مفتاح
2024 . الثلاثاء 2 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

الاجتماع الأخير للقيادة الفلسطينية سيشكّل ـ فيما أظنّ ـ علامة فارقة ومحطة مهمة للوقوف أمام مسؤولية القرار في الساحة الفلسطينية.

ترسّخت قناعة غالبية الناس بأن الحلّ السياسي بات متعذراً، وأن أفق المفاوضات أغلق بالكامل، ولم تعد المفاوضات بالنهج الذي سارت عليه طوال السنوات الأخيرة هي الطريقة المثلى لتحقيق حل سياسي متوازن لإنجاز الحدود الدنيا من الحقوق الوطنية التي يمكن أن تتحول إلى قاعدة للقبول الشعبي والتوافق الوطني.

كما ترسّخت قناعة غالبية الناس، أيضاً، بأن تحسين شروط هذا التفاوض تحت سقف الرعاية الأميركية المباشرة لم يعد قادراً على إحداث اختراق حقيقي في جدار المواقف الإسرائيلية في نسختها العامة وفي نسختها اليمينية العنصرية المتطرفة على وجه التحديد.

وإسرائيل لا تعمل في الواقع غير كل ما من شأنه تدمير حل الدولتين وإنهاء كل إمكانية لقيام سلام من أي نوع كان، والتأسيس لنظام عنصري قائم على تحويل مجمل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني إلى منعزلات سكانية مقطعة الأوصال، ولا تملك من أمرها سوى بعض ملامح الحكم الذاتي المقلّص، الفاقد لأي شكل من أشكال السيطرة على موارده وحدوده ومقدّراته.

وإذا كان الحل السياسي قد أغلق كما أشرنا فإن باب المصالحة وإعادة توحيد الوطن المحتل قد أغلق هو، أيضاً، في ظل إصرار حركة حماس على رفض المصالحة وفي ظل سعيها الحثيث لتعزيز الانقسام ومأسسة هذا الانقسام والتمهيد العملي المباشر لمرحلة جديدة عنوانها الانفصال عن الضفة وإعادة ربط القطاع بمصر، والتنصل النهائي من ركائز المشروع الوطني الذي تمثل فيه الدولة الوطنية المستقلة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 67 بما فيها القدس الشرقية كعاصمة لهذه الدولة، العنصر الجوهري الأهم لإنجاز الحقوق والأهداف المكوّنة الأخرى من المشروع الوطني.

بهذا المعنى تتكامل عملية إجهاض المشروع الوطني. فمن ناحية تدمر إسرائيل أسس قيام الدولة ويدمر الانقسام الحالي والانفصال القادم والمرئي أسساً أخرى.

إسرائيل تدمر الأساس المادي، والانقسام والانفصال يدمران الأساس السياسي، وفي النتيجة ستحصل إسرائيل على الجائزة الكبرى، وستحصل حركة حماس على جائزة الترضية بإقامة إمارة القطاع كنموذج مصغّر لطريقة حكم الإسلام السياسي في المنطقة، كما صرّحت بعض قيادات الحركة نفسها وكما أصبحت الأوضاع المصرية مواتية لقيامها.

إذا أضفنا إلى كل ذلك الأزمة المالية الناتجة أصلاً عن تراجع الدعم العربي وعن توظيف مباشر لهذا الدعم في سلسلة الضغوط التي تمارس على الواقع الفلسطيني بهدف إخضاعه للترتيبات الإسرائيلية وفرض برنامجها (أي إسرائيل) على الحل السياسي، وتحويله إلى برنامج الأمر الواقع و"الممكن" الوحيد لتكتمل الدائرة عَبر هذا القوس، أيضاً.

ويترافق كل ذلك مع حملة إسرائيلية منظمة ضد القيادة الفلسطينية، وضد الرئيس على وجه الخصوص، ويتحول التحريض على الرئيس مباشرة إلى مدخل مباشر "لإيجاد" أعمق حد ممكن لشرخ بين القيادة والشعب، يستهدف بالأساس مسألة وحدانية التمثيل وشرعية النظام السياسي، وتتحول عَبره الأوضاع المعيشية الصعبة في الأراضي المحتلة إلى إحدى أدوات التهديم المطلوب وإلى حالة أُطلق عليها من بعض الأوساط المحلية والإقليمية "ثورة شعبية" على السلطة الوطنية في واحد من أكبر وأبشع أنواع استغلال فقر الناس وبؤسهم ومطالبهم العادلة ومحاولة توظيفه سياسياً.

أمام هذا الواقع، طلب الرئيس من الفصائل السياسية ومن قادة العمل السياسي أن يحضروا أنفسهم لإجابات واضحة عن كل أسئلة هذه المرحلة، وعن كل معالم هذا المأزق الراهن.

لقد ولّتْ مرحلة "قل كلمتك وامشِ"، وتكاد مرحلة الشعارات التي تطلق (في الهواء الطلق) دون أن يكون لها في الواقع أي رصيد يذكر تغادر ساحة العمل السياسي، وتكاد العنتريات السياسية تختفي من دائرة الفعل المؤثر في الواقع السياسي، وجاء زمن الحقيقة والمكاشفة والمراجعة المسؤولة. فإذا كان الذهاب إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار للاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة سيؤدي من بين ما سيؤدي إليه إلى تحول حقيقي في وضع القضية الفلسطينية ونقل الملف إلى أروقة الأمم المتحدة وإلى الحصول على مكانة الدولة ـ تحت الاحتلال ـ مما سيعني في الواقع العملي حسم المجتمع الدولي لقضية الأراضي المتنازع عليها، ولكن هذا الإنجاز في حالة تحقيقه لن يمثل حلاً سياسياً وهو سيكون بمثابة وديعة سياسية مهمة للأجيال القادمة أكثر منه آلية فعالة لتحقيق قيام الدولة الوطنية المستقلة على أرض الواقع.

أصبح المطلوب اليوم الإجابة عن أسئلة المرحلة بما يستجيب للتهديد الذي يمثله انسداد الأفق السياسي على البرنامج الوطني والتهديد الذي يمثله الانفصال على هذا المشروع والتهديدات التي تحوم في الأفق على وحدانية وشرعية المنظمة، إضافة إلى التهديدات المباشرة لبقاء السلطة عَبر البوابة الاقتصادية والمعيشية.

إذا كانت اتفاقيات أوسلو التي أفشلتها إسرائيل لم تعد هي الإطار المنظم للعلاقة بين سلطة تسعى إلى التحول إلى دولة وبين إسرائيل التي تسعى لتحويل السلطة إلى إدارة مدنية للتجمعات السكانية في الضفة فهل حان موعد التحرر من هذه الاتفاقيات؟. وإذا كان الجواب نعم، فما هو البديل؟ وإذا كان الجواب لا، فهل يعقل أن تستمر هذه العلاقة بما تعنيه من استخدام إسرائيل هذه الاتفاقيات في إجهاض المشروع الوطني؟

أما فيما يتعلق بالمصالحة، فإن الأجوبة المطلوبة لم تعد تتعلق بالمناشدات والتمنيات وتوزيع المسؤوليات، وإنما بتحديد المواقف من الأخطار التي ستترتب على تنامي السعي المباشر للانفصال وفيما إذا كانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تعتقد أنه توجد مرحلة أخرى ما بعد الانفصال للحديث عن أي مشروع وطني؟

كما أن الفصائل باتت مطالبة بموقف واضح حول الأشكال التي يمكن من خلالها تجديد شرعية النظام السياسي، وفيما إذا كانت الانتخابات قد تحولت إلى ممر إجباري لهذه الشرعية أم انها ما زالت (أي الانتخابات) مسألة ثانوية ومرهونة بموافقة تامة من قبل حركة حماس؟!

وفيما إذا كانت الشرعية مسألة وجهة نظر؟

الرئيس فعل خيراً عندما طلب من الجميع أن يتحمّل مسؤولية قيادة المركب وفعل خيراً عندما أكد أن كل الخيارات العقلانية مطروحة على الطاولة وكل ما من شأنه إخراج المشروع الوطني من المأزق الراهن هو شرعي ومشروع ومطلوب.

أقول سلفاً إن جزءاً كبيراً من واقع المأزق الراهن يعود إلى عجز ذاتي كبير في واقع كل الفصائل وإلى قصور خطير في قدرة الفكر السياسي السائد على إعادة قراءة الواقع وتجديد روح الخطاب الوطني وأدواته، وسنكتشف معاً أن القضايا الوطنية لا تهلك عندما ينتظرها الخطر، وإنما تهلك حتماً عندما يعتقد القائمون عليها أنهم في وضعٍ آمن.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required