مفتاح
2024 . الإثنين 8 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

ما حدث في تونس من هبة جماهيرية كبيرة أنهت حكم الرئيس بن على الذي دام ثلاثة وعشرين عاما ، ليس قاصرا على تونس وحدها ، بل هو كاشفا لكل انظمة الحكم في العالم العربى ، وكاشفا لأهم المعضلات السياسية التي تعانى منها هذه الأنظمة وهى معضلة ألأصلاح والديموقراطية من الداخل أم من الخارج .

ولا شك أن ما حدث لطالما حذر منه الجميع منذ وقت طويل بالتأكيد على إن الحاجة للأصلاح السياسى ظاهرة حتمية مهما طال نظام الحكم ، وأن كل ما يحدث من قبل نظام الحكم قد يكون تأجيلا لظهور هذه الظاهرة وحتميتها ، وبالتالى فإن عدم استجابة نظام الحكم إلى ألأصلاحات السياسية الداخلية والألتزام بقواعد الحكم التي تستمد شرعيتها من الشعب ستنتهى في النهاية إلى ما يسمى بفجوة الحكم ، التي قد تقود إلى مظاهر ألأحتجاج والعنف التي تطالب بتغيير نظام الحكم .

إذن المعيار الرئيس هو في درجة ألأستجابة للأصلاح السياسى ، والذى يعنى تحولا في مضمون وجوهر الحكم ، فالمقصود بالإصلاح المطلوب ليس مجرد قرارات تجملية ، أو إستجابة جزئية للمطالب الجماهيرية ، وإنما يعنى تغيرا حقيقيا في جوهر الحكم ذاته ، ولذلك جاء شعار الثورة في تونس خبز وماء ولأ لأبن على .

والذى حدث في تونس وهو أكبرة من صرخة أحتجاج شعبية لتصل إلى مرحلة الهبة الجماهيرية الشامله ، وصولا إلى مرحلة الثورة ، وهى المرحلة التي تقوم على حجم التغيير في بينة السياسة ألتونسية ، والتغيير هنا لا يكون في تغيير نظام الحكم الذي سيبقى في جوهره قائما ، بمعنى بقاء تونس كدولة ذات نظام حكم جمهورى لا يقوم على مبدا التوريث، أو احتكار السلطة من قبل فرد أو حزب واحد.

ولكن بالتأكيد على مبادئ الحكم الديموقراطى والتي تؤكد على دورية أنتقال السلطة ، وعلى مبدا ألأنتخابات الدورية ،ومبدا الرقابة والمحاسبة الجماهيرية عبر سلطة تشريعية حقيقية في تعبيرها عن الوعى السياسي للشعب ، وايضا في التاكيد علي منظومة القيم التي تقوم في أساسها على مبدأ المواطنة ،ومفهوم الدولة العلمانية في مواطنيتها بمعنى إن الدولة هى دولة كل المواطنون ، وليست دولة الحزب الواحد ،او دولة الطائفة أو المذهب الواحد ، الدولة التي تقوم على مبدا اساس في العدالة التوزيعية من منطلق أن موارد الدولة هى ملك للشعب ،وتوزع عليه عبر خدمات وموازنه تحقق العدالة التوزيعية .

وبالتالى يكون هدفها محاربة الفساد والفقر ، والبطالة وتوفير فرص عمل للقوى العاملة المتزايده من قطاعات الشعب التي تزداد يوما بعد يوم بسبب التعليم والنمو الطبيعى والولادة . وهذه الشريحة هى الأساس في أى تغيير منشود ، وهذا احد الدروس من ثورة تونس. وصحيح إن هناك دروسا عديده يمكن أن نستخلصها من تونس ، وهى في الحقيقة تحذيرات وتنبؤات كانت موجوده ، وتعرفها كل أنظمة الحكم العربية ، لكن طغيان الحكم ، وشراهة الفساد والتسلط ، والنفوذ والجاه قد اعمى بصيرة من يحكم ، والذى حدث هو رسالة قوية أنه مهما بلغت درجة الظلم والقهر وأستبدادية نظام الحكم ، ومهما استشرت مظاهر الفساد ، وغلبة النزعة ألأمنية والقمعية التى تسود ، ومهما وصلت درجة تكميم ألأفواه ، وحجب الحريات ، فإنه التغيير ظاهرة حتمية ، من منطلق انه لا يوجد شعب جبان ومستسلم بفطرته وطبيعته ، والدرس الثانى والأهم من تونس هو أن الحكم مرده هو الشعب ، وهذا تاكيد لدورة الحكم والسلطة ، ففى النهاية الحكم سيؤول للشعب ، قد تطول الفترة أو تقصر ، لكن هذا قانون في دوران الحكم ، ولتأكيد مصداقية هذا القانون العديد من انظمة الحكم التي فاقت كل التصورات في درجة أستبدادها وسلطويتها ، ايران الشاه ، ورومانيا تشاوتشيسكو ، وامبارطوريات عديده عبر التاريخ ، والنظم الشمولية كما في أيطاليا وألمانيا وغيرها التي عرفها التاريخ في أوربا والأتحاد السوفيتى ، واخيرا تونس لتقدم برهانا ساطعا وصادقا على مصداقية هذا القانون.

والدرس ألأخر الذي ينبغى التأكيد عليه أن الحاكم لا يحكم في كوكب آخر بدون شعب ، ولكنه يستمد مضمون حكمه وجوهره من الشعب نفسه الذي تمارس عليه ابعاد ومظاهر الحكم ، وهذا ما لم يستوعبه بن على ، أعتقد أنه يحكم بلا شعب ، وبلا مواطنيين ، وحول شعبه إلى مجرد رعية بلا حقوق ، وبلا مواطنية لنظام الحكم ، وإن بقيت المواطنية قوية لتونس كشعب وكحقيقة تاريخية ، حاول التونسيون إن يستعيدوها من الحكم الذي مثله بن على ، والذى أختزل مفهوم الدولة فيه ، وفى اسرته وفى الفئة المستفيده من هذا النظام .

وبالتالى الحكام وبحكمهم ينتزعون الحكم الحقيقى من جوهره الطبيعى ، وعليه ما هو قائم من حكم هو حالة خارجة عن التاريخ ، وعن الطبيعة الفطرية لأى شعب ، والمنطق والعقل يقول انه لا بد من العودة إلى الفطرة الأولى السليمة للحكم . والدرس الآخر الذي لم يستوعبه الحكام انهم يحكمون في بيئة متغيرة لا يمكن إن يتحكموا فيها ببوصلة توجهاتها ، وعدم الفهم هذا هو الذي خلق فجوة متزايده ما بين منحنى الحكم ، ومنحنى المجتمع ، ليصل إلى درجة ألأنفجار ، ويصاحب هذه الفجوة لغة من عدم المصداقية والوعود التى يلجأ اليها الحكام ليجملوا حكمهم ، وهنا التناقض بين ما يوعدون به ، وبين طبيعة نظام الحكم القائم ، وهذا من شانها أن يفقد الحاكم كل مصداقية ، وشرعية من قبل الشعب المحكوم .

والدروس كثيرة ، ولكن من الدروس المهمة إن الشعب قد يغض النظر عن طول فترة الحاكم ، بشرط إن يكون الحاكم معبرا ومجسدا عن طموحات شعبه، بشرط أن نظام الحكم يزداد قدرة وأداءا ، وشفافية ومصداقية ، وقادرا على التكيف والأستجابة للحاجات الأساسية للشعب ، وحتى هذه لم يدركها الحكام .

وأخيرا فدرس تونس الكبير أنه اثبت أن مشروع الدولة القطرية الضيقة لم يعد صالحا ، ولا بد من البحث عن مشروع جديد.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required