مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

منذ الأزل والشعب الفلسطيني يحاول وبشتى الطرق استعادة أرضه وكرامته. وقد تجلّى كفاحه في أسمى الطرق وهي مقاومته السلمية الشعبية. حيث جاءت ثورة 1936 والتي كان معظم أحداثها عبارة عن مقاومة فلسطينية شعبية وسلمية. فاستخدم الفلسطينيون كل الطرق للتعبير عن احتجاجهم على ممارسات الانتداب البريطاني في ظل توافد الهجرة اليهودية لفلسطين وتبلور الأيديولوجية الصهيونية. فتظاهر الشعب واعتصم وعصى أوامر هذا الاستعمار مدنيا، فرفض دفع الضرائب وأضرب عن العمل لمدة سبعة أشهر. واستمر الوضع الفلسطيني بين هدوء وفوضى ونكبة ونكسة لحين قيام الانتفاضة الأولى في 1987 والتي كانت أيضا في معظمها عبارة عن أعمال احتجاجية شعبية وسلمية في رد على الممارسات الإسرائيلية المجحفة بحق شعبنا؛ فانتفض الشعب بعد سنوات من القهر والكبت والظلم. وكانت من أبرز معالم المقاومة الشعبية في الانتفاضة الأولى التظاهرات والتجمعات السلمية في أكثر من حدث، والاعتصام والاحتجاجات ومقاطعة البضائع الإسرائيلية والعمل في إسرائيل ورفض دفع الضرائب وتجاهل أوامر الجيش كحظر التجول. وبالمقابل، لم تدخر سلطات الاحتلال الإسرائيلي أي جهود لقمع هذه الأفعال الاحتجاجية برغم سلمية طبيعتها. وبالعكس، فقد كان الرد طبعا بالعنف وهو الصورة الوحيدة التي يمكن أن نصف بها إسرائيل. فلطالما اتخذت العنف والإرهاب وسيلة ترد بها على أي عمل احتجاجي ضدها.

بعد فترة من الانقطاع، عادت المقاومة الشعبية السلمية إلى قاموس حياتنا اليومية. فما نلبث أن نرى مظاهرات كل يوم جمعة، وخصوصا في بلعين ونعلين والنبي صالح وسلوان، ناهيك عن التظاهرات التي يقودها الشارع الفلسطيني في أيام انتقاها لنا التاريخ لتظل ذكرى لأحداث غيرت مجرى حياتنا، كذكرى النكبة التي تشتت بعدها مئات الآلاف من الفلسطينيين في دول الجوار ويوم الأرض وغيرهما. وبلا تحديد، فالشعب الفلسطيني يتظاهر ويقاوم سلميا كل يوم؛ بالأدب أو على أرض الواقع. فالجدار الذي التهم أراضي بلعين ونعلين، والمستوطنون الذين سلبوا أراضي قرية النبي صالح، والسلطات الإسرائيلية التي تهدم بيوت أهالي سلوان في القدس؛ كل هذه الانتهاكات تضع الفلسطيني كل يوم أمام تحدٍ يتجدد واحتلال مستمر. وبالإضافة للتظاهرات، فهناك اعتصامات أهالي الأسرى وحملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. وحاليا، يتمثل نوع أخر من المقاومة السلمية في موقف ثبات وإصرار وتحدي وهو أسطول الحرية والذي جمع متضامنين عرب وأجانب لإيصال معونات لقطاع غزة العليل وكسر الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ أكثر من خمس سنوات. ولكن ماذا يلاقي كل هذا؟ انتهاك إسرائيلي واضح للحريات والعمل السلمي.

في الفترة الأخيرة، لاحظ العالم الحراك السلمي الناشط والحافل والذي قاده الشباب العربي من أجل نبل الأهداف وهو حقّهم في العيش في ظل أنظمة عادلة؛ فثاروا سلميا واسقطوا الحكومات المستبدة. البعض الآن يبني دول والبعض الآخر لازال يحاول. ولعل لهذا الجو الثوري العربي الأثر الأكبر على النشاط الفلسطيني السلمي والذي يعد في أوجِه. فنرى زيادة في وعي الشباب خصوصا بضرورة انتهاج المقاومة الشعبية كطريقة للخروج من الأزمة. إن المقاومة السلمية ما تزيد قضيتنا إلا حيوية وحضورا في المحافل الدولية وتجعلها أكثر نقاء من الصورة العنيفة و"الإرهابية" التي رسمتها لنا إسرائيل أمام العالم. فالعمل السلمي يعطي لقضيتنا شرعية أكبر وقد أثبت نجاعته في استقطاب التضامن العالمي وجعل العالم أكثر إيمانا بأحقيتنا في أرضنا وشرعية قضيتنا. فالشعب الفلسطيني يبدو الآن أكثر تحضّرا أمام العالم بإصراره على مقاومته السلمية من أجل قضيته.

أما بالنسبة لإسرائيل، فالمقاومة الشعبية الفلسطينية تشكل تهديدا صريحا لها. وذلك لأنها واقعيا قاعدة عريضة تضم شريحة أكبر من الناس. فللكبار والصغار والشباب؛ نساء ورجالا، أن يخرجوا في مظاهرات ويحتجّوا، وبذلك تسمح هذه المقاومة لعدد أكبر من الفلسطينيين بأن يشارك فيها. ومن ناحية أخرى، تشكل هذه المقاومة تحدي كبير لدولة الاحتلال وهيمنتها. فالمقاومة الشعبية خصم عنيد ونشيط ويرتكب الأفعال التي تؤثر على المُحتل في الصميم وتستفزه. وبالتالي، يفقد المحتل توازنه أمام هذا القدر من الثبات على المبادئ والأهداف والتوجهات ويحاول بشتى الطرق القضاء على هذه المقاومة المسالمة وقمعها.

وأيضا، أصبح الشعب الفلسطيني يدرك أن نتائج العمل السلمي أفضل من طرق المقاومة الأخرى. فالعالم يريد فقط أن يمسك شائبة على الشعب الفلسطيني ودائما ما وقف ضده ووصفه بأنه لا يعرف سوى لغة العنف. لكن شكل المقاومة الشعبية يثبت للعالم عكس ذلك تماما ويجمعه من أقصى شرقه لأقصى غربه على احترام القضية الفلسطينية ونبل شعبها الذي لم ينكر يوما أرضه.

فالمقاومة السلمية بالتأكيد وسيلة فاعلة للتغيير وقد أثبتت نجاعتها بين الأمم في الماضي والحاضر. وبصفتها سلمية، هذا لا يعني الاستهانة بها. بل في اللاعنف قوة ورائها تحدي صريح للواقع، وورائها شخص على قدر من الرقي والثقافة والثبات والصبر في سبيل الوصول للمطالب والتغيير للأفضل. وورائها أيضا رسالة تسعى لإيصالها للعالم، بحيث يتجاوب معها الغرب أكثر مما يتفاعل مع العنف. هي رسالة واحدة؛ تحمل صرخة؛ تنادي بالحرية لشعب قد عاش تحت ظلم الاحتلال.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required