مفتاح
2024 . الأحد 7 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
بقلم : التقيت حسن م. اليوسف، مؤلف مسلسل “في حضرة الغياب”، (الذي تربطني به معرفة قديمة، وأعرف أنه جادّ، وأحبّ ـ في العادة ـ ما يكتب). كان قد أنهى كتابة المسلسل، وكان ممثله ومنتجه في المستشفى، بسبب حادث سيارة خلال عودته من عمان، بعد أن التقى شقيق محمود درويش (وأظنّه أحمد).

أبديت للكاتب تحفظا لا لبس فيه حول أمور ثلاثة: الأول هو سرعة إنجاز مسلسل عن الشاعر الكبير الراحل، بعد وفاته بفترة لا تسمح بالتأمّل، خصوصا وأن حياة الشاعر، وقضيّته التي ارتبط بها شعره، مركبة إلى حدّ كبير؛ والثاني هو أن من سيمثل الشخصية، بفلوسه (على حدّ تعبير سامي العدل، حين سئل عن إصراره على الظهور الكثير في أعمال تنتجها شركته وإخوته، العدل غروب، كثيرة الإنتاج)، ليس ممثلا بقامة درويش، وكنت لاحظته مرتبكاً في أداء أدوار أقلّ أهمية، في القليل مما شاهدته له؛ والثالث هو المخرج الذي اختير للعمل، لأن نجوميته قامت على الإبهار، الذي كثيرا ما يخرجه عن السياق، إلى الشكل الإعلانيّ، وهو في التقييم النقديّ ضعيف، لا تغطّيه الشهرة التي كثيرا ما تصنعها بعض الظروف غير الفنية.

الكاتب قام بمهمته وانتهى، ولذلك اكتفى بالصمت. ولم أكن اطلعت على شيء من النص، حتى أناقش.

حتى اللحظة، شاهدت مشهدا من المسلسل، لم أستطع إكماله: كان المشهد الذي يلقي فيه درويش قصيدته الأخيرة (لاعب النرد)، التي صارت أكثر قصائده انتشاراً وتأثيرا، والتصقت بذهن الذين أحبوا شعره، وربما كانت أكثر قصائد الشعر العربي حضورا في التسجيلات التي يحتفظ بها المتابعون.

لم يكن الأداء التمثيلي قريبا من درويش، ولم تكن اللقطات المرافقة لامرأة (تتأوّه) تليق بالشاعر ولا بالموقف. ولم أستطع أن أكمل المشهد.

حتى في حياة درويش، ورغم كلّ الدلال الرسميّ وشبه الرسميّ الذي منح له (ولا أعني هنا شعبيّته لدى الناس، فقد كانت طبيعية)، كنت أشعر، وأصارحه، بأن هناك من يستغلّ نجوميّته وموقعه، لدرجة أنه كان يوضع في واجهة نشاطات لا يكون راضياً عنها، خجلاً (وكم كان خجولا!) أو مجاملة لصداقة، على قلة ما كان يجامل.

في رحيل درويش، تحوّل الأمر إلى تجارة عامة وخاصة، على كثير من الأصعدة. ويمكن القول إنه ما يزال كذلك، في أمور يجري استثمارها. في رحيل درويش، تظاهر باللوعة من كانوا يقاطعونه، وبالحبّ من لم يلتقوا به، وبالصداقة من كان يحتقرهم، ولا يخفي ذلك عن أسماعهم، وبالحزن المتصاعد إلى حين، من كانوا يعتبرونه من مؤسساتهم الخاصة.

حين جاء وقت الدفاع عن حضور درويش في غيابه، لم يكن هناك أحد. عندما حاولت أن أتابع خطّ سير المسلسل، ومدى اهتمام من بكوا ذلك الغياب، اكتشفت أن أيا منهم كان يستطيع أن يوقف مهزلته المتسارعة، قبل أن تنجز. أي اعتراض من مسؤول، أو من شقيق، أو من كلّ من تبنّى الحياة بعد الموت، كان بإمكانه أن يعطّل، فالشخصية العامة لا تكون عامة بشكل جذريّ، إلا بعد نصف قرن من الغياب، وهي تظلّ خلال ذلك، ملك أهلها (بالمعنى الشامل للكلمة)، كما أن الحديث عن غياب (ربما كان مقصوداً) لقانون حديث ينظّم الملكية الفكرية، غير صحيح، لأن القديم يكفي، ولأن همسة واحدة كانت تكفي لتعطيل المشروع، فالحديث لا يدور عن شخصية عابرة؛ إنه يدور عن محمود درويش.

حين كتب محفوظ عبد الرحمن مسلسله عن (أم كلثوم)، وهي شخصيّة عامة، وكتب المسلسل بعد سنوات من رحيلها، عرفت منه أنه اضطرّ إلى إخفاء بعض الأحداث الهامّة في حياتها، وإلى التحايل على أحداث أخرى، (دون أن يخلّ بالدراما بالطبع)، لأن ورثتها (وهم أدنى قرابة من ورثة درويش)، كان بإمكانهم أن يوقفوا العمل. لكن درويش، بعد أن استنفد استثمار وجوده وغيابه، وعلى الرغم من أنه كان حادّاً إلى درجة الاستفزاز في الدفاع عن كرامته الذاتيّة، لم يترك وراءه من يدافع عنه، دفاعاً غير استثماريّ، وخصوصا بين أولئك الذين يدّعون وراثته، شعرياً أو غير ذلك. محمود درويش، القامة العملاقة في تاريخنا، وفي أدبنا، وفي الشعر العربيّ والعالميّ، لم ينجب سوى بعض المستفيدين، الذين لا يملكون في تطلعاتهم غير “ذاكرة للنسيان”!.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required