مفتاح
2024 . الأحد 30 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

ها هم أسرانا المحررين يستعيدون حياتهم شئياً فشيئاً، هاهم يلملمون ما تركوه ورائهم عالقاً، ظنا ًمنهم أنهم قد لا يعدو يوماً لمسكنهم ذاته، وسريرهم ذاته، وما تُركوه بين أشيائهم من أوراق وقصاصات على عُجالة ذات يوم، ومازالو حتى الآن ومنذ ما يقارب الأسبوع يستقبلون المهنئين والمرحبين من الأهل والأقارب بل وحتى من الغرباء، وليس ثمة غريب في هكذا فرحة فالكل أهل وأحبة في لقاء الأسرى المحررين فهو عرس فلسطيني قائمة مدعوييه تضم الشعب الفلسطيني كافة.

هؤلاء الأسرى خرجوا من عزلتهم التي قضوا فيها السنين تلو السنين، ليروا ما آلت إليه الدنيا بعدهم، وكيف أن جدار الفصل العنصري قسم المنزل إلى نصفين، وكيف أن منازل المستوطنة الفلانية أضحت على مشارف المنزل، وكيف أن الأرض التي زرعها تيناً وزيتوناً في صباه تحولت رماداً بعد أن أحرقها المستوطنون، وكيف أصبحت زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى حلماً يراود الشباب الفلسطيني، بل كيف أن القدس نفسها تغيرت معالمها حتى باتت غريبة على أهلها، ومع الأيام القادمة سيرون بأعينهم ما كانوا يسمعونه أو يقرأونه داخل السجن من معاناة الفلسطينين وعذاباتهم من الاحتلال الإسرائيلي، الذي خلق بعذاباته واعتداءات مستوطنيه سجناً كبيراً، عاث فيه المستوطنون فساداً وطغياناً الذين لم يوفروا شيئا ًمن العدوان ضد الفلسطينين وخاصة المزارعين منهم في موسم الزيتون الحالي، حتى أنهم ما انفكوا يحرضون على الأسرى المحررين بتأليب العملاء على قتلهم واستغلال النفوس الضعيفة وشرائها بالمال كما حدث أن أرسلو الرسائل القصيرة العشوائية الداعية لقتل أحد الأسرى المحررين انتقاماً منه بعد أن رُفض التماسهم للمحكمة بعدم الإفراج عنه.

وها قد بدأت تتكشف أسرار ما عانه الأسرى المحررون في السجون، والذي مازال يعانيه البقية الباقية هناك، وتكشف المصادر الإخبارية عن قصة الأسير المحرر' عويضة كلاب' من منطقة الشيخ رضوان بقطاع غزة التي تروى للعالم تفاصيل بشاعة الاحتلال في قهره وذله وظلمه الذي مارسه على الفلسطينين في السجون، عويضة الذي قضى عشرين عاماً في العزل الإنفرادي بعد أن اعتُقل في العام 1988، فخرج إنساناً آخر يعاني من الأمراض النفسية ويفضل الوحدة والانطوائية، ناهيك عن الأمراض الجسدية التي ألمت بجسده بسبب زنزانة العزل. وغيره الكثير من الأمثلة الحية والمتشابهة بالمأساة، وهنا لابد من القول أن الفرحة والوفاء لأسرانا لا ينتهي عند الاستقبال والتهاني والتبريكات بل يبدأ من هناك ليُفضي إلى طريق طويلة من التعهد بتاهيلهم نفسياً وصحياً، من أجل إعادة دمجهم في مجتمعهم الذي تركوه قبل عقود فعادوا ليروه بصورة جديدة لكنها غريبة في ذات الوقت.

ولننظر كيف بدأ الجندي الإسرائيلي الذي سُلم في صفقة تبادل الأسرى جلعاد شاليط، بتلقي الفحوصات الطبية والجسدية، وسيبدأ بالتأهيل النفسي من أجل إعادة دمجه في مجتمعه الذي يصوره أمام العالم على أنه ضحية رغم أنه كونه جلاداً، فهو من كان يعتلي دبابته على مشارف غزة، ونذكره ليس للمقارنة بأسرانا المحررين ولكن للاستفادة.

بقي أن نشير أن الشعب الفلسطيني كله، يعتز بهؤلاء الأسرى المحررين ويرفع رأسه عالياً بهم وبما قدموه من تضحيات، لكن في ذات الوقت لابد من مناشدة الجهات المسؤولة من ضرورة العمل على هؤلاء الأسرى على المستوى النفسي والصحي والعملي، وضرورة التعامل معم "بتميز وليس بتمييز"، وعدم إثقالهم بالمسؤوليات الإدارية والصيغ الحزبية، ليس تقليلا من شأنهم أو تحجيماً لتضحيتهم أو تصغيراً لما بذلوه من أجل الوطن، ولكن حتى يتسنى لهم أن يأخذوا نفسا ًطويلاً من أجل تقبل المجتمع وما حصل عليه من تغيرات وتحولات، والأهم من ذلك كله متابعتهم الدائمة وتوفير احتياجاتهم بما يضمن لهم العيش الكريم.

وأخيراً فإن الفرحة مازالت مبتورة، فالآف الأسرى ما زالوا يقبعون في عتمة السجن وخلف بوابة السجان، وغيرهم من غيبتهم الشهادة فكانوا في مقبرة الأرقام، وهم في عيوننا أبطالاً وليسوا أرقام وهؤلاء لن ننساهم ولهم مع الحرية يوم موعود الطريق له لن تكون إلا بالصبر والأمل، ومنهم من يحلم الآن أن يكون اسمه في الدفعة الثانية من الأسرى المحررين، فنأمل لهم وللجميع بالحرية ويأملون بنورها لتبدد عتمة الجدران.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required