مفتاح
2024 . الثلاثاء 2 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

عدنا الى نص مقابلة الرئيس أبو مازن التي جرت باللغة الانجليزية، وبدا أن سياق المقابلة، ليس فيه اسقاط لحق العودة. ولكن عندما “يحتفل” المناؤون، بما يصرّون على أنه اسقاط لهذا الحق، فكأنهم يجعلون من التباس في التعبير، قراراً وحكماً في قضية، لا تحسمها فقرة مجتزأة من حديث تلفزيوني. فالرجل له موقفه المتمسك بقواعد العملية السلمية، التي تنص على أن قضيّة اللاجئين، ستُحسم في مباحثات الوضع النهائي. ثم ان الفكرة الطاغية على الحديث، كانت تتعلق بمخاطبة الجمهور الاسرائيلي، الذي يخدعه التيار العنصري بالتركيز على الخطر الوجودي. وعلى الأرجح، لا يعرف الصحفي الاسرائيلي الذي أجرى المقابلة ما يعلمه الرئيس محمود عباس، وهو أن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، بات حقاً فردياً لكل من افتقد منزله أو حقله في فلسطين. فعندما صدر قرار 194 في الحادي عشر من كانون الثاني (ديسمبر) 1948 رفضه شعبنا ورفضته الأقطار العربية والاسلامية، وكان الرفض في حينه، لأن الاشارة الى هذا الحق الجوهري غير القابل للتصرف؛ ورد في فقرة برقم 11 من قرار يتطرق الى مسائل فرعية شتى، ولأنه يعترف بحق “اللاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم” كأفراد وأصحاب عقارات وممتلكات، والتعويض لمن لا يرغبون في العودة أو أصيبوا، وأن يكون التعويض من قبل من سماهم القرار “السلطات المسؤولة”. وكان مقصد القرار من العيش “بسلام” مع “الجيران” هو العيش مع اليهود الذين استوطنوا في البلاد، والمقصود بـ “السلطات المسؤولة” التي تعوّض، هو اسرائيل. فلم يعترف القرار، بحق شعب فلسطين، بالعودة الجماعية الى بلاده لنيل الاستقلال السياسي فيها، شأنه في ذلك شأن كل شعوب المستعمرات. غير أن الأمور التي تردت، بمفاعيل مساندة الغرب الاستعماري للمشروع الصهيوني؛ جعلت القرار بعد عقود من صدوره، سقفاً للمطالبات الفلسطينية والعربية بحق العودة، ولم يعد هناك أية امكانية للتراجع عن قرار الحد الأدنى. وكان تعليل قبولنا المتأخر بـ 194، هو نفسه تعليل رفض الصهيونية له، وقوامه أن نصبح أغلبية، وأن نغيّر سلمياً طابع الدولة التي تأسست، من خلال مخرجات الديموقراطية التي تزعمها هذه الدولة لنفسها!

وعندما يكون الحق فردياً، يصبح الأمر متعلقاً بالملْكية الشخصية، وهذه لا تملك أي سلطة أو حكومة أو دولة، مهما بلغت من سمو السيادة، أن تتنازل عنها. أي عندما يمتلك فلسطيني، حتى في غير بلاده وليكن في بريطانيا مثلاً عقاراً أو حقلاً؛ فان الدولة لا تملك حق منح ملكية هذا الشخص، لشخص آخر فردياً كان أم اعتبارياً. وهذه هي نقطة القلق الدائمة عند اسرائيل، مهما امتلكت من أسباب القوة!

* * *

لقاء الرئيس محمود عباس مع القناة الاسرائيلية، كان باللغة الانجليزية، وتناول نقاطاً لا يلائمها الاكتفاء بمجرد ايصال المعنى بأية صيغة أو بأية مفردات. وربما كان الأنسب والأكثر تحرياً للدقة، أن يكون الحوار مع القناة الاسرائيلية الثانية، باللغة العربية، لأن مثل هذه اللقاءات، تستوجب الدقة اللغوية، الكفيلة بتعيين الفارق بين الحق والامكانية. وربما يكون مقتضى مخاطبة الرأي العام الاسرائيلي، هو الذي جعل الرئيس محمود عباس، يقدم توصيفاً لعلاقته الشخصية بمسقط رأسه. وهذه هي حدود ما في مقدوره أن يطرحه ويذهب اليه، في اشارة معاكسة لمنطق الفزع الذي تحرص الأوساط الصهيونية على تخليقه وابقائه، من فكرة حق العودة. وان جئنا للواقع، فان اتفاق أوسلو لاعلان المبادئ، لا يقرر ايجاباً، أن حق العودة مكفول. فهذا الحق، في أفضل القراءات، ليس الا موضوعاً مطروحاً للتفاوض. ولعل هذا هو الذي جعل كثيرين، ومن بينهم كاتب هذه السطور، يعارض أوسلو بشدة، قبل أن تنهار وتصبح بالنسبة للبعض، عملية قتيلة مأسوف على موتها.

* * *

أبو مازن كان مُحقاً عندما قال في تعقيبه على الزوبعة التي أثيرت، ان الهجوم عليه كان قبل المقابلة وله سياقه العام، وقبل معرفة ما جاء فيها بالضبط في اطار ردود الأفعال على حديثه للقناة الاسرائيلية الثانية. فقد هجم كل الذين يهجمون في كل يوم، دون أن يجمعهم قاسم مشترك وظاهر، الا مناوءة الرجل. وتغالظت المزاودات، وكأن الرئيس محمود عباس، باع حق العودة، وهم الذين يشترونه بمناقبهم الجليلة ونضالاتهم المريرة. لقد سمع العالم، حديث الرئيس عباس عن ألمه وحرمانه ومظلمته كلاجئ، في خطابه من على منبر الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2011. وفي أحاديثه الكثيرة، لا تغيب هذه المظلمة عن لغته. لكنه يعمل في السياسة ويتوخى الممكن من الحق الفلسطيني، الذي بات من المستحيل التحصل على الأقصى منه، في ظل الوضع العربي والدولي الراهن. ولا ننكر أن مطابقة السياسة بالمطلقات، في العمل الوطني الفلسطيني، تضع أهل السياسة، في الزوايا الحرجة، لأن طروحاتهم تبدو مجافية للكثير من مدركات القضية الفلسطينية. وكل من يتحدث عن هدف الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة في العام 1967 يوافق ضمناً على واقع يخالف المدركات وحقائق الحكاية. ان هذا هو الوضع، لكن المنطق يقول أن لا نكف عن العمل السياسي، سعياً الى الحق الممكن، لكي نحادث أنفسنا في الأمنيات القصوى، دون أن يسمعنا أحد. ونعرف أن المحتلين العنصريين، لا يكتفون منا بالسياسة ولغتها. هم يريدوننا أن نجلو عن مساكننا في جنين ورام الله والخليل وسواها. بل ان منهم، من ينتظرون منا اشارات تشطب حقنا في الحياة في المنطقة العربية برمتها، وربما يوافقون على مضض، أن نستوطن في الربع الخالي من الجزيرة العربية. فهؤلاء لن يرضيهم شيء، ولا علاج لهم الا تذكيرهم ببشاعتهم وبمآلاتهم في النهاية، مع التمسك بحق العودة لكل أسرة فلسطينية. وهؤلاء، على الرغم من صفاقتهم وعنادهم للحقائق، وعلى الرغم من قوتهم العسكرية، لا يضاهون بمعايير التاريخ، سلطة أو قوة صغيرة، ظهرت وتمكنت في العصر المملوكي. هم مندحرون حتماً بمفاعيل أطماعهم ونكرانهم لسنن الحياة ووقائع التاريخ. نحن أمة عليلة لكنها ليست ميتة. العليل يشفى والأمم لا تموت. لقد تمسك أبو مازن بثوابت الزعيم الوطني الراحل ياسر عرفات، بصيغتها المتعلقة بعملية التسوية. وظلت مسألة الحق قائمة، يزيدها قياماً كون الحق ملكا للناس واحداً واحداً، ان لم تتكفل التسوية بسداده كله، يتكفل التحكيم واستمرار المطالبة بالحقوق، مثلما يتكفل التاريخ، وسيرورات الأمم. ان هذا هو مفهوم حق العودة في ضمائرنا جميعاً، وفي هذا السياق، كان أبو مازن حريصاً على أن يُوضح لكل من كانوا “يحتفلون” بلغة الاستكار، بمناسبة ما يظنونه اسقاطاً لحق يريدون اسقاطه فعلاً بمنطق مواقفهم وممارساتهم !

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required