مفتاح
2024 . الأحد 7 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
قبل أيام وبطريق الصدفة وأثناء توجهي إلى البيت استمعت إلى لقاء مع بائعة الخضار والفواكه في القدس عبر أثير إحدى الإذاعات المحلية، هذه البائعة، وهي من القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس، قالت بكل فخر واعتزاز أنها تاجرة كبيرة للفواكه والخضار وأنها توزع بضائعها الإسرائيلية المصدر( ليست بلدية ) على الحوانيت في القدس وحتى في سوق الخضار غربي المدينة المعروف باسم "سوق محنية يهودا". وتضيف هذه البائعة أو التاجرة إن صح التعبير، أن كل الخضار والفواكه في القدس هي منها، وتؤكد أنها تجلس في مكان ما بأحد شوارع القدس وتبيع الخضار وهي سعيدة لأنه أصبح لها زبائن دائمين يأتون إليها خصيصا لشراء حاجياتهم من الخضار والفواكه بسبب معاملتها الجيدة لهم وتقديريها لهؤلاء الزبائن (المخدعوين)...

هذه البائعة تحرص أن لا تأكل أي شيء من الخضار والفواكه التي تبيعها وتنتظر حتى تعود إلى منزلها كل مساء لتناول عشائها في منزلها بقريتها الفلسطينية المحيطة بالقدس، (هذا ما قالته في المقابلة الإذاعية) وبالتأكيد فهي لا تأكل من الخضار والفواكه التي تبيعها لسكان القدس الجهلة، هي وغيرها من البائعات القادمات من القرى تعرف باللغة العامية في القدس ب"الفلاحات" تحببا وتقربا وللتعبير عن الاحترام لتلك النسوة اللواتي يعانين من اجل الوصول إلى القدس لبيع شيء من محصول حديقة منازلهم، أو مما تنتجه أراضيهن الطيبة المروية بعرق الأبناء والأزواج والزوجات بل وبدمائهم أيضا، لكسب مزيد من الأموال خاصة وان الأسعار في القدس تاريخيا مرتفعه مقارنة مع الضفة الغربية.

ما علينا

المهم أن هذه البائعة أو الفلاحة تقوم باختصار شديد بممارسة أسوأ أنواع الغش والخداع لزبائن لا تحترمهم بالتأكيد، بل تضحك عليهم، فكيف يمكن أن تبيع فواكه وخضار يعتقد الزبون أنها من بلدتها أو حديقتها وما هي إلا عبارة عن فواكه وخضار إسرائيلية وضعت للخداع بصناديق وسلات فلسطينية تراثية. هذه البائعة وغيرها من البائعات يحرصن على الخداع واستخدام كل العبارات للتأكيد على أن هذه البضاعة هي من أرضهن، وهي ليست كذلك، هذا الاحتيال غير المبرر من قبل تلك البائعات أدى إلى القضاء على الثقة المطلقة التي كانت بين أهل القدس والبائعات، وكان هذا واضحا في السؤال التقليدي الذي أصبح يسال قبل شراء أي شيء من أي فلاحة : من أين هذه البضاعة؟! أو : هل هذه الفواكه إسرائيلية؟! هل هي بلدية؟! طبعا النفي دائما سيكون الرد ويليه استخدام أغلظ الإيمان بان هذه فواكه من الجبال الفلسطينية الرائعة.. وأنها مروية من مياه المنزل المهدد بالاستيلاء عليه من قبل المستوطنين وذلك استدراجا للعطف وإقناعا للزبون بضرورة الشراء من دافع وطني..!

خير مثال على ما يجرى هو انتشار ظاهرة بيع الصبر الإسرائيلي على يد الفلاحات الممثلات اللواتي يقمن بتقشير حبات الصبر ويمثلن بان شوكه قوي ومؤلم، ومعروف أن الصبر الإسرائيلي المعالج عضويا اكبر بكثير من الصبر البلدي ولا شوك له، وعندما تواجه البائعة بهذا الكلام تحلف وتحلف حتى تصاب بالدوار

حتى الصبر الفلسطيني المشهور ذو الطعم المميز الحلو المطرز على أثواب الجدات أصبح مغشوشا ويباع لنا عبر من يعانين من قهر المحتل على انه صبر بلدي.. ماذا نسمي هذا ؟! أن هذه خيانة عظمى لكل ما هو بلدي.. ودمار لعلاقة استمرت قرون بين القرية والمدينة، علاقة اتسمت بالكثير من المحبة والاحترام، حيث كان المقدسي ينتظر منذ ساعات الفجر الأولى وصول البائعات المناضلات إلى أسواق البلدة القديمة من اجل بيع محصولهن وقطرات الندى لا تزال تتلألأ على حبات الخضار والفواكه إشارة إلى أنها طازجة، كان المقدسي يحرص على أن يشترى من البائعات القادمات من القرى المحيطة بالمدينة مهما كان الثمن مرتفعا لاعتقاده انه بهذا يدعم صمود تلك النسوة الجبارات اللواتي اجتزن كل الصعوبات والحواجز من اجل الوصول إلى القدس للمساعدة في إعالة عائلاتهن، كانت العلاقة علاقة عضوية فلا القرية تستطيع أن تستغني عن المدينة ولا المدينة يمكنها التخلي عن القرية.

ولكن الآن لم يعد أي شيء في حياتنا حقيقي، فآخر مظاهر الصدق قد اختفت من اجل حفنة من الشواقل، ولم تعد الفلاحات جزءا عضويا من المشهد المقدسي اليومي على مدخل باب العامود ولا في شارع الواد أو خان باب الزيت أو سوق العطارين وحتى حتى في شارع صلاح الدين وسابقا في سوق البازار، بل أن وجودهن أصبح كوجود حوانيت الخضار العادية، ولهذا يفضل الكثيرون الشراء من الحانوت القريب من منازلهم في الأحياء بدلا من النزول إلى البلدة القديمة بحثا عن الخضار الطازجة والفلسطينية، وبهذا تكون تلك النسوة قد ساهمن بصورة غير مباشرة في تفريع المدينة المنسية.... سامحهن الله

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required