المصالحة الوطنية الفلسطينية أصبحت خياراً استراتيجياً فلسطينياً إجبارياً، ولا يختلف اثنان على هذه النظرية، وذلك من أجل سد الذرائع التي يتذرع بها الأخ والعربي والمسلم والصديق المتعاطف مع القضية وعدالتها في عدم تقديم الحد الأدنى للدعم الإقتصادي والسياسي للقضية الفلسطينية، تلك الذرائع التي ربما كانت بسبب القصور في بعض الأحيان من بعض الأطراف العربية والإسلامية، وبسبب الإذعان لمعادلات القوة في احيان اخرى لبعض الأطراف الأخرى، أو بسبب المصالح المرتبطة بالقوى الفاعلة والإنسياق في مخططاتها للمنطقة بالنسبة لأطراف ثالثة لا يروق لها حل القضية لكي تبقى ساحة للهو واللعب والتلهي بها. وكان الإنقسام شماعة يعلقون عليها ذرائعهم. وحتى العدو ومن لف لفه اتخذوا من الإنقسام ذريعة للتملص من استحقاقات السلام الذى أضحى مطلباً عالمياً ومصلحة دولية ملحة. وظهر ذلك جلياً في الجهود الحثيثة التي بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن من أجل احباط تمرير قرار في مجلس الأمن يعترف بالدولة الفلسطينية. وكان الإنقسام هو المبرر والذريعة الذي اتخذتها بعض الدول في عدم تصويتها لصالح القرار بينما السبب الحقيقي المخفي هو تعرضها لضغوطات من الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها اسرائيل. وفي نفس الوقت نرى اسرائيل ومن لف لفها يعملون جاهدين على بقاء الإنقسام على حاله لأنهم هم وحدهم المستفيدون الحقيقيون من هذا الإنقسام. فأصبح الإنقسام سلاحاً ذا حدين بالنسبة لهم وسكيناً ذا حدِ واحد مسلطاً على رقبة القضية الفلسطينية. لا نريد اشاعة الإحباط حيال المصالحة لأننا نتمنى أن تتم بنجاح، وبعد اخراج القيح من دمل الإنقسام وتعقيم الجرح بالنوايا الطيبة والحسنة، وبدون عودة الى هذا الإنقسام المشئوم كما كان الشعب الفلسطيني دوماً يداً واحدة تواجه عدواً واحداً يقف ضد المصلحة الفلسطينية. وبنفس الوقت لا نريد الإفراط بالتفاؤل لئلا نصاب بالإحباط كما اصبنا به في المرات العديدة السابقة. ولكن ما يدعونا الى التفاؤل هو تصريحات رأسي الهرمين المتخاصمين (فتح والسلطة من جهة وحماس من جهة اخرى) وكلامهما عن المصالحة بجدية واضحة في حديثهما هذه المرة، وتلك عموميات لا اشكال فيها، ونتفهم حرصهما عليها، ولكن الإشكال يكمن في التفاصيل الدقيقة لبنود المصالحة، حيث يكثر الطباخون وبالتالي تتشعب المصالح وتكثر النفاثات بالعقد. نظراً لنشوء طبقة من الصدأ على الجسمين في كلا جناحي الوطن باتت مستفيدة من هذا الإنقسام وتخشى أن تضيع بين الأرجل بعد المصالحة. فتخرج أصوات نشاز من هنا وهناك، وتطلق تصريحات مستفزة تعبر عن تعزيز هذا الوضع الفلسطيني المتشرذم. ومن يتابع التحركات السياسية للأطراف الفلسطينية يلحظ أن بعض الأطراف المتخاصة باتت تحضر لما بعد المصالحة التي هي الاستراتيجية للدخول في صراع على كعكة السلطة من خلال الانتخابات التي هي التكتيك وذلك للإستفراد بالسلطة. وما يلفت النظر في هذا الصدد تصريح الدكتور محمود الزهار لجريدة الشرق الأوسط بأن حماس سوف تكتسح الإنتخابات القادمة وكأن الانتخابات (التكتيك) صارت الهدف الذي يتغنى به، والمصالحة الوطنية (الإستراتيجية) هي الوسيلة للوصول الى الهدف (الإستيلاء على السلطة). وما يعزز هذا التصريح هو قيام السيد اسماعيل هنية بزيارة الى الدول الحليفة لحركة حماس، وما يلفت النظر هو توقيت الزيارة وأهدافها، ولماذا؟ يحمل السيد هنية هموم قطاع غزة بصفته رئيس وزراء الحكومة المقالة (كما يسميه الإعلام العربي)، يحمل تلك الهموم الى الدول المنتقاه التي سيزورها، وذلك من أجل فكفكة الوضع الإقتصادي الذي تعاني منه غزة، وحل مشاكل البطالة للتحضير للمرحلة القادمة. ولكن ما الهدف من وراء ذلك ولماذا الآن؟ لقد جرب الشعب الفلسطيني في غزة حكم حماس وعانى كثيراً من الضائقة الإقتصادية التي كانت من جراء الحصار الذي جلبته له حماس يوم أن كانت تتبنى مشروع المقاومة المسلحة التي استبدلتها اليوم بالمقاومة الشعبية بعد أن استخلصت النتيجة متأخرة وكلفت فيها شعبنا الكثير من الشهداء والجرحى والأسرى، ولم تستمع ولم تستفد من تجربة حركة فتح طوال اربعين عاماً من الكفاح المسلح التي أوصلت الشعب الفلسطيني لما هو عليه الآن من سلطة وطنية تصارع عليها حماس والى اعتراف دولي تعيش ايامه حماس بدون جهد أو دم أو عرق، وكان هذا الحصار بعد الحرب الطاحنة بين الكف والمخرز بدون طائل أو عائد سياسي. وكذلك جرب شعب غزة القبضة الحديدية التي تطوقه، من قمع للحريات وتكميم للأفواه ومنعها من التعبير عن الرأي وعن الإنتماء، فمن المتوقع عند اجراء الإنتخابات أن لا يصوت الناخب الفلسطيني في غزة لمن جرب حكمه، كردة فعل للتعبير عن رفض الواقع المر الذي يعيشه، وبالتالي سوف يذهب صوت الناخب للطريق الآخر المفتوح أمامه وهو طريق فتح. فهما الطريقان الوحيدان المعبدان بالمال السياسي والمعيشي امام الناخب الفلسطيني لا ثالث لهما. وهنالك طرق فرعية التفافية غير معبدة لا توصل للهدف ولا تلبي المصلحة السكانية. وربما تجني حماس نسبياً أصواتاً في الضفة الغربية أكثر مما ستجنيه في غزة. وهذ ما ينطبق على فتح في غزة وفي الضفة بصورة عكسية. إذن اسماعيل هنية يريد تحويل واستقطاب صوت الناخب الفلسطيني في غزة لصالح حماس وذلك بالمال السياسي الذي سيعود به من الدول العربية والإسلامية المنتقاة التي سيزورها وخاصة قطر وتركيا. وكلنا يعلم عن اثر المال السياسي القطري الذي جعل منها قائدة للأمة العربية ولربيعها العربي ومسيطرة على الجامعة العربية وأمينها الذي عينته وكذلك على قراراتها. من هنا يتسرب الينا نسمات تثير الإحباط من نجاح المصالحة الوطنية على المدى البعيد. ونعود الى الدوران في حلقة مفرغة كما حصل في الإنتخابات السابقة التي جلبت الإنقسام. وذلك لأننا ما زلنا ندور في فلك الأحلاف والتحالفات خارج الإطار الوطني الفلسطيني، وهذا من شأنه احداث التجاذبات والإستقطابات السياسية، وما زال التحرك السياسي الفلسطيني يتسم بالثنائية التي تعبر عن ثنائية الكيان والتي تبحث عن المصالح الشخصية دون النظر الى المصلحة الوطنية العليا. ومن ناحية اخرى ما جاء على لسان السيد خالد مشعل في مقابلته مع قناة العربية بخصوص زيارته للأردن، حيث قال إن زيارتي للأردن تأجلت بسبب ترتيبات طرف ثالث مساهم بالزيارة وهي قطر، نحن لا نتدخل في العلاقات الثنائية الأردنية القطرية، ولكن من حقنا أن نتساءل عن الدور القطري في هذا الموضوع الذي يخص العلاقة الثنائية بين الأردن وحماس. نحن لا نشك بالدور الأردني في دعم المشروع الوطني الفلسطيني لأنه مصلحة وطنية اردنية، وامتداد للعلاقة الأردنية الفلسطينية التاريخية المميزة، ولكن أنا (وهذا رأي شخصي) من المتشائمين من الدور القطري في مجمل العلاقات العربية العربية، فلم تدخل قطر في ملف قضية عربية عربية الاّ وأفسدتها، وكلنا لا يخفى عليه دور قطر في تمويل الإنقسام الفلسطيني ومحاولة ترسيخه بوسائلها وإمكاناتها المالية والسياسية والإعلامية، وذلك بتسخير هذه الإمكانيات والوسائل في الإنحياز لطرف ضد آخر وإدارة صراع أخوي فلسطيني بما تشتهي هي من خلال دور انيط بها، وبما يشتهي حلفاؤها من القوى الخارجية المعادية لطموحات الشعب الفلسطيني. نعود الى الانتخابات: من الملاحظ ان كل الانتخابات العربية التي جرت حديثاً لم تأت بالنتائج التي تعبر عن طموحات الطبقات الوطنية الواعية والمثقفة، لقد عكست الانتخابات العربية ردة فعل المواطن العربي المقهور والكئيب والمحبط واليائس تجاه القوى الحاكمة للواقع العربي المرير المهيض التي وصلت بالشعوب العربية الى طريق مسدود من الناحية الإقتصادية والسياسية والتنموية، فذهب صوت الناخب بشكل تلقائي الى عكس هذا الواقع الحاكم، أي الى قوى المعارضة التي كانت جزءاً من المجتمع، وذلك من أجل عملية الإحلال في قمرة السلطة، أي استبدال حكم اثبت فشله بإحلال حكم مضاد سيخوض تجربة على واقع أمَرُّ من الواقع المرير السابق، وعملية استبدال لون واحد بلون آخر معاكس، وجاء حكام اللون الواحد الجدد على تركة لا يحسدون عليها. وامكانية نجاحهم في الخروج من هذا النفق ضئيلة ما دام المجتمع لا يهنأ بالأمن السياسي والإجتماعي ولا ينعم باقتصاد معيشي كريم فسيظل يدور في حلقة مفرغة وفي مخاض عسير حتى تتحقق التنمية في كل مناحي الحياة. وسيظل يتقلب من لون الى لون الى أن تتلون أطيافه كقوس قزح الذي يطل علينا بعد موسم شتوي يغاث فيه الناس ويسعدون بربيعه ويجنون ثماره في صيفه. لست من مؤيدي اجراء الانتخابات تحت الاحتلال بأي شكل من الأشكال ولا بأي دافع من الدوافع. ولكننا دخلنا في هذا النفق المظلم وأغلق علينا باب الدخول منذ اجراء الانتخابات الآولى التي كانت بناء على طلب خارجي وليس بناء على حاجة وطنية. وليس امامنا من مخرج الاّ باب الخروج بانتخابات جديدة، وكانت الديمقراطية التي زينوها لنا هي الطعم الذي أوقعنا بالأمس واليوم في فخ الإنقسام البغيض. وكما وقع فيه العراق وما زال يعاني منه. فالاحتلال الذي نعيش في بطنه اليوم يشكل مجالاً سياسياً مغناطيسياً يحاول ويعمل بكل امكاناته وسلطاته المسيطرة توجيه هذه الانتخابات وفرز نتائجها لصالحه من خلال تحكمه في مشاربنا وطرق حياتنا اليومية وفي مصالحنا، لذلك لن تكون نزيهة ومعبرة عن الطموح الوطني الفلسطيني، مهما شهد لها العالم، وهذا ما عانينا من نتائجه وما زلنا نعاني. الانتخابات في الحالة الفلسطينية ليست مصلحة ومطلباً وطنياً فلسطينياً، ولا يمكن أن تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، لأنها أدخلتنا في جدال عقيم، وفي معركة داخلية ذاتية تنابزية وفي معمعة محاصصة مقيتة على تشعبات وهيكلة السلطة، وحالنا هنا كمن استعجل النضوج واستبقه وقطف حبة تين فجة (عجرة) وأكلها فسببت له المتاعب الهضمية والتقرحات المعدية والمعوية، وعلاوة على ضررها، لم يستطعم بها، فخسر ثمرة لو ابقاها على الشجرة لنضجت واستفاد منها، وكان الأحرى به عندما خسرها حين قطعها عن الشجرة أن يرميها بدلاً من أكلها وبذلك يتقي شر ضررها. نأمل أن تكون النوايا خالصة لوجه الله والوطن والمواطن، وأن يبدد الله شكوكنا في عدم نجاحها، وأن يصبح نجاحها يقيناً وواقعاً نحياه.
اقرأ المزيد...
بقلم: ريما كتانة نزال
تاريخ النشر: 2018/7/23
×
احتباس النشر والمواءمة والمساواة- إحاطة أولية بنقاش تقرير ‘سيداو’
أثارت ملاحظات المجتمع المدني على أداء الفريق الوطني في اجتماع لجنة اتفاقية القضاء
على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حفيظة الجهات الرسمية المعنية. لا غرابة في ذلك،
أمر مستوْعَب في الحالة الفلسطينية الداخلية، لا يُهضم النقد جملةً وتفصيلاً.
لم تخرج الملاحظات التي أبداها المجتمع المدني عن الموضوعية. من خلال الاطِّلاع على الأدبيات المصاغة على يد الفريق الحكومي: التقرير الوطني والرد على قائمة الأسئلة المقدمة من قبل لجنة الاتفاقية والطروحات والردود المقدمة على الأسئلة الجديدة المطروحة في الجلسة السبعين المنعقدة مع لجنة الاتفاقية في مقر الأمم المتحدة في «جنيف». جميع الملاحظات التي طرحها المجتمع المدني جديّة وحقيقية وتحليلية ومعرفيّة. أذكر أن وفود المجتمع المدني إلى الاجتماع مع لجنة الاتفاقية ذهبت وهي محمَّلة بالمخاوف والقلق، بسبب احتباس الإرادة السياسية كما اُخْتُبِرتْ في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني (نيسان- أيار 2018)، والامتناع عن تنفيذ قرارات المجلس المركزي المتخذة في اجتماعاته المنعقدة في عامي 2015 و 2018، تلك القرارات المعززة لمشاركة المرأة القاضية بتخصيص مقاعد للمرأة في جميع بُنى ومؤسسات الدولة بنسبة 30% من المقاعد. أضاع المجلس فرصة نظامية مُتاحة لوْ توفرت المصداقية، واختتم الاجتماع دون وضع الصيغة لتجسيد القرار. في النتيجة، احتقان وفجوة وأزمة ثقة بين المؤسسات النسوية والطبقة السياسية. عُقد أكثر من اجتماع مع لجنة الاتفاقية بينما الأسئلة المهمة معلَّقة على إرادة متداعية. سؤال نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية بالاستناد إلى القانون الأساسي الفلسطيني المُعدل. سؤال التوجه نحو المواءمة بموجب الانضمام للاتفاقية والمرجعيات المحلية ممثلة بإعلان الاستقلال والقانون الأساسي. سؤال قرار المحكمة الدستورية (تشرين الثاني 2017) الذي قررت بموجبه "سموّ الاتفاقيّات الدولية على التشريعات المحلية بما يتواءم مع الهوية الوطنية والدينية والثقافية للشعب العربي الفلسطيني." في الجلسة السبعين؛ سمعنا بعض الإجابات على الأسئلة المبدئية التي تلخص نوايا الجهة الرسمية، إجابات أعادتنا إلى الحالة المتشكلة ما قبل الانضمام الفلسطيني المُمَيَّز إلى الاتفاقية دون تحفظ. سابقة عربية جديدة من نوعها في حساب البيدر بينما تتكشف الحقيقة بعد زوال القشرة اللامعة مخلفة بقاء المحتوى على حاله. الردود التي تقدم بها الفريق الحكومي لم تكن وليدة اللحظة، أكدت التخوفات من أن التوقيع لم يتعدَّ كونه توقيعاً سياسياً مع جملة من الاتفاقيات والمعاهدات. وهي الردود التي تخلخل أساس الاتفاقية، وتهزّ بشدة ركائزها وحجر رحاها ممثلاً بالمساواة دون انتقاص. ولغايات الاقتراب من الواقع كما هو البعيد عن الانطباعات نطرح ما سمعناه في الاجتماع مع الفريق الحكومي بحضور صامت للمجتمع المدني: أولاً: قالوا إن الاتفاقية لن يتم نشرها إلا بعد استكمال عملية مواءمة. عدم النشر يلغي التزامات الدولة تجاه التوقيع والمصادقة وفق القانون الأساسي. يحول الانضمام إلى شبح يمكن أن يحضر شكلاً في الخطاب ويختفي فعلياً في الجوهر. استخدام الاتفاقية شبيه بالملابس التي يتم ارتداؤها على وجْهَيْها، التجمل بأحد الوجهين أمام المجتمع الدولي، وطمأنة الاتجاهات السلفية المحلية ونيل الرضا في الوجه الآخر. ثانياً: قالوا إنه لن يتم التعامل مع مبدأ المساواة، بل سيتم إدماجه في عملية المواءمة دون ذكر المصطلح بالاسم! بما يعني إبقاء التمييز ضد المرأة وضَرْب أساس الاتفاقية وجوهرها ومحتواها بدءاً من عنوانها: مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة..؟! ثالثاً: قيل إن الحكومة طلبت رأياً تفسيرياً لقرار المحكمة الدستورية حول قرار المحكمة الدستورية واشتراطها اتفاق عملية المواءمة مع الهوية المحلية. تم تجاهل السجال الجاري في فلسطين حول قانونية قرار المحكمة المتهم بمعارضة القانون الأساسي وصلاحيات المحكمة. علاوة على أن القرار بحد ذاته يُعَدُّ بمثابة تحفظ عام على الاتفاقية وعلى مقاصدها الحقوقية، بل يندرج في إطار التجزئة وانتقائية التعامل المزدوج مع الاتفاقيات الدولية. ما سبق غيض من فيض من ملاحظات المجتمع المدني على أدبيات الحكومة وردودها. وفي التفاصيل حيث تختبئ الشياطين يوجد ما يُقال. لكن لا يمكن إغفال أن النقاش والسجال صِحّي، لكنه حوار عن بُعْد؛ يفتقد إلى القنوات المنظمة بما يوصل السياق الداخلي إلى حالة مشحونة بالاصطفاف والاحتقان والشخصنة الضّارة. والأسوأ انه يفتعل التصادم بين المرجعيات دونما سبب إلا تعالي أطراف المصلحة على الواقع. بعد عامين سنكون على موعد جديد مع تقرير جديد، يرصد التقدم المُحْرز المحدد ضمن المؤشرات المهنية يُجيب على توصيات اللجنة وملاحظاتها المنبثقة على أثر اجتماع «جنيف». وبقناعتي، حَرِيٌ بالمعنيين في المستوى الرسمي الذهاب الى النقاش مع المجتمع المدني لتحديد اتجاه البوصلة، وقف التصادم بين المرجعيات التي تتمتع جميعاً بالمقاصد والمبادئ الحقوقية: الكرامة والعدالة والمساواة للجميع..هذا ما تنادي به نساء البلد وأن يمثل أمام لجنة الاتفاقية المؤسسة السياسية التنفيذية والتشريعية والمؤسسة الدينية، القابضين على بالقرار. بقلم: جهاد حرب
تاريخ النشر: 2018/5/12
×
نميمة البلد: والمسكوت عنه في الوطني... المرأة وفشل المجلس الوطني
(1) فشل المجلس الوطني فشل المجلس الوطني مرتان، الأولى قبل أن تنفض جلساته وقبل قراءة وإعلان بيانه الختامي في التعاطي مع قرارات المجلس المركزي الخاصة بالكوتا النسوية، بضمان تمثيل المرأة بما لا يقل عن 30% في جميع مؤسسات منظمة التحرير ودولة فلسطين، وابقاءه في حالة "التوهان" بترحيله الى وضع اليات التنفيذ، وكأن قرار المجلس المركزي يحتاج الى اليات لا يستطيع وضعها المجلس الوطني أو أن قمة الهرم في منظمة التحرير غير مواتية لوجود النساء. والثانية لعدم قدرته تنفيذ قراره سواء في تضمين البيان الختامي للفقرة التي تم إقرارها والمتعلقة بصرف رواتب موظفي قطاع غزة "فورا" أو قرار الرئيس المعلن في الجلسة الختامية. وهنا الفشل سياسي أكثر منه اجرائي بحيث لا يتم التعامل مع المجلس الوطني باعتباره السلطة التشريعية الأعلى للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجه من قبل السلطة الحاكمة. وهي تعيد الأحجيات السابقة المتمثلة "مَنْ مرجعية مَنْ المنظمة أم السلطة". (2) المسكوت عنه في المجلس الوطني صدر البيان الختامي للمجلس الوطني صباح الجمعة الفارطة دون ذكر للنقاشات او السجال المتعلق بتوسع صلاحيات المجلس المركزي الفلسطيني بحيث يتولى جميع مسؤوليات المجلس الوطني الفلسطيني أي أن يصبح بديلا عن المجلس الوطني لتكريس مقولة أن هذا آخر مجلس الوطني، أو مدة ولايته أو توسيع صلاحياته ليحل محل المجلس التشريعي، وفي ظني أن البعض لا يعلم ان المجلس المركزي يتولى جميع الصلاحيات بين دورتي انعقاد المجلس الوطني، بقرار من المجلس الوطني في دورته السابعة عشر المنعقدة في العام 1984، باستثناء الصلاحيات الخاصة بانتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية وتعديل النظام الأساسي والميثاق الوطني، وإلغاء قرارات المجلس الوطني. تبنى البيان الختامي للمجلس الوطني قرارات المجلس المركزي الصادرة في العام 2015 وكذلك في منتصف شهر كانون ثاني/ يناير من ذها العام. لكن دون تقديم آلية واضحة أو تحديد آجال محددة. الامر الذي يبعث على الدهشة إذ لم تنفذ اللجنة التنفيذية السابقة قرارات المجلس المركزي آنذاك! فهل لها أن تنفذ اللجنة التنفيذية الجديدة هذه القرارات؟ في حين أن البنية والتركيبة السياسية للجنة الجديدة لم يحدث فيها تغييرا جوهريا كما أن المجلس الوطني لم يحدث الانعطافة السياسية أو التغيير في المسار السياسي. النقاش الذي جرى على ارتفاع متوسط عمر أعضاء اللجنة التنفيذية الجديدة في المقال الأسبوع الذي جاء تحت عنوان "68 سنة متوسط اعمار أعضاء اللجنة التنفيذية الجديدة"؛ بكل تأكيد المسألة ليست بالسنوات ذاتها لكن بما تحمله من تبعات، فكما ذهبت إليه الصديقة المقدسية غادة الزغير في تعليقها، "أن هناك علاقة طردية بين السن والاستعداد للتغيير "أو المخاطرة" وكلما ارتفع العمر كلما مال الشخص نحو المحافظة على ما هو قائم وطلب الستر والمشي جنب الحيط تحت مسمى الحكمة، وكذلك المحافظة على الامتيازات التي يتمتع بها" وهي طبيعة بشرية في علاقة الكبار في العمر ليس فقط في الحياة العامة بل في الحياة الخاصة. ملاحظة: ورد خطأ في مقال الأسبوع الماضي أن 27% من أعضاء اللجنة التنفيذية هم من اللاجئين فيما ان النسبة هي 40%. وفي كل الأحوال فإن القراءة المقدمة في المقال الفارط تفتح الافاق لقراءة معمقة لتركيبة أعضاء اللجنة التنفيذية ليس فقط اللجنتين الأخيرتين بل لجميع اللجان التي تم اختيارها لقيادة الشعب الفلسطيني لفهم التحولات السيسولوجية في إحدى أهم مؤسسات النخبة السياسية الفلسطينية.
بقلم: وكالة معا الاخبارية
تاريخ النشر: 2018/5/2
×
اليكم عدد العاطلين عن العمل في الضفة وغزة
أفاد الجهاز المركزي للإحصاء بأن عدد العاطلين عن العمل في 2017 بلغ حوالي 364 ألف شخص، بواقع 146 ألفا في الضفة الغربية، و218 ألفاً في قطاع غزة، وبلغ معدل البطالة في فلسطين 27.7% في العام 2017، وما يزال التفاوت كبيرا في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ في قطاع غزة 43.9%، مقابل 17.9% في الضفة الغربية. ونوه في بيان استعرض خلاله الواقع العمالي في فلسطين 2017، عشية الأول من أيار، عيد العمال العالمي، إلى أن الارتفاع في معدلات البطالة للنساء أكثر منه للرجال مع زيادة هذه الفجوة في الأعوام الأخيرة، حيث بلغ المعدل للذكور 22.5% في العام 2017، بينما بلغ معدل البطالة للإناث 47.8% للعام ذاته. وجاء في البيان: مشاركة الرجال في القوى العاملة حوالي 4 أضعاف مشاركة النساء بينت النتائج بأن نسبة القوى العاملة المشاركة في فلسطين للأفراد 15 سنة فأكثر بلغت 45.3% في العام 2017، ومن الواضح أن الفجوة في المشاركة في القوى العاملة بين الذكور والإناث ما زالت كبيرة، حيث بلغت نسبة مشاركة الذكور 70.9%، مقابل 19.0% للإناث في العام 2017، وبلغت نسبة المشاركة في القوى العاملة في الضفة الغربية 45.3% مقابل 45.1% في قطاع غزة. 666 ألف عامل مستخدمون بأجر يقدر عدد الفلسطينيين المستخدمين بأجر من فلسطين 666 ألف عامل، بواقع 333 ألف عامل يعملون في الضفة الغربية و221 ألف عامل يعملون في قطاع غزة و92 ألف عامل يعملون في إسرائيل و20 ألف يعملون في المستوطنات. بينما بلغ عدد المستخدمين بأجر في القطاع الخاص 351 ألف عامل من فلسطين؛ بواقع 231 ألف عامل من الضفة الغربية، و120 ألف عامل من قطاع غزة. القطاع الخاص هو القطاع الأكثر تشغيلاً في فلسطين 52.7% من المستخدمين بأجر في العام 2017 يعملون في القطاع الخاص، بينما بلغت نسبة المستخدمين بأجر في اسرائيل والمستوطنات 16.8%، في حين بلغت النسبة للقطاع العام 30.5% في العام 2017. أكثر من نصف المستخدمين بأجر يعملون في القطاع الخاص بواقع 52.0% في الضفة الغربية و54.3% في قطاع غزة مقابل 22.9% يعملون في القطاع العام في الضفة الغربية و45.7% في قطاع غزة، في حين 25.1% من المستخدمين بأجر في الضفة الغربية يعملون في إسرائيل والمستوطنات. حوالي ربع المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يعملون في مهن فنية ومتخصصة بلغت نسبة المستخدمين بأجر في القطاع الخاص الذين يعملون في مهنة الفنيين والمتخصصين 23.6% من فلسطين؛ 14.4% للذكور مقابل 67.6% للاناث. في حين بلغت النسبة للمستخدمين العاملين في الحرف وما اليها من المهن 17.0%؛ 20.0% للذكور مقابل 2.3% للاناث. معدلات أجور حقيقية متدنية في القطاع الخاص بلغ معدل الأجر اليومي الحقيقي (سنة الأساس= 2010) للمستخدمين بأجر في القطاع الخاص في فلسطين حوالي 71 شيقل في العام 2017 ، حيث بلغ الأجر الحقيقي في قطاع غزة حوالي 44 شيقل، بالمقابل بلغ الأجر الحقيقي حوالي 84 شيقل في الضفة الغربية (لا يشمل العاملين في اسرائيل والمستوطنات). سجل قطاع النقل والتخزين والاتصالات أعلى معدلات للأجور اليومية الحقيقية في القطاع الخاص في الضفة الغربية بمعدل 106 شيقل، يليه قطاع البناء والتشييد بواقع 96 شيقل، أما في قطاع غزة فقد سجل قطاع الخدمات أعلى معدلات للأجور اليومية الحقيقية في القطاع الخاص بمعدل 71 شيقل، يليه قطاع البناء والتشييد بمعدل 42 شيقل. بينما سجل قطاع الزراعة أدنى معدل أجر يومي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة بواقع 65 شيقل و24 شيقل على التوالي. حوالي 36% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجر (1,450 شيقل) في فلسطين 16.2% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص في الضفة الغربية يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجر أي 37,500 مستخدم بأجر وبمعدل أجر شهري قدره 1,079 شيقلاً في العام 2017. أما في قطاع غزة فقد بلغت النسبة 74.0% أي 88,800 مستخدم بأجر وبمعدل أجر شهري قدره 731 شيقلاً. في سياق متصل، بلغ معدل ساعات العمل الأسبوعية للمستخدمين بأجر حوالي 42 ساعة عمل؛ 40 ساعة للمستخدمين بأجر في القطاع العام و43 ساعة في القطاع الخاص خلال نفس العام. حوالي خمس المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يحصلون على تمويل التقاعد 21.8% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يحصلون على تمويل التقاعد أو مكافأة نهاية الخدمة، و21.8% يحصلون على إجازات سنوية مدفوعة الأجر، و21.0% يحصلون على إجازات مرضية مدفوعة الأجر، و35% من النساء العاملات بأجر يحصلن على إجازة أمومة مدفوعة الأجر. أكثر من ربع المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يعملون بموجب عقود عمل 25.4% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يعملون بموجب عقد عمل في فلسطين؛ 26.2% في الضفة الغربية و23.9% في قطاع غزة في العام 2017. حوالي خمس المستخدمين بأجر في القطاع الخاص منتسبين لنقابات عمالية/ مهنية 17.4% من المستخدمين بأجر منتسبين الى نقابات عمالية/ مهنية في فلسطين؛ 12.4% في الضفة الغربية و29.6% في قطاع غزة في العام 2017.
لنفس الكاتب
تاريخ النشر: 2008/4/28
×
ستون عاماً على النكبة ولم نبلغ سن الرشد
في الذكرى الستين على نكبة فلسطين والفلسطينيين لا بد من وقفة مراجعة وتأمل وتقييم ، ولا بد من بعث حراك تصحيحي لمسيرة الحركة الشعبية الفلسطينية على الظلم والتشريد والقهر والحصار وعلى كل أبشع مظاهر الأستعمار وأعراضه ، والأعراض الجانبية للعلاج الخاطيء الذي تجرعه الفلسطينيون والوصفات الشعبية ونصائح الشيوخ والمشعوذين والزنادقة والعرافين والنصابين وتجار القضايا الشعبية لجني أرباح شخصية من دماء الشعوب وعلى حساب مآسيها وإغراقها في دوامات التوهان والحروب العقيمة الخاسرة مع الأعداء والإقتتال في ما بين الإخوة. في البداية لا بد من الإشارة والإعتراف بمرارة الصراع ، وبخصوصية القضية الفلسطينية وتفردها على مر التاريخ والأزمان ، فلن تجد لها مثيلاً في التاريخ القديم والحديث ، فهي ليست قضية استعمار فحسب ، وليست قضية استيطان فحسب ، إنها قضية فريدة من نوعها ، قضية استيلاءٍ على أرض بالقوة والسطو ، واجتثاث سكانها منها ومن الجذور بالقتل والإبادة أولاً وبالتشريد والملاحقة ثانياً ، وطمس هوياتهم الوطنية والقومية ، و إلغاء تاريخهم وإهدار حقوقم في ملكية أراضيهم ، وشطب تراثهم وانتمائهم وثقافتهم ، واستبدال هؤلاء الناس الذين ارتبطوا بهذه الأرض بأناسٍ آخرين من شتات الدنيا ، ومنحهم ملكية الأراضي بالقوة والتزوير وضمن سياق الخرافات في كتب الديانات المحرفة، وإقامة ثقافة وتراث جديد يرتبط بهذه الأرض وتغيير معالمها الجغرافية والحضارية والثقافية والتراثية وفرض تقافة دخيلة وتراث لا يمت للأرض بصلة ، وإخضاع التاريخ لعملية تجميل تنطوي على تغيير الحقائق وتلفيق وتزوير الأباطيل لتجعل منه شاهد زور على حقٍ لقيط ولد وترعرع بالحرام والدماء والدموع والظلم والقتل والتشريد والطمس. فقضية فلسطين قضية وطنية أولا ، وتاريخية ثانياً ، وجغرافية ثالثاً ، وحضارية رابعاً ، وإنسانية اجتماعية وتراجيديا مؤلمة ومحزنة ومليئة بالقصص الإنسانية القريبة والمشابهة للخيال خامساً ، حيث يصعب على المرء السوي الخلق والمفطور على الخير أن يصدق فصول قصصها الإنسانية وبداياتها ومسيرتها المعذبة الى نهاياتها. إنها قضية مركبة ، ذات أبعاد خمسة وكل بعد متفرد بمكوناته الرئيسية وتفاصيله وعلاماته الفارقة. من هنا كانت الإنجازات الوطنية الفلسطينية باهتة وضحلة ودون مستوى التضحيات ، لعدة أسباب تعود الى فرادية البلاء والقضية والتي نوهنا عنها آنفاً ، والى طريقة العلاج التي أتبعت والوصفات الطبية الخاطئة بقصد أو بدون قصد. ولتسليط الضوء على العلاج الخاطيء ، فقد ركزت الحركات الشعبية الفلسطينية المقاومة لهذا الغزو الفريد والحركات العربية الرسمية على بعد واحد منذ البداية وأغفلت الأبعاد الأربعة الأخرى ، فقد ركزت حركات المقاومة العربية الرسمية والحركات الشعبية الفلسطينية بدايةً على بعد الهوية الوطنية والقومية للقضية ، وابرازها على أنها قضية تحرر وطني فقط ، وأنفقت الأموال الطائلة وقدمت سيولاً من الشهداء في حروب ارتجالية عبثية غير محسوبة النتائج بدون قصد آلت معظمها الى الهزائم العسكرية ، وكلها أدت الى الهزائم السياسية سواءً كانت حروباً عسكرية فاشلة أو ناجحة نسبياً ولم تحقق تقدماً باتجاه حل عادل للقضية ولم تضف رصيداً دائناً لحساب القضية في البنوك الوطنية لا بل تراجعت أحياناً كثيرة وارتدت الى المربع الأول بعد تخطيه وعمقت وضاعفت من بنود الخسائر وأرقامها على حساب بنود الأرباح والمكاسب لتقزم من أرقامها. كل ما كتب عن القضية الفلسطينية يثبت أن العرب وخاصة القيادات العربية الرسمية والنخب السياسية المثقفة كانت على وعي بالحركة الصهيونية ، وعلى علم بتخطيطها طويل المدى منذ صدور وعد بلفور وبعلاقاتها المؤثرة على دول صنع القرار في العالم، وقدرتها المادية والإعلامية على ايجاد الآليات الفاعلة لتمكينهم من تحقيق الأهداف لهذه الخطط ، وإن كنا نعترف بالجهل والفقر والإستعمار الذي كان يلف وطننا العربي والإسلامي في ذلك الوقت ، فلن يعفي ذلك الطبقة المثقفة الواعية والمتعلمة من تنوير الشعوب وقيادة حركة المقاومة للمشروع الصهيوني في فلسطين وتوجيه بوصلتها نحو أهداف يسهل تحقيقها في ذلك الوقت لتقلل من خطر المشروع الصهيوني على المنطقة العربية على أقل تقدير لا أن تمنعه من التحقيق كما أضمر بعض الشرفاء من القادة العرب لذلك وكما قصد بعضهم ذلك من أجل مصلحة قبلية أو فئوية ضيقة وفي تناقض عربي وتضارب وتشرذم للمواقف والأهداف والوسائل في مواجهة جبهة صلبة موحدة وقوية للعدو. لقد كان الخطاب العربي الرسمي في بداية النكبة هو الصوت الشرعي الوحيد الذي كان يدافع عن فلسطين والفلسطينيين ضد المشروع الصهيوني ، وحقيقة الأمر فإن هذا الخطاب فشل في عرض القضية بكل أبعادها منذ البداية ، وأفشل معه الحركات الفلسطينية المقاومة بتدخله في شئونها وتثبيطها وإغراقها بالوعود السرابية ، ووقف أنشطتها المقاومة وهي على عتبة تحقيق النصر النسبي في زوبعة وعود كاذبة من القوى المتنفذة في العالم. نستطيع القول أن غياب الوعي السياسي أو ربما تغييبه عن المواطن العربي والفلسطيني ، وطغيان ردة الفعل الغاضبة عل العمل العربي والفلسطيني ، وطرح القضية بمفهوم عسكري بحت لا يقبل الحوار السياسي ، ومطالبة اليهود بالرحيل أو مواجهة الإبادة والقتل وفي ظل غياب الإعلام السياسي والدبلوماسي وانسحابه أمام الإعلام العسكري ، وكذلك تغييب البعد الإنساني عن مسرح القضية وعدم وجود إعلام عربي يصور التراجيديا الإنسانية التي يعاني منها الفلسطيني في حين كان الإعلام اليهودي يظهر على السطح القضايا الإنسانية اليهودية للعالم ويخفي تحتها أعمال القتل والإبادة والقمع للحركات الفلسطينية والعربية المقاومة وفي اتجاه معاكس نجح في التغلب على محصلة الأعمال المقاومة للإحتلال والإستيطان والحصار والتشريد. ونتيجة لفشل المقاومة العربية والفلسطينية في تحقيق أهدافها على مر السنين منذ بداية النكبة ، ولفشل النظام السياسي العربي في ترسيخ الديمقراطية والحرية والتنمية للشعوب العربية ، كل ذلك أدى الى ظهور الحركات الإسلامية المتطرفة في العالمين العربي والإسلامي ، ولقد نجح الأعداء في توظيف هذه الحركات الدينية الراديكالية المتطرفة لخدمة أهدافهم كما حصل ويحصل في أفغانستان والعراق بشكل جلي وواضح وكما حصل ويحصل في لبنان وفلسطين بشكل مستور تحت شعارات تداعب مشاعر الشعوب المحبطة والمثقلة بالهموم الوطنية ، وأدى ذلك الى تشعب القضايا العربية وتكاثرها وتحولها الى أزمات داخلية عربية-عربية ، وذاتية داخلية في داخل الوطن وبين أبناء الشعب الواحد وأدت الى الفرز العرقي والطائفي بين المواطنين داخل الكيان التاريخي والجغرافي الواحد . وبالتالي أدى ذلك الىإضعاف المقاومة للخطر الخارجي المسلط على رقاب الأمة وغيبها لصالح الخلافات الداخلية المتقاتلة مما نتج عنه فشلاً واضحاً وتعثراً في الطريق الى الهدف. لقد آن الأوان لإعادة النظر في طرح القضية الفلسطينية ، وفي الخطاب العربي والفلسطيني تجاه هذه القضية بالتركيز على كل أبعادها ، واستنهاض الأمة لبداية مشروع مقاومة حضاري ، يعكس خصوصية القضية وتفردها ، ويركز على بعدها الإنساني والتاريخي والجغرافي والحضاري بجانب بعدها الوطني التحرري بكل الوسائل المتاحة ومن ضمنها الوسائل العسكرية المقاومة لعساكر المحتلين والمستوطنيين غير الشرعيين في الأراضي المحتلة ، ويستثمر القرارات الدولية. القضية الفلسطينية بحاجة الى عمل مقاوم مركب ، فيه المقاومة العسكرية الهادفة وغير المكلفة ، والمقاومة الشعبية المدنية المبرمجة والهادفة ، والعمل الثقافي والإعلامي المقاوم الذي يربط الإنسان بالأرض والجذور والتراث والتاريخ وخاصة الأجيال المعاصرة والقادمة التي لم تعرف الوطن وولدت خارجه ، ويعرف الأجيال على جغرافية الوطن بكل تفاصيلها ، مدنها وقراها وبلداتها وتضاريسها وأنهارها وبحيراتها وخيراتها ونباتاتها وحيواناتها. وتسخير الإعلام والأدب والفن والصحافة وكل وسائل الإعلام المختلفة لنقل المعاناة الإنسانية اليومية والإجتماعية للشعب الفلسطيني تحت الإحتلال وفي الشتات في المخيمات ، وتوظيف الفن العربي والفلسطيني لخدمة هذه الأهداف. فالقضية الفلسطينية مناخ خصب يتساوى فيها الواقع مع الخيال ، فالأديب والفنان لا يحتاج لإعمال خياله لخلق الدراما الإنسانية والتراجيديا الفنية ، هنالك قوالب جاهزة في الحياة الفلسطينية تحت الإحتلال وفي منازل الشتات.وايصال المعاناة الفلسطينية للعالم وذلك بتسخير المال العربي لخدمة هذه القضية الإنسانية العادلة. لقد شبعنا من القصص والمسلسلات والأفلام التي ذكرتنا بالماضي البعيد والقريب وأنفقنا عليها الكثير ، فما أحوجنا الى قصص ومسلسلات وأفلام تعكس واقعنا المؤلم وتخدم قضايانا المعاصرة لنلمس النجاح ماثلاً في حياتنا دون اجترار لنجاحات الماضي البعيد والقريب. نحن بحاجة الى تضمين الخطاب الفلسطيني والعربي كل أبعاد القضية دون تغليب بعد على آخر. وإظهار كل بعد للعالم بما يستحق من جهد وبما يليق به وبما يوصله الى الرأي العام العالمي ويصحح من تشويه وتزوير العدو له. نحن بحاجة الى ثورة تقافية وحضارية وإعلامية لتعكس عدالة قضيتنا أولاً في نفوس أجيالنا القادمة لبعث روح الهوية الوطنية فيهم وعدم طمسها مهما طال الزمان وبعد المكان ، وثانياً لبعث التضامن والعون لنا في نفوس وعقول الناس جميعاً لمساعدتنا على تحصيل ديوننا على الإنسانية جمعاء بشكل عام وعلى أعدائنا بشكل خاص. كما أننا بحاجة الى توحيد الخطاب وبرنامج العمل والأهداف والآلية لتحقيق الأهداف لتعبر عنا جميعاً بصوت واحد لا يعتريه النشاز فيوصله مشوهاً ومزعجاً لأصدقائنا وأعدائنا على السواء ، كما أننا بحاجة الى الفن السياسي والدبلوماسي القادر على اختراق الآذان التي أصمها الأعداء وملامسة أحداق العيون التي أعماها الأعداء بذر الرماد في عيونهم لكي لا يروا معاناتنا اليومية. ما نلاحظه اليوم هو تغييب عنصر الثقافة والتراث عن مسرح العمل الوطني تغييباً واضحاً لا مبرر له ، فلا يوجد مؤسسة وطنية واحدة للنشر ، ولا مسرح قومي وطني ، ولا معهد موسيقي وطني واحد ، ولا أكاديمية وطنية للتمثيل والمسرح والفنون ، وأن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطيني يعاني من الإهمال والتهميش والتغييب عن ساحة العمل الوطني إلاّ بمبادرات شخصية من الكتاب والأدباء ضمن إمكانياتهم المادية والتطوعية المحدودة والبسيطة ، فكلنا يعلم علم اليقين أن الجيش الإسرائيلي عندما احتل الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 ، بادر باحتلال المؤسسات الثقافية والإعلامية الفلسطينية والمكتبات الوطنية ومؤسسات التراث ، وكذلك عندما دخل بيروت عام 1982 استولى أولاً على مؤسسة الدراسات والأبحاث الفلسطينية وصادر محتوياتها وصورها ونقلها لإسرائيل ، كما أن الإحتلال تسلل الى تراثنا الفلسطيني المعروف وأخذ يعيد صياغته بالطابع اليهودي ، فمثلاً بعض مضيفات شركة العال ترتدي الثوب الفلسطيني المطرز ، وأخذ الحان الأغاني الشعبية التراثية الفلسطينية مثل يا زريف الطول والدلعونا ويعيد صياغة الكلمات العربية بكلمات يهودية بلحن شعبي فلسطيني ، ولم يقف عند هذا الحد بل أخذ الأكلات الشعبية الفلسطينية كالمسخن والحمص والفول والفلافل ويحاول أن ينسبها لليهود كما أنها تراث يهودي. يحق لنا أن نتساءل ، هل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية عاجزتان عن دعم الثقافة والتراث الفلسطينين ليقوما بدورهما في معركة الحرية والإستقلال؟ وهل أن عنصري الثقافة والتراث لا يعتبران أولوية ملحة لتدعيم العمل الوطني المقاوم في كل الأزمان والأوقات؟ وكيف نفسر الهجمة الإسرائيلية على الثقافة والتراث الفلسطيني ومحاولتها طمسهما وإحلالهما؟ إن الثقافة والتراث هما العنصران القادران على التشبث واالبقاء ، وهما لصيقان للأجيال المتتابعة تورثهم الهم والواجب الوطني وتذكرهم به دوماً ، إن عنصري الثقافة والتراث يعبران أصدق تعبير عن الوجود وعن الهوية الوطنية. وما الإنحدار العربي الاّ نتيجة للغزو الثقافي الإستعماري الذي أنشب بأظفاره في جسد الأمة وأنساها ماضيها وتقافتها وتراثها وعراقتها وحضارتها وأعماها في حاضرها وأغرقها في غياهب ودوامات الجهل والفقر وأظلم مستقبلها بثقافته الدخيلة ومنتجاته الحضارية السامة والتي أساءت الأمة استغلالها وبالتالي حجبت رؤية الأمة وقياداتها عن التنمية والتطور الحضاري وعن استشراق مستقبل أفضل. وفي نظرة تشريحية للحالة الفلسطينية الراهنة من خلال تصوير شعاعي وطبقي بالرنين المغناطيسي نخرج بتقرير طبي متشائم لواقع متردي من العمل الوطني المقاوم من أجل الحرية والإستقلال ، وهنا لا نقصد التسويق للتشاؤم والإحباط واليأس بقدر ما نضع أصابعنا على الألم والجرح كحقيقة مفزعة ، ونحن أمة مؤمنة بالله لا نعرف لليأس طريقاً ، ونؤمن بقدر الله ، وأن دوام الحال من المحال ، وأن الأيام دول يتداولها الناس ، ونؤمن بشعبنا وجبروته وقدرته على الرباط والصمود والصبر على البلاء ، فالحالة الفلسطينية الراهنة تتلخص فيما يلي: فريق منا يحرث الأرض ، وفريق آخر يلبدها من ورائه في اتجاه ونوايا متعاكسة ، وهذا ليس ايماناً واقتناعاً من الفريق المضاد بخطأ الفريق الآخر وسلوكه درباً لا يؤدي للهدف ، إنما يأتي هذا التناقض في سياق التسويق لبضاعة كل فريق على حساب بث وإشاعة دعاية وإعلان عن مساويء بضاعة الآخر ، كتاجرين متنافسين يسوقان لبضاعة واحدة ومن نفس المصدر والصناعة وبنفس المواصفات. فالتاجر الأول يقول للمشتري هذه هي البضاعة الأصلية ، أما البضاعة عند جاري فهي بضاعة مقلدة عن الأصل وتشابهه تماماً وإحذر التقليد. وهنا يبرز كل فريق مهارته في التسويق لبضاعته على حساب تغييب الضمير ، ومن حساب النفاق والدجل السياسي ، وعلى حساب كيل التهم جزافاً للفريق الآخر. خرج علينا قادة حماس في هذه الأيام يعرضون بضاعة فتح القديمة ، ويغلفون ذلك بغلاف مؤنقٍ وجميل يدغدغ المشاعر الوطنية الفطرية البريئة بجملة لا تساوي الحبر الذي كتبت به على رأي شارون في المبادرة العربية وتلك الجملة المعترضة المنمقة المفبركة ' نقبل بدولة فلسطينية......الخ بدون إعتراف بدولة اسرائيل' وهنا تبرز أسئلة مشروعة نطرحها على قادة حماس: كيف للكيان الفلسطيني الناشيء الضعيف أن يعيش بجوار كيان قوي يتطلع لابتلاع مزيدٍ من الأراضي الفلسطينية لا يعترف بوجوده هذا الكيان المجاور المعادي الناشيء سيما وأن عدم الإعتراف يعتبر سبباً مشروعاً في الغزو وبأي حجة للدفاع عن النفس من هذا الكيان المجاورالمعادي؟ لا نعتقد أن هذا سينطلي على كل مراقب ومحلل واعٍ للأحداث والمواقف!! ولا نعتقد أن هذا ما أعطي لجيمي كارتر من أقوال ومواقف. ولماذا تأخر الطرح السياسي الحمساوي الى هذا الوقت ليوصلنا الى ما وصلت اليه منظمة التحرير الفلسطينية في إهدار للوقت وإهدار مزيد من الأرواح والضحايا من أجل هدنة ، ولماذا جاءت ولادته على يدي الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر مهملين للجهود العربية الشقيقة وبعد سيل الدم الفلسطيني العرم وتقديم الضحايا بالجملة على مقصلة الأعداء مرات ومرات....ومرات وبشكل يومي.. وعلى مقصلة الإخوة في غزة بعد الحسم العسكري الدموي وبعد التجويع والحصار وتوقف عجلة الحياة في الوطن عن الدوران الطبيعي للبشر؟ إنهم بذلك يلبدون الأرض التي حرثتها منظمة التحرير الفلسطينية طوال العقود الماضية ، حرثتها بالجهد والتضحية والعرق والدم ، ليعيدوا هم حرثها من جديد في تكرار مكلف وممل واجترار للمواقف القديمة الماضية والرجوع الى نقطة التجمد للإنطلاق من جديد وبأضعاف مضاعفة من الجهد والدم والعرق والتضحية من أبناء شعبنا وليؤخروا موسم الحصاد لعدة مواسم قادمة في سنوات طويلة عجاف من الفقر والفاقة والقحط. لا أحد أحرص من الفلسطينيين على قضيتهم ، ولا أحد يدرك مصالح الفلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. لا جيمي كارتر التوراتي الذي عندما زار اسرائيل قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة ، والذي كان يُدرِّس الكتاب العبراني المقدس في أمريكا ، أبدى لجولدامئير رئيسة الوزراء في ذلك الوقت قلقه على مستقبل دولة اسرائيل مبرراً ذلك بأنه في صبيحة أحد أيام السبت دخل ليتعبد في كنيس يهودي ولم يلحظ في الكنيس إلاّ اثنين فقط يؤدون العبادة اليهودية ، وقال لجولدامئير ، أنا من خلال تدريسي لكتاب التوراة العبراني المقدس ، ومن خلال فصوله تعلمت وعلّمت 'أنه كلما ابتعد اليهود وخاصة قادتهم عن الدين اليهودي والعبادة يعاقبهم الله بتفتيت دولتهم وتشتيتهم في الأرض ، سألها يومها كيف تنظرين لمستقبل دولة اسرائيل في ظل هذه الحكومة العلمانية التي ترأسينها والبعيدة عن الدين والتديُّن ؟ وردت عليه وهي تلتهم دخان السجائر بشراهة بأن المتدينين اليهود حاضرون بقوة في الكنيست ، ودعته لحضور جلسة للكنيست والإطلاع بنفسه على دور المتدينين اليهود في صنع السياسة الاسرائيلية . وبعد ذلك أنتخب المتدين مناحيم بيغن رئيساً للوزراء بعد جولدا مئير. وأبرمت معاحدة كامب ديفيد بين الرئيس السادات (الرئيس المؤمن) ومناحيم بيغن (اليهودي المتدين) برعاية كارتر (الرئيس الأمريكي التوراتي). هذا ما جاء في كتابه 'فلسطين السلام لا التمييز العنصري' وعلى لسانه هو مع احترامنا لشخصه وتقديرنا لعواطفه العارضة المعترضة مع شعبنا من منطلق عواطفه الجياشة وخوفه على مستقبل اليهود وحرصه على دولة اسرائيل اليهودية. الهدف من الغزل المتبادل والتلاطف بين جيمي كارتر وقادة حماس مختلف بين ما في نفسه هو من أهداف وما في نفوسهم هم قادة حماس من أهداف قصيرة المدى ، كيف؟؟ جيمي كارتر التوراتي يُشجع ويُسوِّق للحل مع كيان إسلامي فلسطيني وهمي يوضع بين فكي كماشة (اسرائيل كفك سفلي متحرك ضاغطاً على هذا الكيان الهش وزاحفاً نحوه والأنظمة العلمانية المحيطة به كفكعلوي ثابت) وتحت المراقبة اللصيقة والدائمة في بعضٍ من أجزاء الضفة الغربية وقطاع غزة ، مقابل دولة يهودية حقيقية صافية وخالية من أي قومية أخرى ومفرغة من غير اليهود الأقحاح ، وبطابع ووصف ديني أسوة بالكيان الفلسطيني الديني القاصر والوهمي والذي لا نلمس فيه من الدين الأّ اللحا وتقصير الثياب وحب السلطة وتعدد الزوجات والولائم. وليكون نموذجاً يتبع في العراق ولبنان لإنشاء كيانات طائفية وعرقية ممزقة ومتشرذمة بناءً على رؤية ومنهج مؤسس دولة اسرائيل ديفيد بن غورين ، وفي نفوس قادة حماس أنهم حققوا انتصاراً بكسر الحصار والعزل السياسي على الحركة وليس على الشعب الفلسطيني الذي لا يعنيهم في شيء. وحقيقة الأمر فإن كارتر يعي ما يفعل وما يقول وأن اسرائيل ومن ورائها أمريكا ، كل واحدة منهما تعي وتعلم وتشجع من خلف الكواليس جهود كارتر بنفاق سياسي واضح ، فقد سخرت له إمكانيات السفارات الأمريكية في التنقل في سوريا ومصر للقاء قادة حماس ، ولكن المفارقة أن قادة حماس لا يعون خطورة الموقف وعمق الحفرة التي يعدها الأعداء وأصدقاؤهم وحلفاؤهم والمنعطف الخطير الذي يقف عليه الفلسطينيون بخطىً مترددة ومتناقضة ومتلاطمة على وقع الإنقسام الفلسطيني في الأهداف والمواقف والوسائل والذي يلعب فيه الأعداء بكل أريحية ويسر وخبث ومكر ضد مصالح هذا الشعب المسكين، ويدفع بهم الأعداء الى هاوية الكيان اليهودي الخالص والذي يؤدي الى افراغ الأرض الفلسطينية داخل اسرائيل من مالكيها العرب وطردهم الى الكيان الفلسطيني الموعود والجديد والذي سيقام في ظفر فلسطين وعلى أطرافها المبعثرة. حقاً لقد شارفت النكبة على بلوغ الستين من عمرها ونحن لم نبلغ سن الرشد بعد ، يتحكم صغيرنا بكبيرنا بالعقوق والتمرد والعصيان والمكابرة والمعاندة ، ويضيع عقلاؤنا في غوغاء جهالنا ، ولكن دوام الحال من المحال ، وكلنا ثقة وأمل بهذا الشعب الخلاق ، والقادر على التغيير بوعيه وحسه وتجاربه وحنكة عقلائه. ولن يضيع الله صبرنا وكفاحنا وتضحياتنا ، وسيعوضنا الله خيراً مقابل صبرنا على البلاء والإبتلاء. ها نحن نفقد ورقة المقاومة بانقسامنا نبحث عن هدنة وفك للحصار متناسين حقوقنا وثوابتنا الوطنية ، وكذلك نتعثر في طريق المفاوضات بحجة عدم إجماعنا على الموقف وعلى منهج وطني واضح المعالم ، وبحجة عدم قدرتنا على حكم أنفسنا وظهورنا بهويتنا الوطنية الفلسطينية الموحدة وبحجة عدم أهليتنا للقيادة بالرغم من أننا خرَّجنا قادة التنمية والتعليم في معظم الدول العربية المتطورة وقدنا المؤسسات الناجحة والقوية بتميز.
تاريخ النشر: 2008/3/31
×
ما هي البدائل بعد سحب المبادرة العربية للسلام
ترتفع أصوات عربية لسحب المبادرة العربية للسلام ، نظراً لولادتها مريضة ومعاقة وغير مكتملة النمو وذلك لغياب الإجماع العربي عليها ، وغياب الآليات لتطبيقها وترجمتها على أرض الواقع ، في ظل غياب أوراق الضغط العربية المؤثرة من أجل معالجتها من مرضها الذي أصبح مزمناً ومستعصياً على الحل ، وما زالت في الحضّانة جنيناً غير مكتمل النمو يصارع الموت ، ويبدو أنها ماتت دماغياً وأعلنت وفاتها على لسان الأمين العام لجامعة الدول العربية ، وبعد ذلك تم التراجع عن إعلان الوفاة في مؤتمر القمة العربي بالرياض في العام المنصرم ، وتجددت الآمال العربية بشفائها في مؤتمر أنابوليس. ولو عدنا لتاريخ ولادتها الحقيقي عندما كان المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ولياً للعهد وأطلقها عام 1982 ، وبقيت في الحضانة وغرفة الإنعاش وبموجب شهادة ولادة مع وقف الإعلان الرسمي والشرعي عنها ، وكانت الولادة الرسمية والشرعية لها والإعتراف بها شرعياً من العرب في مؤتمر القمة العربي ببيروت عام 2002م. وتبناها العرب رسمياً منذ ذلك التاريخ. ولكن اسرائيل والولايات المتحدة لم تعترف بالتبني العربي الشرعي لها ، وقال عنها شارون حين إعلان التبني إنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به في استهانة واضحة وصريحة بالشرعية العربية ، ولرفع العتب فقد أشير اليها باستحياء في مؤتمر أنابوليس إشارة هامشية باعتبارها مرجعية لا يؤخذ ببنودها كاملة ولا تترك كاملة. بمعنى أن تختار اسرائيل ما يناسبها منها وهو التطبيع أولاً بعد القفز عن بنودها الأخرى وترحيلها وتركها للزمن. من هنا وبعد مؤتمر أنابوليس وتعثر المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وذلك بالإجراءات العملية المناهضة لها على الأرض من قبل اسرائيل بالعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني وافتعال الصدامات في جناحي الوطن والتصفية الجسدية للمناضلين وقتل الأبرياء في حرب أحادية الجانب من جيش مدجج بالسلاح ضد شعب أعزل ، وذلك للتغطية على الإستطان الذي تسارعت وتيرته بعد أنابوليس بشكل محموم ، فقد يئس العرب من هذه المبادرة التي تترنح بين الموت والحياة ، ونادى بعض العرب بإماتتها بالموت الرحيم ، وسحبها لعدم بعث الحياة الطبيعية فيها وترجمتها على أرض الواقع تمشي ملكاً. ولكن السؤال المطروح على العرب ، وفي حالة سحبها وإلغائها ما هو البديل؟ سؤال مشروع يحتاج الى الإجابة. هل البديل إطلاق مبادرة جديدة مخففة تقبل بها اسرائيل وتعلن صراحة إلغاء حق العودة؟ أو أن يكون التخلي عن السعي العربي لاحتوائها ومحاولة حلها بأدنى المطالب العربية والفلسطينية المقبولة طبقاً للمعادلات التي تحكمها في هذا الظرف ، وبالتالي إتاحة الفرصة لإسرائيل للإستفراد بالطرف الفلسطيني والذي بفقدانه الدعم العربي المنقوص أصلاً سيزيد الموقف الفلسطيني ضعفاً على ضعف مقارنة بالطرف الإسرائيلي ، ويفتح الباب مشرعاً لإسرائيل لتتمدد على حساب الأرض العربية والحقوق العربية. وهذا السؤال من منطلق الخيار الإستراتيجي العربي اليتيم للسلام والذي يعتمده العرب حيال هذه الأزمة والمرض العضال الذي يغزو الجسم العربي كله ويفرخ الأزمات والأورام في الجسم العربي ، حيث لا يوجد خيارات مطروحة من العرب لمعالجة الأزمة القديمة المستحكمة المستعصية عن الحل. وهذا التخلي عن الأزمة وترك طرفيها يتصارعان لوحدهما برعاية أمريكية منحازة وحكم اوروبي غير مؤثر وأمم متحدة مكبلة بسياسة القطب الأوحد. وفي محاولة للإجابة على هذه الأسئلة ، ومن منطلق عمومية القضية وليس خصوصيتها ، وعدم السماح لعدوى وبائها بالإنتشار الشامل والكامل في الجسد العربي لتضرب القلب والدماغ بعد أن ضربت الكلى والرئتين والكبد ، حيث امتدت وأصابت الكيانات العربية المجاورة وغير المجاورة ولم يعد ينفع الحجر الصحي عليها وحصرها في خاصرة الأمة (فلسطين) فوصلت لأرض الرافدين وتهدد دول الخليج العربي واستفحلت في لبنان وتهدد سوريا وتفاقمت في غزة وتهدد الأمن القومي المصري ركيزة الأمن القومي العربي وانتشرت واستشرت في الجسم العربي متجهة للقلب والدماغ. إن على الدول العربية وفي حالة سحب المبادرة أن تهييء للفلسطينيين إحياء الخيارات المناسبة لإجبار اسرائيل على الإنصياع للقرارات الدولية وتطبيقها تماماً كما يتم فرضها على العرب وتنفيذها حرفياً كما طبقت على العراق بفرض التفتيش الدولي وتخطت ذلك بعدوان أنجلوأمريكي غربي غير مشروع على سيادة بلد عربي أساسي وفاعل وعضو في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ، واحتلاله رغم المعارضة الدولية له ، وكما طبقت على سوريا التي دخلت قواتها الى لبنان بناء على رغبة وايحاءات دولية وقرارات عربية شرعية ، وأصبحت غير شرعية وخرجت منه بقرارات شرعية دولية مزاجية ومغتصبة من الهيمنة الأمريكية ومتماشية مع الرغبة الإسرائيلية ومتطابقةٍ مع المصلحة الإسرائيلية بقوة الهيمنة والسيطرة الأمريكية على الأمم المتحدة ، وكما طبقت على لبنان وأهملت من الجانب الإسرائيلي الذي ما زال يحتل مزارع شبعا ومرتفعات الجولان السورية. المطلوب من الدول العربية دعم الفلسطينيين الذين سعوا للسلام بجدية ومسؤولية عالية يوم أن أعلن عرفات في الأمم المتحدة أنه يحمل غصن الزيتون بيد والبندقية باليد الأخرى ، وخاطب المجتمع الدولي قائلاً "لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي". ولكن اسرائيل وبالدعم الأمريكي اللامحدود أسقطته بتعنتها ومراوغتها وعدوانها المستمر على الإنسان والأرض ، وأسقطت عرفات القادر على صنع السلام والذي كان يحمل هذا الغصن بكلتا يديه بعد أن ألقى البندقية جانباً بموجب اتفاق اوسلو الذي انقلبت عليه اسرائيل. وليس مطلوباً من الدول العربية خوض الحروب العسكرية إنما إتاحة الفرصة للفلسطينيين بممارسة حقهم الطبيعي والمشروع في المقاومة المسلحة والشعبية من على كل الأرض العربية وأينما وجدوا. المطلوب إعادة البندقية للمقاوم الفلسطينني التي جُيِّرت لصالح الخيار الإستراتيجي للسلام. والمطلوب من الدول العربية التي أبرمت إتفاقيات سلام مع اسرائيل أن توقف التعامل الدبلوماسي والسياسي معها بسحب سفرائها المعتمدين لدى اسرائيل حيث ثبت عدم جدوى هذه العلاقات الدبلوماسية معها في إزالة حاجز اسرائيلي واحد ينغص حياة المواطن الفلسطيني باستغلال هذه العلاقات الجليدية. ولا يُطلب من هذه الدول إلغاء اتفاقيات السلام ، بل المطلوب تجميد العلاقات الدبلوماسية معها. ووقف الإتصالات والتوقف عن التطبيع وإحياء المقاطعة العربية الإقتصادية مع اسرائيل. اسرائيل تعودت أن تأخذ ولا تعطي ، وأن تسحب الموقف العربي للإقتراب منها دون أن تتقدم خطوة نحو العرب متمترسة ومتدثرة بغطاء القوة الأمريكية العسكرية والدبلوماسية والدعم المادي والمعنوي اللامحدود. والمطلوب توجيه رسالة من مؤتمر قمة عربي طاريء واستثنائي لهذا الغرض الى اللجنة الرباعية الرباعية الراعية لعملية السلام يعلن سحب المبادرة ويبين الأسباب ويعلن للعالم دعمه المطلق للشعب الفلسطيني في ممارسة المقاومة بكل أشكالها ضد المحتل الجاثم على أراضيهم ويؤكد دفاعه عن الحق الفلسطيني المغتصب ، وكذلك الإعلان عن حق سوريا ولبنان في اتخاذ الإجراءات التي يرونها مناسبة لاستعادة حقوقهم المغتصبة وأراضيهم المحتلة والتعويض عن سنوات الإحتلال التي سرقت فيها اسرائيل الموارد العربية وقتلت المواطنين العرب في الأراضي المحتلة وأخرت تنمية المجتمعات العربية تحت الإحتلال وتطورها وصادرت ممتلكاتها بدون وجه حق مخالفة ومتجاهلة القوانين الدولية والمعاهدات الدولية في حق الشعوب المحتلة والأراضي المحتلة بالقوة ، حق تلك الشعوب المحتلة أراضيها في الإحتفاظ بمقدراتها وأملاكها وعدم تغيير المعالم الجغرافية للأرض ورعاية مواطنيها والمحافظة على حقوقهم المدنية والمعيشية والتنموية. فإن لم يبادر العرب الى مقاطعة اسرائيل ويعلقون الجرس لباقي دول العالم كما حصل مع جنوب أفريقيا ، فمن سيبادر الى هذه الخطوة. إن إقامة السلام في المنطقة مصلحة عالمية ينشدها العالم كله ولكنه مكبل بهيمنة القطب الأوحد المنحاز بالكامل لاسرائيل ، ويحتاج الى خطوة عربية عملية جادة ومصممة ومدعومة بآلية تنفذ بحذافيرها. لماذا يخشى العالم اسرائيل التي لم تقدم له إلاّ الأزمات والنموذج الإستعماري الإستيطاني على حساب أرض بقتل وتشريد شعبها ، ذلك النموذج المرفوض من كل الشعوب وعلى رأسها الشعوب المتعاطفة مع اسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة. وهل يقبل شعبٌ في العالم أن تأتي عصابات من أشتات العالم وتقول أنها صاحبة حق مزعوم في أرضه لمرور أجدادهم ذات يوم مضى وانقضى على تلك الأرض لتقيم عليها وطناً قومياًُ لشتاتها بالقتل والتشريد؟ وهل تقبل اسبانيا مثلاً أن يطالب العرب بأرضها لإعادة بناء دولتهم الأندلسية الأموية علي أرض اسبانيا لأنهم حكموها في حقبة تاريخية خلت؟ أما أن يسحب العرب المبادرة بدون تقديم البدائل الناجعة الفاعلة فسوف يثلج هذا العمل قلب اسرائيل ، وتعتبره عجزاً على عجز ، وسوف تطلق عليه المثل القائل "قُصُر ذيل يا أزعر" أو "إلّي مش قادر يطول العنب بيقول عنّو حامض". ويجب أن تبدي المنظومة العربية صرامة وعزماً وتصميماً وتطبيقاً فعلياً متكاملاً لمقررات هذه القمة الإستثنائية لتكون مقدمة لحل المشاكل والمعضلات العربية السياسية والإقتصادية والثقافية التي ترتبت على هذه القضية المتقادمة والمستعصية على الحل. وعلى القيادة والفعاليات الشعبية الفلسطينية والأطياف السياسية أن تدرس هذه البدائل منذ الآن وتضع الخطط والإستراتيجية الوطنية المناسبة والفعالة لمقابلة فشل مفاوضات السلام ، في عمل متناغم ومنظم وملتزم بتعليمات القيادة السياسية التي تدير المفاوضات والعلاقات الدولية ، ويعتمد على قواعد الوحدة الوطنية والكتمان في قضاء الحوائج الوطنية مع استمرار البحث عن الوسائل غير باهظة التكاليف برفع شعار المقاومة بكل أشكالها العلنية والسرية وشعار السلام القائم على القرارات الدولية التي صدرت لصالح القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في تقرير المصير ، مقاومة علنية شعبية في فعاليات شعبية سلمية وحضارية منظمة ، ومقاومة مسلحة تحت الأرض تكيل الضربات الموجعة والمؤثرة لإسرائيل دون استثارة التعاطف الدولي معها بتركيز المقاومة في الأراضي المحتلة بعد عام 1967. واستهدافها المستوطنين اليهود على الأراضي المحتلة بعد 67 ، والجيش الإسرائيلي الذي يثبت الإحتلال أينما وجد ، وتجنيبها المدنيين اليهود داخل الخط الأخضر كأهداف معلنة واستراتيجية مدعومة بإعلام هادف يعكس المطاالب المشروعة للشعب الفلسطيني ويركزعلى الوحدة الوطنية لكل أطياف المقاومة وعلى وحدة المطالب الشعبية المشروعة ، ويسلط الأضواء على الجرائم الإسرائيلية باستهداف المواطنين العزل من الفلسطينيين وعلى معاناتهم اليومية في تحصيل لقمة العيش من الحواجز والأسوار العازلة والإعتقال وتجريف الأراضي والممتلكات ، ويجب العمل على إلزام اسرائيل بكامل مسؤولياتها على الأراضي المحتلة حسب المعاهدات الدولية. واعتماد الصبر والحكمة في معالجة تبعات المقاومة المسلحة المرشدة الفاعلة ، وكتمان هوية أبطالها وشهدائها بعدم الإعلان والظهور المسلح للملثمين. وذوبان كل أسماء الجبهات والحركات والفصائل في مسمىً واحد على سبيل المثال "الجبهة الوطنية لتحرير فلسطين" مغطاة بعباءة واحدة هي القيادة الموحدة لفعاليات المقاومة الفلسطينية من أجل دحر الإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على قاعدة القرارات الدولية وبدون إعلان أسماء القادة الميدانيين للمقاومة المسلحة. بدءاً بالقرار رقم 242 وقرار المحكمة الدولية بحق الجدار العازل كمرحلة آولى ، وانتهاءً بقرار التقسيم عام 1947 والقرار رقم 194 لاستيعاب الشعب الفلسطيني بالشتات كمرحلة ثانية. ولا مانع من تعليق القرار رقم 194 دون إلغائه وإبقائه قائماً وتأجيل بحثه في مفاوضات نهائية لتحديد الحدود الدائمة على أساس قرار التقسيم بعد قيام الدولة على حدود مؤقتة على الأرض التي احتلت عام 1967وتشكيل الحكومة الوطنية وذلك للحيلولة دون تمدد اسرائيل وابتلاعها مزيداً من الأراضي. فصعود السلم درجة درجة بخطوات محسوبة أكثر أماناً ووثوقاً بجلب النتائج من القفز مرة واحدة من الدرجة السفلى الى الدرجة العليا التي تحتمل مخاطر كثيرة وعالية ربما تفشل الصاعد عليه وتودي بمنجزاته.
تاريخ النشر: 2008/3/24
×
سر الصراع المرير بين عرفات وشارون
لقد دار صراعٌ معلن حيناً وخفيٌ حيناً آخر بين الرجلين (عرفات وشارون) في شبابهما وشيخوختهما ، وتدرَّج من صراع الشباب الى صراع الكهول ثم الى صراع كبار السن ، وكان بحق صراعاً مريراً وطويلاً ، وكل واحد منهما كان يكره الآخر بأقسى العبارات في وصف الكره ، وكانت بينهما جولاتٌ ومعارك عديدة ، تبادلا فيها النصر والهزيمة ، وكانت محصلة الانجازات الوطنية والإنتصارات التي حققها عرفات شوكة في حلق شارون ، مما سبب لشارون عقدة الإنتقام بدافع الحقد الدفين على نجاحات عرفات ليتحول الى حقد شخصي. وأن شدة الصراع ومرارته استدعت كلاً منهما الى الإستعانة بكل أدوات القتال ووسائله ضد الآخر ، ولكن وسائل وأدوات شارون في الجولة الأخيرة كانت أقوى من وسائل وأدوات عرفات ، ومؤيدوا شارون أقوى من مؤيدي عرفات ، مما جعل شارون يفوز بالضربة القاضية الخادعة من الخلف من مؤيدي شارون وبالأدوات المحرم استخدامها في الصراع بيدي شارون في آخر جولة غاب فيها عرفات عن حلبة الصراع ، وما لبث شارون أن لحق به مترنحاً من ضراوة الصراع ، وها هو ما زال معلقاً بين الحياة والموت في سكرات طويلة لنزع الروح والغياب عن الدنيا بدون عودة للحياة بمشيئة الله. وهنا لا نقول هذا بدافع التشفي حيث لا يعلم أي مخلوقٍ منّا كيف وأين ومتى ستكون نهايته وهل سيُردّ الى أرذل العمر أم لا. ولكي نقف على مصوِّغات ومبررات هذا الصراع الذي بدأ في طوره الأول بثورة مظلومٍ على ظالم ، وبريءٍ وقع عليه الظلم ثار على على مجرمٍ عاقر الجريمة وأوقع الظلم ، ثورة شرعها الله والإنسان في القوانين السماوية والتشريعات الإنسانية انتصاراً للمظلوم وللحق، وبمنطق لا يقبل التشكيك في حق مغتصب. ثورةٌ لثائر صلب وعنيد لم يقبل المساومة والخضوع للأمر الواقع ، ولم يعبأ بسطوة القوة وجبروتها في سبيل الدفاع عن شعبه ، وهجمة من وحشٍ ضارٍ بسطوة القوة وجبروت النهم والجوع يستند الى تحقيق الهدف بوسائل لا تحكمها الأخلاق السماوية والإنسانية ، مدعومة بقوى الظلم والإستعمار والطغيان وموازين المصالح المعوجة التي تحكمها شريعة الغاب. فبعد غزو لبنان عام 1982 بهدف اجتثاث المقاومة الفلسطينية من جذورها وقطع رأسها متمثلاً بقياداتها وعلى رأسها ياسر عرفات ، لم يتحقق حلم شارون وزير دفاع اسرائيل في ذلك الوقت وقائد الحملة العسكرية في تحقيق هذا الهدف الذي من أجله دفع بثلثي قوات جيش الهجوم الإسرائيلي – وليس جيش الدفاع كما يسمونه - وبإمكانياته العسكرية المتطورة الى لبنان للقضاء على بضعة آلاف من الفدائيين الفلسطينيين مسلحين بأبسط أنواع الأسلحة الفردية الخفيفة والمتوسطة ، وجوبه بمقاومة عنيفة وضارية ومنقطعة النظير من الفلسطينيين واللبنانيين. وحوصرت بيروت ثمانين يوماً ونيفاً والقنابل والصواريخ والمقاتلات الجوية الحديثة تمطر على المقاومين الصامدين في صيف حار ممطر بالرصاص والقذائف العنقودية وغير العنقودية والمحرمة دولياً. وكعادته فقد عمد الجيش الإسرائيلي الى تنفيذ مذابح ضد المدنيين (صبرا وشاتلا) ليرفع من معنويات جيشه العاجز عن تحقيق الأهداف السياسية من العدوان بعد خروج المقاومين من لبنان دون استسلام ودون خضوع ودون هزيمة وتصفية ، رافعين رايات النصر والمقاومة ومرفوعي الرؤوس بموجب اتفاق وإجماع عربي على الخروج ، وبعد ذلك شُكلت لحنة تحقيق اسرائيلية بالمجازر ضد المدنيين وثبت تورط شارون فيها وأقصي من منصبه كوزير للدفاع. من هنا بدأ الحقد الشخصي من شارون على عرفات ، حيث خرج عرفات من هذه الجولة الطاحنة منتصراً ورافعاً علامة النصر ومصرحاً بأنه يخرج من بيروت الى القدس إن شاء الله. وانسحب شارون من محيط بيروت متمسكاً بالجنوب اللبناني في محاولة للتخفيف من فشل الحملة. وكانت أول هزيمة ونصر عسكري مجهض ومفرغٍ من المحتوى السياسي ، تلقاها شارون من خصمه عرفات في جولة علنية من المواجهة المفتوحة على كل الإحتمالات. وخلال تواجد المقاومة الفلسطينية في لبنان بقيادة عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية نثرت حبوب لقاح المقاومة اللبنانية في رحم الأرض اللبنانية وتركت لها سلاحاً ودعماً مادياً وتدريبياً وإمداداً لوجستياً ، وأخذت المقاومة اللبنانية في كيل اللطمات والضربات للجيش الإسرائيلي وللمستعمرات الإسرائيلية في شمال فلسطين ، ودارت معارك يومية بين المقاومة اللبنانية التي نمت وترعرعت وتصلبت لتكون خصماً عنيداً وقوياً وبين الجيش الإسرائيلي المحتل تسبب في الخسائر الفادحة ومن ثَمَّ الإنسحاب المذل للجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني يجرجر أذيال الهزيمة عام 2000م ، وكعادته عمد الجيش الإسرائيلي الى إجراء مذابح ضد المدنيين اللبنانيين في الجنوب أهمها (مذبحة قانا) للتغطية على فشل الجيش الاسرائيلي في صيانة الإحتلال وتثبيته أمراً واقعاً على الجنوب اللبناني الذي نظّر له شارون ونفذه. وجرى تقهقر الجيش الاسرائيلي على مسامع ونظر شارون ، وكان بمثابة الفشل لنظرياته وخططه العسكرية في فرض الأمر الواقع. وكانت هزيمته الثانية أمام المقاومة التي بعثها عرفات في الشعب الفلسطيني والعربي الذي أتاحها وهيأ ظروفاً ومناخاً خصباً لها وبعثها في الشعب اللبناني المتعطش لها. وازداد حقد شارون على عرفات وما يرمز له هذا الختيار العنيد في صراعه. وعملت الثورة الفلسطينية بعد رحيلها الى تونس على تثوير الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة ، وكانت الإنتفاضة الآولى عام 1987 ، وواجهتها اسرائيل بعمليات القمع وتكسير العظام واغتيال القائد أبو جهاد في عملية جاسوسية جبانة وأخيراً اضطرت الى الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بموجب اتفاق اوسلو الذي وضع الخصمين اللدودين (عرفات شارون) وجهاً لوجه في أرض فلسطين بؤرة الصراع ، وزادت نار الحقد في جوف شارون الذي كان خارج الحكومة في ذلك الوقت ، وعمد أتباع حزبه الى تصفية اسحاق رابين باغتياله ، وذلك لضرب مشروع السلام والانقلاب عليه والتنكر له ، فجاءت بنتنياهو الى الحكومة الإسرائيلية الذي مهد الطريق لشارون للعودة الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية بعد فشل محادثات كامب ديفيد بقيادة حزب العمل وعلى رأسه باراك كرئيس لحكومة اسرائيل وتمسك عرفات بالثوابت الفلسطينية قائداً صلباً لا يلين. وعرفات يعرف شارون جيداً ، فلما انتخب شارون لرئاسة الحكومة الإسرائيلية صرح عرفات بأن ذلك شأن اسرائيلي داخلي ، وعلينا التعامل مع الوضع الجديد في سبيل تنفيذ عملية السلام وتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني في إطار القوانين والشرعية الدولية ، وكان عرفات يدرك شراسة شارون وأنه أي عرفات في وضعٍ عسكري لا يقارن بوضع شارون ولأنه لا يريد الدخول في معركة خاسرة باللجوء الى الحكمة والتعقل لكي لا يتسبب في تراجع المنجزات الوطنية التي حققها على الأرض. وكان وعد شارون للشعب الإسرائيلي بالقضاء على ما سمّاه الإرهاب الفلسطيني خلال مائة يوم من تسلمه الحكم ، وبالفعل بدأ حملته العسكرية الهمجية على الشعب الفلسطيني الأعزل لقمع الإنتفاضة الثانية والتي بدأت في سبتمبر عام 2000م وإخضاع المقاومة الشرعية لقبضته الحديدية بأحدث الأسلحة الفتاكة والمحرمة ، ومضت المئة يوم دون تحقيق الهدف المعلن ، رغم البطش والقتل والتعذيب والإعتقال ، وواجه شارون الفشل العسكري والسياسي ، وكانت هزيمته الثالثة في الجولة الثالثة من الصراع مما أجج نار الحقد على عرفات والتعطش للإنتقام الشخصي منه كرمز للمقاومة بكل أشكالها سواءً كانت انتفاضة أو ثورة على الإحتلال والظلم والغطرسة. ولكن كانت تلك المرحلة بداية لصراع خفي بين الرجلين اللدودين مغلفٍ بالدبلوماسية الخادعة بإظهار كل طرف جنوحه للسلام ، سلام الشجعان بمفهوم عرفات وسلام فرض سياسة الأمر الواقع على شعب بالقوة المفرطة بمفهوم شارون ، وفي هذا الصراع الخفي وغير المعلن بين الرجلين كانت الكفة العسكرية تميل بوضوح شديد لصالح شارون ، كما أن القوة الدبلوماسية والسياسية بغطاء الإدارة الأمريكية المهيمنة على النظام العالمي تنحرف وتحرف معها العالم لصالح شارون. أدرك عرفات خطورة الموقف وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر والحرب التي شنتها الولايات المتحدة وما تزال على ما تسميه الإرهاب. ولقطع الطريق على شارون لاستغلال أحداث 11 سبتمبر بعث عرفات برسالة الى الولايات المتحدة عبر تبرعه بالدم لضحايا 11 سبتمبر وإدانته لها ، وذاك المشهد لم يعجب شارون المتعطش للإنتقام من المقاوم والثائر الصلب والرّهوان الزئبقي الذي يصعب الإمساك به وصاحب سياسة الباب الدّوار والجنرال الشجاع الذي لم يُهزم حتى تاريخه. وهنا لجأ شارون الى الوسائل والأدوات المساعدة والفزاعة الأمريكية عبر اللوبي الإسرائيلي من أجل تحقيق نصر على عرفات الذي هزمه في أكثر من جولة ، وبدا متلهفاً لتحقيق نصر على خصمه اللدود. وأجرى اتصالاته مع اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وطلب إليهم تصوير عرفات وتشبيهه بأسامة بن لادن في نظر الإدارة الأمريكية بكل الوسائل والطرق والحبكات الروائية من نسج الخيال وخلق الأباطيل وتلفيق الأكاذيب في ايصال الصورة المشوهة عن عرفات تماماً كما حدث قبل غزو العراق استناداً الى الروايات الواهية والأكاذيب والدسائس. وكذلك تصويره بأنه يمثل عقبة كأداء أمام تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذي تسعى لتحقيقه الإدارة الأمريكية لأنه جزء من هذا الإرهاب الذي غزا أمريكا ممثلاً بأسامة بن لادن زعيم القاعدة ويغزو هذا الإرهاب نفسه اسرائيل ممثلاً في عرفات والمقاومة الفلسطينية. وفي ظل المقاومة الفوضوية والمسيسة لبعض الجهات الفئوية الفلسطينية وغياب الإستراتيجية والتنسيق عن المقاومة الفلسطينية وتشتت الأهداف والوسائل ، وفي ظل الغباء الذي اتسمت به الإدارة الأمريكية بقيادة جورج بوش وسيطرة المحافظين الجدد عليها وظلال العجز العربي وخضوعه للهيمنة الأمريكية الذي خيم على الوطن العربي ، نجح اللوبي الإسرائيلي في ايصال رسالة شارون كما هي للإدارة الأمريكية رغم معارضة بعض أقطابها وخاصة بعد اعتراض البحرية الاسرائيلية سفينة كارين التي كانت محملة بالأسلحة ومبحرة من ايران في طريقها للشرق الأوسط في وجهة لا يعلمها أحد وألصقت بعرفات بدون قرائن وإثباتات. كانت الفرصة السانحة لإعلان قرار العزل السياسي لعرفات وحصاره في المقاطعة بتفويض أمريكي وسكوت عربي وعالمي ، وحينها أدرك عرفات أنه يواجه الحقيقة المرة والمؤامرة المحبوكة ، ونظر عرفات حوله فلم يجد من يهبُّ للدفاع عنه من إمتداد العمق العربي والإسلامي أو حتى من يتصل به ليسأل عنه أو من يستطيع أن يمد يد العون له ، وجد نفسه وحيداً في مواجهة الوحش المفترس الإسرائيلي مدعوماً بالديناصور الأمريكي. أدرك أنه في جولة خاسرة وكان قراره الشجاع في الاستمرار بالمواجهة حتى نيل الشهادة وقراره رفض الإبعاد واختيار الشهادة التي تمناها (شهيداً ، شهيداً ، شهيداً). وتم دس السم له عن طريق عملاء الموساد الإسرائيلي. وكان مرض عرفات المفاجيء لغزاً طبياً عصى على الحلّ ، ودفن معه مجهولاً، وقال في بداية المرض المجهول الهوية لقد استطاعوا الوصول اليّ أخيراً. وقضى عرفات منتصراً للحق وثابتاً عليه ، ونال الشهادة وكان الجنرال الذي لم يهزم ولم يستسلم في معارك الشرف العسكري والأدبيّ. والجبل الذي لم تهزه الرياح العاتية من كل اتجاه لسان حاله كان يقول: أضاعوني وأيُّ فتىً أضاعوا بيومِ خديعةٍ وخضوعِ قومي وأَنّي سوف أُنشِدُ يومَ بيْعي شهيداً ، لا لنفيٍ يا ابنَ عمّي ما نودّ التأكيد عليه والذي لم يعد بحاجة الى تأكيد، هو أن اسرائيل لا تريد السلام ولا تريد دولة فلسطينية على حدودها ، وهي تعرف حق المعرفة أن عرفات كان يمثل الإعتدال القوي والذي يحظى بالإجماع في الأوساط الفلسطينية ، وكان قادراً على صنع السلام وعلى تسويقه فلسطينياً وعربياً تسويقاً رسمياً وشعبياً ضمن الثوابت التي قضى من أجلها ويجمع عليها الفلسطينيون والعرب. وتدرك أن غيابه سوف يشكل ضربة للوحدة الوطنية الفلسطينية ، ويزهق الإجماع الفلسطيني ويشتته. وهذا ما حصل فعلاً. لذلك كان شارون المتطرف اليهودي الصهيوني وعرّاب المذابح والاستيطان واغتصاب الأراضي والحقوق يكره عرفات كرهاً شديداً لإعتداله وقدرته على صنع السلام وانتزاع جزء من فلسطين ليكون وطناً مستقلاًّ للفلسطينيين. ووضع عرفات وصنفه كألد الأعداء لإسرائيل. التطرف الإسرائيلي الذي ينادي بفلسطين التاريخية كلها من النهر الى البحر يكره الإعتدال الفلسطيني ويعتبره خطراً على اسرائيل لأنه لا يريد كياناً فلسطينياً مجاوراً له على ما يعتبره أرض الميعاد. والتطرف اليهودي يصفق للتطرف الفلسطيني الذي ينادي علناً بفلسطين من البحر الى النهر لتناغمه معه في تشتيت القضية وبعثرتها وتصفيتها في تسابق محموم مع الزمن لبلع مزيد من الأراضي وإخلائها من ساكنيها وتثبيت سياسة الأمر الواقع على الأرض بحجة غياب الخصم المؤهل للسلام والذي يريد القضاء على دولة اسرائيل ، ولأنه الأقوى على الأرض لامتلاكه أدوات الصراع التي تحسم المعركة لصالحه والدعم المادي والمعنوي من القطب الأوحد الذي يهيمن على السياسة الدولية دون اكتراث للمذابح والتشريد اللذين كانا الوسيلة المعتمدة في اقامة دولة اسرائيل العنصرية ودولة الولايات المتحدة الديمقراطية ، والتي تحللها الحركة الصهيونية بالتخاريف الدينية في تفاسير التوراة المحرفة التي تحلّلُ قتل الآخر غير اليهودي لخدمة أهداف الحركة الصهيونية في إقامة الوطن اليهودي على كامل أرض الميعاد يهودا والسامرة وتعتبره واجباً مقدساً على كل يهودي أينما وجد. ولا تعترض عليها الولايات المتحدة التي تشابهها في مراحل التكوين الآولى لها على حساب الهنود الحمر. من هنا يجب التنبه لمحاولة محورة الصراع على غزة ، لتنفيذ المخطط الصهيوني تجاه الضفة الغربية والقدس. فمجازر غزة ترتكب بحجة الصواريخ للتغطية على ما يجري في الضفة الغربية والقدس من تغيير الواقع على الأرض. وتهويد الضفة الغربية وإخلائها من سكانها ، واختزال الدولة الفلسطينية الموعودة في قطاع غزة الذي لا تستطيع بلعه اسرائيل في تلك المرحلة نظراً للخوف من التفوق الفلسطيني ديمغرافيا في إطار الدولة اليهودية في المستقبل القريب والقطاع على حاله من الكثافة السكانية العالية جداً نسبة الى مساحة الأرض. بالتالي تُؤجل قضية ضم غزة الى الكيان الاسرائيلي وترحَّل الى مرحلة قادمة على الأجندة الاسرائيلية لحين استكمال قضم الضفة الغربية وهضمها بعد طحنها جيداً بأضراس الوحش الإسرائيلي وبعد ذلك تسهل مهمة ضم غزة بالحصار والتجويع والقتل والدمار ويتم تحقيق الحلم الإسرائيلي بالتدريج في طبخة على نار اسرائلية هادئة تساعدها نار الفرقة الفلسطينية المتأججة في ظل الإنقسام من أجل إنتاج كيانات فلسطينية متشرذمة وهشة يسهل ابتلاعها عندما تحين الفرصة المواتية لذلك. وإن أولوية إسقاط السلطة في الضفة الغربية تسبق أولوية إسقاط حماس في غزة على الأجندة الإسرائيلية. وحقيقة الأمر فإن الصراع الذي كان بين عرفات وشارون يحمل مظاهر وأعراض ومميزات الصراع نفسه بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ بدايته وينتقل من جيلٍ الى جيل. وهو لب الصراع الدائر اليوم بين محمود عباس وأولمرت وإن اختلف شكلاً فهو متماثلٌ ومتناظرٌ بالمضمون ، وما يزال الصراع مستمراً مع اختلافٍ في الأسماء وطبيعة وأشكال أبطال الصراع ومدى الإستفادة والإستيعاب للدروس من جولات الصراع المنقضية. وإن بدى لقاء عباس واولمرت حميمياً في ظاهره فهو جليديٌ في ملمسه ومشتعل في داخله ومحتدمٌ في طبيعته ومريرٌ في إدارته ولا ينمُّ عن حب أو وُدٍّ متبادل بين الرجلين وستكشف ذلك الأيام القادمة. إنه صراع يشبه الصراع في الغاب ما بين وحشٍ مفترسٍ يملك المخالب القوية والأنياب الحادة وجائع نهم غدارٌ كالضبع يعشق لحم الإنسان ، وبين إنسانٍ وحيدٍ مقطوع بإمكانياته المتواضعة ولكنه قويٌ وجبارٌ يصارع من أجل الحياة والبقاء كالليث إذا شبع يقنع ولا يهاجم ولا يعتدي وإن شعر بقرب الفناء يستبسل في سبيل بقائه على قيد الحياة لتأدية رسالته التي خلق من أجلها ويدافع عن بقائه بضراوة وشجاعة وتضحيةٍ منقطعة النظير. إذا رأيت نياب الليثِ بارزةً فلا تظنّنَ أنّ الليثَ يبتسمُ إذا رأيت نياب الضبعِِ غائرةً فلا تظننَ أنَّ الضبع َيُؤتمَنُ
تاريخ النشر: 2008/3/3
×
شلال الدم الفلسطيني الى أين
نعرف اليوم أن شلال الدم الفلسطيني ينبع من تلال التشرذم والهوان العربي ، ومن مرتفاعات الإنقسام الفلسطيني واختلافاته على الوسائل والأهداف والإستراتيجية وغياب الوحدة الوطنية ، ومن وديان وأغوار الحقد للعدو الإسرائيلي المتربص بنا والذي يستهدف وجودنا ، تلك الوديان والأغوار الساحقة الماحقة والتي تشن حرب إبادة منظمة على شعب محتل أعزل ومعزول لطمس هويته الوطنية من على وطنه وأرضه ، ومن سهول السكوت العالمي ومن ضمنه العربي والإسلامي ومروج الدعم الأمريكي السياسي والعسكري للمعتدي ، وأمام سمع ونظر العالم الذي يسكت عليه مبرراً سكوته بأنه ردة فعل لفعل ارهابي ضد المواطنين الإسرائيليين العزل الذين تنهمر عليهم الصواريخ الفلسطينية من غزة والتي هي بمثابة العيار الذي يدوش ويحدث الفوضى السالبة العقيمة والإرباك ، ولا يصيب الهدف ، لا الهدف العسكري ولا الهدف السياسي في الطريق الصحيح ، والذي لا يصب في بحار المقاومة الوطنية من أجل التحرر والإستقلال ورفع الظلم عن المظلومين ، بل يصب في بحيرة المصالح الفئوية الضيقة والخاصة والمصالح الإقليمية البعيدة عن الوطن، ومن أجل فتح معبر ورفع حصار يضربه العدو على قطعة من الوطن ليستأثر بها من يسيطر عليها من الفلسطينيين لتكريس الفرقة الجغرافية للوطن ولثثبيت حكم غير شرعي عليها بالقوة الخارجة عن الشرعية والقانون ، ويستمر هدر الدم الفلسطيني في غارات ممنهجة تحصد الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ ، ومن الشباب الواعد وتودي بالطاقات التي هي بمثابة الوقود للمقاومة الوطنية ، والبند الرابح في ميزانية الوطن للوصول الى الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني. وحقيقة الأمر فإن القلب يعتصر ألماً وحزناً على الضحايا ، ضحايا هذه المعركة المجنونة من كلا الطرفين ، قادة تحت الأرض يوجهون أوامرهم لمن فوق الأرض بإطلاق الصواريخ الهائمة على وجهها ، فترد الطائرات والقذائف بلهيب موجه ومحسوب النتائج على أهداف معراة دون غطاء من فلذات أكباد مواطنينا ، ومن زهوره ووروده ، ومن طاقاته وعدته وعدده ومن وحدته الوطنية. وهذا بالضبط ما يريده العدو ويهدف اليه ويبحث عن مبررات له تخرجه بريئاً من فعلته. فبورصة الشهداء ترتفع كل يوم من المقاومين والأبرياء العزل الذين أصبحوا أهدافاً مكشوفة بدون أي غطاء. وهذا ما تريده مصالح إقليمية خاصة لجني فوائد تعود عليها دون أن يدفع مواطنوها ثمناً لذلك ، ونحن ندفع عنهم الثمن بالنيابة من أبنائنا ومن طاقاتنا ومن مشروعنا الوطني ومن وحدتنا الوطنية. ناضلنا وقاومنا عشرات السنين ونحن تحت الأرض ، وقدمنا سلسلة من الشهداء والجرحى والأسرى من خيرة أبنائنا ونخب شعبنا من المثقفين والثائرين ، وكان ينعتنا العالم بالمخربين والإرهابيين ، وبشرف نضالنا البطولي والمنقطع النظيروطول نفسه واستماتته وإحاطته بالتعاطف والمشاركة العربية والإسلامية كقوى داعمة ومساندة ، اضطر العالم للإعتراف ببعض من حقوقنا المسلوبة كاستثمار لهذا النضال المشرف الطويل ، واضطر للإعتراف بنا كمناضلين من أجل استعادة حقوقنا المغتصبة وتقرير مصيرنا على جزءٍ من أرضنا ووطننا ، وبإقامة دولتنا المستقلة على أرضنا وعاصمتها القدس الشريف ، فخرجنا من تحت الأرض مرفوعي الرؤوس ، واقتحم زعيم ثورتنا يلبس الكوفية الفلسطينية الأمم المتحدة فاتحاً بالبندقية وغصن الزيتون ، وصفق له الحاضرون تصفيقاً حاراً وقوفاً على أقدامهم إلا المندوب الإسرائيلي المنسحب والأمريكي الذي بقي جالساً ممتعضاً ، واضطر الأمريكي أخيراً للإعتراف والمناداة بضرورة قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة تحت وطأة نضالنا وصمود شعبنا على أرضه بأطفاله ورجاله ونسائه ونباته ودمائه الزكية من قوافل شهدائنا المتتالية على مر العقود بعد النكبة. وأن النخبة من أبناء شعبنا الذين اختطوا خط المقاومة والثورة المسلحة الحديثة ، أدركوا بحسهم الثوري والثقافي ووعيهم السياسي وبحكم خبرتهم النضالية الطويلة المريرة أنه لا بد من استثمار الإعتراف العالمي والدولي الذي آمن بضرورة مد يد العون لهذا الشعب المظلوم من أجل مكافئته على تضحياته برد جزء من حقوقه اليه ، لالتقاط أنفاسه في حياة مستقرة على أرضه ، وإعادة بناء ما تهدم من إمكانياته ، ولمِّ بعضٍ من شتاته ، وتأسيس قاعدة له على أرضه ، لينطلق منها الى رحاب أوسع ، وفاءً لشهدائه ولتضحياته الغالية والنفيسة ، عاقدين الآمال على أجياله المتجددة والتي تحمل بين أضلاعها وفي وجدانها وعقلها فلسطين محفورة ومنقوشة وموسومة على كل جبين من أبناء هذا الشعب ، مهما طال الزمان ومهما علا العدوان ، فقد ترك فينا آباؤنا وأجدادنا إرثاً وشعلة لن تنطفيء أبداً ، وبدورنا سنحمل الأجيال القادمة هذا الإرث والوصية والشعلة لاستكمال رحلتنا الطويلة للهدف عندما يأذن الله بذلك جزاءً لنا كمرابطين على هذه الأرض المقدسة المباركة وبوابة الأرض الى السماء. ظهر اليوم من أبناء شعبنا الأعزاء علينا ومن فلذات أكبادنا من دخلوا ساحة النضال متأخرين ليعيدونا الى تحت الأرض من جديد ، تلك الفئة التي كانت تلعب دور المتفرج على النضال والكفاح والجهاد المقدس لنخبة من شعبنا والتي كانت لا تنعت قتلانا بالشهداء ، ولا تنعت نضالنا بالجهاد ، مرتبطة بأيدولوجية بعيدة المدى بأهدافها وصعبة التحقيق لتلك الأهداف ، ولا تؤمن بالإستثمار السياسي المرحلي بل ترحله الى بند الأرباح المستحقة وغير المحصلة والتي سيترتب عليها التناقص مع تسارع الزمن والتقادم الذي ربما يحولها لأرباح مستحيلة التحصيل وبالتالي الى إعدامها وحذفها وترحيلها الى بند الخسائر بفعل الأعمال التي يقوم بها العدو على الأرض من ضم وهضم ومصادرة وطمس بتغيير معالمها الفلسطينية وإقامة المعالم اليهودية عليها بالجرافات والحفر والبناء على أعقابها وبتسارع يسبق الزمن ويشرد أهلها بالحصار الخانق والإبادة العنصرية الممنهجة ، وهنا لا ننعت تلك الفئة بالخيانة والتعمد والتقصد في الإلتقاء مع أهداف العدو ، انما نختلف معهم في الأسلوب واستحقاق الإستثمار والتجارب والرؤية السياسية ، وفي طريقة حل المعادلة الدولية للخروج منها برقم فلسطيني صحيح بدون كسور، وفي الحفاظ على عوامل تفوقنا على العدو في هذه المرحلة وأهمها عامل الصمود والتحمل والصبر والايمان والوحدة الجغرافية لشعبنا وتفوقه في العامل الديمغرافي على العدو. ونطرح على تلك الفئة أسئلة مشروعة ، أين يصب شلال الدم الفلسطيني المتدفق في هذه الأيام ؟ وما هي النتائج التي سنجنيها من هدر الدم الفلسطيني؟ ولماذا تسترخصون الدم الفلسطيني المتدفق وتستغلون دماءكم بنزولكم تحت الأرض؟ لا نرى أبداً أنه يصب في المصلحة الوطنية. ولا نرى في الأفق القريب والبعيد أية نتائج ايجابية تعود على المصلحة الوطنية الفلسطينية. فلن يؤدي الى تحرير وطن أو أضعف الايمان إلى تحرير معبر. لقد أصبح حالنا كشخص له دين على شخص مفلس متسلط وقوي ومتنفذ ، وعُرِض عليه سداد جزء من المبلغ ولكنه رفضه مطالباً برد المبلغ كاملاً ورافضاً لأي سداد جزئي ، وهو يعلم جيداً أن خصمه مفلساً ونصّاباً ومتسلطاً ومتنفذاً وليس لديه ما يعطيه أكثر في هذه المرحلة التي تخدم أهدافه بميزان القوى الذي يميل لصالحه ، فيخسر الجزء والكل. وبدلاً من أن يأخذ الجزء الذي حكمت به المحكمة له ليدعم به إمكانياته وقدراته ويبني به مأوىً على أرضه ، عمد الى ألإصرارعلى استنزاف قدراته وطاقاته وأسباب وجوده على جزءٍ من ممتلكاته ، وأكثر من ذلك معطياً لخصمه القوي بعدده الفرصة لتدمير مقدراته وعدده المتواضعة. كل مقاومة وجدت وستوجد على وجه الأرض لها هدفها السياسي الوطني ، وإن خلت من ذلك فتعتبر مقاومة في إطار الفوضى وذر الرماد في العيون لأهداف شخصية لا وطنية ، ومن يتتبع مقاومة حماس منذ انطلاقتها عام 1987 ، نجد أنها مقاومة مسيسة ومحصورة في أهداف ظلامية هيلامية لا يُرى ولا يُلمس منها شيئاً الأّ في بواطن أصحابها لحاجة في نفس يعقوب ، فكلما بدأت مفاوضات جادة من أجل استثمار التعاطف الدولي وتنفيذ القرارات الدولية ، نجد أن مقاومتها تتصاعد لإبطال هذه المفاوضات ولإعطاء العدو الذي يتملص منها فرصة في تفتيتها الى قطع صغيرة لبحث القضايا الإنسانية للمعانات الفلسطينية وتجنيبها بحث القضايا الأساسية لكي تنضج وبالتالي الى إجهاضها قبل نضوجها. وتحكم عليها حماس بالفشل قبل ظهور نتائجها وتعمل على إفشالها بكل الوسائل ، وعنما يصل الأمر بتهديد قادتها بعد استشهاد مؤسسها وعرّابها (الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتسي واللذان كانا يمثلان البوصلة الساسية وصماما الأمان للوحدة الوطنية) تتلاشى مقاومتها ويخفت صوتها وتميل الى الركون والهدوء والمهادنة من جانب واحد ، والمغازلة بالمرونة تجاه العدو . ولكن يعود يشعلها العدو بفعل سافر من جانبه يحتاج لردة فعل من حماس ليبقينا ندور وإياهم في دوامة العنف التي يريدونها لأنهم الأقوى فيها والتي تكون نتائجها كارثية على شعبنا وسهلة التحمل على أعدائنا الذين يتفوقون علينا في السلاح والتكنولوجيا والتخطيط والإعلام. فبيما تقوم اسرائيل بشن حرب همجية نازية على شعبنا الأعزل المكشوف في العراء الآن ويومياً وعلى سمع وبصر العالم ، نجد أن العالم يكرمها ويحتفل بعيد اسرائيل الستين وذلك بتكريمها في معرض الكتاب للمؤلفين والمثقفين في العالم والذي سيقام في باريس بفرنسا وتورينو في ايطاليا حيث ستكون اسرائيل التي تمارس الإجرام والإرهاب الدولي المنظم يومياً ضيفة الشرف على هذين المعرضين. وحماس اليوم تصعد من إطلاق الصواريخ من أجل فك الحصار عن شعبنا في غزة والتي هي جزء منه وسبب رئيسي له وذلك للدخول في هدنة طويلة مع اسرائيل لإقامة إمارتها في غزة ، ولتثبيت نفسها بالسلطة التي قامت على محرماتها في قاموسها السياسي ، والتي تحولت من محرمات الى مباحات عند اعتلائها كرسي السلطة الناقصة. حماس تريد الآن اعادة الثورة للوراء وتحت الأرض وفي أحشاء العدو المدجج بالسلاح في مواجهة عسكرية غير متوازنة في تجربة جديدة لأسلوبها في المقاومة الى أن تكتشف ما اكتشفه نخبة مناضلينا ومفكرينا السياسيين بعد أربعين عاماً من النضال والنزف الدموي لشهدائنا الأبرار ، ولتشق سيلاً من الدم الفلسطيني لتصل بنا الى النقطة التي وصل اليها مناضلونا الشرفاء قبل عقدين من الزمان. ونعود للمربع الأول بعد أن تخطيناه منذ زمن طويل. ليس عداءً أو تخويناً أو كرها لحماس ، فقد تغنينا بمقاومتها وبشهدائها وبقادتها ، وتفاخرنا بها عندما انطلقت ، واثلجت صدورنا برفدها لنضالنا الطويل ، وبانتهاجها اسلوب المقاومة من أجل الحرية والإستقلال لشعبنا ، وانما من منطلق الحرص على الدم الفلسطيني المهدور في هذا الشلال المتدفق والسيل من الشهداء ، في طريق لا نعرف له نهاية سعيدة تعود علينا بتحقيق الأهداف الوطنية ، فحماس عندما فازت بالإنتخابات وأمسكت بتلابيب السلطة تبحث عن الكراسي والمحاصصة للمناصب قبل وصول الهدف الوطني بدحر الإحتلال كلياً عن أرضنا مرتدة على مبادئها ومنحرفة عن خطها الطبيعي والصحيح ، بدأ نجمها يأفل في قلوبنا وأمام ناظرينا. وبدت صورتها باهتة رمادية ، ولبست ثوباً غير ثوبها الذي لا يتناسب مع ايدلوجيتها الإسلامية ، فلا بد لنا من أن نوجه لها النقد بصفتنا مراقبين للأحداث والتطورات ، وأن نسمع صوتنا ليصل الى آذان قيادتها يذكرها بضرورة العودة للوحدة الوطنية ، وضرورة التزامها بخطها ومبادئها ، والتخلي عن التناقضات الواضحة الجلية في مسيرتها الضبابية. لقد ثبت أنها تتلهف لقطف الثمار قبل نضوجها بتمسكها بالسلطة الناقصة المنقوصة المشوهة ، ولم تعي خطورة خطوة شارون الماكرة بالإنسحاب الأحادي الجانب من غزة ، فاحتفلنا به كإنجاز وطني دحر الإحتلال عن أرضنا ، وتناسينا بقصر نظرنا ما كان يهدف اليه شارون بنصبه الفخ لنا للوقوع فيه والتناحر على صيده القليل مثلنا كالفصائل الأفغانية بعد انسحاب الإتحاد السوفيتي من أفغانستان. ويا ليته لم يكن هذا الإنسحاب الكاذب الشكلي المسيّس من العدو وغير الكامل وغير الناضج الذي اسأنا توظيفه لمصلحتنا الوطنية. وتناحرنا عليه لنقع في المصيدة مصفدين عن خياراتنا الوطنية في المقاومة والمفاوضات السياسية ومحاصرين في جناحي الوطن ومنتهكين بالعدوان اليومي والقتل والتصفية الجسدية لأبنائنا وفلذات أكبادنا ومنقسمين على أنفسنا ومتشرذمين جغرافياً وسياسياً وثقافياً وإعلاميا واجتماعياً. فلم يشهد التاريخ الفلسطيني وضعاً اسوأ من هذا الوضع ولا منعطفاً أشد وأحد خطورة منه ، نتوسل الحاجات الإنسانية لشعبنا متناسين حقوقنا الوطنية والثابتة وفاقدين للتعاطف الذي التف حولنا في ظلال وحدتنا الوطنية وتوجيه مقاومتنا للإحتلال ولا شيء غير الإحتلال. نحن مع المقاومة المبرمجة الهادفة لتحقيق الأحلام الوطنية في الحرية والإستقلال ، المقاومة الموجبة الناجعة والتي تخدم الهدف السياسي والتي تصب في تيار الإجماع الوطني ، والتي تحقن دماءنا بقدر المستطاع وترشد طاقاتنا لهذا المشوار الطويل ، وتبقي رؤوسنا مرفوعة بوحدة وسائلها وفصائلها وشعبها ، وسمو أهدافها ، وشرف نضالها ، ولتبقينا ملفوفين متضامنين بالدعم والتعاطف العربي والعالمي معنا. وضد المقاومة المسيسة لخدمة أهداف شخصية ضيقة ، تهدر طاقاتنا دون تحقيق أي هدف من أهدافنا الشاملة وتبقينا ندور في حلقة مفرغة. وأن الخيارات الوطنية لم تنفذ من شعبنا ، ومفتوحة على مصراعيها في حالة فشل المفاوضات السياسية. ولن يعجز هذا الشعب الأصيل الخلاق عن ايجاد البدائل عندما تقتضي ذلك الظروف والنتائج. إن المتتبع للأحداث يلاحظ أن العدوان المستمر على غزة بدأ منذ زيارة بوش للمنطقة ، فقد أعطى تفويضاً لإسرائيل للهجوم على غزة بصفتها كياناً مرفوضاً في المنطقة يأوي الإرهاب الموجه ضد الحليف الإستراتيجي لإسرائيل بحجة الصواريخ ، وعليه يجب التخلص من هذا الكيان في نظر بوش الأحول ، ولكن الهدف الإسرائيلي مختلف عن مفاهيم بوش للأزمة ، إنه الإبقاء على دوامة العنف للفت الأنظار عن القضية الأساسية ، وكان يجب على حماس أن تتنبه لهذا الخطر الذي يستهدف وجودها كمكون أساسي للشعب الفلسطيني ، وأن تتملص من هذه المؤامرة (الإسرائيلية الصنع الأمريكية التسويق) - والتي لا يقبع بها أي فصيل أو عنصر فلسطيني آخر – كان يجب تداركها بالفن والذكاء السياسي ، بعودة حماس لحضن الشعب الفلسطيني ، وتبنيها المبادرة العربية للسلام والتي تتناغم مع نهجها الجديد الذي أعلن أكثر من مرة على لسان قادتها كهوية سياسية تحميها من التصفية والتدمير ، وأن تملك الجرأة السياسية للحفاظ على كوادرها وشعبها ، وأن تقي نفسها وشعبها من هذا الطاعون الذي يجتاح أرضنا ويهددنا بالموت والحرق والتصفية الجسدية دون طائل ، فالوقاية خير من العلاج ، وأن لا تلقي بنفسها وشعبها ووطنها الى التهلكة التي يريدها لنا الأعداء ، لم نطلب من حماس أن تستسلم وتلقي السلاح وتعترف باسرائيل ، إنما نطالبها بالتقية وبالتغيير في التكتيك ووسائل المقاومة لحفظ البقاء والحياة ، وأن لا تتسبب في ازهاق الأرواح بدون مقابل لا يعود علينا بالنفع وجني الحصاد ، حماس جزء مهم من شعبنا نحرص على كل عنصر من عناصرها ، ونحرص على بنيانها وكيانها ونتمنى لها الخير والفلاح ، ونتألم لما أصابها من عزل تسببت به لنفسها ، وتحويلها أمام العالم بالإعلام المضلل الاسرائيلي وغطائه الأمريكي الى بؤرة إرهاب معادية للعالم وتوجيه النار اليها ، وكنا وما نزال نريدها رافداً قوياً شامخاً شموخ الجبال. نخشى ما نخشاه أن تكون البارجة الأمريكية التي استقرت في السواحل اللبنانية لحماية وغطاء هجوم اسرائيلي كاسح على غزة بهدف معلن هو تصفية الإرهاب الذي تأويه غزة وهدف اسرائيلي مبطن هو تصفية عرقية للفلسطينيين وتهجير جديد الى خارج حدود الوطن ، فالحذر الحذر من المكر الإسرائيلي المغلف بالغطاء الأمريكي ، والحذر الحذر من باراك وحزب العمل عرّابا التصفية الجسدية للقادة وللشعوب. والحذر الحذر من الرئيس الغبي المسيّر من اللوبي الإسرائيلي للولايات المتحدة ومن مغامراته العسكرية طيلة فترة ولايته. ومزيداً من الحكمة السياسية والتبصر بمسارات الأمور والأحداث واتخاذ أسباب الوقاية قبل استفحال الوضع واستشراء كارثيته وصعوبة علاجه واستعصائه على الشفاء. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار الذين قضوا في المذبحة الإسرائيلية الأخيرة والتي بلغت ذروتها في يوم السبت الأسود.
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647 القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14 حي المصايف، رام الله الرمز البريدي P6058131
للانضمام الى القائمة البريدية
|