بعد سرقة الأرض والهوية.. إسرائيل تسرق الأعضاء البشرية
بقلم: الاء كراجة لمفتاح
2009/8/24

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10775

ليس جديداً على إسرائيل أن تسارع كعادتها لإنكار جرائمها اللإنسانية، ضد الفلسطينيين، وهي التي لا تدخر جهداً في التفنن بقتلهم وتعذيبهم في الأسر واحتجاز جثامينهم لسنوات طويلة.

فقد سارعت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى نفي ما نُشر مؤخراً في إحدى أهم وأكبر الصحف السويدية وأكثرها انتشاراً "افتو نبلاديت" حول انتزاع الجنود الإسرائيليين لأعضاء شبان فلسطينيين والمتاجرة بها، واتهام إسرائيل جاهزٌ دائماً "إنها معادة للسامية" فهم الشعب السامي الذي لا يحق لأحد أن يخاطبهم أو يحاسبهم على جرائمهم.

وقد بينت الصحيفة السويدية في تقريرها الذي نُشر تحت عنوان "أبناؤنا مسلوبو الأعضاء" أن شباباً فلسطينيين خُطفوا من قراهم في منتصف الليل ودفنوا بعد انتزاع أعضائهم، فيما تضمن التقرير شهادات فلسطينيين أكدوا أن القوات الإسرائيلية اعتقلت أبنائهم وأقاربهم ومن ثم قتلتهم وأعادتهم جثثاً هامدة بعد أيام وقد سلبت منهم كل الأعضاء الداخلية".

وذكر التقرير أن فلسطينياً من نابلس يدعى بلال أحمد غانم "أصيب بطلقات في الصدر والقدم والمعدة ومن ثم نقل في حالة خطيرة بطائرة هيلوكبتر إلى مكان غير معلوم وبعد عدة أيام أُعيد جثمان بلال إلى قريته ملفوفاً بضمادات مستشفى"، وكان بلال غانم واحد من بين 133 فلسطينياً قتلوا في العام 1992 بطرق مختلفة، وتم تشريح 69 جثة منهم.

إن ممارسات الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين من اعتقال وأسر وتعذيب في السجون واحتجاز جثامين الأسرى الشهداء لسنوات طويلة، بما يعرف بمقابر الأرقام، تجعلنا لا نستبعد تمادي إسرائيل في إجرامها إلى حد المتاجرة بأعضاء أبنائنا الأبرياء سواء بقتل شبان فلسطينيين عمداً لسرقة أعضائهم أو انتزاع الأعضاء البشرية لمن توفوا خلال الاعتقالات أو المواجهات.

وقد نشرت الصحيفة السويدية صورة لجثمان بلال وعليها أثر ندبة ممتدة من الوجه وحتى المعدة، وصورة أخرى للحاخام اليهودي "ليفي روزنبرغ" الذي اعتقل في نيويورك الشهر الماضي بتهمة الاتجار غير الشرعي بالكلى من إسرائيل وبيعها لمرضى أمريكيين بقيمة 160 ألف دولار، بما لا يدع مجالاً للشك بارتباط هذه القصة بفضيحة الفساد التي هزت ولاية نيو جيرسي الأمريكية الشهر الماضي عندما اعتقلت السلطات الأمريكية 44 شخصاً من بينهم رؤساء بلديات في الولاية وعدد من الحاخامات والسياسيين ويهود آخرين للتحقيق معهم بتهم الإتجار بالأعضاء البشرية وتبيض الأموال وتهم أخرى.

وهناك الكثير من الإشارات التي تعزز صحة هذا التقرير فإسرائيل مازالت تنكر وجود المئات من المعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجونها ومعتقلاتها كما أن لديها العديد من السجون والمعتقلات السرية، وقد رفضت إسرائيل التعاون مع منظمة الصليب الأحمر أو السلطة الوطنية بخصوص من اعتقلتهم من أبناء القطاع في حربها الأخيرة عليه، والذين لم يعرف مصيرهم حتى الآن، بحسب ما أشار ناصر فراونة المتخصص بشؤون الأسرى.

وإسرائيل الوحيدة في العالم التي تحتجز جثامين الأسرى بعد موتهم وترفض تسليمهم لأهلهم، وعندما تسلمهم إياها بعد سنين طويلة سواء بعد انتهاء سنوات الحكم أو من خلال صفقات تبادل الأسرى كما حدث مع "حزب الله" في تموز من العام الماضي، تكون جثثاً متحللة، الأمر الذي يسهل طمس دلائل أي جريمة فيما يتعلق بسرقة الأعضاء الداخلية.

إن هذا التقرير بما يحتويه من معلومات خطيرة، ومن جرائم قتل وتنكيل تصل بشاعتها إلى حد القتل لسرقة الأعضاء البشرية والإتجار بها، ما هو إلا مؤشر مرعب نحو الحد الذي وصلته إسرائيل في انتهاكاتهااتجاه حقوق الإنسان وكرامته وبصورة سادية، بينما يقف العالم أجمع موقف المتفرج في صورة أشبه ما تكون بتصريح مفتوح لها لتتمادى وتواصل جرائمها.

إن موقف الصحيفة السويدية التي تجرأت على نشر مثل هذا التقرير، ولم تقيم وزناً للأزمة الدبلوماسية التي سيخلقها بين البلدين والتي تدركها تماماً، يثير لدينا الحسرة والتساؤل في نفس الوقت عن دور الإعلام العربي والمحلي والذي يجب أن يبادر في التحقيق في مثل هذه القضايا الحساسة، بمزيد من حرية التعبير عن الرأي والجرأة.

وفي كل الأحوال فإن تقرير الصحيفة السويدية يجب أن يعزز بتقارير وشهادات وتحقيقات في هذا السياق في إعلامنا المحلي والعربي، بما يسهم في تشكيل رأي عام من شأنه أن يؤدي إلى فتح تحقيق دولي في جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين عامة وضد الأسرى بشكل خاص، وما يعاونه من انتهاكات جسيمة لحقوقهم الإنسانية وإهمال لأوضاعهم المعيشية والصحية، فمن بين 11 ألف أسير هناك 1600 أسير يعانون من أمراض كثيرة ومتعددة ومنها الخطيرة والمزمنة ما بين السرطان وانفلونزا الخنازير وأمراض القلب والفشل الكلوي وغيرها، في سجون لا تتمتع بأدنى مستويات النظافة البيئية والصحية.

وما أصعب أن يضاف إلى قسوة الظروف والانتهاكات، عذابات المرضى دون علاج أو دواء أو رعاية ما يزيد الألم ألماً والجرح قهراً وحزناً، بحيث لا تحتاج لمأساة أخرى بسرقة أعضاء الأسرى في السجون، والأصعب أن نقف مكتوفي الأيدي دون أن نتمكن من إطلاق سراحهم أو إنقاذ حياتهم أو حتى توفير العلاج لهم، أو رفع الظلم الواقع عليهم، في ظل محاولات يتيمة من قبل المؤسسات الإنسانية والحقوقية للتخفيف من معاناتهم، في حين تقوم الدنيا من أجل جندي واحد فيما ندفع مقابل احتجازه مزيداً من الأسرى والشهداء.

إن كل ما تقدم من دلائل وإشارات يتطلب منا وقفة جدية لتحقيق مصالحة وطنية من أجل مباشرة العمل على ملف الأسرى، والذي لا يجب أن ينتظر طويلاً، وللالتفات لمواجهة بشاعة الاحتلال وتجاوزاته.

وإذا ما ثبتت صحة هذه الادعاءات ضد إسرائيل، فإنها ستضاف على القائمة السوداء لجرائمها. والأهم من كشف الموضوع والتحقيق فيه هو اتخاذ موقف لمحاسبة إسرائيل ومعاقبتها على جرائم الحرب التي تقترفها على امتداد سنوات الاحتلال، فحري بنا أن ندق ناقوس الخطر، ونسلط الضوء على بشاعة الاحتلال وجرائمه التي يواصلها في عتمة الليل ووضح النهار، وما هذه الجريمة إلا واحدة من مئات الجرائم التي بقيت طي الكتمان، وما خفي كان أعظم.

http://www.miftah.org