مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

في تحول غير مسبوق، وقفزة غير متوقعة، تعرض شاشة فضائية فلسطين المسلسل السياسي الكوميدي الساخر "وطن على وتر" والذي ينتقد الواقع السياسي الفلسطيني وانعكاساته على حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة لانتقاده المسؤولين بجرأة لم نعتدها، بل ولم نتوقعها على شاشة التلفزيون الفلسطيني الرسمي.

وما أثار الدهشة والاستغراب هو مساسه بشخص الرئيس محمود عباس، والذي تم تقليده في إحدى الحلقات أثناء ترؤسه مؤتمر حركة فتح السابع المنعقد في نابلس بعد 500 سنة من الآن، وقد قرأنا في الصحف كيف أن الرئيس عباس شاهد الحلقة وضحك عليها كثيراً. والمسلسل الذي يقوم على ثلاث ممثلين موهوبين، هم منال عوض، وخالد المصو، وعماد فراجين، وهو كاتب نصوص الحلقات، وهم الثلاثي الذين سبق وأن قدموا "ستاند أب كوميدي" "غزة...رام الله"، على عدد من المسارح المحلية والعربية، والذي حمل نفس مضمون المسلسل تقريباً.

واللافت في مسلسل "وطن على وتر" للمخرج رائد الحلو، أنه أصبح حديث الناس في رمضان، الذين انقسموا ما بين مؤيد ومعارض، ومشجع ورافض، لأنه يتناول القضايا السياسية والمجتمعية الحساسة والتابوهات المحرمة (الدين والجنس والسياسة)، وهذا انفتاح لم نعهده أبداً على شاشة تلفزيوننا الرسمي، بل وأنه وعلى عكس ما كنا نترقب في كل يوم أن يتم وقف المسلسل خاصة وأن الحلقة الأولى، كانت صادمة للبعض عندما تناولت بعض العبارات ذات الإيحاءات الجنسية، ووصفها البعض بأنها مبالغ فيها، في حين بررها آخرون ومنهم القائمون على المسلسل، بأنها خروج عن الصورة النمطية المألوفة وهي انعكاس للواقع دون تنميق أو تغيير.

كما لم يتوانى المسلسل في تجاوز الخطوط الحمراء، وتوجيه الانتقادات اللاذعة لكلا الطرفين فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية، وحماس والحكومة المقالة، وسياسات السلطة، اتجاه المفاوضات وحتى رئاسة الوزراء، بدلالة واضحة لقيادات ومسؤولين بأسمائهم الأولى، بجرأة مفاجئة، دون مجاملة أو محاباة، بما يدل على أنه غير موجه ضد أحد أو منحاز لجهة دون أخرى، وبما يجعله أكثر مصداقية وقرباً من الناس ومن واقعهم المعاش، وعلى كل حال فحالة الانقسام والجدل التي تحيط بالعمل إنما تدل على اتساع مشاهدته، واهتمام الناس به.

ويبدو أن سر الإقبال المتنامي على مشاهدة المسلسل ومتابعته نابعٌ من كونه مرآة حقيقية تعكس هموم الشارع الفلسطيني، بصورة مجردة تمثل الكوميديا السوداء، ونقد الذات في محاولة مقنعة ومختلفة لتغيير الواقع.

والأهم فيما يتعلق بمسلسل "وطن على وتر" هو عرضه على تلفزيون فلسطين، وهو من إنتاجه أيضاً، وهذا أمر يُحسب لشاشة فلسطين، التي قفزت قفزة نوعية في عرضها لمجموعة من البرامج والمسلسلات محلية الإنتاج، بالإضافة إلى عدد من المسلسلات العربية الحديثة جداً، وهذا كله قد يكون بداية الطريق لإعادته إلى دائرة ثقة المشاهد الفلسطيني، وخاصة بعد الكبوات العديدة التي تعرض لها سابقاً، في فترة الانقلاب حين طغت الارتجالية الفردية والعشوائية على أدائه.

وهذا التنوع في البرامج التي يقدمها مع بدء رمضان وخاصة مسلسل "وطن على وتر" الذي يعالج قضايا الهم الفلسطيني بصورة ساخرة تماماً كما يتعامل معها الفلسطينيون أنفسهم للتخفيف من وطأتها، إنما يدخل فضائية فلسطين إلى دائرة التنافس مع البرامج الرمضانية، وإن كان على المشاهد الفلسطيني فحسب، وهذا ما كنا نعده في يوم من الأيام ضرباً من ضروب الخيال. ولطالما أيقنا أن اللهجة الفلسطينية بثقلها وبمفرداتها الغليظة، ستشكل عقبة أمام قبول أي عمل فني فلسطيني، إلا أننا فوجئنا بتوظيفها السليم، والمنطقي في سياق الحوار، الذي تنوعت لكنته تبعاً للاختلاف الجغرافي، وهذا ما لم نلحظه في الأعمال الدرامية المحلية الأخرى.

والحقيقية أن الواقع الفلسطيني بتركيبته الغريبة، وطبيعته التي تفرضها ظروف الاحتلال الإسرائيلي، والانقسام الفلسطيني، تزخر بالعديد من المواضيع التي تشكل مادة دسمة للمعالجة وحتى للسخرية والقفشات، لغرابتها وتفرد الفلسطينيين وحدهم بها، وكانت تلك الطريقة الساخرة والناقدة من مسلسل "وطن على وتر" هي الطريقة الأمثل لإيصال المضمون والفكرة بأبسط شكل وصورة، إلى أكثر عدد من المشاهدين في فلسطين والعالم، بمختلف شرائحهم الثقافية، بحيث تتحول أكثر القضايا السياسية تعقيداً إلى مادة سهلة ومقبولة يفهمها المواطن العادي، بما يضمن انتشاراً أوسعاً للمسلسل في الوسط الفلسطيني في الداخل والخارج، في وقت نحن في أمس الحاجة فيه للتواصل مع أنفسنا، ومع الجمهور المحلي والعربي، للبحث في همنا العام وقضايانا المشتركة، وهذا الإقبال لا شك مدعاة لأن نسعى جميعاً لتقديم كل ما هو مختلف، ونخرج عن الصورة النمطية بطرق جديدة نحو الإبداع والابتكار.

وهو أسلوب أثبت نجاحه، وسبقنا إليه مجموعة من البرامج السياسية الساخرة التي عرضت على الشاشات العربية، أو بالأخص اللبنانية، والتي تناولت الشخصيات السياسية بكل جرأة. و لما كانت الدراما الفلسطينية مازالت في خطواتها الأولى، فنحن نحث فريق عمل وطن على وتر على الاستمرار والابتكار، ونشد على أيدي تلفزيون فلسطين لدعمه مثل هذه الإبداعات والأعمال الدرامية، الأمر الذي من شأنه أن يطور مضمون وشكل البرامج التلفزيونية المعروضة على شاشته، وسيشجع على خروج مزيد من الإبداعات والمواهب الفنية إلى النور، لكي يعزف الوتر ألحاناً، لوطن يقف راسخاً شامخاً.

وعلى الرغم من تلك الحرية والديمقراطية التي أبدتها إدارة هيئة تلفزيون فلسطين في عرضها للمسلسل، إلا أنها لا تشكل بالضرورة انعكاساً حقيقياً، لمستوى الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي المتاحة لدينا سواء في واقع النقد السياسي أو الإعلامي والتي لا يمكن قياسها من خلال برنامج سياسي كوميدي، فهي جرعة بسيطة ولا تشكل حالة عامة، رغم أهميتها.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required