مفتاح
2024 . الثلاثاء 2 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

تواصل الأجهزة المصرية حملة هدم الأنفاق منذ عملية رفح التي سقط فيها 16 جندياً مصرياً، وكان المتحدث باسم الأمن المصري قد أعلن عن هدم 31 نفقاً من أصل 225 نفقاً. وعلى الرغم من تناقض المعلومات عن عدد الأنفاق الذي يتراوح بين هذا الرقم المعلن وأرقام أخرى تصل إلى 1200 نفق، فإن العدد أكان كبيراً أم محدوداً لا يغير من دورها السياسي والاقتصادي.

ردود الفعل الأولية على الإجراءات المصرية بدأت بإعلان التفهم ووصلت في الأيام الأخيرة إلى تنظيم احتجاجات والإعلان عن مواصلتها مدة أسبوعين. غير أن رد الفعل الأكثر إثارة للجدل وعلى لسان رموز من حركة حماس هو أن الرئيس مرسي الذي جاءت به حركة الإخوان المسلمين أغلق من الأنفاق أكثر مما فعله حسني مبارك. وهذا القول صحيح ويتفق مع الحملات الأمنية الأشد داخل سيناء، ومع أعلى تنسيق أمني مصري إسرائيلي، ذلك التنسيق غير المسبوق الذي سمح للأمن المصري باستخدام مجنزرات ومروحيات. كل ذلك حدث في عهد الرئيس مرسي الذي ينتمي للإخوان المسلمين ولم يحدث ذلك في عهد الرئيس المخلوع.

البدء بتدمير الأنفاق أخرج حركة حماس عن صمتها. يوسف فرحات القيادي في حركة حماس والمشارك في احتجاجات ضد هدم الأنفاق قال: لا تضطرونا لأن نفقد الأمل بالثورة المصرية وبالنظام الجديد. في الوقت ذاته شدد موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس على الإسراع في إنشاء منطقة للتجارة الحرة كعلاج لوقف التهريب عبر الأنفاق. وهذا يعني اشتراط الهدم بإيجاد منطقة تجارة حرة، وأبو مرزوق يعلم أن حكومة الإخوان المصرية لا تستطيع إقامتها ضمن اتفاق ثنائي مع حركة حماس. قيادات أخرى من حماس ربطت مستوى الهدم بمستوى البناء في المنطقة الحرة. ولما كانت التبادلية متعذرة لأكثر من سبب، فإن الموقف المطلوب الذي تريده حماس ولوبي المهربين والأغنياء الجدد هو وقف عمليات الهدم. ومن أجل ذلك فإنها مستعدة لممارسة الضغوط على حكومة الإخوان المسلمين المصرية. وهذا له أكثر من قراءة.

الأنفاق عنصر حيوي للكيان الحمساوي، فقد كانت في زمن نظام مبارك نافذة جعلت الكيان يتنفس لا بالمعنى الاقتصادي ولكن بالمضمون السياسي الذي يجعل مشروع الإمارة ممكناً من خلال التواصل مع الإخوان المسلمين وعبرهم مع الخارج، ويستطيع الاستغناء عن الضفة الغربية التي تستوجب العلاقة الوحدوية معها استحقاقات ليس أقلها التراجع عن مشروع الإمارة. الأنفاق هي إحدى مقومات الإمارة سياسيًا، وهي أهم أسباب بقاء انقسام القطاع عن الضفة.

التزمت حماس الصمت في بداية العملية المصرية لتدمير الأنفاق، اعتقاداً منها أن العملية محض دعاوية ورمزية ستتوقف بعد هدم بضعة أنفاق. وظناً منها أن اتفاق السوق الحرة بين حماس والحكومة المصرية بات وشيكاً. ولم تضع قيادة حماس في قطاع غزة التي انقلبت على قيادة حماس في الخارج أنها ليست اللاعب الوحيد، وأن الحكومة المصرية الإخوانية ليست أيضاً اللاعب الوحيد في الجهة الأخرى. صحيح أن قيادة حماس في القطاع تراجعت عن خطوات تطبيق اتفاق المصالحة بمجرد فوز الإخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة. وألصقت بسرعة قياسية ودون مقدمات بالرئيس مرسي وحكومته الجديدة تهمة إفشال المصالحة من خلال تأمين الغطاء السياسي لحركة حماس المتمردة على الشرعية الفلسطينية. غير أن حكم الإخوان الجديد يهمه بالدرجة الأولى الحفاظ على اتفاقات كامب ديفيد والتحالف مع الولايات المتحدة ضمن علاقات التبعية القديمة، وسيكون معنياً بمراعاة المزاج الشعبي والمعارضة المتعاظمة ضد حكمه، وهو لهذه الأسباب لا يستطيع التكيّف مع سياسة قيادة حماس المحلية فضلاً عن التطابق معها.

إنهاء ظاهرة الأنفاق مهمة وطنية لا بوصفها تمرداً على الحصار الإسرائيلي البشع، ولكن بوصفها أهم العناصر التي تعمّق الانقسام بين الضفة والقطاع. وبوصفها شكلاً لفساد اقتصادي يتبدّى في نشوء طفيلية فلسطينية تضم مئات بل آلافاً من الأغنياء الجدد محدثي النعمة يقومون بتبييض أو غسيل الأموال عبر شراء عقارات وبناء مجمعات استهلاكية ومولات ومشاريع سياحية - بلا سياحة – ومعارض سيارات حديثة، وفلل سكنية والاتجار بحبوب الهلوسة والمخدرات (الترامال والاكسس) ومنشطات الجنس والسجائر. هذه الطفيلية يهمها الربح، والربح فقط، لهذا فهي ترفع الأسعار وتقوم بلعبة المضاربات. ليس هذا وحسب بل إن هذه الشريعة لا تتورع عن تسويق السلع الإسرائيلية من بينها الخضار والفواكه إلى السوق المصرية. ولا تسهم في أي مشاريع إنتاجية تخدم المواطنين وتعزز صمودهم. ولا يغير من حقيقة هذا الدور الاقتصادي لجوء حماس وفصائل أخرى إلى تهريب السلاح من خلال بعض الأنفاق التي ساهمت في دعم المقاومة ضد الاحتلال في فترات سابقة، لكن هذه الوظيفة تحولت مع الوقت إلى وظيفة ثانوية، وربما منفصلة بالكامل عن وظيفة الأنفاق الاقتصادية في دعم أكبر عملية فساد ترعاها حركة حماس وتشارك فيها وتجبي من خلالها الضرائب. مسجلة بذلك سبقاً في رعاية عملية لها تأثيرات شديدة السلب على التركيبة الاقتصادية والاجتماعية داخل قطاع غزة.

لا يعني التخلص من الأنفاق ومن الأوبئة التي نشرتها داخل القطاع التسليم بالحصار الإسرائيلي البشع، ولا يعني أيضاً شطب القوى العاملة من فقراء الشعب الذين دفعت نسبة كبيرة منهم ثمناً باهظاً لهذا العمل الأسود بلغ عدد الضحايا 210 وعدد الجرحى 400 بين جريح ومعاق. بل ثمة بديل هو اتفاق مصري فلسطيني جديد يقضي بموجبه فتح معبر رفح بشكل دائم وتنظيم التبادل التجاري الرسمي الحر بين مصر وفلسطين، والسعي للحصول على دعم دولي له من أجل أن يتخذ طابعاً دولياً. إن اتفاقاً من هذا النوع يشكل اختراقاً للحصار الإسرائيلي الظالم. هذا الاتفاق سيكون مرتبطاً باستعادة الوحدة الوطنية ولا يمكن أن يتحقق من خلال حركة حماس وحدها، وفي سياق تعميق الانقسام وتدعيم مقومات إمارتها الدينية. إن وظيفة الاتفاق هي توطيد الروابط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين الضفة والقطاع، وخوض الشعب الموحد معركة إنهاء الاحتلال والحصار وإقامة الدولة.

تؤكد التجارب السابقة صعوبة إن لم يكن استحالة تحقيق الوحدة بمبادرات واستجابات من فوق، الأمر الذي يستدعي ممارسة ضغط شعبي متواصل ومنظم من تحت. ولتبدأ معركة استبدال الأنفاق التحتية إلى جسور تواصل وتعاون بين الشعبين في الهواء الطلق.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required