مفتاح
2024 . الإثنين 8 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
امتزجت دموع وآهات وموجات من هدير غضب على الطالبة الجامعية التي ألقى بها عمها في البئر مقيدة اليدين، ومعها بعض من أغراضها التي وضعتها في حقيبتها الجامعية، وكل أحلامها وتطلعاتها المتواضعة، ومرت الساعة الاولى التي اعقبت التقييد قبيل الالقاء في البئر تحاول ان تعرف السبب، وايا كان، هل يستحق مثل هذه العقوبة، فالجاسوس الذي يبيع الوطن والشعب بأبخس ثمن، يحظى بمعاملة أشرف وعقوبة أرحم، وحين يكون العم العزيز، جزء من الصمت الضارب في الوطن، والصمم الاعمى، طلبت ان يخفف شدة القيد قليلا عن يدها الطرية، خاصة انها ستبيت وحدها هذه الليلة في العراء، ما كانت لتظن ولو للحظة واحدة انه سيلقي بها في البئر الخاربة المهجورة ومياهه الباردة الآسنة في هذا الليل البهيم، لوكان سيلقيها في البئر فليس هناك من داع للتربيط، فهي اولا وقبل كل شيء لا تعرف السباحة حتى في البحر، فكيف ستجيدها في البئر.

صعقت عندما القى بها في البئر، وكاد قلبي يتوقف عن الخفقان جراء هذا المشهد، في الطريق الى القعر، المقاومة هنا شبه مستحيلة، ولا أحد يعرف ان كانت قد ماتت في الطريق ام بعد ان ارتطمت بحجارة البئر ام غرقا بمياهه الباردة. التشريح قد يجيبنا لكي نطمئن ولو قليلا، لكن ليس بعد ثلاثة عشر شهرا.

اعادتني الذاكرة الى نصف قرن من الزمان ، حين كنا أطفالا عائدين من المدرسة ويحاول رجل شرطة منعنا من التقدم، لكن الفضول الطفولي دفعنا لتحدي الشرطي، فرأينا جثة امرأة مغطاة ورأسها مفصول عن جسدها، وعلمنا ان أخوها قتلها بدعوى الشرف، تم التحفظ عليه بضعة أشهر وخرج، وقبل حوالي سبعة عشر عاما، وجدت جثة "هند" أخرى، مقيدة في منظقة برك سليمان، وما زال الجاني ينعم بالحياة، وقبل عدة اشهر قتلها خالها بعد سفحها وادعى ان قدمها زلت في الحمام وماتت، انه تاريخ طويل يمتد من القتل المبرر بدعوى الشرف، فلا يلاقي فيه السفاح الا احكاما مخففة وربما نظرة إعجاب من شيوخ الشرف.

تطور ايجابي لا يصل حد الاكتفاء ان هناك مطالبات بإنزال عقوبة الاعدام بالسفاح البهيمي، وزيارة عزاء قام بها رئيس المجلس التشريعي بما يمثل، لعائلة الطالبة، لكن المطلوب ايها التشريعييون لطالما ان هذا لا يروق لكم، ان تشرعوا شيئا يوقف نزيف بناتنا ونزيفنا، سطر واحد لا أكثر، "من يقتل على خلفية الشرف يقتل"، لكن التشريعيين لم يشرعوا لنا شيئا لأنهم كانوا منقسمين، ولكنهم لم يشرعوا ايضا شيئا من هذا القبيل على مدار عشر سنوات قبل ان ينقسموا.

وسؤال آخير نوجهه الى مدير الشرطة، كيف تبقى هذه الطالبة مقيدة في بئر والجريمة مقيدة ضد مجهول 13 شهرا، خاصة وان خطيبها تقدم لكم بكل التلميحات الكافية لمعرفة انها اعدمت بمدية الشرف الخادعة، وبالتالي على يد احد اقربائها، على الاقل كنا قد ساعدناها في فك يديها لتنام بحرية في موتها، حرية لم تنعم بها في حياتها.

* كاتب صحفي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة- بيت لحم. - hamdifarraj@yahoo.com

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required