مفتاح
2024 . الأحد 7 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
حين تطل فضائية فلسطينية جديدة برأسها عبر الفضاء، لتعلن عن نفسها وسط هذا الكم الهائل من الفضائيات العربية، ربما يتبادر سؤال الى ذهن المشاهد: هل تستطيع فضائية ولدت في ظروف صعبة وعسيرة مالياً وتقنياً، أن تنافس، او أن تضع لها بصمة خاصة في هذا "الكم" الفضائي المتزايد يوماً بعد آخر؟

سؤال مشروع بخاصة في ظل الاموال الطائلة والامكانات البشرية والتقنية الكبيرة، التي يوظفها اثرياء عرب ودول عربية غنية في فضائيات، لكي تتحول الى ابواق أو تنفذ اجندات معينة.

وجوابنا التلقائي "السريع" عن السؤال المفترض بـ "نعم"، شريطة توافر مجموعة من الشروط، التي يمكنني كباحث واعلامي قريب من التجربة، ان اقدمها وفق الرؤية التالية:

ان القضية الفلسطيني الآن وأكثر من أي وقت مضى، هي بأمس الحاجة الى منابر تبرزها وتتحدث عنها، وتظهر ابعادها وتجلياتها، الحقوقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية والثقافية والفنية والنفسية والنقابية والجندرية والطلابية ... الخ، وربط كل ذلك بالسياق النضالي للشعب الفلسطيني على مدى عقود من الزمن.

وقد بات من الضروري تعريف الأجيال الفلسطينية والعربية الجديدة، بالتاريخ الفلسطيني ومراحل تطور القضية واهم المحطات النضالية بسماتها ومواصفاتها، ابداعاتها واخفاقاتها، دون نفخ للتاريخ او تضخيم للانجازات، وانما من خلال طرح القضايا بامانة وموضوعية، بهدف التعريف والتثقيف والتنوير والتعبئة.

فقبل عشرين عاماً، كنا نقول هل يصح ان يظل العرب يتحدثون الى انفسهم، على اعتبار ان العربي يعرف كل شيء عن العرب، ليتبين لنا مجددا، ان العالم العربي بحاجة الى حديث داخلي يومي طويل ومركز وفق استراتيجية تراكمية. كيف لا ؟ . ونحن نرى المواطن العادي والمثقف على حد سواء يخلطان ما بين الانتفاضة والاعمال التخريبية في هذا البلد وذاك، حيث يتم حشر تجربتي مصر وتونس، مع ما يحدث الان في سوريا وليبيا وفي سلة واحدة ، دون التفريق، لاسيما وأن الانتفاضتين المصرية والتونسية هما شعبيتان من الألف الى الياء، وقد نجحتا بمعزل عن طائرات النيتو او التدخل الخارجي، بينما هناك مخطط لاعادة سوريا وليبيا الى مرحلة ما قبل الدولة، تحت ذريعة اسقاط النظام، مع ان الانظمة لم تكن في يوم من الأيام بريئة من معاناة المواطن. لكن عندما يكون ثمن تغيير النظام هو تدمير دولة بأكملها وارجاعها الى ما قبل العصور الوسطى، فهذا يحتاج الى نقاش معمق سياسي واعلامي، وتحديداً على مستوى فضائيات ملتزمة يصل صوتها وصورتها الى كل البلدان العربية، وليس فضائيات تنطق باللغة العربية، لكنها في حقيقة الأمر تعمم رسالة غربية مئة في المئة.

الحديث الى العرب مهم، بخاصة وان المواطن والمثقف يخلطان حينما يتعلق الأمر بالانقسام الفلسطيني، بين الاتجاهات والمواقف، بين المصيب والمخطئ، الجاني والمجني عليه .

الحديث الداخلي بين العرب ضروري، عندما يتسنى للفضائية اختراق الاقليمية وكسر طوق العزلة، متجاوزة النعرات الطائفية والمذهبية والقبلية السياسية التي انتقلت من القبيلة الى الحزب.

الحديث العربي الداخلي شديد الاهمية، بعد ان اصبح البعض يصفق لطائرات اجنبية وهي تذبح الاطفال وتدمر منشآت بلد عربي، تحت شعار الحرية، الديمقراطية، حماية المواطن.

الحديث الداخلي بين العرب له أهميته الخاصة عندما يكتشف الانسان، ان اوضاع المعتقلين الفلسطينيين وظروفهم ومعاناتهم تكاد تكون مجهولة بالنسبة الى القسم الأكبر من المواطنين العرب.

وأمام كل ما ذكر وغيره يبرز سؤال آخر: ما هو المطلوب من الفضائية الفلسطينية الجديدة؟

أولاً وقبل كل شيء، نحن لسنا بحاجة الى فضائيات حزبية مؤطرة من الرأس حتى اخمص القدم، مقولبة ومعلبة، لا ترى سوى بعين واحدة، هي عين الفصيل او الاتجاه السياسي المغلق، الذي يظن ان العالم يتماهى مع افكاره ويصفق لها، على اعتبار انها الكاملة المطلقة.

ثانياً وفي المقابل، نحن كشعب تحت الاحتلال، لا نحتاج الى فضائيات جديدة تنأى بنفسها عن السياسة او هموم المواطن، تحت ذريعة ان السياسة من شأنها ان تضعف الفضائية او تقلل من عدد مشاهديها. إذ ليس شرطاً ان تكون السياسة الوطنية المنتمية الواعية حزبية، لأن الخطأ الدارج لدى نسبة كبيرة من الناس، ان السياسي هو الحزبي، بينما السياسة الحقيقية المتنوعة المتعددة الابعاد المتحررة من الحسابات الذاتية، هي القادرة على النقد ووضع الامور في السياق الموضوعي. ونحن شاهدنا خلال الانقسام كيف ان وسائل الاعلام الحزبية او الفصائلية قد انقسمت هي الاخرى، وتجندت بشكل قبلي خلف الفصيل، تخوّن الآخر وتكفره وتنعته بأقذع نعوت السب والتجريح.

فالمطلوب اذن من الفضائيات الفلسطينية الجديدة ان تلعب دوراً وطنياً سياسياً وتثقيفياً تنويرياً، من خلال ربط الفلسطينيين بعمقهم العربي، والاسهام في انفتاحهم الانساني على العالم . والمطلوب من هذه الفضائيات حتى لو عملت بامكانات بشرية وتقنية غير منافسة، ان تنافس في المضمون،وفي الرسالة الجدية.

المطلوب تعريف بقضيتنا وثقافتنا وفننا وتراثنا وبمبدعينا، من رحل منهم، ومن بقي على قيد الحياة. والمطلوب ايضا برامج في السياسة والتنمية البشرية والمرأة والشباب والحركة النقابية والقضاء والتعليم والصحة والمؤسسات غير الحكومية والرياضة والسياحة, وتسليط الضوء على قصص النجاح التي يجترحها الفلسطينيون في سجنهم الكبير.

نعم تستطيع فضائيات فلسطينية جديدة، حتى لو عملت في ظروف مجافية وبإمكانات مالية متواضعة، ان تنافس في المضمون، التنوع، طرق المواضيع الجديدة، من خلال ملامسة هموم وتطلعات المواطن الفلسطيني والعربي، وبذلك تنتزع لنفسها بصمة في عالم الفضائيات. فلدينا في فلسطين كفاءات اعلامية واكاديمية. لدينا عدد كبير من المحللين السياسيين الذين هم على استعداد للقدوم الى الاستوديوهات والتطوع بتحليلهم ورؤياهم. وليدنا جامعات تخرج سنوياً عشرات الاعلاميين المؤهلين أكاديمياً، فإذا فتحت لهم الفضائيات الجديدة الأبواب ورعتهم وطورتهم ودمجتهم في الميدان، فإنهم سيبدعون حتماً.

وأخيراً لم أهدف من هذا المقال، وضع برنامج عمل لفضائيات جديدة، بل تناولت عناوين عامة، يصلح كل عنوان منها للنقاش، بغية استخلاص التفاصيل اللازمة للعمل، لأن أي عمل مهما كان لا ينجح اذا اهملنا التفاصيل الصغيرة.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required