المجتمع الدولي على ستاد كرة الدمّ
بقلم: مفتاح
2002/11/21

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=102


منذ اندلاع الانتفاضة االفلسطينية، في التاسع من أيلول، 2000 ،وحتى الخامس عشر من تشرين ثاني، 2002 ، سقط 1886 شهيداّ فلسطينياً، وعشرات آلآف الجرحى، وقتل 620 إسرائيلياً، وآلآف الجرحى.

ورغم أنّ المجتمع الدولي برمته، يعلم علم اليقين، بأنّ ما يدور هنا سببه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، إلاّ أن الموقف الدولي، اتسم حتى الآن بالخجل إزاء جرائم الاحتلال، وأدان وألصق تهمة الإرهاب بالنضال الفلسطيني برمته، في موقف أقل ما يوصف بالمتحيز لمنطق القوة، وغياب العدل.

وهنا، إذ نؤكد موقفنا الثابت ضد التعرض للمدنيين الأبرياء، فإننا ننادي بضرورة الإلتزام بأخلاقيات النضال الفلسطيني، من خلال تكريس مفهوم عدم استهداف المدنيين الإسرائيليين، تحت أي ظرف كان، رغم غياب المنطق الأخلاقي عن أعمال الاحتلال، من القتل، والاغتيالات، والتدمير، والتهجير، والسجن، والعزل، وغيرها، فنحن إذ نطالب العالم بوقف العدوان الاسرائيلي وجرائمه، وتجاوزاته للقوانين والأعراف الدولية، ولقوانين حقوق الإنسان، واتسامه باللاأخلاقية، فيجب أن لا نشبهه في أية جزئية كانت، وذلك بالابتعاد التام والمطلق، عن التعرض للمدنيين.

ولكن في المقابل، إذا ما نظرنا إلى أبعاد التصعيد المتفاقم وأسبابه، ونتائجه، نجد أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبرى إلى جانب إسرائيل فيما يحصل على الأرض، بانتهاجه موقفاً متحيزاً يدين الضحية، (الشعب الفلسطيني) القابع تحت الاحتلال، ويجيز لحكومة الاحتلال أعمال التقتيل والتدمير، تحت ذريعة الأمن، وهو ما يؤدي بدوره، إلى إحساس الطرف القابع تحت الاحتلال بالظلم، الأمر الذي لا يضمن نوع ردة الفعل، لأناس يحرمون من حقهم في الحياة.

ولتسليط الضوء على ما نقصده، نسرد مثال عملية الخليل الأخيرة، والتي اعترف جيش الاحتلال، بأنها معركة بين ثلاثة مناضلين فلسطينيين، وجنوداً وعناصر أمن إسرائيليين، أدت إلى استشهاد المناضلين الثلاثة، ومقتل 12 جندياً ورجل أمن إسرائيليين. فقد انبرى وزراء الخارجية والرسميين في العديد من دول العالم، وخاصة أمريكا، وأوروبا، والأمين العام للأمم المتحدة، بالتنديد، وإلصاق تهمة االإرهاب بمنفذي العملية الفلسطينيين، وقد تباكى هؤلاء جميعاً على مقتل "مصلين يهود"، لم يقتلوا، ولم يستهدفوا أصلاً، ولم يكن ذلك سوى شركاً، أوقعتهم فيه وزارة الخارجية الإسرائيلية، من خلال حملة قام بها نتنياهو شخصياً.
والغريب، بعد انكشاف الكذب، فإن أحداً من الذين أدانوا، لم يعتذر عن النعوت البشعة التي ألصقت بالفلسطينيين زوراً وبهتاناً، ولم يقم أحد منهم بالاعتراض على كذب الرواية الاسرائيلية، وأكثر من ذلك، فلم يعقّب هؤلاء على استشهاد تسعة فلسطينيين مدنيين، في اليوم التالي للعملية، في طولكرم، وضواحيها، وفي قطاع غزة، على يد جنود الاحتلال، ولم ينعتوا الاحتلال بالإرهاب. أليس ذلك محفزاً للشبان الفلسطينيين الذين يحسون بالظلم والغبن والتحيز، للقيام بردات أفعال شبيهة بالتي أوقعها الاحتلال بهم؟

في شهر تشرين أول الماضي فقط، سقط 22 طفلاً فلسطينياً، برصاص جنود الاحتلال، ومنذ بداية شهر تشرين ثاني الحالي، وحتى اليوم العشرين منه، سقط 46 شهيداً فلسطينياً، بينهم 11 طفلاً، أصغرهم عمره سنتين. أليس قتل هؤلاء إرهاباً إسرائيلياً منظماً؟

إن بقاء المجتمع الدولي جالساً على ستاد كرة الدم الفلسطيني المستباح، والتفرج عليه كمشهد روتيني، وعادة يومية لا تستحق التعليق، ولا التدخل، في ظل استمرار الإستنزاف الدموي اليومي، على يد جنود الاحتلال، والقيام بالتنديد بالعمليات ضد الاسرائيليين فقط، وإلحاق تهمة "الإرهاب" بكل النضال الفلسطيني، يؤكد بأن المجتمع الدولي، الذي عجز حتى الآن عن اتخاذ موقف دولي عملي لحل أساس المشكلة المتمثل بالاحتلال، شريك في تحمل المسؤولية عما يحدث، وأنه إذا ما أراد هذا المجتمع الدولي أن يحل المشكلة حقاً، فإن الحل لن يأتي إلا بإنهاء الاحتلال، سبب الموت الحاصل في الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

http://www.miftah.org