مفتاح
2024 . الإثنين 8 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
لم يكن في مقدور عدنان الضميري، ليلة أمس الأول، تقديم أجوبة كافية، تغطي جميع الملاحظات والمغالطات، التي طرحها بلال الحسن ومن معه، عبر شاشة "الجزيرة"، في الحلقة الثالثة من سلسلة التشهير للإطاحة بالكيان الوطني الفلسطيني. فقد أريد تحميل الحلقة أكبر كَمٍّ من البرقيات المختصرة، المنتزعة من سياقها، لكي يؤدي العمل المدبر أغراضه!

كان الموضوع الأمني، هو محور الحديث، وجرى التركيز على اغتيالات المقاومين، وهي الجانب الموصول (خيانة أو أمانة) بمشاعر الفلسطينيين جميعاً، بصرف النظر عن اختلاف مواقفهم ومواقعهم. وجاء السياق محملاً بمضامين التخوين والإدانة، التي حاول بلال الحسن تعليلهما بوسائل إيضاحية خاطئة أو ملفقة!

كان من العيب ومن التجني أن يجزم الحسن، بإن التنسيق الأمني بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، يتخذ الشكل العمودي. فليس هذا يناقض الواقع ويُلصق بمجاميع فلسطينية، صفة التخابر الشائن مع المحتلين وحسب، وإنما يناقض أيضاً ما قاله بلال الحسن نفسه، في موضع آخر من السياق، حين نوّه بنبرة التأسي الى أن قيادة السلطة باتت تؤسس لمرحلة ما بعد المناضلين الذين تُحيلهم الى التقاعد، وأشار الى أن هذا التحول التدريجي، بدأ بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات. فكأنما جاءت محاولة تسويق فكرة أن التنسيق الأمني عمودي، لكي يجسّد هذا الافتراء النقلة التالية في عملية التشويه، بعد نشر وتعميم فكرة أن التنسيق والخيانة فعلان متلازمان. ففسطاط الطنين الكاذب، الذي يقاوم المقاومة، يتداول المعنى الرديء لمصطلح التنسيق بلا ملل، بينما هم يعرفون، أنهم ينزعون المصطلح عن سياقاته، أي عن العملية السياسية، وعن واقع الحال ومتطلبات الحياة في الأراضي الفلسطينية، وعن واقع المضامين الإجرائية، غير ذات الصلة بوشايات ضد المقاومين من أي فصيل كانوا. فلو كان صحيحاً أن "أوسلو" تكرّس وضعية التنسيق الخياني العمودي، لما أصبح ضباط الأمن الوطني والشرطة والأجهزة، منذ تشرين الأول العام 2000 في مناخ تدبير وسائل تكتيكية ونارية لممارسة المقاومة، والعمل يداً بيد، مع المقاومين، ما أدى الى استشهاد عدد كبير منهم وتدمير مقراتهم. فلو كان التنسيق عمودياً، أو حتى أفقياً بالمعنى الذي جرى تعميمه؛ لما كانت "بيئة" التشكيلات الشرطية والعسكرية مواتية للعمل الوطني المقاوم. إن في مثل هذا القول، إهانة للشهداء من قادة وضباط وجنود قوات الأمن الوطني والشرطة والأجهزة، وإساءة للشرفاء الذين ما زالوا على قيد الحياة. وربما يكفي القول، لبلال الحسن تحديداً، دون أي تجريح شخصي أو توصيف لتجربته ومواويله، إن شقيقه هاني الحسن (أمده الله بموفور الصحة) لم يكن في أي يوم، مستعداً لأن يتولى منصب وزير الداخلية في كيان، يمارس فيه القائمون على الأمن، تخابراً عمودياً، مثلما لم يكن هاني مستعداً لأن يتقبل حتى التنسيق الأفقي أو العرضي، بالمفهوم الذي عرضته القناة الموتورة، ودأبت حماس على مضغه ليل نهار، ثم تهربت من مناقشته في جلسات الحوار!

* * *

بلال الحسن، اختلق معلومة، وطرحها من خلال جمل قصيرة، بلهجة العارف الحصيف، فقال إن اتفاقات أوسلو اشترطت عدم ملاحقة العملاء، ونوّه الى أن التدبير الذي جرى، هو إلحاق أولئك العملاء بجهاز الأمن الوقائي. واستمتع الحسن بالإشارة الى اسم محمد دحلان كقائد لهذا الأمن، كأنما أراد إغناء المعنى، باستدعاء هذا الاسم من قائمة التنميط المتداول لأسماء بعينها. هنا، نحن بصدد ألاعيب على مستويي الشكل والمضمون. فقد أخرج الرجل عن السياق، النقطة التي وردت في ملاحق اتفاق أوسلو لإعلان المباديء وهي "التزام الجانب الفلسطيني، بحل مشاكل أولئك الفلسطينيين، الذين كانوا على صلة بالسلطة الإسرائيلية، والى أن يتم التوصل إلى حل متفق عليه، يكون هؤلاء في منأى عن أي عمل انتقامي، وبالتالي يتعهد الجانب الفلسطيني بعدم ملاحقة هؤلاء الفلسطينيين أو الإضرار بهم بأية طريقة". فالسياق يقول إن الطرف الإسرائيلي تمسك بربط موضوع العملاء، بعملية الإفراج عن الأسرى، الذين كانوا في السجون الإسرائيلية، مع بدء تطبيق اتفاق إعلان الماديء، واشترط المحتلون عدم إلحاق الاذى بمن يتبقى من العملاء في أراضي السلطة، ولم يطلب المحتلون على الإطلاق، الحاق أي عميل بقوة الأمن، ولم يحدث مثل هذا الإلحاق إطلاقاً، بل جرت الأمور في الاتجاه المعاكس تماماً، لأن اسرائيل لم تُفرج بموجب الاتفاق، عن جميع الأسرى. فالمحتلون افترضوا أن السلطة ستنتقم من العملاء، أو أنها ستتراخى في منع الانتقام منهم. غير أن هناك وقائع مغايرة، حدثت في الأيام الأولى من قيام السلطة، وهي أن جهاز الأمن الوقائي الذي سُمي لقيادته اللواء مصباح صقر يعاونه جبريل الرجوب في الضفة ومحمد دحلان في غزة؛ احتجز عملاء وأنشأ على الفور دوائر لمكافحة التجسس وللكشف عن المتخابرين الخونة، وتوافر على حماية مطلوبين، على امتداد سنوات. وحدث ان أحد المرتبطين بالعدو، حاول أن يعمل ضابطاً في جهاز الأمن، فزُج في السجن، وسرعان ما تدخل الطرف الإسرائيلي بقوة، وعلى أعلى مستوى، لكي يتم إنقاذه من أيدي السلطة وتسليمه.

في المضمون هناك نقاط تجاهلها بلال الحسن، وحاول ياسر زعاترة أن يتقمص دور الخبير فيطرح علّتها أو سببها، وهو ـ بالمعنى ـ إسقاط واجب ملاحقة العملاء، من العقيدة الأمنية لأجهزة السلطة. فهذه نقطة يكررها زعاترة كلما تحدث أو كتب، مثلما يكرر عتبه على "حماس" لأنها شاركت في الانتخابات. إن هذا كلام تكذبه العشرات ـ إن لم يكن المئات ـ من الوقائع ومن المحاكمات ومن سجلات السجون الفلسطينية. وتعرف حماس أن هذا الكلام غير صحيح. هنا، نحن لا نرغب في التفصيل أكثر، فنقع فيما وقع فيه المغفلون في "غُرف العصافير" عندما أتهمهم بالخيانة، متنكرون في شكل اتقياء مجاهدين؛ فاضطر الساذجون الى الدفاع عن أنفسهم بإفشاء كل ما لديهم!

"حماس" تعرف جيداً، الموقف الحقيقي لقوات الأمن الفلسطيني التي كانت في غزة، حيال العملاء وحيال المجاهدين. الحمساويون الآن يركبون موجة التخوين السخيفة، ويظنونها فرصتهم، على الأقل للإفلات من مآلات استبدادهم وفسادهم وجرائمهم. غير أن هذه الهجمة ستتحطم سريعاً على صخرة الصمود الحقيقي في موقع التصدي للاستيطان وللاحتلال، وسيكون الإحباط هو مصير هذه التخرصات، فيما السلطة تبني وتنجح سياسياً. وستظل الغلبة للمنطق الوطني الرصين، وللتجذر في الأرض، ولقيم الحرية والعدالة والحقيقة. ربما يشعر كل من يخالفون الحقائق، أنهم سيربحون. سنرى على أية حال، وإن غداً لناظره قريب.

المجتمع الفلسطيني يعرف أيضاً حقيقة الموقف. يعرفه ذوو المسجونين من العملاء في سجون السلطة، ويعرفه ذوو المُدانين، ويعرفه ذوو الذين استقطبتهم حماس من المسجونين على قضايا تخابر، مستغلة تحطمهم النفسي، لكي يداووا انفسهم بالتشفي في المجتمع وبالتغالظ معه!

بقي القول، من منطلق الأمانة مع أنفسنا. إن أية معلومة أو وثيقة ذات صدقية، تشير الى واقعة تخابر شائن، من أي شخص كان، مع العدو، سواء أدت أم لم تؤد الى استشهاد فلسطيني؛ ستجعل هذا المتخابر منتمياً الى زمرة الخائنين، وسنطالب بالتحقيق معه وبمحاكمته. فالخائنون أعداءنا وأعداء المجتمع وخارجون من الفضاء الاجتماعي والسياسي للفلسطينيين. نحن لا ندافع أي عمل مخزٍ. لكن العمل المخزي المؤكد الماثل أمامنا اليوم، هو استهداف وجود الكيان الوطني الفلسطيني، من قبل جهات رخيصة لو وضعت في موضع السلطة لابتدعت فنوناً لمارسات قبيحة يراها الفلسطيني بأم العين . أما ما يزعمون أنها أعمال شائنة، فإن وقعت ستكون في السياق المضاد لتاريخ النضال الفلسطيني، وسيواجهها الوطنيون مجتمعين. إننا على يقين، بأن جنود وضباط وقادة الأمن الفلسطيني، سواء العاملين في الضفة، أم المستنكفين في غزة، لن يرتضوا لأنفسهم، غير دورهم في ملحمة التحقق الوطني على الأرض، ودورهم في حماية المجتمع الفلسطيني، وصولاً الى الحرية والاستقلال. في هذا المقام، نستذكر نضالات ومآثر الراحلين الشهداء، على طريق الثورة والمقاومة والدولة، من قادة وضباط الأمن في منظمة التحرير الفلسطينية، وفي السلطة الوطنية نواة الكيانية المتعاظمة على الرغم من كل العواصف!

* كاتب فلسطيني من قطاع غزة. - adlisadeq57@yahoo.com

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required