مفتاح
2024 . الإثنين 8 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
من المحيط إلى الخليج الجماهير العربية تغلي وبوادر التغيير أخذت تلوح بالأفق. وهناك من يحاول عرقلة التغيير بإفتعال معارك جانبية، تارة بإسم الدين أو المذهبية وتارة اخرى بإسم المناطقية أو القومية، ولكن كل هذه المحاولات لن تنجح في وقف حركة التاريخ ورغبة الشعوب العربية في القضاء على الفساد وقمع الحريات، وايضاً الإنتصار لكرامتهم التي تدوس عليها اسرائيل والولايات المتحدة يوميا إما بتهويد القدس أو ببناء المستوطنات أو بعدم احترام قادتهم وزعماءهم. في غضون عدة اشهر بدأت الخريطة السياسية في الدول العربية تتغير بسرعة، والآتي أعظم.

تواجه منطقة الشرق الأوسط هذه الايام اكبر تحد لها منذ أكثر من قرن، فبعض دولنا تواجه التقسيم ودول أخرى تلوح فيها بوادر الحروب الاهلية والمذهبية والأمور تتطور وكأنه تم الإعداد لها قبل اكثر من ثلاثة عقود. ومع ذلك فإن ثورة تونس أكدت وجود بارقة امل وأن الشعوب العربية ليست قطعان من الغنم أو الماشية تساق إلى الذبح بدون مقاومة.

لقد ظن واضعوا الإستراتجيات في بعض الدول العربية أنهم إذا اخرجوا اسرائيل من المعادلة فإن الأمور سوف تصير إلى الأحسن في دولهم، غير أنهم نسوا بأن اسرائيل منذ نشاتها تعيش على عذاب ومشاكل الآخرين، وأن هذا هو أحد الاسباب الرئيسية لوجودها في المنطقة.

ولا نظلم الرئيس الراحل انور السادات عندما نقول أنه اقترف أكبر خطأ إستراتجي بحق السياسة المصرية الداخلية والخارجية عندما وقّع بمفرده على معاهدة كامب دافيد للصلح مع اسرائيل وترك فلسطين مثخنة بالجراح تصارع التنين الإسرائيلي لوحدها. لقد حذر الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد الرئيس السادات من مغبة مثل تلك الخطوة، شارحا له ابعادها الخطيرة على مستقبل مصر والمنطقة، ولكن النصيحة لم تلق آذاناً صاغية وكانت قطيعة بين مصر وسوريا استمرت عدة سنوات ولم يلتئم الجرح كليا حتى يومنا هذا.

ثم أخطأ السادات عندما تقرّب من المتطرفين لاعتقاده أنه بذلك يضعف العروبيين واليساريين والشيوعين. لم يأخذ السادات في الحسبان العواقب البعيدة المدى لمثل هذه الإستراتجية التي بنيت على حسابات خاطئة من أولها إلى أخرها. فلا اسرائيل تركت مصر لتعالج شؤونها وتطور اقتصادها وتنعش شعبها ولا المتطرفين تركوا مصر لحالها. وكما فعل السادات في السبعينات واوئل الثمانينات عندما حاول إستغلال الشعارات الدينية الحماسية للتسويق الداخلي فإن بعض قادة الدول العربية حاولوا أن يلعبوا نفس الدور بالتسويق لبعض شعارات المتطرفين ظناً منهم أنهم بذلك سوف يسحبون البساط من تحت اقدامهم، وهذه المرة ايضأ لم تنجح هذه الإستراتيجية الملئية بالمغامرات والأخطار والسذاجة السياسية.

وفي غمرة نشوته نفى السادات باب الاقباط شنودة لأنه تجرأ وعارض كامب ديفيد ومنع رعاياه من دخول القدس إلا مع اشقائهم المسلمين. وكسب السادات عداء الكثيرين لأنه اعتقد أن مجرد التوقيع على سلام منفرد مع اسرائيل سوف يجلب له ولشعبه النعم الغربية الوفيرة. جاء السادات الى القدس وترك شنودة، الجندي المصري السابق الذي حارب مع الفلسطينيين في عام النكبة، منفيا في الإقامة الجبرية. في عهد السادات انقلبت الموازين وصار الوطني "مخربا" وصار الانتهازيون والوصوليون "قمة الوطنية". ولا نبالغ القول إن أول من شجع اسرائيل على التمادي في القدس واستباحتها كان انور السادات، لأنه كزعيم أكبر دولة عربية فقد وقع في فخ رئيس الوزراء الإسرائيلي أئنذاك مناحم بيغن ورضي أن يأتي إلى القدس وهي محتلة وغادرها وهي ما تزال محتلة.

لم تكن الجماهير العربية الواسعة في يوم من الايام من المعجبين أو المناصرين للحركات الاصولية المتطرفة أو التكفيرية. الإنتفاضة الجماهيرية في تونس لم ترفع اي شعار للمتطرفين. الانتفاضة قادتها وشاركت فيها بزخم كبير الطبقة الوسطى التونسية وليس فقط العمال والفلاحين، وفي الواقع أنه لولا المشاركة الواسعة للطبقة الوسطى لما نجحت الإنتفاضة.

الشعوب العربية شعوب ذكية تعرف مصلحتها وما تريده لمستقبل اولادها واوطانها. وهي شعوب تفهم اهمية حماية النسيج الوطني واحترام الآخر. لقد قال الرئيس التونسي السابقزين العابدين بن علي في خطابه الأخير تعقيبا على الإنتفاضة التونسية أن هناك من خدعه. ولكن القائد البارع ورجل الدولة لا يجعل أحد يخدعه ولا يخدع احد. لم يكن هناك مبرر من اطلاق النار على المتظاهرين وقتلهم. كان من المفروض على بن علي الذي يشاهد القنوات التلفزيونية أن يطرد وزير داخليته على الفور ويضع حداً لسفك الدماء بدلا من الانتظار حتى يسقط المزيد من الضحابا.

واعتراف بن علي بتعرضه للتضليل يعني الكثير لزعماء آخرين في الدول العربية ربما يتعرضون للتضليل من قبل "مخططين وإستراتيجيين" من المفروض ان يتمتعوا بالذكاء وبعد النظر لا بالتنظير وقصر النظر.

وكذلك فقد إعتقد بعض الإستراتجيون العرب أن التنصل من القضية الفلسطينية سوف يجلب ايضاً إلى دولهم النعم الوفيرة، ومنذ كامب دافيد وحتى الان فإن تقرّب العرب من اسرائيل كان من منطلق أن التوصل إلى سلام مع اسرائيل سوف يجعلها تتركهم لحالهم مما سيتيح لهم التفرغ لقضاياهم الداخلية. والواقع ان إتفاقيات السلام المنفردة جعلت اسرائيل في موقع تستطيع فيه أن تتفرغ هي لمشاريعها الداخلية وتوسيع الإستيطان وتهويد القدس بينما مشاكل العرب الداخلية زادت تعقيدا لعدم وجود قضية واحدة تجمعهم وتوحدهم.

وكما نرى الآن فإن هذه "النعم" تنهال على اسرائيل من كل حدب وصوب، واذا استمر الحال على هذا المنوال فلن يبقى مبنى أو منزل للعرب في المدينة المقدسة.الشعوب العربية تطلب من قادتها اليوم وقفة شجاعة من أجل الحرية والعدالة والمساواة وإستراتجية جديدة . الشعوب تبحث عن فجر جديد لا عن قضبان حديدية وعن حرية التعبير لا عن تقييد الفكر والراي.

لقد ترك قادة العرب القدس تواجه مصيرها لوحدها وتركوا فلسطين رهينة للإحتلال والإستبداد الإسرائيليين. كان العرب كلما شعروا بعقدة الذنب تجاه فلسطين يخرجون بعذر أو حجة لتجاوز تلك العقدة. غير أن الحقيقة التي لم يقلها الإستراتجيون العرب لزعماءهم أنه بلا حل عادل للقضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس فلن يكون هناك سلام ولا إستقرار ولا رفاهية إقتصادية لأغلبية الشعوب العربية. إن حلقة السلام هي حلقة واحدة لا تتجزأ، فلا يمكن ان يكون هناك سلام في مصر أو لبنان أو تونس او دول الخليج أو اي دولة عربية أخرى بينما السلام مفقود في فلسطين والعراق والسودان. هذه هي رسالة تونس التي لا شك سوف تتبعها رسائل اقوى من دول عربية اخرى.

* كاتب وإعلامي فلسطيني يقيم في استراليا. -

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required