مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

كما هي العادة منذ عام 2003 قامت جامعة الاتصالات بشنغهاي لهذا العام بإصدار لائحة أفضل 500 جامعة في العالم، وذلك حسب معايير عدة مثل عدد جوائز نوبل الحاصل عليها خريجي الجامعة وجوائز "فيلد" في الرياضيات و المقالات المنشورة في المجلات العلمية التي تصدر باللغة الانكليزية مثل ساينس ونيتشر. وقد تصدرت اللائحة جامعة هارفرد في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث كان للولايات المتحدة الأمريكية نصيب الأسد من هذا التصنيف فقد كانت معظم جامعاتها في الصدارة.

وكما هي العادة أيضاً- ونقولها ببالغ الأسف- لم تتصدر السنة أي دولة عربية اللائحة ليس فقط ضمن أفضل 150 جامعة في العالم مثلما فعلت 4 جامعات إسرائيلية بل لم تتواجد أي منها ضمن أفضل 400 جامعة في العالم، وكانت جامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الجامعتان العربيتان الوحيدتان ضمن المراتب ما بين 401 - 500. فأين يضعنا هذا الواقع وهذا التصنيف؟.

والحقيقة أنه لا يحق لنا أن نستغرب أو نُصدم من هذا التصنيف، وكأننا نُفاجئ بواقعنا التعليمي العربي، ونعيش حالة إنكار لتدهوره وتخلفه عن ركب الحضارة والعلوم، فرغم التطور العلمي والتكنولوجي السريع والهائل الذي يشهده عصرنا ورغم كم الإمكانيات التي باتت متوفرة والتي تساعد على زيادة البحث العلمي والاكتشافات، إلا أن كل ذلك لم يرفع الجامعات العربية من قعر البئر التي تقبع فيها، وهي تواجه العديد من المشاكل التي تحول بينها وبين الوصول إلى المراكز الأولى في العالم.

وكعادتنا نعود ونذكر في مثل المواقف، بمآثرنا ومناقبنا فيما قدمناه للبشرية من علوم واكتشافات في ماضينا السحيق وأمجادنا القديمة، عندما كان طلابنا وباحثينا العرب هم الأمهر والأذكى في العالم وقد تميز العديد منهم في مختلف المجالات من الطب والفلك وعلوم الرياضيات وغيرها. ولكن إلى متى سنظل نجتر ماضينا وننظر إلى الوراء ونعتز بما أنجز القدماء ناسين الحاضر والمستقبل، بالطبع لا ننسى فضلهم بما أوجدوه واكتشفوه ولكن علينا أن ننظر إلى الواقع وإلى المرحلة التي وصلنا إليها وأن ندرس الأسباب التي أدت إلى نجاح هؤلاء العلماء على الرغم من قلة الإمكانيات التي كانت متوفرة بين أيديهم والى الأسباب التي أدت الى تراجع مستوياتنا العلمية في الوقت الراهن.

وإذا ما نظرنا للأسباب الكامنة وراء عدم بروز جامعاتنا ضمن أفضل الجامعات في العالم، فهي ببساطة شديدة لأنها تمثل انعكاساً لواقع المجتمعات العربية وضعفها وتخلفها في مختلف المجالات الأساسية كتبعيتها الاقتصادية والسياسية، وإنغماس شعوبها في البحث عن لقمة العيش، بعدما تعززت الطبقية المجتمعية بوجود طبقة بسيطة لفاحشي الثراء، وباقي المجتمع ممن يعيشون الفقر المدقع، إضافة إلى انعدام السياسات والاستراتيجيات العربية لدعم العلم والمتعلمين، وبالتالي تنحسر أقصى أحلام الخريجين بالحصول على وظيفة بعد التخرج وعدم الانضمام لركب البطالة المتفشية في مجتمعاتنا، وكل هذا يشكل مجتمعاً منظومة واضحة لمسيرة التعليم التي يتعرض لها الطالب منذ دخوله المدرسة وحتى تخرجه من الجامعة.

فهل لنا أن نسأل ماذا كان مصير مئات العلماء العراقيين في الفيزياء والكيمياء والطب وغيرها من العلوم بعد حرب العراق؟؟ ببساطة معظمهم الآن يعملون في الخارج بامتيازات خيالية، وكثيراً منهم ممن رفضوا كانوا مستهدفين وبعضهم لاقى حتفه، والحقيقة أن أمهر الجراحين والعلماء والفنانين والمبدعين ممن وجودوا مكان لهم في الغرب هم من أصول عربية، ما يشير بالتأكيد إلى أن المشكلة لا تكمن أبداً في نقص المواهب والإمكانيات البشرية، بل في دولنا العربية التي لا ترعى هؤلاء الموهوبين، فكم من طفل كان من الممكن أن يصبح أشهر من بيكاسو لكنه لم يلق اهتماماً ورعاية فتخلى عن حلمه، وكم من مبدع كان بالإمكان أن يصبح بيتوهوفن الشرق، لكنه لم يجد من يحتضنه، وعمل في مجال بعيد عن موهبته.

ويحضرني في هذا المجال قصة العالم المصري فاروق الباز الذي درس علم الجيولوجيا في الخارج، وعندما أصر على العودة إلى وطنه والعمل هناك، لم يجد إلا وظيفة كمدرس لمادة الكيمياء، رغم جهوده المضنية في محاولة إقناع الجميع باختلاف الكيمياء عن علم الجيولوجيا لكن عبثاً، ما اضطره للعودة من حيث جاء وهو الآن من أشهر علماء وكالة الفضاء الأمريكية –ناسا. وما هو إلا مثال واحد من أمثلة عدة شبيهة.

وبالتالي اختلفت دوافع الطلبة تجاه التعليم والبحث العلمي، وانحصرت بين الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، إما للحصول على وظيفة أو من أجل التمتع ب"البرستيج" الاجتماعي. أليس هذا أحد الأسباب وراء حالة الخمود التي تعيشها جامعاتنا العربية، لكن وفي كل الأحوال وحتى مع انعدام الرؤية العربية الكاملة لأهمية التعليم والمعرفة كقوة اسيتراتيجية وإذا كان الطالب مصاب بحالة من الجمود وعدم الرغبة بالبحث والاستطلاع أليس من مسؤولية الجامعة والهيئة التدريسية تفجير الرغبة لدى الطلاب وحثهم على الاستكشاف والتوسع بالدراسة، أليس من واجبهم توفير كل ما يلزم للطالب حتى يبدع وينجز، أليس من واجبها أن تضع المحفزات والمشجعات أمام طلابنا حتى نرتقي بمستوى التعليم، وإلى متى سيبقى مركز اهتمام جامعاتنا هو الربح المادي من الطلاب. فهذا الدافع التجاري بالدرجة الأولى حرم العديد من الطلبة من الدراسة في الجامعات، ومنهم مبدعون وأذكياء لم يستطيعوا إكمال تعليمهم بسبب عدم قدرتهم على دفع تكاليف الدراسة.

إن هذا التصنيف يجب أن يكون السبب الرئيسي وراء اندفاع الجامعات العربية الى معالجة المشكلات التي تواجهها، وبالذات الجامعات الفلسطينية فلطالما كنا نفتخر بأننا من أكثر الشعوب تعليماً وثقافة، لكن العبرة دائماً ليس بعدد الخريجين وإنما بنوع هؤلاء، فلماذا لا نكون من أفضل الشعوب تعليماً، خاصة بأننا نملك الطاقات البشرية اللازمة، فعلى الرغم من الظروف الصعبة والضغوطات السياسية والاقتصادية إلا أن ذلك لم يمنع الكثيرين من الإبداع، رغم قلة الاهتمام والموارد التي يجب البدء بتوفيرها وتوفير كل ما يلزم حتى نرتقي بتعليمنا ونثبت للعالم بأن الشعب العربي هو من أذكى الشعوب وأكثرها اهتماماً بالعلم والتعليم وحتى نغير الفكرة السائدة لدى العالم بأننا من أكثر الشعوب تخلفاً وتراجعاً.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required