مفتاح
2024 . الإثنين 8 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

أعربت عدة دول أوروبية عن معارضتها ذهاب القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في أيلول، إضافة إلى معارضة الولايات المتحدة لطلب الاعتراف أو العضوية أو أي شكل من أشكال تغيير الوضع الحالي لمنظمة التحرير الفلسطينية، كعضو مراقب.

والسؤال الأساسي هو: لماذا؟ ما هي خشيتهم من هذا المسعى أو أيّ من نتائجه؟ هنا يجب التمييز بين الاعتبارات الأوروبية من جهة واعتبارات إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة من جهة أخرى. وأقول إن الولايات المتحدة وراء إسرائيل بمعنى أن إسرائيل في حقبة "نتنياهو" و"أوباما" سيطرت فعلاً على سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع بفعل عدة عوامل منها دور الكونغرس الأميركي الذي يعمل أغلبية أعضائه كممثلين لدولة إسرائيل وليس كممثلين للشعب الأميركي.

اعتبارات إسرائيل قد تكون متنوعةً، ولكنها أساساً تكمن في جانبين: الأول هو أن الذهاب إلى الأمم المتحدة يشكّل سابقةً قد يمكن البناء عليها بشكل أو بآخر، أي أنه يخرج الصراع من الدائرة العقيمة التي أصرت عليها إسرائيل طيلة ما يزيد على عقدين من الزمن، أي المفاوضات الثنائية دون أي دور خارجي لأي طرف، إلا شكلاً، وبدعم من الولايات المتحدة، "الوسيط غير النزيه" والمضمون من قبل إسرائيل. والسبب الثاني يكمن في أن الذهاب إلى الأمم المتحدة يشكل خروجاً عما تريده إسرائيل من استمرار "للمفاوضات" لتعبئة الفراغ السياسي الحاصل حالياً دون، بالطبع، أن تصل المفاوضات إلى نهاية، إلا إذا كانت بمقاييس تقبلها الحكومة الحالية في إسرائيل، أي حكم ذاتي موسع، يسمى دولة، ودون سيادة وفي أجزاء من الضفة الغربية وربما غزة أيضاً مع رزمة مضافة من الشروط. والذهاب إلى الأمم المتحدة يبقي الفراغ السياسي وقد يحرف المسار المرجو من قبل إسرائيل خاصةً إن تابعت القيادة الفلسطينية ما قد يتمخض عنه الأمر في الأمم المتحدة، بخطوات أخرى كرد فعل على خطوات إسرائيل أحادية الجانب التي أعلن عنها، في حال استمر المسار الفلسطيني كما هو معلن عنه.

لكن السؤال مرةً أخرى: ماذا عن الدول الأوروبية؟ ما هي مصلحتها في إيقاف المسار الفلسطيني قبل الوصول إلى الأمم المتحدة؟ وقد سعت دول أوروبية إلى تفادي هذا المسار من خلال إمكانية تبني الرباعية في اجتماعها في واشنطن العاصمة إطاراً عاماً للعودة إلى المفاوضات مبنياً على خطاب أوباما، أي أساساً الإشارة إلى حدود العام 1967 ومع إضافة عبارة "تبادل أراض"، لعل هذا قد يصلح كأساس للعودة إلى المفاوضات.

إن السبب الرئيس الذي يدفع الدول الأوروبية الرئيسة بهذا الاتجاه، أسوةً أيضاً بالولايات المتحدة، هو مصالحها في المنطقة في ظل الثورات العربية. فهي من جهة تعرف أن إسرائيل كما أعلن أكثر من ناطق بلسان حكومتها ستقوم باتخاذ خطوات محددة كرد على المسعى الفلسطيني، وأن هذا قد يشكل مسلسلاً تصعيدياً بين الجانبين قد لا يمكن السيطرة عليه في ظل الأوضاع الحالية في فلسطين وفي الدول العربية.

وهي تعرف أيضاً ما لا يعرفه من قال إن فلسطين غائبة في ميادين التحرير العربية. فهي تعرف ما يجب أن يعرفه هؤلاء أن الجمهور العربي يتحرك كرد فعل لما يحصل في فلسطين. ليس هو المبادر، ولم يكن دوره في الماضي أن يبادر. هو ينفعل ويتفاعل كرد فعل على ما يحصل في فلسطين. المبادرة كانت دائماً وستبقى في يد الفلسطينيين. وأي احتدام للوضع في فلسطين سيكون له صدى شعبي في الدول العربية بما في ذلك مصر والمرشحة لأن تستعيد دور القيادة تدريجياً بعد التغيير الحاصل فيها.

وتعرف الدول الأوروبية والولايات المتحدة وأطراف عربية أخرى أنها هي نفسها "الثورة المضادة"، أي أنها تسعى لتحجيم الضرر على مصالحها ما أمكن، وأنها تسعى إلى أن تشكل الأنظمة السياسية الجديدة في الدول العربية بحيث لا تتضرر مصالحها. وبالتالي، فإن أي اشتعال للوضع في فلسطين سواء أكان سياسياً أم ميدانياً سيحرج بقايا النظم المخلوعة في مصر وفي تونس على وجه الخصوص، والتي هي بدورها جزء من "الثورة المضادة" وسيعقّد مساعيها إن تحرك "الشارع" المصري مثلاً لنصرة فلسطين كرد فعل على احتدام الوضع هنا.

وقد شاهدنا في مرتين سابقتين على الأقل تظاهرات في مصر ضد إسرائيل كانت أخرهما التظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية التي تزامنت مع عقد اجتماع المصالحة في القاهرة وبفعل هذا الحدث.

وتعرف الدول الأوروبية أيضاً أنه لا يمكن الركون إلى استمرار "الهدوء" في الضفة الغربية. ويتحدث الإسرائيليون باستمرار عن إمكانية حدوث انتفاضة ثالثة، ويعدون لها أيضاً، ولكنهم أيضاً يخشون انتفاضةً مدنيةً شعبيةً بأعداد كبيرة قد لا يستطيعون السيطرة عليها كما صرح أكثر من ناطق من الجيش الإسرائيلي.

وقد يظهر أن الحديث عن انتفاضة ثالثة فيه مبالغة كبيرة أو أنه في باب الاحتمال المجرد. ولكن السؤال الأساسي لا يكمن هنا، أي في الحديث المجرد عن انتفاضة ثالثة، وإنما تحت أي ظرف من الممكن أن تقع. هذا هو السؤال الأساسي، تحت أي ظرف من الممكن أن تقع.

الوضع الحالي هو كالآتي: شباب فتح "مُسَرحون" من العمل الميداني تجاه إسرائيل ما دام هناك مسعى دبلوماسي تقوم به القيادة الفلسطينية. وشباب حماس في الضفة مستنكفون بسبب التوجس والخشية من الاعتقال من قبل إسرائيل وفي مسعى للحفاظ على الذات. لكن ماذا لو بدأ مسلسل من التصعيد ينتهي باستهداف منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية كما حصل خلال الانتفاضة الثانية؟.

قد يكون هذا السيناريو بعيداً الآن، ولكن إسرائيل تهدد باتخاذ إجراءات من طرف واحد في حال ذهب الجانب الفلسطيني للأمم المتحدة. ماذا سيكون رد فعل الجانب الفلسطيني؟ هذا غير معروف الآن، ولكن من الواضح أن أي مسلسل تصعيدي يستهدف السلطة والمنظمة سيدفع شباب فتح إلى الميدان في مرحلة محددة، وعندئذ قد ينضم إليهم شباب حماس والمستقلون وشباب التنظيمات الأخرى.

مرةً أخرى قد يبدو هذا السيناريو بعيد الاحتمال، ولكن الدول تعرف أن تسلسل الأحداث لا يمكن دائماً السيطرة عليه، وأن الأفضل عدم الانتظار لرؤية إمكانية حدوث ما هو محتمل في الظرف الحالي، وأن الأسلم من وجهة نظرها العمل على عدم حدوث ما هو محتمل خاصة في هذه الأجواء العربية الثورية.

هذا ما تخشاه الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وهذا ما تخشاه إسرائيل أيضاً، ولكن الحكومة الحالية في إسرائيل أسيرة الأيديولوجية المتطرفة، وأسيرة مصلحتها في الاستمرار في الحكم، وأسيرة الرهان المغامر بأنها ستجد حلاً ما في حينه وليس قبل ذلك. أما الدول الأوروبية والولايات المتحدة فهي تخشى تضرر مصالحها في المنطقة أولاً وأخيراً، وهي تدرك وتفهم وتعي أن فلسطين هي الصاعق المفجر خاصةً في هذا الظرف الثوري. فلسطين هي الصاعق. هذه هي القضية بالنسبة إليهم الآن.

جريدة الايام الفلسطينية

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required