مفتاح
2024 . الأحد 30 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
واضح أن السجون الإسرائيلية ومراكز احتجاز الأسرى تحولت إلى وباء، ومرتع للأمراض العديدة، وأنها البديل لمقصلة الإعدام ، وأصبح تعبيري الدائم عن قلقي على حياة الأسرى المرضى صراخا في الوادي العميق، أسمع صوتي في الصدى، ولا يتوقف إلا عندما أجد نفسي أمشي في جنازة أسير ينظر إلي نائما يسألني ماذا فعلت؟

منذ عام 2009 استقبلت 12 شهيدا من الأسرى كنت اعرفهم وأتابع موتهم البطيء ساعة ساعة ويوما يوما، أتلقى نداءاتهم ورسائلهم كأنها شهقات رجاء في اللحظات الأخيرة، الشهداء: محمد العملة، زكريا عيسى، رائد أبو حماد، أشرف أبو ذريع، زهير لبادة، عرفات جرادات، سيطان الولي، ميسرة أبو حمدية ، زياد ردايدة، عيسى زيدات، إياد طقاطقة، مصطفى شهاب، انفجرت فيهم الشرايين، وسالت دماء الكلى، توسع مرض السرطان في أجسادهم حتى التهمتها عظما ولحما، ولا زال القاتل والمحقق والطبيب طلقاء ينصبون الفخاخ لأرواحنا المتمردة.

كانوا أحياء، والآن أزورهم في ثلاجات الموتى في المستشفيات، صامتين مبتسمين، وأرى بضع كلمات تكرست على شفاههم لم تكتمل، تجمدت بقطرات دم أو خيبات أمل في أحضان الكلام.

حكومة إسرائيل حولتني إلى وزير للجنازات ، وأرى زحمة للموت في السجون الإسرائيلية، لأن الإهمال الطبي والاستهتار بصحة الأسرى المرضى أصبح سياسة وروتين، وأطباء عيادات السجون لا يتلقون تعليماتهم من أخلاقهم المهنية والطبية، وإنما من أجهزة الأمن وتعليماتها التي تقول: إما أن يموت الاسير الفلسطيني فورا وإما أن يموت تدريجيا، فهو يشكل خطرا على الأمن القومي الإسرائيلي حيا وميتا.

انا وزير الجنازات، أقرأ الجنازات القادمة في رسائل الاسير رياض العمور ومنصور موقدة وخالد الشاويش وناصر الشاويش ومحمد التاج، ومحمد أبو حميد وناهض الأقرع ومحمود سلمان ومحمد أبو لبدة وشادي محاجنة، وأمير أسعد، وفؤاد الشوبكي وعامر بحر ومعتصم رداد وسامر عويسات وأيمن أبو ستة، وفواز بعارة ومحمد براش وغيرهم الكثير الكثير، موتى أحياء يفرون من قبرهم إلينا سالمين أو ناقصين، يطيرون حول السماء المسيجة، يحاولون الوصول إلى أي لجنة تحقيق محايدة أو محكمة دولية، تعطيهم الحق في العلاج المناسب، وتنقذ ما تبقى فيهم من حياة ولو مؤقتا.

حكومة إسرائيل حولتني إلى وزير للجنازات، لأنها لا زالت تمارس التعذيب بشكل منهجي ورسمي، ولأنها تقمع الأسرى بكل أساليب القمع والبطش، ولأنها لا تملك سوى مشفى هو أسوأ من السجن، وأكثر قسوة من زنازين العزل،كأن وظيفتي أصبحت التنبؤ بمواعيد الموت القادم، وترتيب حالات الفجع و ودهشة المأساة.

وزير الجنازات يعلن أنه لم يستطع أن يمنعهم من بتر ساق الاسير ناهض الأقرع، ومن منع انتشار السرطان في جسد الاسير ميسرة أبو حمدية، لم يمنعهم من وقف حالات الصرع والاضطرابات النفسية للعشرات من المرضى الأسرى، الذين فقدوا الذاكرة أو صدمتهم أحوال السجن الجهنمية، وسيبقى هذا الوزير راحلا من عزاء إلى عزاء ، يستقبل التوابيت والأجساد المحطمة، يشم رائحة الموت في أنفاسهم وصرخاتهم المخنوقة في النسيان.

وزير الجنازات يقرأ عن أسرى فقدوا النظر ، وآخرين فقدوا السمع، وأسرى مشلولين يتعكزون على رائحة الدواء المسكن إلى حين، يبحثون عن سماء للروح إذا صعدت، أو عن أرض لها اذا نزلت، مغسولة بالورد وسورة الفاتحة، فيتعثرون بعبء البطولة وهروب الملائكة.

إسرائيل حولتني إلى وزير للجنازات،وظيفة من يسدل التراب على الميتين ظلما، ويلقي خطابات التأبين الحزينة، وهي تحاول أن تجعل هذه الوظيفة عادية وطبيعية، ولكنها لم تدرك أنني أتابع إيقاع دوراتنا الدموية، من الدولة إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلى حيث ينهض كل الضحايا أحياءا وشهودا على الجريمة المنظمة المعاصرة.

لا زلت أملك تلك الذاكرة الرمادية، وأراهم جميعا يأتون كاملين، ينشدون على أوتار آلامهم وأوجاعهم، ليس نشيد الوداع الأول، ولا السقوط عن قمة الهاوية، وإنما الصعود إلى الحرية في جبال أجنحتهم العالية.

انا وزير الجنازات، لا اطلب الآن سوى أن لا أشارك في جنازة سامر العيساوي المتوقعة، بل اطلب أن تسمحوا لي أن استقبله حيا حرا، يتحرك على قدمين وليس على عربة المقعدين، تضمنا شمس القدس وشوارعها ، نتبادل الحديث عن السلام والجمال لا عن الخوف،وننجو معا من الموت والعدوان، ونصلي..... *وزير شؤون الأسرى والمحررين

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required