مفتاح
2024 . الثلاثاء 2 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

لم تجد السلطة الفلسطينية من حلول للاحتجاجات الشعبية المتصاعدة على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية، سوى التراجع عن رفع أسعار المحروقات، وإعادة الضريبة المضافة إلى نسبة 15%، وتقليص النفقات الحكومية، وتشديد الرقابة من قبل وزارة الاقتصاد على الأسعار في السوق الوطنية، وفرض غرامات كبيرة على المخلين بها، ودفع جزء من الراتب على طريق تسديده كاملاً خلال أسبوع، وتخفيض رواتب الموظفين بنسبة 10%، فضلاً عن مناشدة الدول العربية تقديم دعم مالي عاجل للفلسطينيين، ومطالبة “إسرائيل”، رسمياً، بإعادة التفاوض حول الشق الاقتصادي من اتفاقية أوسلو، أي اتفاق باريس الموقَع عام ،1994 والذي وضع شروط العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، وكرّس اندماج الأراضي الفلسطينية جمركياً واقتصادياً بالاقتصاد “الإسرائيلي”، من موقع التبعية والاستلاب، وأسَس لقيام معازل غير معلنة ترتبط جواً وبحراً وبراً وعملة واستيرادا وتصديراً واقتصاداً بالدولة العبرية، وذلك بالتزامن مع مسارعة “إسرائيل”، التي يبدو أنها غير مستعدة بعد للتعاطي مع تداعيات انهيار السلطة الفلسطينية، إلى تحويل 250 مليون شيكل كدفعة أولى من أموال الضرائب التي تجبيها من الفلسطينيين، لمصلحة السلطة الفلسطينية، بعد استشارة وزير المالية، وتوصية أجهزة الأمن “الإسرائيلية” بتبكير موعد تحويل هذه الأموال، والتوجه بطلب عاجل إلى الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بتحويل مئات ملايين الدولارات للسلطة لإنقاذها من الانهيار، علماً بأن الاتحاد الأوروبي خفَض هباته إلى السلطة في أعقاب الأزمة المالية التي تعيشها أوروبا، فيما تماطل الولايات المتحدة في تحويل مبلغ 200 مليون دولار التزمت به للفلسطينيين . غير أن هذه الإجراءات، وسواها من المسكنات الهجينة، اللهم باستثناء إعلان المفوضية الأوروبية عن تمويل جديد بقيمة 100 مليون يورو لفلسطين، من بينها 31 مليون يورو لدعم النفقات الجارية للسلطة عبر آلية “بيغاس”، وإعلان الخارجية الأمريكية بذلها جهوداً لإقناع الكونغرس بتحويل مبلغ ال 200 مليون دولار الموعودة لخزينة السلطة، غير مقدَر لها توفير أية زوارق نجاة من المأزق الفلسطيني البالغ التعقيد، والذي تتعانق في خضمه رزمة من العوامل الضاغطة، بدءاً من الاحتلال وتبعاته الخانقة على كافة مفاصل وفروع الاقتصاد الفلسطيني، ومروراً بإملاءات اتفاق باريس الذي ربط هذا الاقتصاد بعجلة الاقتصاد “الإسرائيلي”، وكذلك بضغوط الدول المانحة لإجبار القيادة الفلسطينية على التراجع عن خطوة طلب عضوية الأمم المتحدة، وانتهاء بتداعيات وأعباء الانقسام، وتأثير السياسات الاقتصادية لحكومات السلطة الفلسطينية التي فاقمت العجز في الميزان التجاري، ورفعت من منسوب انكشاف الاقتصاد الفلسطيني للخارج، وخفَضت نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 2%، وساهمت في تخفيض معدل حصة الفرد من الناتج المحلي، ورفع نسبة البطالة، ما مهَد التربة لظهور موجات حادة من ارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة، ناهيك عن تراكم الفساد في أوساط الطبقة القيادية في أجهزة السلطة المدنية والأمنية العليا التي تضخمت امتيازاتها باطراد، وباتت تعيش في بحبوحة تفقأ العين .

من السهل، بطبيعة الحال، تحميل البعض، ولا سيما في أوساط حركة “فتح”، رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فيَاض وسياساته الاقتصادية النيوليبرالية التي تعتمد “التسكين الاقتصادي” الهش والمزيف، وتنسجم مع مقاربة “الأمن أّولاً” التي تمثل جوهر اتفاقات أوسلو، والهادفة إلى وضع الاعتبارات الأمنية “الإسرائيلية” فوق أيّ اعتبار سياسي آخر، كون القنوات التي تموّل المالية العامة للسلطة محكومة بالقيود والسياسات “الإسرائيلية”، تحميله مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية وإثقال كاهل الفلسطينيين بمديونية ضخمة تلامس حدود ال 4 مليارات دولار، إلا أن ذلك لا يشكل سوى أحد وجوه الأزمة وتجلياتها التي تتمظهر، بشكل جلي، في اتجاهات عدة، لعل أبرزها نجاح “إسرائيل”، ووفقاً لاتفاق باريس الاقتصادي وقطَاعاته الرئيسة الأربعة: العمل، والعلاقات التجارية، والمسائل المالية، والترتيبات النقدية، في جعل السوق الفلسطيني “الساحة الخلفية” للسوق والاقتصاد “الإسرائيليين”، وتالياً، استحالة بلورة بنية اقتصادية منتجة يمكنها إحداث تراكم رأسمالي محلي تنموي، وارتباط تدفق أموال المانحين الدوليين والعرب بمدى الاستجابة الفلسطينية للإملاءات والشروط “الإسرائيلية”، وتركيز رأس المال الفلسطيني الخاص على مضاعفة أرباحه ضمن سياق الحل المرغوب به أمريكياً، وبعيداً عن التنمية المجتمعية القابلة للتطور والاستمرار .

كل ذلك يفرض على السلطة: إما إعادة النظر في شكلها ووظائفها ودورها والتزاماتها في إطار مشروع وطني يشارك الجميع في بلورته تحت راية منظمة التحرير التي ينبغي وضع عملية إصلاحها على نار حامية، وإما الرحيل بشكل مدروس ومبرمج يجنب الفلسطينيين ويلات الفلتان الأمني الذي تسعى إليه أطراف مختلفة بغية تحقيق هدفين متناظرين: إعادة صياغة السلطة وقياداتها كي تقبل بالمعروض عليها، ولو ارتضى الأمر أن تبقى على حافّة الهاوية، أو تمكين “الإسرائيليين” من الانسحاب من مناطق الكثافة السكانية ما وراء جدار الفصل العنصري، وتركها فريسة للفوضى، وربما الاقتتال الداخلي الذي يفتح الباب واسعاً أمام دفن ما تبقَى من شرعية دستورية وثورية، ومن حقوق وطنية مشروعة .

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required