مفتاح
2024 . الثلاثاء 2 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

إضافة إلى كل ما يتصف به الاحتلال من أشكال النقصان الأخلاقي والإنساني، فهو أيضاً ناقص ولا يقبل الاكتمال بسبب عجزه عن السيطرة على الأرض والشعب الذي هو ضحيته، فهو المرادف التاريخي لما يسمى الجريمة الناقصة . تلك التي لا تنسب إلى مجهول وتطوى ملفاتها بسبب اكتمالها . ورغم وفرة الأمثلة بل الأمثولات عن الاحتلال في مختلف العصور إلا أن آخر ما يشهده العالم من هذه الاحتلالات، وهو احتلال فلسطين، هو الأشد نقصاناً، لا بسبب العجز عن السيطرة التامة، أو تأقلم الضحية مع جلادها، بل لأن الصورة في الميديا الحديثة تولت التعبير عما يجري وما بدأت به الصورة من افتضاح لجرائم الاحتلال والحروب بشكل أعم في الحرب الفيتنامية والذي أطلق عليه ماكلوهان عولمة الشهود يتبلور الآن وعلى نحو بليغ وساطع في قطاع غزة .

فما أن أعلن عن شروع الاحتلال الصهيوني باجتياح بري جديد للقطاع حتى سمعنا على مختلف الشاشات وبكل اللغات شجباً واستنكاراً وسرعان ما التأمت المشاهد الدموية في نهاية عام 2008 مع هذه المشاهد الجديدة . ولأن الاحتلال ككل الجرائم لا يألفه البشر بالتكرار فإن الاستنكار هذه المرة جاء مضاعفاً خصوصاً حين تداولت الأخبار استدعاء رئيس الوزراء نتنياهو سبعين ألفاً من جنود الاحتلال، وكأنه يعد لحرب مع دولة كبرى وليس مع قطاع محاصر . ومن الناحية السايكولوجية فإن أي إفراط في استعراض القوة أو استخدامها هو دليل على حالة من الهلع الذي يصار إلى تقنيعه وإخفائه باستعراض فائض القوة .

ولأن الأطروحة الصهيونية التقليدية تكسرت كسيوف دون كيشوتية على طواحين الهواء ودحضتها الأطروحة الفلسطينية المضادة فإن ما تبقى هو أيضاً استدعاء آخر لاحتياطي الأسطورة والعزف على وتر رخوٍ يمتد بين اجتياحين كلاهما انتهى إلى اندحار على الأقل بمقياس الأهداف الاستراتيجية المعلنة لتلك الاجتياحات وأحياناً تبدو المشاهد التي تبثها الفضائيات عن التراشق بالصواريخ قصيرة المدى أو المتوسطة كما لو أنها تتم بين دولتين متحاربتين والتفاوت فيهما هو فقط في منسوب القوة والتسلح، لكن الحقيقة فهي أن المحتل يعاود احتلاله، والحرب إن كان لنا أن نصفها كذلك هي بين احتلال ومحتل . وبين قوة طليقة اليد وتمنح بسخاء أمريكي نادر وقطاع محاصر .

وإذا كان هذا الاحتلال هو الجملة السوداء المعترضة في العالم خلال العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية فإنه أيضاً الاختبار الأعسر لما تبقى من ضمير دولي خصوصاً بعد أن خسرت أمريكا الكثير من صدقيتها السياسية بعد أن بشرت العالم بتصفية الاستعمار ودخوله إلى حقبة ما بعده .

إن الاحتلال باعتباره طارئاً ومضاداً لحركة التاريخ وسيرورته لابد أن يتناقص بسبب عاملين، أحدهما ذاتي يتعلق به وباضطراره اليومي إلى البقاء بقوة السلاح والحصار فقط والآخر موضوعي يتعلق بضحاياه الذين يكتسبون بمرور الوقت مراناً وتمرساً في تطوير مقاومتهم وشحذها، إنها جدلية لا سبيل إلى تبسيطها أو اختزالها في غالب ومغلوب وما يكتبه ناشطون ومثقفون أوروبيون ومن أمريكا ذاتها عن هذا الاحتلال ليس عاطفياً أو مشحوناً فقط بالموقف الأخلاقي، إنهم ينطلقون من عمق التاريخ ومن الأنثربولوجيا السياسية في أشد أبعادها تعقيداً، لهذا يرون في هذا الاحتلال الذي لابد أن يأكل نفسه عينة من ثقافة السطو البدائية التي تسللت من القرن التاسع عشر إلى القرن الحادي والعشرين .

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required