبر وأحدث جيش في الشرق الأوسط ، انتصارهم في صمودهم، في تحريكهم لشعوب العالم التي كنا سنلعن موتها وليس فيما أحدثوه . والآخر انتصر أيضا بفرضه وقائع على الأرض كان مخططاً لها سابقا، فإسرائيل الآن نجحت في تقسيم المقسّم وتجزئة المجزأ الغزاوي، في تشتيت الفلسطينيين ليس إلى جزئين فقط، ليس في ضد أو مع، بل إلى ضد ومع ولا أعرف ولا يهمّني ولي حصتي حين يسود الهدوء، أجزاء تعددت والنتيجة واحدة؛ انتصار من يؤمنون بمبدأ فرّق تسد والنصر لك. لكن ...دعونا نتصور الحالة بعد خمسة عشر عاما ولعل هذه السنين كافية لتنشئة جيل جديد من الفلسطينيين أو من هم أطفال سيكبرون .. حاملين معهم هذا الكم الهائل من الغضب والعنف والقهر والانتقام. لنأخذ الأمور من ناحية فلسفية نفسية، فمعروف لدى أطباء النفس والمحللين النفسيين أن الأطفال الذي يتعرضون لازمات نفسية عنيفة في حياتهم وخصوصاً فيما يتعلق ببيئتهم القريبة من فقدان أهل أو بيت أو من رؤية مناظر الدم والقتل حتماً ولا بد أن تبقى هذا الأفكار معهم في عقلهم الباطن. ربما سيتناسونها ولكن ستظهر إلى السطح عاجلا أم أجلا على شكل ردود أفعال عنيفة قوية تجاه من أحدث لهم هذا الحالة، في العديد من الثقافات ترجمها العلماء إلى مصطلحات الانتقام .. الثأر.. رد الحق ولكن على الأقل كلها تصب في خانة واحدة – فعل قوي خارج عن العقلانية القانونية البشرية تجاه شيء أو شخص أخر سبّب هذا الحالة، ومن هنا يتحول هذا العنف النفسي الفردي إلى عمل جماعي ينصب في خانة ما يسمى في علم السياسة بالعنف السياسي أو المعارضة المسلحة التي تقوم به جماعات لها أيديولوجيات وأفكارها المبينة أصلا على قضايا رد الحق أو الثار أو التحرير فيما نسميه نحن الفلسطينيين مقاومة للاحتلال، والذي لا اختلاف في أصل مشروعيته الدينية والسياسية والقانونية والاجتماعية. إذ إن مقاومة الاحتلال حق فطري من قبيل دفاع الإنسان عن ملكه وعرضه وسبيلا لاستعادة الحق السليب والثار لما رسخ في العقل سابقا وكما هو معروف فالحريات والحقوق لا توهب وإنما تنتزع. إن العنف في مبدأ العام ظاهرة اجتماعية سياسية لم يخل منها دين أو أيديولوجية، وأشد العنف هو ما تقوم به إسرائيل اليوم في قطاع غزة ضد الأطفال والنساء والرجال وضد بيوت الناس، وأرزاق الضعفاء، وضد هوياتهم وكيانهم في إقصائهم من الحياة كلها. وهنا ما لا تعيه إسرائيل تماما، ربما انتصرت عسكريا، أقول ربما، ولكن لتنظر بعد خمسة عشر عاما إلى ذاك الجيل الغزاوي ذلك الطفل الذي استشهدت أمه وإخوته وبقي معهم تحت الاتقاد يتضور جوعا وينظر إلى أشلائهم .. الطفل الذي هدم بيته وشرد أهله مرة أخرى فهو بالأصل لاجئ، فلجأ إلى مدرسته "الاونروية" التي قصفت بعدها ليستشهد إخوانه جمعيا، تلك الطفلة التي دفنت شقيقتها حية بعد القصف، الطفل الذي شوه وحرق وتمزق جزء من أعضائه، هؤلاء الأطفال الذين تيتموا، شردوا واستشهد أقرانهم وذلك وذاك وتلك وكل هؤلاء لن نحصيهم حتى لا نظلم أحدا، ستبقى صور القتل والدمار والتشرد عالقة في ذهنه أبد الدهر لتتحول بعد حين إلى ردود أفعال لن تستطيع إسرائيل إيقافها أبدا، فمن يحمل هذا الغضب والعنف الآن سيترجمه إلى أضعاف مضاعفة من ثار يوجهه ضدها. فقد قالوا لنا الثورة يصنعها الجياع ... الثورة يكون وقودها من قُتل وتشرد وضاع حلمه، الثورة التغيير، لنلاحظ من خلال إعادة قراءة التاريخ ودراسة أحوال الشعوب والأمم، نتبين أن الظلم والقهر إذا تفشّى أدى إلى انهيار كل القواعد والأعراف والقوانين، وما ثورات الشعوب قديما وحديثا ضد المستعمر إلا تعبيرا عن الغضب والاستنكار والقهر ضد الباطل والعابث بأرواح الناس وبكرامة الشعوب والاستهتار بأقدارهم وحقهم في الحياة والوجود . للنظر الثورة الفرنسية، أنها ثورة الطبقات المحرومة من الامتيازات ضد الطغيان، والثورة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني الذي قتل وتجبّر، الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي الذي اغتصب أرضا وقتل أكثر من مليون شهيد، وحتى الثورة الأمريكية التي قامت ضد بريطانيا، كلها صنعها المحكومون بالاحتلال والعنف واليأس لتترجم إلى عنف مضاد لاسترداد حق مسلوب. وهنا تصنع إسرائيل بحربها على غزة ثورة اجتماعية نفسية قادمة من أطفال تغذّوا على الثأر، فمن سيوقفهم حينها إذا كانت إسرائيل اليوم بأسلحتها الفتاكة لم تستطع حتى إيقاف صاروخ بدائي الصنع؟ فهل ستستطيع ردع أناس حُمِّلوا بمبادئ الثأر يؤمنون بعبارة واحدة: يا قاتل عدوي أو شهيد، والتاريخ أثبت أن القوة الإنسانية أعظم وأقوي من القوة العسكرية. في الختام لن أوجه أية دعوات واحتجاجات لقادة إسرائيل، فلا يهمّني هؤلاء، جاء من جاء على سدة حكمهم، فأولهم سيدة حاقدة وآخرهم كان يوما ما رئيسا يرقد الآن في إحدى مستشفياتهم على أجهزة التنفس الاصطناعي، وعجباً لو ينظرون إليه ليعلموا مصيرهم القادم، هي دعوة فقط إلى الشعب الإسرائيلي للتفكير، إلى المجتمع الإسرائيلي بكافة شرائحه؛ أساتذته وطلابه ومحاميه وأطبائه وأهمهم إلى الأمهات الإسرائيليات، فقط تذكرن أنه عندما يقرر ابن إحداكن الضغط على زناد بندقيته ليقتل أحدا فاعلمي جيدا أن رفيق ذاك المقتول سيثأر له قريبا، وعندما تتصلي بابنك المجنّد في غزة لا تساليه عن سلامته قولي له عد يا بني يكفيك ما قتلت من أطفال عد حفاظا على أطفالك القادمين بعد خمسة عشرا عاما. اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
|