مفتاح
2024 . الإثنين 8 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
استوقفتني عبارة وردت في رسالة شخصية بعث بها الصديق القاص والكاتب محمود الريماوي، المقيم في عمّان، جاء فيها: {أود القول إن صورة الأجيال المبدعة الجديدة في فلسطين باتت غير واضحة ومختلطة. لا اعرف أحدا منهم بحكم السن والانقطاع}!!. وفي رسالته يطلب مني الصديق العتيق الريماوي (العون) في فتح منافذ للكتّاب الفلسطينيين المقيمين في البلاد تُطِّلُ على موقع (قاب قوسين) الثقافي الذي أنشأه في العاشر من شهر تشرين أول (أكتوبر) عام 2010، ليتسنى له نشرها على صفحات الموقع المذكور، والتعريف بكتابات الجيل الجديد من كتّابنا، بعدما نشر كتابات لعدد من الكتّاب الفلسطينيين المقيمين في البلاد، من أمثال: محمود شقير، محمد البطراوي، جمال بنورة، أسامة العيسة، وآخرين.

عادت بي هذه العبارة ثلاثين عاماً إلى الوراء. في مطلع ثمانينيات القرن الماضي كنّا نقيم في الكويت، ونعمل في صحافتها، وكنتُ آنذاك أُشَكِّلُ نافذةً للأصدقاء على المشهد الثقافي في الأراضي المحتلة، وبخاصة المقيمين منهم في الضفة الغربية، ومرجعاً للإجابة على أسئلتهم حول الحركة الثقافية في الداخل، حيث كنت (أتمتع بخاصية المواطنة فيها)!!

في تلك الأيام كنت أكثر قدرة في الإجابة على الأسئلة والاستفسارات المطروحة، وإن كنت آتي إلى البلاد زائراً بين صيف وآخر، وذلك لعدة أسباب، أوجزها بالآتي:

أولاً: إن عدد الكتّاب الفاعلين في الساحة الثقافية كان محدوداً، وبالتالي كان التعرّف عليهم، والوصول إليهم سهلاً.

• ثانياً: كانت المنابر الثقافية محدودة، كمجلة (الفجر الأدبي) و(الكاتب) و(البيادر السياسي) فضلاً عن الصحف المحلية، وكان هذا الأمر يُسَهِّلُ عملية الإطلاع على المنتج الثقافي الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وفي الوقت نفسه، الوصول إلى الكتَّاب أنفسهم.

• ثالثاً: كان الكتّابُ أنفسهم، من أبناء جيلي، يكبرني بعضهم بسنوات قليلة، وأكبر آخرين بسنوات أقل، فكانت اللقاءات أكثر ترحيباً وحميمية، وتفهما وجدوى أيضاً.

• رابعاً: ومن خلال اللقاءات الصحفية التي كنت أجريها مع بعضهم، كنت أفتح نافذة لهم يطلّون من خلال فضائها على العالم العربي، وبخاصة أن صحافة الكويت حينئذ كانت في أوج عطائها وبريقها وانتشارها. وهذا سبب يضاف إلى الأسباب السابقة. • خامساً: كان الهم الوطني في كتابات ذلك الجيل حاضراً بتجلياته المباشرة على حساب الهم الخاص، والتجريب المبالغ فيه، ما كان يشكل نقطة لقاء، لا نقطة تباعد وتنافر بينهم. • سادساً: حرصي البالغ على التواصل مع هؤلاء الكتّاب بالوسائل التي كانت متاحة لنا، وأذكر أنني كنت أرسل قصائدي من الكويت للصديق الشاعر علي الخليلي لنشرها في مجلة (الفجر الأدبي)، وكان يفعل ذلك.

لذا، عندما طلب مني الصديق الريماوي (العون) لا أدري إن كان طلبُه جاء من ذلك الباب، أم أنه جاء بسبب إقامتي في البلاد، وبالتالي افتراضه بأنني مُطِلٌّ على تفاصيل الحركة الثقافية عندنا؟! والأمر بالنسبة لي سيّان.

ما ورد في الحديث عن الأسباب التي كانت تجعلني (مُلِمّاً) بصورة المشهد الثقافي الفلسطيني و(مُطِلاً) على تفاصيله، قد تحمل العديد من المقاصد. وقد يعتبرها الجيل الجديد من كتّابنا نقداً للحال الراهنة، أو تقصيراً مني في محاولة الإلمام بصورة المشهد، والإطلال على تفاصيله.

لا شكَّ في أن أصواتاً أدبية جديدة قد ظهرت على الساحة الفلسطينية الداخلية، وهذه سُنَّةُ الطبيعة، وناموس الحياة. ولا شكَّ أيضاً أن تلك الأصوات لها تجربتها المختلفة عن تجربة جيلنا، ولها همومها المغايرة، خصوصيتها وارتباكاتها، وتمردها، لذا فأنا أتفق مع الصديق الريماوي فيما ذهب إليه من قول أن (صورة الأجيال المبدعة الجديدة في فلسطين باتت غير واضحة ومختلطة).

عندما بدأ جيلنا في الكتابة كنّا شديدي الحرص على (الاقتداء) بتجارب السابقين، قرأنا بعمق كتاباتهم، وحاولنا ملامسة فضاءات تجاربهم، كما حرصنا أن نقدم تجاربنا الخاصة بحذر شديد، وبِرَوِيَّةٍ زائدة. أن نجدد، نتمرد، نختلف، نشعل قناديلنا من زيتنا وزيتهم، لا أن ننقطع عنهم، بل نحرص على التواصل معهم، ونؤكد في كل مناسبة على عميق احترامنا لتجاربهم، ولجلالها.

من حق الصديق الكاتب محمود الريماوي، الذي أعرف حذره عن قرب شديد في إطلاق الأحكام، أن يُعبِّر عن الصورة التي خرج بها، ويقول بأنها (باتت غير واضحة ومختلطة) وأضيف و(ملتبسة أيضاً).

بعيداً عن التعميم، يعتقد (بعض) هذا الجيل الجديد من كتّابنا أن ظلماً كبيراً وقع عليه، لذا فهو يحاول أن يقيم (دولته) على أنقاض بناء شُيِّدَ خلال عقود، ارتكز البناءون في تشييده على تجارب بناء منارات إبداعية عَبَرَت القرون، لا استكمال البناء، والإضافة إليه. لقد تهيأ لهذا الجيل ما لم يتهيأ للأجيال السابقة عليه من نوافذ للنشر، هي أفضل بكثير من النوافذ التي تهيأت لجيلنا نحن. إن حضورهم في الصحافة المحلية – على سبيل المثال – يفوق حضورنا بكثير. كما أن فرص نشر كتاباتهم في كتب أفضل من تلك الفرص التي تهيأت لنا، ولدينا في رام الله مركز يولي أهمية في نشر الكتاب الأول للكاتب، وهو مركز أوغاريت الثقافي الذي يتولى إدارته صديقنا القديم الكاتب وليد أبو بكر. كما أن بيت الشعر الفلسطيني، الذي يديره حالياً الصديق الشاعر مراد السوداني، شكل نافذة أخرى لهم. يُضافُ إلى ذلك حركتهم في إقامة النشاطات الثقافية، والكتابة عن تجارب بعضهم بعضاً.

بأسى شديد أقول بأن هناك مَن يعمل على بناء (جدار فاصل) بين جيلين، بين عصرين، وبين تجربتين. ولا أريد أن أذهب إلى ما ذهب إليه العديد من الكتّاب الفلسطينيين، ومن الجيل العمري الذي جاء بعدنا بقليل من السنوات، عندما قالوا أن هناك مَنْ يريد قتل الأب وليس إطلاق النار عليه، لأن احتمالية النجاة في عملية إطلاق النار واردة!! هل هناك صراع بين جيلين؟! وهل هذا الصراع صراع تصالحي أم تناحري، على رأي كارل ماركس.

يعرّف ماركس التناقض التصالحي بأنه (التناقض الذي يتميز بكون كل ضد من الضدين، لا يفعل أكثر من نفي تماثله مع الضد الآخر. ولهذا، فمن طبيعته الجوهرية، أن يقود تطوره فقط إلى انفصال مؤقت ونسبي بين الضدين، داخل إطار وحدتهما. وحل هذا النوع من التناقض، يتم عن طريق إقامة شكل جديد أرقى للتماثل بين الضدين). أي أن هذا الشكل من أشكال الصراع يتم وفق قانون التناقض في إطار الوحدة. وأما التناقض التناحري فيعرفه بأنه (التناقض الذي يتميز بكون أحد الضدين ينفي الضد الآخر في وجوده ذاته، وليس فقط في تماثله مع الضد الآخر، كما هو الشأن بالنسبة للنوع الأول). ولهذا فإن التناقض التناحري يعني إلغاء طرف للطرف الآخر إلغاءً كلياً.

هل هناك مبالغة في توصيف واقع الحال؟! قد تكون. ولكن في المقابل لفتت هذه الظاهرة اهتمام الصديق الكاتب والناشر فتحي البس، وتناولها في مقالة نشرت له في صحيفة (الحياة الجديدة) بتاريخ 27/12/2010، بعنوان: (صراع الكتّاب، هل من مبادرة؟!). يستعرض الكاتب في مقالته نشاطين، الأول نظمه الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين ودار الشروق في الذكرى الثانية لرحيل الكاتب والصحفي عايد عمرو، ونظمت الثاني الجمعية الفلسطينية للثقافة والفنون "نوافذ" في قاعة دار الشروق أيضاً، حيث استضافت كاتبة شابة. وانصبت ملاحظة الكاتب حول الجفوة بين هؤلاء الشباب، واتحاد الكتاب. وقال: "ما فاجأني هو أنه لم يحضر أيّ منهم فعالية الآخر. جفوة لا تسمح بالتفاعل وتضر بالثقافة والمثقفين. في الاتحاد كما لدى الشباب كتّاب بحاجة إلى رعاية، وقبل ذلك كله بحاجة إلى المثابرة والمتابعة والإطلاع على التجارب المختلفة. ما يضاعف الحزن هو الفجوة بين معظم الكتاب. اتهامات متبادلة كثيرة. ما الحل للوصول إلى بيئة ثقافية مناسبة تسمح بالتطور؟ من المسؤول عن هذه الحالة؟".

في المقابل، حدّثني صديق من (الحرس القديم) كما أطلق عليه الصديق فتحي البس في مقالته المشار إليها، وقال: (كلفتني دار نشر أن أدير جلسة نقاش حول أحد إصداراتها لكاتب شاب، وكان المتحدثون من الكتّاب الشباب. فوجئت في اليوم التالي أن اسمي كمدير للجلسة قد أسقط من الخبر الصحفي الذي أعده أحد المشاركين، بينما نشرت مقتطفات من أوراق المتحدثين، وأسماؤهم). وأضاف: (بعد شهر تقريباً دعيت لتقديم قراءات شعرية، فوجئت بأن أحد الشعراء المشاركين قد احتج على إدراج اسم شاعر شاب في الدعوة، فأسقط الاسم، إلا أن الشاعر الشاب كان متواجداً في القاعة، وعندما دعيت للقراءة، استأذنت الجمهور، وقدمت ذلك الشاعر على نفسي، ثم قرأت من بعده، ولم ألتفت لتعليقات زملائي الشعراء، لأنني لم أرتكب عيباً).

لا أريد من خلال اقتباس قول صديقي تقديم إجابة على تساؤل الصديق فتحي البس، بقدر ما أريد الإشارة إلى الاختلاف في التفكير بين جيلين حول رؤيته للآخر في الثقافة الواحدة، واعترافه بوجوده أصلاً. وحتى عند الحديث عن دور الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، فإن الاتحاد، وهذا مُعْلَنٌ على رؤوس الأشهاد، لم تُصرِف له أي مخصصات من قبل الجهات الرسمية حتى يبادر في نشر الإبداعات الفلسطينية، وهذه المهمة من أسمى مهامه، بل إنها مدرجة على رأس سلم أولوياته. وفي استئذان للخروج عن النص، فإن الأمين العام للاتحاد، الصديق الشاعر مراد السوداني، محسوب على الجيل الجديد، وليس على (الحرس القديم) الذي أنتمي إليه، فهل يحارب نفسه؟!

أنا أتفق تماماً مع ما ذهب إليه الصديق الكاتب محمود الريماوي. ولا أختلف مع ما ذهب إليه الصديق فتحي البس، وأعتقد أن هناك معضلة حقيقية، وعلى المستوى الشخصي، وإن كانت تربطني علاقة صداقة مع العديد من كتابنا الشباب، ومع مدير (نوافذ) إلا أنني لم أتلقَ أي دعوة، ولا في أي يوم من الأيام، لحضور أي نشاط من الأنشطة التي تنظمها (نوافذ)...!!!

بالعودة إلى ما قاله ماركس حول مفهوم التناقض، أزعم أنه إذا نظرنا للتناقض من زاوية أنه تناقض تصالحي، يكون التناقض هنا صحيا، أما إذا نظرنا إليه من زاوية أنه تناقض تناحري، يكون صديقي قد صدق قوله عندما قال: "إنهم يريدون قتل الأب". وفي النهاية لا أدعي أنني أمتلك الحقيقة وحدي، أو من أمثل، في هذا القول كله.

مدونة الكاتب: http://blog.amin.org/sameeh/

.* كاتب وحقوقي فلسطيني، عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required