البدء باقامة الجدار الفاصل على طول الطريق الممتدة من حاجز ضاحية البريد حتى قلنديا
بقلم: مفتاح
2004/5/29

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=1016


لا يُمكن بأي حال فصل التطورات الإيجابية جداً في التغيير الجذري لطريقة التعامل التركي مع إسرائيل، عن الزيارة التاريخية للرئيس السوري بشار الأسد في يناير الماضي لأنقرة، هذه الزيارة التي يبدو أنها قلبت العلاقات التركية مع جيرانها رأساً على عقب، فسوريا التي كادت أن تدخل مع جارتها تركيا ذات الوزن الكبير في المنطقة حرباً في عام 1998 باتت اليوم أعز الجيران وأقربهم للقلب، أما الإسرائيليون فهم اليوم أبعدهم وهم نازيون في العيون التركية الجميلة.

بالتأكيد، فقد كان وصول حزب العدالة والتنمية التركي للسلطة بمثابة المعجزة بالنسبة للعرب، ففي حين كانت الاتفاقات العسكرية والأمنية والزيارات المكثفة المتبادلة بين المسؤولين الأتراك والإسرائيليين، تثير القلق البالغ لدى جميع الدول العربية التي لم تحرك ساكناً وبقيت في موضع المتفرج المندهش. أما اليوم وعلى إثر زيارة الرئيس السوري لتركيا والزيارات المتبادلة القائمة بين البلدين على مستوى المسؤولين ومواطني البلدين كذلك، فقد وقعت سوريا وتركيا اتفاقيات عدة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية، ولم تعد مشكلة المياه تُهدد العلاقات المتميزة بين البلدين الجارين، بما يعكس رغبات الشعبين العربي والتركي ويتوافق مع علاقات حُسن الجوار والاحترام المتبادل بين الدول، الأمر الذي يذكرنا بالتاريخ القريب حيث رفضت تركيا كل العروض التي قدمت لها لتسهيل إقامة إسرائيل على الأرض العربية.

لقد شكلت المواقف والمصالح الاستراتيجية المشتركة لكل من سوريا وتركيا تجاه العراق ومسألة الأكراد عاملاً هاماً في تقارب البلدين، وعلى حدّ وصف المستشار الإعلامي السوري فإنه لا عودة بهذه العلاقات المتطورة إلى الوراء أبداً، لأنها لا تنطلق من اللحظة الراهنة وهي تتقدم الآن أكثر وأكثر. وأكد الدكتور أحمد الحاج علي مستشار وزير الإعلام السوري في تصريحات صحافية، أن لتركيا مصالح مع العرب والمسلمين أكثر من مصالحها مع إسرائيل، وأن ما حدث ليس بمعجزة ولكنه اختيار للذات وانسجام معها في حدود قيم هذه الذات وحدود المصلحة التركية نفسها. واعتبر أن تركيا التي تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوربي أرادت توجيه رسالة للإسرائيليين بأن الانتماء للاتحاد الأوربي لا يعني أبدا أن إسرائيل صار بإمكانها أن تأخذ مساحة من الحرية في التعامل مع تركيا وأن تقتحم المحرمات في فلسطين أو أي دولة عربية.

لقد رفضت تركيا، وهي العضو في حلف الأطسي، في مارس من العام الماضي أن تكون قاعدة للقوات الأميركية إلى العراق، وها هي اليوم تقرر إلغاء كل الاتفاقيات والعقود العسكرية التي وقعتها مع إسرائيل بمليارات الدولارات، وذلك احتجاجاً على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني معتبرة إياها جرائم حرب تماثل ما كانت تقوم به النازية، بل واستدعى الجار التركي الشقيق في خطوة لافتة سفيره في تل أبيب تمهيداً لاتخاذ مواقف أشد ضد العدوان الإسرائيلي.

وفي حين انتقد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بشدة عمليات الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وخاصة الجرائم التي ارتكبت ضد مدينتي رفح وغزة من تدمير للبيوت وتشريد لمئات الفلسطينيين. فقد أعلن وزير الخارجية التركي عبدالله جول سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية ضد تل أبيب أولها استدعاء السفير التركي من تل أبيب وعدم عودته حتى تثبت إسرائيل رغبتها الصادقة في الحوار والسلام. كما أشار الوزير التركي إلى قرار حكومة بلاده رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع فلسطين، بتعيين دبلوماسي برتبة سفير في القنصلية التركية في القدس الشرقية. وكانت الحكومة التركية قد كلفت أحد أبرز المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، منسقاً للشؤون الفلسطينية مكلفاً متابعة البرنامج الذي أقرته الحكومة لمساعدة الفلسطينيين سياسياً واقتصادياً وإدارياً، ويشمل ذلك مساعدة سكان مخيم رفح في إعادة بناء بيوتهم وإعادة إعمار البنية الأساسية في المدن الفلسطينية المدمرة.

والموقف التركي اللافت جاء بعد اجتماع مغلق عقده مؤخراً برلمانيو حزب العدالة والتنمية الحاكم، قدم فيه أعضاء الوفد البرلماني التركي الذي زار الأراضي الفلسطينية انطباعاته عن الأوضاع هناك، حيث لم يتمكن معظم النواب من مغالبة دموعهم وهم يستمعون لتفاصيل عن مدى مأساة الشعب الفلسطيني والدمار الذي لحق بممتلكاته وخاصة في رفح. وقد نقل أعضاء الوفد لرئيس الوزراء التركي أردوغان تحيات الرئيس ياسر عرفات ودعوته إليه لتحمل مسؤولياته التاريخية للدفاع عن الشعب الفلسطيني كما دافع السلطان عبدالحميد عن فلسطين، وكان لهذه الرسالة أثر كبير في نفس أردوغان الذي أكد رفضه لدعوة شارون إليه لزيارة إسرائيل، وقال إنه ووزير خارجيته جول لن يلبيا أي دعوة لزيارة تل أبيب إلا بعد أن تثبت رغبتها الجادة في إحلال السلام. واتهم أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون بنسف عملية السلام بالكامل، مشيراً إلى أن تركيا نجحت في إقناع جارتها سوريا باستئناف التفاوض حيث وافق الرئيس السوري بشار الأسد على الوساطة التركية ولكن شارون دمر كل شيء.

جارنا التركي يستحق كل الشكر والتقدير والاعتراف بموقفه الشجاع والقوي خاصة وأنه قام بما يفوق بيانات وخطب القمة العربية في دورتها الأخيرة بكثير، فهل تتأمل بعض الدول العربية والإسلامية في الموقف التركي الشجاع وتحول مواقفها الكلامية إلى أفعال.. وفي المقابل هي إشارة نجاح لحملة تحسين العلاقات التي بدأتها سوريا منذ سنوات قليلة مع جيرانها ومع بعض الدول الأوربية في زيارات رئاسية ثبت بالفعل أنها تاريخية، ولذلك فإنه ليس بمستحيل إحداث تغيير كبير في تفهم المواقف البريطانية وحتى الأمريكية للقضايا العربية والوقوف على حقيقة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وتمييز أصدقاء السلام من أعدائه. - العرب اونلاين -

http://www.miftah.org