مفتاح
2024 . الأحد 7 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
أخذت صورة التمرد الإسرائيلي تزداد وضوحا في أعقاب المظاهرة الضخمة التي جرت يوم السبت الماضي (6/8/2011) في تل ابيب. فحسب جميع المراقبين الأجانب ووسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد شارك في تلك المظاهرة أكثر من نصف مليون إنسان، وهو رقم خيالي بالنسبة للمظاهرات التي تجري في إسرائيل.

والشعارات التي رفعت في هذه المظاهرة لم تقتصر على المطالبة بالعدالة الإجتماعية وتوفير السكن للشباب، بل ظهرت أيضا شعارات سياسية تشير إلى أن هناك أبعادا أخرى يطالب الشعب بتنفيذيها. ففي الوقت الذي تحاول فيه الدعاية الرسمية الإسرائيلية تصليت الأضواء على المطالب الإجتماعية والتحسين الإقتصادي فقط، تُظهر إستطلاعات الرأي العام أبعادا أخرى.

ففي إستطلاع أجراه "المركز الإسرائيلي للديمقراطية" (جريدة الغاردين البريطانية 7/8/2011) تبين أن 50بالمائة من المشاركين يرون أن تضييق الفجوة الإجتماعية القائمة في إسرائيل، هو هدفهم الأول. ومع ذلك فقد رأى 31 بالمائة من المشاركين في هذا الإستطلاع أن على رأس مطالبهم الوصول إلى سلام مع الفلسطينيين.

وهذه النظرة لم تقتصر على المشاركين في التمرد، بل يدور في خلد الكثيرين من الزعماء الإسرائيليين. فقد قال الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيرس، كما جاء في صحيفة "هآرتس" (8/8/2011): "إنني أعتقد أن تطور الأوضاع يعود إلى الجمود السياسي القائم (بين الفلسطينيين والإسرائيليين)، وهذا الجمود نفسه هو الذي يدفع مسيرة الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة".

وأضاف بيرس: "إن المقاطعة الإقتصادية على إسرائيل قد بدأت تتحقق أمام أعيننا، ويكفي أن تُقاطع البضائع الإسرائيلية ويرفض العمال إنزالها في الموانئ الأوروبية والكندية.. إننا نسير بسرعة هائلة نحو وضع قد نخسر فيه وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية".

صحيح أن الوضع الإقتصادي عامل أساسي في دفع الجماهير إلى الشارع، فقد نشرت صحيفة "معاريف" مقالا (7/8/2011) جاء فيه: "إن إسرائيل دولة غنية ولكن مواطنيها فقراء. فمن بين كل خمسة عائلات هناك عائلة تعيش في مستوى ما دون الفقر".

ويتساءل المواطن الإسرائيلي أين تذهب مليارات الدولارات التي تحصل عليها الدولة كل سنة. ويجد الجواب أن هذه الأموال تذهب لإستعمار المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة المزيد من المستعمرات اليهودية أو توسيعها، وبناء الحائط العنصري، وتخصيص الأموال لمواجهة ما تسميه "معركة أيلول" أي محاربة التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة في ذلك الشهر.

والنتيجة هي أن المواطن الإسرائيلي بدأ يعي أن إستغلال العامل الأمني لمشاريع إيديولوجية يفقد التوازن ليس فقط الإقتصادي بل الأمني أيضا. بمعنى أن التركيز على أن بناء المستعمرات والحائط العنصري والإستعداد لحرب الإنتقام من نتائج حرب 2006 عن طريق شراء القبب الحديدية، أدت إلى تدهور الأوضاع. وكان في الإمكان السيطرة على الأمور بالطرق الدبلوماسية عن طريق الوصول إلى حل عادل مع الفلسطينيين. ولهذا أشار الإستطلاع المذكور سابقا أن 31 بالمائة من الإسرائيليين يعتقدون أن على قمة مطالبهم يتبوأ موضوع الوصول إلى حل مع الفلسطينيين.

ورغم غطرسة وهنجعية المجموعة الحاكمة في إسرائيل، ورغم التهديدات العلنية والمبطنة التي توجهها القيادة الإسرائليلية الحالية، إلا أن الشعب في إسرائيل يعرف أن قوة الردع الإسرائيلية اليوم أصبحت كلامية أكثر منها فعالية. صحيح أن اليمين الإسرائيلي مسيطر على الأوضاع في البلاد، ويحاول "إبراز عضلاته" لتهدئة روع المواطنين الإسرائيليين، ولكنه يعلم حق العلم أن أية مغامرة عسكرية من جانب الحكومة ستؤدي إلى كارثة.

فالدراسات التي لا تزال تصدر حتى يومنا هذا عن نتائج حرب 2006 تعزز من التخوف السائد لدى أغلبية الشعب في إسرائيل من نشوب حرب لبنانية ثالثة، أو محاولة إسرائيلية أخرى للهجوم على غزة.

فقد قيم مركز الأبحاث "ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا" حرب لبنان الثانية (بحث كتبه أمير كوليك ونشر في مجلد: مفترق طرق الشرق الأوسط، المجلد الأول العدد الثامن 4/8/2011).

يقول الكاتب أنه كانت لحرب لبنان الثانية إنعكاسات معقدة على جميع الأطراف. بالنسبة لحزب الله: "فقد لاحظنا أنه منذ صيف 2006 نجح حزب الله، بعد إنتهاء الحرب، بمساعدة كل من سورية وإيران، من زيادة قوته العسكرية، وإعادة بناء ترسانته العسكرية وتعزيز قدرته الصاروخية، وأصبح يملك اليوم صواريخ أكثر عددا ودقة، وتستطيع أن تصل إلى معظم المناطق في إسرائيل، الشيء الذي يسمح لحزب الله أن يقصف بدقة فائقة البنية التحتية الأساسية في إسرائيل".

هذا التقييم لمقدرة حزب الله العسكرية يعرفه أيضا الشارع الإسرائيلي، والذي بدأ لأول مرة أخذ أبعاد نتائج الأمور الأمنية بجدية أكبر، ويربط بين الأوضاع الإجتماعية والأمنية، كما لاحظنا من الشعارات المرفوعة في المظاهرات وعلى بعض الخيام المنصوبة في الشوارع، وصل المواطن الإسرائيلي العادي إلى نتيجة أنه بسبب الجمود السياسي، والذي تتحمل إسرائيل مسؤوليته، قد يُجبر على الخوض في حرب دامية ومدمرة.

فعندما يتحدث السكرتير العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، يصغي إليه الإسرائيليون بكل حواسهم. وعندما يتحدث عن موضوع ما فإنهم يأخذون أقواله محمل الجد، الشيء الذي لم يكن موجودا منذ قيام الدولة. فالإسرائيلي غير معتاد على سماع تهديدات حقيقية آتية من أي زعيم أو مسؤول عربي، ويعرف أنه لا غطاء لما يتفوهون به، وأن تصريحاتهم الرنانة هي للإستهلاك الداخلي فقط.

فعندما قال نصرالله في خطابه الأخير أنه إذا قصفت إسرائيل المنشآت النفطية اللبنانية فسيرد على ذلك بالمثل. وإذا قُصف لبنان فسيكون رد الحزب بالمثل، وأن لديه إمكانية عسكرية تستطيع تنفيذ ذلك، كما جاء في بحث مركز ديان، فإن رجل الشارع الإسرائيلي يأخذ كلامه مأخذ الجد.

فهذا الإندماج بين المطالب الإجتماعية والأمور الأمنية، هو الذي رفع من قيمة التمرد لدرجة أن صحيفة "هآرتس" (8/8/2011)، وبعد ثلاثة أسابيع من إندلاع التمرد، أطلقت عليه إسم "الثورة الإسرائيلية"، في حين سمى بعض الكتاب الإسرائيليين مظاهرة يوم السبت: "عيد الإستقلال الإسرائيلي الحقيقي".

إن المطالبة بوقف البناء في المستعمرات اليهودية، والعمل على بناء مساكن داخل ما يسمى بالخط الأخضر يتناقض مع موقف الحكومة الحالية التي ترى في بناء وتوسيع المستعمرات اليهودية هدف أساسي لسياستها، وركيزة أمنية لإسرائيل، هذه المطالبة هي بمثابة تحدي لهذه الحكومة.

لقد رفع بعض المتظاهرين شعارا يقول: "إرحل"، فهل ينجح هذا التحرك بإجبار حكومة نتنياهو على تقديم إستقالتها؟

* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن. - FAsmar1@aol.com

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required