مفتاح
2024 . الأحد 30 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
الوقت يحتضر، لكن الساعة لا تتوقف، عقاربها تسير ببطء، ترتعش وترتجف كنبضات قلبه، يغلي ويبرد، حمى وألم، هيكل عظمي مقيد على سرير المستشفى، خمس سجانين ملوا الانتظار، لا زال حياً، يهمسون ويطلبون من الأطباء الإسراع في استدعاء العدم...

سامر العيساوي يصيح لا زلت حياً، خرجت قبل قليل من لحظة الموت المفاجأة، ونظرت إلى ظلي المقطوع عن جسدي، ما أطول عمري، وما أبطا مبضع الجلاد عندما جف من جسدي الماء، فانبهر من تدفق دمي، ومن روحي يرويها حلمي والقدس.

سامر العيساوي: لا زلت حياً، قادر ان اصبر حتى تأتي لجنة تقصي الحقائق التي اقرها البرلمان الأوروبي لتراني، وقادر ان اشرح معنى القلق الإنساني الذي عبرت عنه ممثلة الاتحاد الأوروبي اشتون في تصريحاتها، وقادر ان أرجئ موتي الذي يأتي ويذهب، ولكني لن أودعه...

بعد تسعة شهور من الإضراب المفتوح عن الطعام، وهنا من على الكرسي المتحرك، لا أقدام اشعر بها، ولا أيدي ارفعها لأبصر قمر الليل، جسمي صدى، وتهمتي أني اكره السجن وأحب السفر من القدس إلى غدي، وأعود والغيم في يدي، أريد ان أرى الربيع في موعده، ولا أتأخر عن موعد الصلاة في الكنيسة أو تحت قبة الصخرة العنيدة.

لا زلت حياً، انتظر الرئيس الأمريكي اوباما ليزورني، ويسير معي في رحلتي كاملة الأعضاء، ربما لا يتأخر على الباب أو لا يعيقه السجانون، وربما سيضطر للوقوف قليلاً حتى أفيق من غيبوبتي، وربما يعود محافظاً على صفاء ذاكرته ولا يصاب بنقص الهواء، عندما يرى الجلاد في أنفاس الطريدة.

لا زلت حياً، أروض الألم، وأخشى على السجانين من رائحة جوعي وأشباحي وارتفاع في نشاط روحي، وهم يهبطون إلى أسفل الدرك الأخلاقي والإنساني، وأنا اسكن على قمة بعيدة...

رجفة في الركبتين، تشنج في البطن والعضلات، جفاف في الحلق وتراجع في البصر، أذوب مقيداً، أذوب علناً وفي فضاء الكون، أذوب أمام الكلمات والبيانات، ولكن أتجمد كثيراً أمام أمي، هي التي توجعني، وهي التي تنير ضوءاً الاهياً حولي، أخاف عليها مني، فسامحيني لأني أنام الآن وتستيقظين فلا تجديني...

أنا سامر العيساوي لا زلت حياً، ارفض المحكمة وسيناريوهات الإعدام، ارفض الأبعاد إلى المنفى خارج جاذبية القدس، وارفض أي حوار بين جوعي ولائحة الاتهام ، لان الحرية لا تحتاج إلى حبل للنجاة.

الحرية ليس لها أيديولوجيا، ولا تحتاج إلى مفاوضات، وهي أول السلام وآخر السلام، جرحي النازف لا يحتاج الى قاض وقضاة منهكين من الحقيقة، كلما زاد جوعي استيقظ الغد، وتحرك الطير في الهواء، وبين موتي وحياتي أوصي ان لا يقف احداً على الحياد...

ساقول للرئيس الامريكي:

كان يمكن ان لا اكون هنا في السجن مربوطا بجنون السياسة الاسرائيلية

لو ان الاحتلال لم يتجاوز البحر ويعبر الى غرفتي الهادئة

لو ان دورية الجيش لم تلق القبض علي في الطريق من العيسوية الى الرام حاملاً ربطة خبز للعائلة

لو ان الحاخامين لم يحملوا السيف باسم التوراة ويعلنون الحرب على الناس والتاريخ والذاكرة...

ربما لما احتاج السلام الى مائة عام من القتل...

ولما احتاج الزيتون ان يبكي طويلاً على غارسه...

ولما انتشر الحراس حول خلايا النحل في بيت لحم والناصرة .

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required