مفتاح
2024 . الأربعاء 3 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
نقابة الصحفيين ما زالت منسلخة عن القانون الذي نظم وما زال ينظم عملها منذ أكثر من ستين عاماً، ويعرف باسم قانون نقابة الصحفيين رقم 17 لسنة 1952، وما زالت تعمل دون أية مرجعية قانونية، معتمدة في عملها على مرجعيات أخرى غير مرجعية القانون المذكور أو أي تشريع قانوني، معللاً بعض أعضاء النقابة أن هذا القانون قديم وغير عصري ولا يصلح أن يكون قانوناً لنقابة الصحفيين، معتمدين في تعليلهم المذكور على قدم تاريخ إصدار هذا القانون، وليس على مواده، وكأن أهمية القانون تقاس بحداثه وليس بمحتويات مواده.

القانون المذكور وهو ما يجهله كثير من الصحفيين ما زال حياً، وساري المفعول، ويطبق في المحاكم الفلسطينية، وبإمكان أي شخص ذو مصلحة أن يتوجه إلى القضاء، وأن يطعن بأية اجراءات مخالفة للقانون في تنظيم عمل النقابة وأن يكسب الحكم إن كان طعنه صحيحاً، بل أقول أكثر قد يكون بإمكانه من خلال القانون إعادة تنظيم نقابة الصحافيين وفقاً لما نص عليه القانون.

القانون المذكور حتى وإن زاد عمره عن الستين عاماً، أراه قانوناً نقياً وعصرياً، فيه نفحات قوانين عصرية كانت متبعة في ذلك الوقت في بعض الدول الديمقراطية مثل بريطانيا العظمى، وليس قانوناً سلطوياً خاضع لمصالح فئات أخرى غير مصالح الصحافة والصحفيين، فالقانون الستيني جاء فيه نص واضح مفاده حرية الصحافة مقدسة ومن واجب النقابة الدفاع عنها، وفيه أيضاً لا تتصدى نقابة الصحفيين لأحد من أعضائها في آرائه السياسية، إضافة لتحديده غرض النقابة الأول من القانون وهو صيانة حقوق الصحفيين وتحسين اْحوالهم وتحديد واجباتهم.

الضمانات التي جاءت في القانون لم تأتي في كثير من القوانين الحديثة، فيكفي أن القانون كفل بناء نقابة ديمقراطية، تختار قيادتها بالإنتخاب المباشر، بل إن نقيب الصحفيين ينتخب بصورة مباشرة، وهذا أمر تفتقره جهات أخرى مثل نقابة المحامين التي نظمت بموجب قانون حديث تلاه تعديلات عدة كان آخرها قبل عدة شهور. كما أن قانون نقابة الصحفيين كفل مبدأ الانتخابات وتداول السلطة، وحدد مدة عام لكل دورة انتخابية، فالهيئة العمومية تلتئم في شهر كانون الثاني من كل عام، وفيه تتم الانتخابات ونقاش التقارير والأنظمة التي تصدر عن النقابة.

القانون حدد بوضوح شروط العضوية، وقراءة متأنية للقانون تبين أن بإمكان كل صحفي فلسطيني أو عربي مارس عمل الصحافة مع إحدى المؤسسات الإعلامية الفلسطينية المسجلة أن يكون عضواً في هذه النقابة، ومن ضمنهم صحفيو قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، فالقانون عرف المؤسسة الإعلامية بأنها بأنها الجريدة اليومية أو المؤسسة الأسبوعية أو المجلة الأسبوعية أو الشهرية أو وكالة اْنباء تصدر نشرات يومية إخبارية، واستثنى من ذلك المجلات المهنية و المدرسية، وبهذا تصنف كل الإذاعات ومحطات التلفزة والمواقع الكترونية بمؤسسات اعلامية ما دامت تلتزم بشرط إصدار نشرات إخبارية يومية، بغض النظر عن ملكيتها سواء كانت عامة أو خاصة.

إن ما لا يجوز للصحفيين الأعضاء إغفاله أن نقابة الصحفيين وفقاً للقانون هي نقابة مزاولة مهنة، مثلها في هذا الشأن مثل نقابة المحامين، فليس بمقدور أي شخص لا يحصل على عضوية النقابة ممارسة المهنة، وهذا يمنح النقابة قوة هائلة لتنظيم مهنة الصحافة لصالح الصحفيين المزاولين للمهنة، فبموجب القانون وبشكل حصري لأعضاء النقابة وحدهم الحق في حمل لقب (صحفي ) ومزاولة المهنة الصحفية، باستثناء المراسلين الأجانب الذين يفدون إلى البلاد لأعمال صحيفة مؤقتة.

منافع كثيرة أخرى بإمكان النقابة تحقيقها بموجب القانون، فلأعضاء النقابة وحدهم حق الانتفاع بالمزايا والمنح التي تمنحها السلطات العامة، نقصد تسهيل مزاولة المهنة كتذاكر السفر والانتقال والتسهيلات الخاصة بأعمال البريد والتلغراف والتلفون، وهذه مزايا من شأنها أن تنعكس إيجاباً على حياة الصحفيين.

مجلس النقابة اختص كذلك بتسوية المنازعات الخاصة بمزاولة المهنة الصحفية القائمة بين اْعضاء النقابة، ويعين المجلس لهذا الغرض لجنة ثلاثية عضوان منها يمثلان طرفي النزاع والثالث يكون محايداً، ويعهد إلى هذه اللجنة بالتحقيق في وجوه الخلاف وتقديم تقرير عنها إلى المجلس يتضمن توصياتها ويكون المجلس حكماً ومفوضاً بالصلح. كما في جانب آخر نص القانون ليس لأي عضو في النقابة أن يقدم شكوى ضد زميل له أو أن يرفع الاْمر إلى القضاء في شكوى تتصل بالمهنة إلا بعد إبلاغ الأمر إلى المجلس للسير في التحكيم والصلح، وهذه ضوابط وقيود قانونية ملزمة تشكل حصانة للصحفيين، فمن غير الممكن أن يشتكي صحفي للقضاء بحق زميل له على خلفية عمله قبل أن يمر بهذه المرحلة.

في هذا الشأن على النقابة أن تميز بين لجنة التحكيم والصلح واللجنة التأديبية، وكلاهما لجنتان نص عليهما القانون، فالقانون كما أشرت أعلاه منح نقابة الصحفيين السلطة التأديبية، وحدد أن مجلس النقابة هو صاحب الصلاحية في تأدييب الصحفيين ومحاكمتهم على تصرفاتهم المسلكية، وذلك عند إخلالهم بواجبات المهنة أو عند سلوك الصحفي سلوكاً شائناً يمس شرف المهنة التي ينتمي إليها أو يسيء إلى كرامتها، وحدد القانون الجهات التي يمكنها القيام بالدعوى التأديبية مثل وزارة الداخلية أو المطبوعات، أو أحد الصحفيين أو أحد الناس، وأيضاً بناءً على طلب النقيب عندما ينسب إلى أحد الصحفيين تصرف لا يتفق وواجبات الصحفي، وهنا جاء نص أحد الناس عاماً، ولم يحدد بمصلحة، وهذا يعطي أي مواطن حق تقديم الشكوى ضد أي صحفي على خلفية سلوكه المهني.

يدعى الصحفي للمثول أمام مجلس النقابة بوصفه مجلساً تأديبياً ويبلغ خطياً بالأعمال المنسوبة إليه، وذلك قبل موعد الجلسة بمدة لا تقل عن أسبوع، وعليه أن يحضر الجلسة بنفسه وله أن يستعين بمحامٍ للدفاع عنه ولا تقبل وكالة الوكيل إذا لم يكن الصحفي المشكو منه حاضراً في الجلسة، وتعقد جلسات المجلس التأديبي بصورة سرية، وبعد المحاكمة يفهم النقيب قرار المجلس الذي يصدر وهو إما أن يتضمن براءة المشكو منه و إما مسؤوليتة المسلكية وفي هذه الحالة يحكم عليه بإحدى العقوبات التأديبية، وهي تنبيه الصحفي إلى النظام بكتاب يرسل إليه إذا كان العمل المنسوب إليه مما لا يمس الأخلاق وشرف المهنة، التوبيخ أمام المجلس، الإنذار، الوقف عن العمل لمدة لا تزيد على سنة واحدة، شطب الإسم من سجل النقابة.

الصلاحيات الممنوحة للنقابة في هذا الشأن صلاحيات قوية، وسيحول ممارسة النقابة لصلاحيتها القانونية أخلاقياً ًوليس قانونياً في كثير من الأحيان دون تقدم المتضررين من عمل الصحافة بشكاوي جزائية لملاحقتهم أمام المحاكم لقناعة المشتكين في كثير من الأحيان أن العقوبات الإدارية المفروضة من قبل النقابة قد تكون رادعة، وتشكل بديلاُ للقضايا الجزائية، دون أن ينتزع هذا الحق القانوني منهم.

إن سلطة مجلس النقابة التأديبة ليست قطعية، فالقرارات التأديبية التي تتضمن التوقيف عن العمل مؤقتاً أو شطب الإسم يجوز استئنافها إلى اللجنة الاستئنافية، وتؤلف اللجنة الاستئنافية من رئيس محكمة الاستئناف رئيساً، وأحد قضاة محكمة الاستئناف، ومن النائب العام أو مساعده، وعضو يعينه كل سنة وزير الداخلية ونقيب الصحفيين أو نائبه، ومن ينتدبه مجلس النقابة أعضاء للفصل في الاستئنافات المرفوعة ضد قرارات المجلس، ويشترط في ذلك أن لا يكون النقيب نائبه في اللجنة قد اشتركا في إصدار القرار المطعون فيه.

إن هذا المستوى الرفيع للجنة الاستئناف، وبعدها القضائي يمنح نقابة الصحفيين قوة لا تتوفر في نقابات أخرى مشابهة، خاصة أن للجنة الاستئناف صلاحيات أخرى تتعلق بالطعن في طلبيات العضوية والانتخابات، يضاف إلى هذا كله أن قرارات النقابة ليست محصنة ما دامت منظمة بموجب هذا القانون من الطعن أمام محكمة العدل العليا.

إن نقابة الصحفيين ووفقاً للقانون تمثل مصالح الصحفيين ومصالح أصحاب المؤسسات الإعلامية على حد سواء، فما دامت نقابة مزاولة مهنة، وقرارتها ملزمة بقوة القانون لا بد أن يكون كلا الطرفان ممثلان في النقابة، وهذا من وجهة نظري يمنح النقابة مهمة خاصة، فكل صاحب مؤسسة إعلامية يجب أن يكون عضواً في النقابة وإن يلتزم في قرارتها، فأصحاب لمؤسسات الإعلامية، وعددهم الآن بالمئات في فلسطين، هم جزء من العمل الصحفي، لذا جاء نص القانون بأن يجب أن يكون خمسة من أعضاء مجلس النقابة من أصحاب المؤسسات الصحفية أو من ممثليهم والخمسة الآخرون من رؤساء التحرير والمحررين ومراسلي وكالات الأنباء شرط أن لا يكونوا من أصحاب المؤسسات الصحفية أو ممثليهم الرسميين، وهذا الكم من عدد المؤسسات الاعلامية الخاصة مقارنة مع المؤسسات يلغي اي إدعاء بأن أصحاب المؤسسات الاعلامية أو ممثليهم هم ممثلون عن السلطة التنفيذية، وبذلك نضمن تمثيلاً حقيقياً لكل من الصحفيين والمحررين وأصحاب المؤسسات الإعلامية في النقابة، وهذا يخلق بيئة مناسبة لاتفاقيات عمل جماعية تضمن حقوق الصحفيين.

إن ازدياد عدد الصحفيين والمحررين في وسائل الإعلام مع وجود مئات المؤسسات الإعلامية الفلسطينية يمكن أعضاء النقابة اختيار من هم أقدر على تمثيل مصالحهم سواء في حصة أصحاب وممثلي وسائل الاعلام أو في حصة المحررين والمراسلين في مجلس النقابة، وهذا يضمن قوة النقابة من خلال ضمانها لتمثيل أوسع القطاعات الصحفية، بعيداُ عن الحصص التنظيمية التي طغت على النقابة منذ إنشائها ولغاية الآن، وهذا سينعكس ايجاياً على تشكيلة مجلس النقابة بغض النظر عن الفائز بعضويتها، وسيساهم بخلق تحالفات مهنية بين وسائل الاعلام والعاملين فيها دون مس حق كل صحفي بانتخاب من يراه مناسباً.

إن إسهابي في شرح محاسن القانون لا ينفي على الإطلاق إمكانية إجراء تعديلات عليه وتطويره، وحتى يتم ذلك، لا بد لنقيب الصحفيين وأعضاء مجلس النقابة الذين بذلوا خلال العامين الآخيرين جهوداً جبارةً في إعادة إحياء النقابة وتطويرها وبث الروح الديمقراطية في شراينها، وغربلة عضويتها أن يسارعوا في موائمة النقابة مع القانون، فأفضل طرق موائمة النقابة مع القانون هي إسراع النقابة ذاتها للالتزام بالقانون، خشية أن يتوجه أحد من أعضائها على غفلة من امرها إلى المحكمة وأن يستصدر قرار قضائي يلزمها بتصويب أوضاعها، هذا مع ضرورة الانتباه أن مجلس الوزراء ووزارتي العدل والداخلية، مكلفتان وفقاً للقانون بصلاحية تنفيذ القانون، تماماً كما هي مختصة وزارة الداخلية الآن وفقاً لقانون الجمعيات الخيرية في تنفيذ قانون الجمعيات.

من حق الصحفيين التمتع بنقابة قوية قادرة على حماية مصالحهم، تتمتع بسلطات قانونية، قادرة فعلاً على تحقيق الأغراض التي أنشأت من أجلها، فبعد ستون عاماً من صدور قانونها نقول كفى لنقابة الصحفيين انسلاخاً عن القانون الذي نظم وما زال ينظم عملها، وننصحها بأن تستغل هذا الوقت الذي ييجري فيه نقاش قانونية نقابات أخرى لبدء السير على هدى قانون نقابة الصحفيين طواعية، فالحكمة تقضي بأن تطلق الصفارة في وقتها، فتنفيذ القانون لا يجوز أن يسبقه شرط تعديله، فتعديله يجب أن يخضع الى نقاشاُ صحفياً ومجتمعياً، وبكل الأحوال بحاجة إلى سلطة تشريعية لتقره.

* مختص في الإعلام العدالي

* Majed.arouri@googlemail.com

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required