مبادرة إفراغ حل السلام من أي مضمون
بقلم: مفتاح
2009/6/16

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10575

سارعت دول أوروبية والإدارة الأميركية إلى الترحيب بخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخير، والذي طرح رؤيته لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والانفتاح والتطبيع مع العالم العربي، وهي الرؤية المبنية على شروط ومطالب كفيلة بنسف أي جهود جادة لتحقيق سلام عادل وشامل، وهي شروط لا تمت لمفهوم السلام بصلة بل ترتبط بالرغبة الإسرائيلية وتحديدا اليمين الإسرائيلي بتثبيت الاحتلال والاستيطان والتحايل على التزامات السلام.

فعندما يقول نتنياهو الذي وجد نفسه في ظل ضغط دولي بسبب رفض حكومته وقف الاستيطان والالتزام بحل الدولتين، انه "إذا اعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية، فسنصل إلى حل يقوم على دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب إسرائيل"، فهو يعلم انه ينسف بذلك أي إمكانية للسلام، فالفلسطينيون لم يعترفوا بإسرائيل كدولة يهودية، لان ذلك يعني ترحيل جديد وتهجير للفلسطينيين من أرضهم داخل إسرائيل التي ستصبح بذلك دولة عنصرية بامتياز، وهو ينزع من الدولة الفلسطينية المستقبلية عنصر الأمن، وهو من أهم عناصر حماية الدول الذي يضمن تطورها.

أما المستوطنات وهي إحدى العقبات التي تحول دون أن يكون هناك كيان فلسطيني متواصل جغرافيا ودون أن تقوم الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني وتحديدا الأراضي المحتلة منذ العام 1967، فنتنياهو حليف المستوطنين وابن اليمين في إسرائيل، رفض الالتزام بالمطالب الدولية بتجميد بنائها، بل استمر في المراوغة تحت عنوان ضرورة استمرار البناء لأسباب تتعلق بالنمو الطبيعي في المستوطنات.

نتنياهو المحكوم بنظرته العنصرية القائمة على أساس اضطهاد الأقليات داخل إسرائيل وخاصة الفلسطينيين، وبحلمه في تأبيد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية إلى أمد طويل، والتهرب من أي التزامات واجبة على دولته لتحقيق سلام حقيقي وليس إطار سلام دون أي مضمون، يرد أن يخفف الضغوط الدولية عنه وان يحول دون سقوط ائتلافه المبنى على أساس تحالف أحزاب اليمين، والانتهازيين في حزب العمل، كما يسعى إلى تخفيف الضغوط الخارجية التي حس بديتها خاصة من الإدارة الأميركية.

إن خطاب نتنياهو الذي أراد من خلاله امتصاص وتخفيف هذا الضغط الأميركي الذي تولد مع قدوم الإدارة الجديدة للبيت الأبيض عليه وما تبعه من ضغط أوروبي، لن يستطيع أن يشكل حجر زاوية أو يمثل أي إسهام في جهود تحقيق السلام القائم على أساس حل الدولتين، فما ينادي به نتنياهو ابعد ما يكون عن دولتين، بل هو يتحدث عن دولة إسرائيل لليهود فقط، فيما الدولة الفلسطينية، بحسب وصفه، ليست أكثر من تجمعات يتولى الفلسطينيون فيها حكمهم الذاتي، أي أن لا حدود لهذه الدولة ولا امن لها ولا مياه ولا تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ولا سيادة لها على أرضها التي ستكون مقسمة بمعازل تارة من الجدار وتارة من المستوطنات، فيما القدس لن تكون بأي حال بحسب رؤية "سلام" نتنياهو عاصمة للدولة الفلسطينية كما يراها هو.

حديث نتنياهو ليس بغريب وغير مفاجئ فهذا هو الوجه الحقيقي له، إلا أن مجابهة هذه المواقف ستكون حتما على مسرح الدبلوماسية الدولية، سواء في الأمم المتحدة أو واشنطن وموسكو لندن وباريس، فالعرب مطالبون الآن باستمرار العمل دبلوماسيا مع الأطراف الدولية وخاصة الإدارة الأميركية ورئيسها باراك أوباما لحثه على تكثيف ضغطه على نتنياهو الذي بدا واضحا رفضه لأي تعاطي مع العملية السياسية بكل جدية ومحاولته التملص من الالتزامات الدولية.

والمجتمع الدولي الذي ما عكف يطالب الفلسطينيين بمعالجة الأوضاع الأمنية والوفاء بالتزاماتهم المنصوص عليها في خطة خارطة الطريق، هو الآن أمام الامتحان الحقيقي لجديته في العمل على حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهذا سيتضح فيما إذا كانت الأطراف الدولية وخاصة أعضاء اللجنة الرباعية الدولية عازمة على التقدم فعلا في هذه العملية، فالمفتاح بسيط، ويتمثل بإلزام إسرائيل على ما وافقت عليها حكوماتها السابقة وبما التزم واجمع عليه العالم، وبغير ذلك فان الصراع سيستمر.

http://www.miftah.org