مفتاح
2024 . الأحد 30 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
راهن العرب على كسب عنصر الوقت، ومرور الزمن في صراعهم مع الصهاينة، معتقدين بان الزيادة السكانية والتفوق العددي العربي وعامل الوقت سيكون في صالحهم، تماماً كما اعتبرت الحركة الصهيونية "مع الفارق" العدد السكاني لليهود بالقدس أحد مؤشرات علاقة اليهود بالمدينة، وان الايدولوجية الزائفة والمجتمع الصهيوني مآله الى زوال.

ونظر العرب للمجتمع الإسرائيلي على أنه مجتمع يقوم على الأساطير اللاهوتية، وتزييف وتحريف التاريخ، ويتكون من شعب مفكك يعيش فيه خليط من الاجناس المختلفة، غير موحد يمزقه التعصب الديني والايدلوجية المتطرفة وزيف ادعاء الديمقراطية والمساواة وكذلك التباينات والانقسامات الداخلية، يقوم على التمييز العنصري، وهضم حقوق الآخرين، متناسين أن توازن القوى بين الدول ليس بعدد وكثافة السكان فقط، بل بالنوعية واستثمار القدرة العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية لأي مجتمع. لذا في الوقت الذي كانت فيه الصهيونية تعمل بكل جهدها لترسيخ أهدافها، وتلميع طابعها العقائدي اليهودي وتوطيد أركان دولتها، قصر العرب في واجبهم لمواجهة صراعهم فلم يضعوا القدس و"فلسطين" على سلم أولوياتهم، ولم يقوموا بوضع استراتيجية موحدة، لمواجهة هذا الغزو فاستغلت الصهيونية ذلك الخلل في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية، والدعم والانحياز الغربي لها وتغيير موازين القوى العسكرية لصالحها، كما استغلت التناقضات والخلافات والأزمات العربية، وعملت على إذكاء واستغلال تآكل الارادة الذاتية العربية وتشويه الوجه العربي والإسلامي، وزيادة تشتيت وانقسام القوى الفلسطينية، وغرس قيم مجتمعية دخيلة لضرب القيم السائدة، بل استخدمت أيضاً سياسة فرق تسد والمراوغة والتصيد في الماء العكر، لتأجيج الخلاف العربي حول القدس.

اجتذبت القدس دوماً خواطر وأنظار العالم كله، لأهميتها الدينية والروحية الكبيرة، ومكانتها التاريخية والإستراتيجية المتميزة، ومنزلتها العقائدية والحضارية والتراثية الفريدة، فقد كانت تحتل ولا تزال مركز اهتمام العالم بأسره ومحط أنظاره، باعتبارها حلقة مركزية ومحورا رئيسيا فلا يستطيع أحد أن ينكرها أو ينكر مدى تأثيرها على وضع واستقرار المنطقة ونزع فتيل الصراع فيها، لما لها من تداعيات إقليمية ودولية، خاصة في ظل استمرار انغلاق الأفق السياسي، وجمود عملية السلام والتمسك الاحتلالي لها، بل واستبعادها من أي جدول أعمال جدي للتحرك الفعلي، لإجراء أية تسوية شاملة تفضي لحل عادل وشامل للمدينة، يستند على استرداد الحقوق المشروعة، وتقرير المصير، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.

فلقد دأبت الصهيونية منذ اليوم الأول لها، منذ أطلقها ثيودر هرتسل، على السعي الى تنفيذ أهدافها بخطط تراكمية ومناهج متدرجة، ذات طابع عملي فكانت السياسات التي ترمي لاحتلال القدس (فلسطين)، والتنفيذ المرحلي لتحقيق اهدافها، بالسيطرة عليها، لتأكيد وجودها والعمل على تهويدها واغتصابها لتكون عاصمة دولتهم، سالكة منذ تأسيسها استراتيجية واضحة وشاملة وخطاً ممنهجاً للوصول الى اهدافها، معتمدة على سياسة الخطوة خطوة، وتكتيكات متغيرة، ونفس طويل، مستخدمة طرقا متعرجة وأساليب ملتوية، طارقة جميع الابواب لتحقيق ذلك، مستغلة جميع الأوضاع والظروف والمواقف والأحداث وأنسب الاوقات التي تتفق وتحقيق أهدافها ومصالحها، وتنفيذ مخططاتها العدوانية ضد أهلها، وفرض سياسة الامر الواقع.

لقد استغلت الصهيونية إستراتيجية عنصر كسب الوقت وعامل الزمن وسيلة لانجاز اهدافها، مستنفدة الطاقة العربية وتهيئة الجو لنجاحها، فاستغلت فكرة عقد المؤتمرات بأنواعها وتشكيل اللجان بأشكالها، كما استغلت القرارات والتوصيات الدولية الصادرة عنها وسائل للمساومة والتطويل والمراوغة والتحايل لتنفيذ مآربها، لإبقاء بحث وتنفيذ الموضوعات الحيوية "التي تتعارض مع مصالحها" تدور في حلقات مفرغة، مستغلة تحالفاتها واتفاقياتها مع الدول الاستعمارية الكبرى ممن لديها القوة والنفوذ. كما استغل الصهاينة اضطهاد وضيق الدول الغربية بهم خاصة لما تعرض له اليهود على يد النازيين، واستغلوا كذلك الهوة السياسية بين الغرب والاتحاد السوفيتي، واستغلوا سيطرتهم على دوائر الاقتصاد وبسط أياديهم وأجهزة الدعاية والأعلام، فعملوا على إضعاف الروح الوطنية عند العرب والنيل منهم اقتصادياً وثقافياً وإجتماعياً وأخلاقياً وإعلامياً وهي السياسة التي يتبعونها حتى الآن.

بدأ منظرو الحركة الصهيونية التي انطلقت في أواخر الثلاثينيات من القرن التاسع عشر بتسليط الضوء بأن هدفهم هو احتلال القدس وجعلها عاصمة لإسرائيل مستغلين البعد الديني للمدينة، ولم تكن زيارة موشيه منتوفيوري عام (1835) لمدينة القدس إلا أحدى هذه الخطوات لاحتلال المدينة والسيطرة عليها. كما حاولت الصهيونية استغلال الدولة العثمانية التي كانت مثقلة بالأعباء والديون، وبدا عليها الوهن والضعف من كل جانب، للضغط عليها وتهديدها لتحقيق اطماعها التي تتمثل في عودة واستقرار يهود العالم في فلسطين، وتأسيس دولة يهودية. وجاء التوسع في الهجرة اليهودية الاولى الى فلسطين عام (1882)، وإعلان مشروع الدولة اليهودية في مؤتمر بال بسويسرا عام (1897)، تعبيرا عن ذلك، بالرغم من رفض السلطان عبد الحميد الثاني سنة (1901) لذلك رفضاً قاطعاً بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وعدم السماح للصهيونية بتنفيذ مخططاتها العدوانية الأمر الذي ادى إلى عزله.

لقد ادرك العرب في فلسطين بأن القوى الاستعمارية ستطلق يد الصهاينة بعد إنهيار الامبراطورية العثمانية، وسقوط فلسطين بيد الاحتلال البريطاني، للمضي في سياسة الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، فكان إصدار وعد بلفور في 2 نوفمبر (1917) الذي التزمت فيه الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، والذي كان أحد المستندات التي استخدمتها الصهيونية للادعاء بحقها في انشاء "الوطن"، فقد جاءت معاهدة سان ريمو عام 1920، وميثاق عصبة الأمم، والإنتداب البريطاني عام (1922) الامر الذي جعل الطريق سالكة لليهود، فشجعهم على القيام بأكبر حملة هجرة استيطانية صهيونية هيأت االاجواء لليهود لاغتصاب فلسطين، وزيادة عددهم في القدس وتحقيق أهدافهم، حيث استغل الصهاينة السياسة الانجليزية ونجحوا في إقناع الانجليز بأنهم سيكونون عوناً لهم وفي خدمتهم لتحقيق هيمنتهم على المنطقة، لذا رأت الحكومة البريطانية في الحركة الصهيونية الحليف الأوثق لخدمة أهدافها، فعمل الانتداب البريطاني بالرغم من المقاومة العربية على كسر شوكة القوات العربية، ودعم القوات الصهيونية وتنشيط وكالاتها التي استغلها الصهاينة احسن استغلال لتحقيق مآربهم.

كذلك استغلت الصهيونية رفض العرب لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) سنة (1947) المتعلق بتقسيم فلسطين، بإقامة الكيان الصهيوني على ارضها والذي يعتبر شهادة ميلاد دولة الكيان الصهيوني، حيث استغلت الصهيونية حرب عام (1948) باحتلال الشطر الغربي من القدس وتقسيمها خلافاً لقرار الجمعية العمومية للامم المتحدة مستغلين انسحاب البريطانيين منها، وكذلك استغلال قرارات مجلس الأمن لفرض الهدنة "ثلاث مرات" واتفاقيات رودس بتعزيز قوتها العسكرية، واحتلال مساحات في القدس اوسع بكثير من الحدود التي وردت بالقرار حيث استولت على ما مساحته 66,2% من اجمالي مساحة القدس الكلية.

وشكلت حرب حزيران عام (1967) ونجاح الصهيونية بالقوة العسكرية باحتلال الجزء المتبقي من القدس، وجعلها عاصمة لإسرائيل نكسة وطامة كبرى على المدينة المقدسة بعد السيطرة الكاملة عليها، حيث تم تشريد ما يقارب عن 60% من سكانها ومصادرة 80% من أرضها، فعملت على زيادة مساحتها من 11 كم مربع إلى 73 كم مربع تحت مسمى القدس الكبرى، والتي تشمل على 20% من مساحة الضفة الغربية، فتحول الفلسطينيون العرب فيها الى مجرد اقلية، رغماً من احتجاج العالم ومعارضته، وخلافا لكل قرارات الشرعية الدولية.

كما استغلت اسرائيل اتفاقية "كامب ديفيد" في مارس 1979 احسن استغلال واستعداد الرئيس المصري انور السادات للعمل منفردا، وقد تحقق لاسرائيل بموجبها ما تريد دون اية خسائر او تنازلات، لتثبيت اركانها بالقدس فضمت عام 1980 شرقي المدينة، وجعلتها عاصمة اسرائيل، وتصاعد نشاطها في الاستيلاء على الارض والتضييق على المقدسيين لتهجيرهم، واتخذت الاجراءات التعسفية لاعادة تشكيل المدينة لتصبح مدينة يهودية، وتوارى الحديث عن القدس وتناسى العرب أمرها وذكرها رويداً رويداً، ولم يعد الحديث عنها إلا خجلاً وهمساً وعلى استحياء متذرعين بأسباب ومبررات واهية كالواقعية السياسية، وخشية الضغوط الدولية، والهيبة من تعاظم القوة العسكرية الاسرائيلية.

فلقد استغلت إسرائيل تأجيل قضية القدس إلى مفاوضات الوضع النهائي لتليين المواقف العربية حول القدس، وحتى أصبح موضوعها مجرد قضية شكلية، فانفردت بالمدينة وقامت باتخاذ الخطوات والإجراءات المختلفة لتهويدها واسرلتها وضمها والاستيلاء على عقارات المدينة لتحقيق توسعاتها الجغرافية (الأرض) وتطهيرها الديموغرافي، ضاربة عرض الحائط قرارات الشرعية الدولية ومبادرات السلام العربية.

ان القدس في هذا الوقت تحتاج الى موقف عربي وإسلامي موحد لمواجهة التيارات العاتية والمتغيرات وعدم الرضوخ للظروف والمتغيرات السياسية الاقليمية او الدولية، فلم يبقى للقدس إلا أهلها اللذين اضحوا منفردين لا يجدون احدا معهم يساندهم، لذا على المقدسيين الاعتماد على انفسهم وسواعدهم والصمود والرباط فيها والمحافظة عليها.

والملاحظ بأن ما تمر به القدس من احداث، وما تتعرض له من تهويد، بضم واغتصاب اراضيها وطرد اهلها وإحلال اليهود بديلاً عنهم، وما القفز على الحقوق الوطنية المشروعة وتجاهل ثوابتهم الوطنية، إلا تكرار وتواصل لأحداث وحوادث سابقة مماثلة، ومرحلة من مراحل خطة استعمارية إحتلالية كبرى تمارس على المدينة.

إلا أن حقائق هذا الصراع تؤكد بان لا سلام ولا استقرار ولا أمن بدون القدس وعودة الحقوق لأهلها الشرعيين، وان التنكيل والاعتداء والضغط على أهلها لن يثني من عزيمتهم ولن يدفعهم لمغادرتها والرحيل عنها، كما حدث يوما، بل سيزيدهم إصراراً على الصمود والبقاء.

* الكاتب يعمل في قطاع الأعمال ويقيم في مدينة القدس. - nabeelhammouda@yahoo.com

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required