مفتاح
2024 . الإثنين 22 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 


فيما يلي حيثيات ندوة "مجتمع المعرفة ومشروع الشرق الأوسط" التي عقدت في منتدى الفكر والحوار الوطني – دار الكرامة والتي ادارها صخر حبش وشارك فيها: رمزي ريحان ود. عبد الكريم البرغوثي.

حبش: عدم عقد قمة تونس واحياء الصراعات الطائفية واعطاء الدور المحوري لاسرائيل هي من نتائج المشروع ريحان: نحتاج لذاكرة بلون قزح والثقافة الامريكية متنوعة وفيها ما يؤمن بتنوع الحضارات وحقوق الشعوب : نحن امام خيارين اما ان نبني ذاتنا واما ان نبنى وهذا يزيد من فجوتنا المعرفية د. البرغوثي: التعامل مع المشروع بالطريقة القديمة نفاقم وضعنا والنظام الرسمي يعيق التنمية : دعواتنا القوميـة والاسـلامية انفعاليـة لا تضيف الى المعرفة ولهذا سنبقى تحت الهيمنة الامريكية

رام الله – الحياة الجديدة – عز الدين صلاح مشروع الشرق اوسط الكبير هو رؤية امريكية لاعادة صياغة المنطقة وبما يعزز الهيمنة الامريكية عليها... هذا المشروع يتضمن عناوين من ابرزها الديمقراطية، الاصلاح، التنمية، التغيير، اعطاء مكانة للمرأة، وهذه اخذت من تقرير اعده مثقفون وباحثون عرب بتكليف من الامم المتحدة، واذا ما عمل بالفعل على تنفيذ هذه العناوين فهذا لصالح شعوب المنطقة التي عانت من الانظمة الشمولية المتمسكة بمقاليد السلطة الى الرمق الاخير.. ولكن هل فعلا الولايات المتحدة تريد لمنطقتنا الديمقراطية والتنمية الحقيقية، ونحن نعرف ان الولايات المتحدة هي التي خلقت الانظمة الديكتاتورية، وتعاونت معها، وفي احيان كثيرة عملت على ازالة سلطة منتخبة.

هذا المشروع والاهداف الخفية التي تكمن من خلفه، كان في ندوة لمنتدى الفكر والحوار الوطني وهي الثالثة في هذا السياق، وجاءت تحت عنوان "مجتمع المعرفة ومشروع الشرق الاوسط الكبير، وتحدث فيها الاستاذ رمزي ريحان حول "الذاكرة التاريخية وتطور مجتمع المعرفة، والدكتور عبد الكريم البرغوثي حول "الفجوة المعرفية وخطورة توظيفها في فرض الهيمنة" وأدارها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح السيد صخر حبش "أبو نزار".

ولعل من المفيد التذكير بأن الاصلاح والتغيير والديمقراطية والشفافية هي داخلية المنشأ، وكان يراد منها تمتين النظام السياسي الفلسطيني ونفس هذه العناصر اصبحت فيما بعد تشكل مطالب خارجية ولكن بهدف تطويع نظامنا السياسي ليقبل بالحل السياسي الامريكي الذي يخفض سقفنا الوطني.

وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح السيد صخر حبش "ابو نزار" في بداية الندوة ان المشروع الذي يسمى الشرق الاوسط الكبير ويطرحه المحافظون الجدد يمثل خطرا حقيقيا على هذه المنطقة، وهو بمثابة السم في الدسم واخطر ما فيه انه يهدف الى اهمال الصراع العربي الاسرائيلي، وتحت يافطة الديمقراطية والسيطرة والهيمنة على مقدرات شعوب المنطقة. ومن المفيد ان أذكر بالمشروع الاستعماري البريطاني الذي طرحه كامبل بنرمان في عام 1905، وحينها فكر هؤلاء المستعمرون بان الشعوب قد تعمل وتنطلق للبحث عن حريتها، وهدف هذا المشروع ي حينه الى استمرارية ان تحافظ الدول الاستعمارية على مصالحها في مستعمراتها، واعتمد المشروع على القوانين الاستعمارية المطروحة، والتي تتمحور في ان الدول الاستعمارية متفوقة على الاخرين، وبالتالي يجب السيطرة على المستعمرات من خلال الاحتلال المباشر، او من خلال التبعية والعمالة لحكومات تنصب في هذه المستعمرات. وطرح هذا المشروع طبقا لحقيقة مفادها ان الدول الاستعمارية والإمبراطوريات تنشأ وتصل القمة، ثم سرعان ما تهبط الى ان تزول، وهذا ما حصل في القارة الاوروبية، اذا اصبحت قديمة استنفذت طاقاتها وشاخت معالمها، بينما لا يزال العالم في اوج شبابة ويتطلع الى المزيد ما العلم والتنظيم والرفاهية. وفي مشروع بنرمان حدد ان الخطر ياتي من منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وباكستان وايران وافغانستان، لذا على بريطانيا ان تعمل على استمرار تأخر شعوبها وعدم تثقيفها وابقاء الاتجاهات المختلفة فيها وتجزأتها وابقاء شعوبها متناحرة مفككة ودون وحدة ثقافية وفكرية، وكذلك ايجاد الوسائل والادوات لفصلها عن بعضها البعض، ولهذا جاءت فكرة اقامة الكيان الصهيوني لفصل الجزء الاسيوي على الجزء الافريقي، على ان يكون هذا الكيان قويا ليشكل حاجزا بشريا امام وحدة وتقدم هذه الشعوب، وليكون في نفس الوقت حليفا استراتجيا للقوى الاستعمارية.

وطبيعة اهداف المشروع الشرق اوسط الكبير الامريكي ما هي الى امتداد لطبيعة اهداف المشروع البريطاني، والهدف الاساسي له هو المحافظة على استمرارية الكيان الصهيوني كقوة حليفة استراتيجية للغرب والولايات المتحدة بالتحديد، وكذلك هيمنة وسيطرة الولايات المتحدة على هذه المنطقة وبالتالي العالم. والمحافظون الجدد في الإدارة الامريكية استغلوا التقرير الذي وضعه كتاب ومثقفون عرب، والذي جاء تحت عنوان "التنمية البشرية المستدامة في منطقة الشرق الاوسط"، وقدم الى الامم المتحدة، وقالت واشنطن على ضوء هذا التقرير ان منطقة الشرق اوسط الكبير بحاجة الى ديمقراطية واصلاح ونشر المعرفة والتكنولوجيا، وهذا عكس مشروع كامبل الذي اراد ابقاء التخلف في المنطقة ولكنه يهدف الى ما هدف اليه المشروع البريطاني السابق بابقاء الهيمنة والسيطرة الاستعمارية، والمحافظة على ابقاء اسرائيل، دولة متفوقة ومتقدمة، والتقدم الى المنطقة يتم عبر الهيمنة والادوات الاسرائيلية.

وهناك عناصر اساسية مشتركة ما بين المشروع الامريكي المسمى الشرق اوسط الكبير، وبين المشروع الصهيوني، وهذه العناصر هي التفوق، والهيمنة، الضربة الاستباقية، فالاول يريد الهيمنة على العالم ومنها دول الشرق الاوسط، والثاني يريد الهيمنة والسيطرة على المنطقة ليكون هو الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة.

وحقيقة نحن مع الديمقراطية الحقيقية، وليس تلك المستوردة التي وردت في المشروع الامريكي، والتي يراد منها أن يخنع شعبنا، وكذلك مع المعرفة وشعبنا من أكثر الشعوب تطورا في هذا المجال، ولكن المعرفية التي يريدها المشروع، هي ان ينسى شعبنا ذاكرته الجماعية، نحن مع المعرفة التي تحتفظ بالذاكرة، على ان يتم البناء على هذه الذاكرة الجماعية.

لقد اظهر استطلاع قامت به جامعة بيرزيت، ان شعبنا تواق ويريد الديمقراطية، والانتخابات هي جزء من هذه العملية، وهي الاساس في الحكم، خاصة اذا ما اجريت بطريقة صحيحة وبهذا يكون المجتمع هو الحكم عل من يمثله، ولتحقيق الانتخابات يجب ان نتمتع بالجدية، والجدية هي الاساس في أي عمل سياسي او تنظيمي.

ولعلي اشير الى ان من نتائج المشروع الامريكي ما حدث في قمة تونس العربية التي ارجأت وبتعليمات من واشنطن، لان ادارة بوش ترى ان على العرب ان لا يتفقوا. وهناك دول عربية ذات جذور وعمق وكبيرة ترى ان يستفاد من ما يحمله المشروع الامريكي من فوائد، ولكن ليس على حساب الحضور والكرامة العربية وعملت لذلك تحت عنوان ابقاء الجامعة العربية ومحاولة اصلاحها، واذا ما تحقق ذلك، فهذا يعني، ان الجامعة ستكون السد امام هذا المشروع الامريكي، الذي يقول بالشرق الاوسط الكبير، واغفال الامة العربية، على ان تكون اسرائيل هي المهيمنة الاقليمية عليه.

وحقيقة لا بد ان اشير اليها، وهي انه يجب ان نعرف ما هو المطلوب من هذا المشروع الامريكي، ونعرف ايضا طاقتنا وامكانياتنا، وننظر الى المشروع من جميع جوانبه، لا ان نكون احادي الجانب، خاصة وانه "أي المشروع" اعتمد على تقرير اعده نخبة من المفكرين يصل عددهم الى خمسين وبرئاسة المفكر نادر الفريجاني، وهؤلاء لم يغيبوا الصراع العربي الاسرائيلي، ولم يغيبوا موضوع الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، وهو سبب كل المشاكل التي تحدث في منطقتنا.

هناك تقرير اعده مركز الدراسات الامنية والدولية تحت عنوان "من اجل ان يسود الغرب"، اوضح ان الدافع الرئيسي وراء غضب المسلمين، هو فشل العديد من الدول الاسلامية في تشكيل حكومات عصرية تستجيب لاحتياجات شعوبها، وهي لا تسمح سوى باقل مستوى من النقاش لتحقيق الديمقراطية. ولكن ما يقدمه المشروع الامريكي هو بمثابة السم في الدسم. وفي الاستراتيجية الكبرى للشرق الاوسط والتي وضعها لوران مورافيتش في 15/7/2002، يوضح فيها ان المشروع الامريكي يرى ان العراق هو المحور التكتيكي للهجوم الامريكي، واما السعودية فهي المحور الاستراتيجي للهجوم الامريكي. ومن هنا جاءت الاجراءات التي اتخذت من قبل المحافظين الجدد، والتي بموجبها تم ضرب بعرض الحائط بالشرعية الدولية، والعمل على تدجينها لتوظف في خدمة الاهداف الامريكية الاستعمارية وعملوا هؤلاء المحافظون على اقامة قواعد عسكرية جديدة تأمينا للتحكم في ينابيع النفط العربي في المستقبل، وعملوا ايضا لفرض وصاية على حكومات عربية، وكذلك على احياء الصراعات الطائفية في العراق، واعطاء الدور الكبير لاسرائيل وتركيا.

ذاكرة... واقع

وقال نائب رئيس جامعة بيرزيت للتخطيط والتطوير السيد رمزي ريحان، ان عنوان الذاكرة التاريخية له مرادفات، فهناك ذاكرة تاريخية، وهناك ذاكرة نسيان التاريخ، وهناك تشويه لهذه الذاكرة، وهناك ذاكرة هيستيرية في بعض الاحيان، تحاول ان تلعب دور الذاكرة التاريخية، ولكنها ليست بالفعل ذاكرة تاريخية، هناك ذاكرة باللون الابيض والاسود، وهناك ذاكرة تمثل جميع الالوان.

بداية علينا ان نتذكر عن علاقة الغرب بالامة العربية في العصر الحديث، وقد تكون هذه نقطة انطلاق، خاصة واننا نتكلم عن ما يسمى مشروع الشرق الاوسط الكبير. من المناسب ان نبدأ بحملة نابليون في بداية القرن التاسع عشر، هذه الحملة اندحرت، ولكن تأثيراتها بقيت مستمرة لعام 1960، وهو عام استقلال الجزائر. ثم جاء تدخل آخر تمثل في الحرب العالمية الاولى وما تلاها، واحد نتائج هذه الحرب، كان بداية تحقيق المشروع الصهيوني على الارض، وفي نفس الوقت حدثت اشياء اخرى في هذه الحرب، ومن أهمها تفكيك الامبراطوريات "امبراطورية النمسا، امبراطورية المانيا، امبراطورية روسيا، الامبراطورية العثمانية". ان تفكيك هذه الامبراطوريات ليس بالامر السهل، فدول البلقان ما زالت تعاني من اثار تفكيك الامبراطورية النمساوية. وتفكيك الالمانية نجم عنها الحرب العالمية الثانية وتقسيم المانيا التي عادت لتتوحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والامبراطورية الروسية فككت لتحل محلها الامبراطورية السوفياتية التي هي فككت في اعقاب انتهاء الحرب الباردة، واثار تفكيك الامبراطورية العثمانية لا زالت موجودة في الواقع، فقسم المشرق العربي والمغرب، ووضعت الحدود، لكن الاستقرار لم يتحقق، والسؤال المطروح هو هل وصلنا الى نهاية الطاف، ام اننا ما زلنا نعيش اثار تفكيك هذه الامبراطورية؟ والسؤال الاخر الجوهري هو ما هي العلاقة بين الذاكرة وبين الواقع؟

ثم جاء تدخل آخر، ويبدو ان الغرب يريد وفي بداية كل قرن ان يذكر المنطقة العربية والاسلامية بانه السيد، فطرح مشروع الشرق الاوسط الكبير، وقبل ان اتناول هذا المشروع، ربما من المفيد ان نستذكر بعض العبر من التدخلات السابقة، فهذه التدخلات المستمرة تؤدي الى تغيير في العالم العربي، في المجتمع، في الاقتصاد، في الثقافة، ولا تؤدي الى الاستقرار.

المشروع الامريكي للمنطقة طرحه الرئيس بوش، وهذا على رأس تيار امريكي اصيل برز في الاونة الاخيرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وعبر عنه من مجموعة طرحت مشروع القرن الامريكي، وقالت انه في عالم القطب الواحد، فان القرن ال 21 هو لامريكا، والعالم يجب ان يتبع الولايات المتحدة، ولهذا التيار سوابق، فاذا ما عدنا الى قرن، نجد انه في عهد الرئيس روزفلت تم احتلال الفلبين من الجيش الامريكي، وحصل ايضا الهجوم على كوبا. وكان شعار روزفلت "سر بهدوء واحمل عصا كبيرة"، ولكن في عصر القطب الواحد فان بوش لا يحتاج ان يسير بهدوء بامكانه ان يعلن اهدافه دون خوف، وبصوت عال. ويجب ان نذكر في هذا السياق ان امريكا بلاد واسعة وثقافتها متنوعة، لذا هناك تيارات اخرى معارضة لتيار بوش، فعلى سبيل المثال الرئيس الامريكي ويلسون بعد الحرب العالمية الاولى كان لديه نظرة عالمية للسياسة، وكان يعترف بالتنوع في الحضارات وحقوق الثقافات في ان تعيش جنبا الى جنب، وحق جميع الدول في الحرية الحقيقية، ولكن ويلسون فشل في اقناع مجلس الشيوخ في تبني رؤيته الانسانية العادلة.

ان مشروع الشرق الاوسط الكبير احدث تغيرا الى الوراء في منطقتنا والعبرة التي يجب ان ناخذها هي اننا امام خيارين هما: اما ان نبني انفسنا، او ان نبنى فنهار ونهدم. واذا ما اردنا ان نواجه هذا المشروع على اساس معرفي، فعلينا ان نعرف ان نتذكر، واذا اردنا ان نبني انفسنا، علنيا ان نتذكر الهجمات العسكرية، والسيطرة والتحكم السياسي، والهيمنة الاقتصادية، هيمنة الثقافة الغربية. وايضا علينا ان نحدد ماذا نعرف عن ثقافات الغرب، ونتذكر ان الثورة الصناعية الغربية بنيت على الدم والعرق. وحقيقة نحن لا نتذكر هذا، هذا ما اسميه نسيان التاريخ، نحن نعرف الغرب من بعض النواحي، ونجهل نواحي اخرى... ننسى الصناعة، العلم، الفن، الادب، وهذا من الاخطاء الجسيمة... يجب ان نتعامل مع هذه النواحي حتى لا ننصاع لها.

ذكرت النسيان التاريخي، واذكر الان الذاكرة الاسطورية... امريكا نشأت من خلال استيطان الأوروبيين للأمريكيين، فهناك من ينظر الى هذا كانجاز رائع، وينسى العالم ان عشرات الملايين من السكان الاصليين "الهنود الحمر" قد قتلوا من جراء ذلك... فأليست هذه ذاكرة مشوه... ذاكرة اسطورية فيها امجاد وبطولات والم... وهناك ذاكرة اخرى وهي اسرائيل والتاريخ العبراني، وهذه اسطورة مصطنعة... هذه ليست ذاكرة تاريخية، بل هي ذاكرة مشوه.

واذا ما تحدثت علن المجتمع المعرفي وتأثيره على الذاكرة، أقول ان مجتمع المعرفة يزيد المعرفة ولكنه في نفس الوقت يقلل منها، فالماضي يوسع الذاكرة من ناحية اننا نعرف ما حصل ويحصل في العالم، ولكن الماضي يقلص الذاكرة من ناحية زمنية، ويشوهها من ناحية العرض. وهناك مخاطر في مجتمع المعرفة، وعلينا ان نواجهها، فالمجتمع المعرفي يغير مصادر الذاكرة ومكوناتها، وعلينا ان نعرف كيف نواجه هذا التغيير؟. واحد الاجابات على هذا السؤال هو ان نعرف ماذا نريد ان نتذكر؟ وماذا نريد ان نورث للاجيال القادمة من ذاكرة صحيحة ملونة وليست باللون الابيض والاسود. الحروب الصليبية نذكرها في كتب التاريخ على انها هجمة اوروبية على العالم الاسلامي، وهذا صحيح، لكن هذا ليس هو الوصف الكامل، فالحروب الصليبية أتت في فترة كانت الكنيسة الكاثوليكية مسيطرة سياسيا على أوروبا.

ومثال آخر على الذاكرة الملونة هو سقوط الاندلس، فهذا السقوط بالنسبة لحضارتنا كان تراجعا، لكنه بالنسبة للاوروبيين كان مثالا على نشوء قوة اوروبا الغربية، كما ان سقوط القسطنطينية في ايدي العثمانيين، كان يشير الى ضعف في اوروبا الشرقية. ان الذاكرة اذا كانت باللون الابيض والاسود أي احادية، فهي لا تكفي، علينا ان ننظر الى جوانب الحقيقة بكاملها، واحياء ذاكرتنا والمحافظة عليها، يجب ان لا يكون أحاديا، ومن هنا اعود الى طرح السؤالين المهمين وهما كيف نحي الذاكرة؟ وما هي الذاكر التي نريد ان نورثها للاجيال القادمة؟

ولعلي اذكر ان التربية والتعليم وجميع المؤثرات على الجيل الناشئ، يجب ان تكون من أهم الاشياء التي يجب ان نصلت تركيزنا عليها، وذلك لان استمرار الذاكرة يعتمد على وضع هذا الجيل في خضم الكمبيوتر والفيديو كليب، والمتاهات الاخرى.

واختم بالقول ان ربط مشروع الشرق الاوسط الكبير بتقرير التنمية البشرية الذي اعد للامم المتحدة بالضرورة ان نتجاوزه، فخطاب بوش المكون من اربع صفحات الخاص بهذا المشروع، لم يشر الى هذا التقرير الا باربعة اسطر، وكان يريد من ذلك ان يستعمله كمبرر من بين المبررات لمشروعه، لذا علينا ان ننظر الى هذا التقرير بايجابياته وسلبياته، وان لا نقبل خديعة بوش القائلة بانه حاول ان يعتمد على تقرير وضعه العرب. هذا المشروع الامريكي قد ينجح وقد يفشل، ولكن هذا ليس هو المهم، المهم في مشروع بوش انه كشف اوراق لاستراتيجية تسير قدما، ومن الممكن ان شكل هذه الاستراتيجية واساليب تنفيذها ان تتغير حسب الوضع.

واذا ما اردنا ان نتخطى الفجوة المعرفية، فعلينا ان نعالج مسائل كثيرة، فنحن تنقصنا الارادة السياسية وعلى كافة المستويات، والذي حدث ان انشغلنا في مشاكل فرضت علينا، وفي نفس الوقت تناسينا مشاكل مهمة، فنحن في فلسطين انشغلنا بما نسميه الهاجس الوطني، ونسينا السياسات الاجتماعية، كذلك انشغلنا بالهوية وعلى حساب المحتوى، وتسارعنا في الاستهلاك بدلا من الانتاج. كما ان البترول في المجتمعات النفطية العربية، كان خادعا، وانسى هذه المجتمعات قيمة العمل، فمعدل دخل الفرد في السعودية وهو منحصر في النفط يعادل نصف دخل الفرد في اسرائيل غير النفطية، ولكن اقتصادها قائم على المعرفة. لذا اشير الى ان الذاكرة مهمة، ولكنها يجب ان لا تكون بديلا عن العمل والمعرفة، والذاكرة في مفهومها الحقيقي هي مكون للوعي والشخصية، ولها ابعاد كثيرة فذاكرة الانسان والمجتمعات والحضارات اوسع بكثير من ذاكرة الحاسوب.

ولعلي اشير الى المشروع العربي، وهنا السؤال المطروح وهو هل بامكاننا ان نجابه المشاكل الانية المطروحة، وفي نفس الوقت نحضر للمستقبل؟ انا اعتقد اننا ضعنا بين المشاكل والمستقبل، واخشى ان نضيع الاثنين معا، ففي فلسطين والعالم العربي المشاكل اليومية لا تسمح للسياسيين ولا حتى للمجتمع ان يهتموا ويفكروا في المستقبل، وهذا خطأ جسيم سندفع ثمنه، فالعالم العربي في تراجع... لا بل اخشى ان المشروع الامريكي سيوصل العالم الى مخاطر جسيمة.

كيف تتجاوز الوضع القاتم

وقال استاذ الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت د. عبد الكريم البرغوثي، انه يود ان يتساءل بداية حول هل مبادرة الشرق اوسطية الامريكية تتعامل مع المجتمعات المعنية ومع تقريري التنمية البشرية، بقصد تجاوز الفجوة المعرفية، ما بين مجتمعات الشرق الاوسط، والمجتمعات المتقدمة في الغرب؟ وهنا اشير الى مفارقات الاولى ان المشروع الامريكي صدر بعد خطاب للرئيس بوش في جامعة كالوراين الجنوبية في 9/5، وتم صياغة هذا المشروع في وزارة الخارجية الامريكية عن مكتب الشرق الادنى وهذا يتعلق بالشرق الاوسط. والمفارقة الثانية، ان المبادرة الامريكية، اعتمدت على تقرير التنمية البشرية، باعتبار ذلك حجة يستخدمها بوش ووزارة الخارجية الامريكية، للبرهنة على ان خطة الاصلاح الجديدة هي حاجة داخلية، عبر عنها نخبة من المفكرين العرب في التقرير الذي قدم للامم المتحدة. ونقل عن المؤلف الرئيسي للتقرير الاول في عام 2002، وللتقرير الثاني في عام 2003، بخصوص التنمية البشرية، ان التقريرين يردان بشكل حاسم على المشروع الامريكي، وهذا الموقف يمثل مفارقة ثالثة. وحقيقة وفي سياق الحوار العربي العربي كانت هناك عملية نقد للتقريرين واعتماد الإدارة الامريكية للتقرير لا يعني بالضرورة انه ليس سليما، لا بل اعتمد، ورغم الملاحظات عليه، والى حد ما طريقة علمية ورصينة، واعتمد على ابحاث ومسوحات، وحاول ان يكون موضوعيا، وخلص الى استنتاجات، وان اختلف النقاد معها، هذه الاستنتاجات في مجملها تشير الى ثلاثة عوامل تفتقر اليها التنمية البشرية في هذه المنطقة، وهي الحريات، الفجوة المعرفية، تمكين المرأة في لعب دورها. واستعانة بوش بهذا التقرير، ليست إهانة له، وإنما اشارة الى اننا بحاجة الى معالجة هذه النواقص، لنحقق التنمية البشرية، وهذا ما يقوله المفكرون العرب. نحن بحاجة الى ان نفحص حقيقة هل ان الواقع العربي يحتاج الى اصلاح؟ وكذلك نفحص هل دعوة الاصلاح التي تأتي من الخارج، ان لها اهداف سياسية، يجب ان نرفضها؟. الفجوة المعرفية موجودة، ولا اريد ان احدد سماتها، سواء كانت فجوة رقمية، او ما ننتجه من معارف، فنحن نستهلك المعرفة المقدمة إلينا من السوق العالمي وفي ظل العولمة.

واتساءل هنا، هل نحن اذا رفضنا المبادرة الامريكية الجديدة، فان هذا الرفض سيؤدي حقا الى الاصلاح في الواقع العربي، او في الواقع الإسلامي؟ وهل ان من المهام والاهداف والاجندة السياسية، التي تريدها دولة القطب الواحد من هذه المبادرة، هو استحداث او استنهاض ردود فعل، رافضة لمبادرة الاصلاح؟ وبهذا المعنى تبرر تدخلها الدائم في شؤون المنطقة والعالم. والمفارقة التي نقع فيها، هي اننا لا نستطيع ان نقبل خطة الاصلاح الامريكية من جهة، وفي نفس الوقت، اذا ما رفضناها، فهذا لا يعني اننا مع ما يسمى النظام السياسي الرسمي العربي، والذي هو احد اهم معيقات التنمية في مجتمعاتنا، لا بل هو احد اهم معيقات مقاومة العولمة ونتائجها. وحقيقة نحن الان في وضع محرج، فاذا قبلنا بما يطرحه الامريكان، فهل هذا يعني اننا فرطنا فيما نريده وطنيا او قوميا؟ وهل ما نريده وطنيا وقوميا يعني بالضرورة انه رفض لما يقوله الامريكان؟ وفي اعتقادي ان هذا الوضع الذي يستفيد منه هم النخبة من السياسيين سواء كانوا في الحكم او في المعارضة، وكذلك المستفيد هي الإدارة الامريكية. ولتجاوز الفجوة المعرفية التي هي موجودة بالفعل، يجب ان نعرف ماذا يريد الامريكان حقا؟ لهذا علينا ان نقرأ بدقة بين سطور مبادرتهم، وهناك مردفات في المشروع الامريكي هي حق ولكن يراد بها باطل. لذا الكشف والشفافية في التعامل مع المبادرة الامريكية، يساهم في تجاوز الفجوة المعرفية، لانه بهذا الاسلوب، يكون هناك تدفق للمعلومات لاكبر قدر ممكن من الجمهور العربي حول هذه المبادرة. وعندها نقول لماذا نرفض هذه المبادرة، لاننا نكون قد عرفنا بنودها وشروطها، اما التعامل مع الجمهور العربي، بالطريقة العربية التقليدية والتي ترفض كل شيء يأتي من الخارج وامريكا، فهذا مرفوض، لانه يعمق الفجوة المعرفية الموجودة بين الدول العربية ومجتمعاتها بين دول العالم الغربي، ويسهم في ذلك صاحب المبادرة النظام السياسي العربي. وفي حالتنا الفلسطينية، اشير الى ان دعوات الاصلاح الفلسطينية هي قديمة وجديدة، لكن المجتمع الفلسطيني استنهض وقام بردة فعل رافضة للاصلاح كونه اتى من الخارج وفرض فرضا. وحقيقة فان النظام السياسي الفلسطيني يستفيد من هذا الرفض الطبيعي للجمهور، والاستفادة تكمن في تأجيل الاصلاح الى اجل غير محدد، وفي نهاية المطاف فان المستفيد الاكبر من تأجيل الاصلاح هو الوضع القائم، وهذا لا يساعد في تجاوز الفجوة المعرفية، وانما يكرسها وتزداد الامور ضلالا.

وقد يكون مناسبا ان اشير الى معلومة، وهي ان الإدارة الامريكية لم تستطيع ان يطرح مبادرتها إلا بسبب تعثر النهوض العربي، فالنهضة العربية التي تزامنت مع نهاية حملة نابليون، لم تحقق غايتها واهدافها، ونحن بحاجة الى نهضة عربية ثالثة، على اعتبار ان النهضة الاولى كانت في عصر هارون الرشيد والمأمون، وهذا ما حاول المفكر نادر فرجان، ان يوضحه في تقرير التنمية البشرية، اذ ان هذه محاولة لوضع النقاط على الحروف، وتأسييس خطاب نهضوي عربي جديد. وكون ان هذا الخطاب غير محدد المعالم، فقد استطاعت الإدارة الامريكية النفاذ منه لتسويق مبادرتها. والنهضة العربية الجديدة، لا يمكن ان تستكمل، الا وكما قال اخي رمزي باعادة الاعتبار للذاكرة التاريخية التي تكون ليست موغلة في القدم. ولعلي اشير الى ان المفكر رافع الطهطاوي، كان يحاول ان يجيب على اسئلة تتعلق بمخالطة الاغراب وامكانية الاخذ منهم، واخرى تقول ان القطيعة وعدم مخالطة الاغراب هي التي تؤدي الى الاصلاح، وهذه الاسئلة ذاتها مطروحة اليوم. وقال طهطاوي في هذا السياق ان مخالطة الاغراب لا سيما اذا كانوا من أولي الالباب، تجذب للاوطان من المنافع العجب العجاب". وفي مقابل هذا كان هناك دعوة للفرنسيين، لان تكون حركة اصلاح في مصر، وقال اصحاب هذه الدعوة "ان الاصلاحات التي يقترحونها لتقدم مصر وعمرانها، بالضرورة ان تأتي عبر المظلة الفرنساوية. لذا فمشاريع الاصلاح، وموقف المثقف او المتنور، او العاقل منها قديمة، بمعنى هل يمكن ان نصلح ذاتنا، وفي نفس الوقت نتحرر من القبضة الاجنبية. وحسب الطهطاوي، فان الامة المصرية اصعب ما على نفسها هو الانقياد للاغراب، وهذا الحال ينطبق على الفلسطينيين، وعلى كل شعوب العالم، بهذه المعنى ما اود ان اشير اليه هو ان مشاريع الاصلاح، ذات الاجندة السياسية الامريكية، وطبقا للمصلحة الامريكية، لا يجوز التعامل معها من موقف اما القبول او اما الرفض، وانما نتعامل معها بما يخدم منطقتنا، وفي حالتنا الفلسطينية، فان المشروع الامريكي لا ينظر الى فلسطين وقضيتها وهذه ثغرة اساسية فيه، اذ ان المشروع لا يتكلم عن الاحتلال الاسرائيلي ويتجاوزه. وفي كل الاحوال يجب ان نعرف كيف نتعامل مع هذه المبادرة الامريكية، دون ان نتمترس وراء انظمتنا التي هي المسببة لقدوم هذه المبادرة، ودون ان نتمترس وراء خطاب نهضوي قديم، وانما نحاول ان نعيد الاعتبار لخطاب نهضوي عربي حديث، لمواجهة هذه المبادرة. وهناك تصور ليبرالي ساذج مفاده ان الاستعمار يقود الى تقديم الدول التي يجيء اليها، وهنا اذكر بتجربة مصر مع الاستعمار، فهذا البلد العربي كان لديه خمسة ملايين فدان مزروعة قبل فترة الاستعمار ولكن منذ عام 1880 الى عام 1956، لم تزد هذه الرقعة الزراعية، وهذا يعود الى وجود الاستعمار، فالاستعمار بشكله الجديد او القديم، لن يؤدي بالضرورة الى تنمية وتقدم الدولة التي يستعمرها او يهيمن عليها.

والمعادلة التي يجب ان نحلها، هي كيف نكون ضد الاستعمار والهيمنة، ومن جهة اخرى، ان نتجاوز اسباب تخلفنا الداخلية، واذا ما استطعنا ذلك، نحدث الاصلاح الحقيقي المطلوب.

واختم بالقول ان الفجوة المعرفية بيننا وبين الغرب موجودة، والولايات المتحدة وضعت خطة لنا ولغيرنا في العالم، لانها سيدة العالم، وعندها القوة والمعرفة معا، وعندهم تقديس لقيمة العمل، فهم اخذوا من حضارتنا وحضارات الاخرين واستطاعوا أي الامريكان ان يحولوا المعرفة الى قوة، وبهذا هم يحتكرون المعرفة مصدرا وانتاجا وتسويقا وتصديرا. كما ان المجتمعات الغربية استطاعت ان تحسم الصراع ما بين القوة والمعرفة، بحيث تغدو المعرفة قوة وياخذ منتجوا المعرفة مكانهم في المجتمع، والدينامو الذي يحرك هذه المجتمعات، هو هذا الصراع ما بين ممثلي مجتمع المعرفة ومن ينتجها وبين ممثلي القوة. وحاول المفكر ادوارد سعيد ان يوضح هذه العلاقة المعقدة بين الثقافة المنتجة للمعرفة وبين القوة الغاشمة، وكيف توظف المعرفة لفرض الهيمنة، وكيف يوظف السياسي الفكر والثقافة.

ان خطة الاصلاح الامريكي لمنطقتنا، هي خطة سياسية، تنم عن معرفة المجتمع الامريكي، يما يدور في مجتمعات المنطقة، وتستند الى تقرير وضعه نخبة من المفكرين العرب ونيتهم كانت لصالح مجتمعات المنطقة، لذا اطرح مرة ثانية، كيف نتعامل مع هذا المشروع "الخطة"، ونحن لا ننتج المعرفة، وانما فقط ننتج ونعيد انتاج امكانية استيلاء السياسي على المعرفة والثقافة ومن هنا نحن نتغن بأمجاد الماضي، دون ان ننتج المعرفة، وحسب تقرير التنمية فانه تم في منطقتنا ترجمة 120 الف كتاب الى العربية، نصف هذا الرقم ترجم في عصر النهضة العربية الاولى، وفي المقابل اسبانيا وهي اقل الدول الاوروبية من حيث المعرفة، تترجم في العام الواحد 120 الف كتاب، وهذا مؤشر يدل على ماذا نقصد بالفجوة المعرفية.

ان ردة فعلنا على المبادرة الامريكية، تلمس فيها الموقف السياسي لرفض تلك المبادرة، وكذلك عدم تدقيقنا المعرفي فيها، فنحن لا نعرف انفسنا، ولا نعرف الغرب، ونضعه في سلة واحدة، رغم ان هناك صراعا في داخل الثقافة الغربية، فادوارد سعيد احد اعمدة هذا الصراع، حاول ان يعطي البعد الانساني للثقافة الغربية، وكذلك لثقافتنا العربية. وبهذه المحاولات قد تساهم في ان نتجاوز فجوة المعرفة. ومن ناحية سياسية يجب ان نعترف، بان دعواتنا القومية والاسلامية هي دعوات انفعالية، لا تضيف الى المعرفة شيئا، وبالتالي نبقى في دائرة ردة الفعل، ولا ننتج شيئا، لهذا من الطبيعي ان يسيطر الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة علينا، وعلى ضوء ذلك لا يبقى لنا سوى ان نقول "لا".

لذا المطلوب ان نعيد الاعتبار لتقرير التنمية البشرية الاول والثاني، ولن تقوم قائمة لهذه الامة، الا اذا قطعت وانجزت معرفيا، حتى مع ماضيها وتراثها، وان نعرف كيف تتخلص من سطوة وهيمنة السياسيين فيها.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required