مفتاح
2024 . الأحد 30 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

بشكل متزامن تقريبا مع زيارة اوباما الاخيرة للمنطقة, قامت اسرائيل بالافراج عن اموال الضرائب الفلسطينية, كما وتعهدت قطر بتقديم مساعدات اضافية للسلطة الفلسطينية, كذلك الحال كان مع الادارة الامريكية التي تعهدت بتقديم نصف مليار دولار. كل ذلك اعتقادا من امريكا واسرائيل ايضا بان من شأن ذلك ان يساهم بتهدئة الاوضاع في الضفة الغربية بعد ان شابها التوتر والهبات والاضرابات التي كان من الممكن ان تفلت من عقالها و تتحول لما يشبه الانتفاضة الشعبية. اضافة الى ان ذلك يمثل ادوات ضغط لمحاولة ارجاع الفلسطينيين الى حلقة المفاوضات بعيدا عن اية التزامات مسبقة.

يعود تاريخ مفهوم السلام الاقتصادي الى شمعون بيرس الذي استهوته فكرة السيطرة على الشرق الاوسط ومقدراته من خلال اعتقاده ان اسرائيل تمتلك من الامكانات ما قد يؤهلها للعب هذا الدور المركزي, لكنه حاول ان يوازي بين الوصول الى اتفاقات سياسية واقتصادية بشكل مقبول الى حدا ما. لكنه وحزبه لم يكونا جاهزين الى دفع الاستحقاق السياسي المطلوب عربيا وفلسطينيا.

اما نتنياهو اللذي يرفض بشكل مبدئي فكرة حصول الفلسطينين على اي من اشكال الدولة السيادية ولو في حدها الادني, والذي هاجم التفاهمات غير المكتوبية ما بين – اولمرت – ابو مازن, وليفني – ابو علاء عامي 2008 و 2009, على الرغم من انها كان فقط في حدود النقاشات ولم تكن تلبي الحد الادني فلسطينيا, الا ان نتنياهو وجد فيها اضرارا بالمصلحة الاسرائيلية. واما خطابه في جامعة بار ايلان حزيران 2009, فلا يمكن اخذه الا في اطار العلاقات العامة والاستخدامات السياسية في حينه, حيث يكفي العودة الى كتابة مكان تحت الشمس لندرك وبكل بساطة انه يرفض التخلي عن اي جزء مما يسميه يهودا والسامرة.

اما الحقيقة فهي ان نتنياهو يدرك حاجة اسرائيل لحالة مستقرة نسبيا, وهو يحاول تجنب الدخول في مواجهة مفتوحة مع جزء كبير من دول العالم ومؤسساته, وحتى لا يبدو عبثيا ومتطرفا مثلما كان حال وزير خارجيته ليبرمان في حينه فقد طرح مفهوم السلام الاقتصادي, محاولا بذلك الابقاء على بعضا من نبضات قلب عملية السلام. واستطاع وعبر تعاون كبير من منسق اللجنة الرباعية الدولية توني بلير في ابقاء الفلسطينيين حبيسين لما اصبح يعرف ببناء الدولة واجهزتها ومؤسساتها حتى يتحقق استحقاق الدولة السياسية السيادية.

على الرغم ان الفلسطينيين قيادة وشعبا يدركون اللعبة التي يلعبها الاسرائيليون واعتقادهم ان الامريكيون, والى حدا كبير منسق اللجنة الرباعية الدولية متواطئين مع اسرائيل, الا انهم غير قادرين بشكل او بآخر على قلب الامور باتجاهات اخرى الا في الحدود الدنيا. ان خطوة الذهاب الى الامم المتحدة والحصول على قبول الدولة المراقب غير العضو في الجمعية العامة, لا شك كانت خطوة متقدمة لكنها غير كافية, وان الاحتجاجات والهبات الجماهيرية, ومحاولات الانتفاض التي يقوم بها الفلسطينيين على مدار الاعوام الاخيرة, ايضا تساهم في ابقاء قضيتهم حية ومتوقدة. لكن الامر المهم فهو كيف يمكن التخلص من حالة احناء الظهر المتكررة التي قد تحولنا الى مطية يمكن دوما ركوبها. يقول مارتن لوثر كنغ "لا يستطيع احد ركوب ظهرك الا اذا انحنيت".

منذ اللحظة الاولى التي تدحرج فيها مفهوم او شعار السلام الاقتصادي رفضه الفلسطينيون رسميا, عبر سيولا متكررة من التصريحات, وفي بعض الاحيان رافضين المشاركة في مؤتمرات دولية احتضنت فكرة التعاون الاقتصادي في ظل غياب الحل السياسي. و في احيان اخرى حاولوا احداث خرق في مفهوم السلام الاقتصادي الاسرائيلي, مثال التقدم بمشاريع اقتصادية في مناطق سي, او محاولة الحصول على دعم من الدول المانحة من اجل اقامة مطار في الضفة الغربية, اضافة الى محاولة تغيير قواعدة لعبة اتفاق باريس الاقتصادي , ولا شك ان هنالك العديد من الامثلة الاخرى.

مضى على اتفاق اوسلو ما يقارب العشرون عاما, ومنذ لحظة اعلان المبادئ حتى الان لم يطرأ على مفاوضات عملية السلام اي اختراق يذكر, كامب ديفيد الثانية انهارت, وطابا اصبحت تاريخ يذكر, ومفاوضات التقريب وجسر الهوة 2008 كانت عبثا, ومحادثات ابو مازن اولمرت قبل صعود نتنياهو الى سدة الحكم عام 2009 كانت لط حكي كما يقول المثل الفلسطيني.

خلال هذه العشرين عاما, وحتى في ظل عدم تبلور او طرح السلام الاقتصادي على طريقة نتنياهو والذي يعتقد بانه سيكون سببا للهدوء الامني والسياسي, لم تخرج السياسية الاسرائيلية عن مفهوم حسن النوايا والتي هي بجوهرها اقتصادية, بدء من التوقف واعادة دفع مستحقات الضرائب الفلسطينية, وصولا الى اعطاء اعداد اكبر من تصاريح العمال ورجال الاعمال,التلاعب بعملية السيطرة على المعابر وزيادة وانقاص عدد ساعات عملها. وبالمقابل تجاهل المتطلبات الاقتصادية الحقيقية مثل البناء والاستثمار في المناطق المسماة سي, والتي من شانها ان تخلق استدامة اقتصادية حقيقية. وبالتالي استطاعت اسرائيل ان تستخدم العامل الاقتصادي كجزرة تطوع بها حالات التمرد الانفعالية التي سادت لدى الفلسطينيين قيادة وشعبا, واداة فعالة لادارة الصراع السياسي, وابقائه لكن دون احداث اضرار نوعية لاسرائيل.

لم يلقي الفلسطينيين اعتبارا كبيرا لزيارة اوباما الأخيرة فهي لم تحتوي الا على بعضا من عبارات المجاملة الوطنية والسياسية, التي لا تسمن ولا تغني من جوع, بل انه قد لوح للفسطينيين بجزرة تشبه العصا عندما اعلن عن نصف مليار دولار دعما للاقتصاد الفلسطيني, خاصة انه لم يطرح او يناقش اي حلول سياسي, وتجلى التعبير الاقصى عن ذلك عبر زيارة جون كيري الاخيرة وتصريحاته التي لم تحمل سوى الحديث عن الاقتصاد, بحيث وصفتها صحيفة معريف الاسرائيلية قائلة " كيري يتبنى مشروع نتنياهو للسلام الاقتصادي".

سناريوهات مختلفة لكنها اقتصادية اولا واخيرا:

تكشف الزيارة الاخيرة لجون كيري وزير الخارجية الامريكية عن مجموعة من الحقائق, والتي تعيدنا الي مربعي السلام الاقتصادي ومبادرات حسن النوايا كادوات لادارة الصراع السياسي وليس كاليات لانهاء الصراع وفق جداول واضحة ومحددة, مرضية للشعب الفلسطيني ولطموحاته في التحرر الوطني, على الرغم من الاختلافات الجزئية ما بين الامريكان ونتنياهو فيما يتعلق بالتكتيكات التي يمكن استخدامها. الا انها لن تفيد ابدا في ايجاد الحل السياسي. فلقد اثبت التاريخ الفلسطيني ان الرخاء الاقتصادي لا يغني عن التحرر من الاحتلال. فالانتفاضة الفلسطينية الاولى كانت في مرحلة تميزت بمستوى دخل مرتفع, ورخاء اقتصادي اكثر وضوحا اذا ما تمت مقارنته بالمرحلة الراهنة, ومع ذلك تمرد الفلسطينيين لانهم ارادوا حرية سياسية وسيادة غير منقوصة.

ولهذا نرى اسرائيل تنتهج اسلوبا يمكن تسميته سلاما اقتصاديا بمنطق حسن النوايا, حيث تتلاعب بمستحقات الضرائب, تفرج عنها عندما تشعر بتأزم الشارع الفلسطيني, بحيث يبدو الامر وكانه الامن مقابل الغذاء, لكنها قد تقدم اكثر قليلا في سبيل دفع الفلسطينين الى العودة للمفاوضات. وهي بعكس الامريكان الذين تغلب الجزره على العصا عندهم بحيث يريدون مشاريع اقتصادية اكثر حجم, مع بعض الدلالات السياسية لان مصالحهم الاقليمية اكبر مما هي مصالح اسرائيل الضيقة.

لا شك ان اسرائيل وكذلك امريكا اضافة الى الفلسطينيين, جميعهم يريدون انهاء الصراع, لكن الثمن والمقابل هو موضوع الخلاف.؟؟؟؟

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required