مفتاح
2024 . الثلاثاء 2 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

تكاثرت في الآونة الأخيرة، الكتابات عن علاقة جماعة «الإخوان» بالأميركيين، وقد فوجئتُ بمدى غياب المندهشين عن وقائع تاريخ «الجماعة» وبردود أفعالهم التي تدل على أنهم صُدموا. بل إن كُتّاباً مشهورين (ولا أقول كباراً في مستوى ما يكتبون) طرحوا الأمر وكأنهم يكتشفون أسراراً ويعلمّون الآخرين درساً في فن التقصي والتحليل، علماً بأن «الإخوان» في تاريخهم كله، لم يتخندقوا إلا في معسكر الغرب والقوى المتحالفة معه على صعيد الانحياز السياسي والاستراتيجي، مع حفاظهم على خطاب تعبوي ديني، يتمسك في ظاهره بأهداب الدين والثقافة والتربية بمنهج إسلامي. وهذا ما يفسر ترك السلفيين أشقاء «الإخوان» والتعبير الأدق عن صورتهم في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي؛ قضايا مصير الوطن، والانشغال بعدد مضاجعات عادل إمام للممثلة يسرا، أو تلك التي تلقتها إلهام شاهين من آخرين «امتطوها» وما زال البحث جارياً في عددهم!

هنا، نحن نستند الى عشرات المراجع التي تناولت وضع «الإخوان» قبل ثورة 52 في مصر، ومعظمها مراجع ووثائق إخوانية، ولا نعوّل على كتابات رموز وساسة من حزب «الوفد» القديم وتصريحاتهم، ولا على ما قيل عنهم بعد اصطدامهم بثورة 52. ثم إن أيقونة الخطاب الإخواني وأمثولة تاريخهم، وهي «الجهاد» في فلسطين في حرب 48؛ فقد كنت أتمنى أن تكون بعُشر أعشار الصورة التي يروجونها للتعبئة ولكي يمسحوا تاريخ تحالفاتهم مع أقبح الرموز ، في تاريخ مصر السياسي قبل ثورة 52، ثم مع قوى وأنظمة المعسكر المناوئ لحركة التحرر العربي في الخمسينيات والستينيات. وأؤكد لقارئي، دون حرص على استرضاء أحد، على أنني شخصياً كنت أتمنى أن تكون جماعة «الإخوان» قد جاهدت في فلسطين بالقدر والتصميم والحشد الذي تدعيه، عندما كان أعضاؤها ومناصروها يزيدون على ثلاثة ملايين في مصر والسودان، لأن العكس (أي عندما يكون الواقع أنها لم تفعل) من شأنه إضعاف حجتنا في البرهنة على أن دور هذه الجماعة اليوم، لا يليق بسيرة الأسلاف، وأن الأجدر بـ «الإخوان» الحاليين، أن يتنسموا خُطى الأسبقين «المجاهدين» الكُثر. وللأسف، أجزم لقارئي، مستدلاً بمذكرات شخصيات إخوانية عاشت وماتت على انتمائها للجماعة، أن الجماعة لم تسجل أمثولة على هذا الصعيد، ولو كانت لها أمثولة حقيقية، لكانت فلسطين بيد أهلها اليوم. وسأكتفي من موضوع «جهاد الإخوان» في فلسطين، بما كتبه قائد من قادتهم وهو المرحوم كامل الشريف، الذي أراد أن يقول إنهم جاهدوا، لكن شرحه لهذا الجهاد، في أكثره، لم يتعد كونهم ألقوا الخطب القوية، وأشغلوا المكاتب والفروع وتحمسوا، لكن سلطات البغي «العميلة» لم تمكنهم من الوصول، إلا مجموعة صغيرة من الشبان، دخلت سيناء بحجة رحلة اكتشاف جغرافية علمية طلابية، نجحت في التسلل الى فلسطين، ثم اصطدمت ببؤس الأحوال وعدم القدرة وعادت أدراجها. أما القوة التي قادها الشهيد أحمد عبد العزيز، فهي مشروع قومي رعته جامعة الدول العربية تدريباً وتسليحاً، وكان قادته من الجيش المصري، وكان «الإخوان» حاضرين من خلال بعض العناصر، مثلما حضر تنظيم الضباط الأحرار الذي تزعمه جمال عبد الناصر، إذ تسلم كمال الدين حسين، زميل عبد الناصر موقع نائب القوة بعد أحمد عبد العزيز. غير أن العدد ظل هزيلاً. إن هذا هو كلام المرحوم كامل الشريف وبعض «الإخوان» الذين كتبوا، وليس كلامي. ويمكن أن نتطرق الى هذا الأمر تفيصلاً، ونحدد الإشارات بالسطر وبالصفحة!

* * *

من بين أهم الذين ظهروا حديثاً للتأكيد على علاقة حميمة بين «الإخوان» والأميركيين، قيادي سابق في الجماعة، أو كادر متقدم، اسمه ثروت الخرباوي، الذي سيوقّع على صدور كتاب له بعنوان «أسرار الإخوان المسلمين». لكن كتاباً إسلاميين كُثراً، تناولوا قديماً هذه المسألة.

غير أن الكتاب الأهم، الذي نجح في رصد كل تاريخ «الإخوان» والتقط المفاصل ببراعة وصنّفها في عناوين وموضوعات ومحاور، هو الذي نشره د. أيمن الظواهري، الذي يتزعم الآن تنظيم «القاعدة». وفي الحقيقة لم يترك الظواهري شاردة أو واردة، في تاريخ «الإخوان» إلا ومحصّها وذكرها مع مصدرها بلسان قادة الجماعة نفسها ومن أحاديث المرحوم حسن البنا والمرشدين العامين في تاريخها، بدءاً من إشادة مؤسس الجماعة بدستور 1923 العلماني، مروراً بأحاديث تؤكد على تحالف «الإخوان» الدائم مع عملاء الإنجليز ضد تيار الحركة الوطنية المصرية، وانتهاءً برسالة المرشد العام الأسبق المرحوم حامد أبو النصر للرئيس الأسبق حسني مبارك، التي يوفر فيها الأول غطاءً شرعياً للتسوية التي يتطلع اليها الثاني. تلك الرسالة، كانت قبل أن تبدأ عملية التسوية، ويوم أن كانت «فتح» تقاتل، وهي رسالة مفتوحة منشورة في مجلة «المجتمع» الإخوانية الصادرة في الكويت (العدد 810 في 24/3/1987). لقد جاء فيها حول القضية الفلسطينية: «ينبغي علينا ان نُصرَّ إصراراً لا تفريط فيه ولا مساومة معه، على ضرورة أن تعترف إسرائيل، بحق تقرير المصير للفلسطينيين، حتى يقيموا دولة مستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس، وينبغي أن نحرص تمام الحرص ألا يُضيّع هذا المطلب أي تزّيد أو تشدد»!

كان فضيلة المرحوم المرشد، في رسالته، يرسم ملامح التسوية، ويبدّل عدم اعتراف «الجماعة» بإسرائيل، بمطلب اعتراف إسرائيل نفسها بحقنا في تقرير المصير. أما التزيّد والتشدد، فإن «الجماعة» تحرص على الا يكون سبباً في تضييع الحق الممكن!

ومن المفارقات، أن ثمة فتوى «إخوانية» على أعلى مستوى، لتوجيه جماعة القاعدين «الإخوان» لكي يساندوا «فتح» طالما أنهم استنكفوا عن النضال، ولم يعد أمامهم إلا أن يقدروا نضالها. فقد نشر إخواني مخضرم، لم يوقع باسمه، في مجلة «المجتمع» أيضاً، مقالاً يشرح فيه الظروف الصعبة التي تقاتل فيها الحركة الوطنية الفلسطينية، ويخلص الى القول «وإذا كان هذا هو الواقع الذي تعيشه منظمة فتح اليوم... فإن الإسلاميين لن يساهموا مطلقا في مهاجمتها وخذلانها، بقدر ما يأملون ان تعود صياغتها صياغة إسلامية في بنائها وفي منهجها وفي أهدافها، وإذا كانت هناك فوارق أساسية بين موقف فتح وموقف الإسلاميين من كثير من القضايا الأساسية، فإن ذلك لا يبرر للإسلاميين الهجوم على «فتح» لأنها المنظمة الأصلح بين المنظمات الأخرى ولأن محاربتها ستصب في خانة الأعداء! (العدد 783).

* * *

خلاصة القول، إن الاندهاش من علاقة «الإخوان» بالأميركيين، ينم عن عدم إلمام بالحد الأدنى من تاريخها. أما اخواننا الكتّاب الذين ينشرون بصيغة من يكتشف الجديد والصادم من الأسرار، فقد بدا أنهم غير مطلعين على وقائع التاريخ. فـ «القاعدة» نفسها نشأت في المعسكر الامريكي الذي انقلبت عليه فيما بعد، وسيكون الجديد والصادم، هو أن يكتشف أحد، بأن هذه «القاعدة» لا تزال على صلة بمعسكرها القديم. أما «الإخوان المسلمون» المعطرون، فلم يكونوا أي يوم إلا المتخندقين الراسخين، في المعسكر الصديق للغرب. وفدائيو قناة السويس بعد حرب فلسطين وقبل ثورة 52، كانوا من كل الأطياف، وقد شارك معهم بعض شبان الإخوان الأبرياء الأطهار، وقادهم الرائد الوطني في الجيش المصري محمود لبيب، وكان من بين أبرز مدربيهم جمال عبد الناصر. بل إن المرحوم محمود لبيب، الذي انتمى الى «الإخوان» وصار «وكيل الجماعة» بادر عندما أصيب بالسرطان وأحس بدنو الأجل، الى التحالف مع الضابط الوطني جمال عبد الناصر، ولم يأتمن أحداً على خارطة التنظيم واسراره وأسماء أعضائه، إلا ذلك الضابط. فقد كانت القضية وطنية، وتلقت دفقاً من الشباب، ولم تكن في سياق استراتيجية جهادية لجماعة «الإخوان». فلا جديد في ما يكشفه المندهشون!

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required