الأُميَة... والأُميَة المبطنة!
بقلم: الاء كراجة لمفتاح
2009/9/12

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10835

بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأُميَة الذي صادف الأربعاء الماضي، أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، عن وجود 126 ألف أمي بالغ في الأراضي الفلسطينية، واعتبر التقرير الصادر عن المركز بهذا الخصوص أن معدلات الأُميَة بين البالغين في الأراضي الفلسطينية، من أقل المعدلات في العالم.

وما يثير الدهشة والاستغراب هو حالة الزهو والمباهاة التي طغت على تعامل وسائل الإعلام المحلية مع هذه المعلومة، في تناول سطحي وتجاهل مطلق للواقع التعليمي والثقافي في فلسطين.

ووفقاً لتعريف منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، "اليونسكو" فإن الأُميَ هو الشخص الذي لا يعرف أن يقرأ ويكتب جملة بسيطة عن حياته.

لكننا إذا ما قرأنا الواقع التعليمي الذي يواجهه الطلبة في المدارس سواء في مناطق السلطة الفلسطينية، أو في القدس أو في فلسطين ال 48، سنجده واقعاً مأساوياً ومؤلماً، فالقدرة على القراءة والكتابة لا تلغي حقيقة كونهم أميين فيما يخص تاريخهم وحضارتهم وحتى جغرافية بلدهم، فهم بين مطرقة تقصير وزارة التربية والتعليم ومحدودية إمكانياتها، وسنديان السياسات الإسرائيلية التي تسعى لتجهيل الطلبة الفلسطينيين وخاصة في القدس، وتقويض قطاع التعليم، وربطه بجهات التعليم الإسرائيلي، سواء من خلال سعيها لتهويد القدس تاريخياً وجغرافياً وحضارياً، أو في إطار الإهمال والتضييق بمختلف الوسائل، كنقص المباني التعليمية، والهيئات التدريسية المؤهلة، وعدم توفر الكتب، والتجهيزات التعليمة، وغير ذلك بما ينعكس على المستوى التعليمي، ويزيد من تسرب الطلبة.

ناهيك عن قرار وزير التربية والتعليم الإسرائيلي جدعون ساعر بشطب مصطلح "النكبة" من المناهج الدراسية لطلبة المدارس الفلسطينيين في مناطق ال48 وبالتحديد صفي الثالث والرابع، في حرب وزارة التعليم الإسرائيلية على الوعي الفلسطيني لدى الطلبة، وضمن خطتها الإستراتيجية للتهويد والإقصاء.

وهذا التدني في المستوى التعليمي هو ترجمة واقعية لنمط التلقين السائد في مؤسسات التعليم، وانعدام العمل بمفهوم البحث العلمي والتجربة العملية، فمناهج التعليم العربية لم تستخدم أبداً أدوات التحليل والتركيب فتعودت الأجيال على قبول الأفكار الجاهزة، والحقائق المطلقة، دون تغيير فتشكلت عقلية مبنية على التعصب وعدم قبول الآخر. وهذا ما تثبته الإحصاءات التي تشير إلى أن 66% من المعلومات التي يحتويها المنهاج الفلسطيني نمطية وتقليدية.

يُضاف إلى ذلك ما أثبتته العديد من الدراسات بأننا لسنا شعباً قارئاً، حالنا كحال الأمة العربية، فأمة اقرأ لا تقرأ، وهذه الظاهرة تنذر بتراجع مستوى الوعي المجتمعي لأهمية القراءة والثقافة، وأحد أهم أسباب هذه الحالة أن المواطن الفلسطيني الذي يعاني العوز والفاقة، لن يلقي بالاً للقراءة، أو حث أبنائه عليها.

لذا فهذا التباهي بأننا شعب متعلم وأن نسبة الأُميَة لدينا هي الأدنى بين الدول العربية، ليس في محله، والأجدر بنا الاهتمام لنوع هذا التعليم وليس لكمه، وفي المقابل فإن النظام التعليمي بحاجة لإعادة النظر فيه.

وأخيراً فالأُميَة الحقيقة هي تلك التي يعاني منها من يدعون الثقافة، ويتسابقون إلى جمع الشهادات العلمية، والتي لا تمثل سوى حبر على ورق، تضاف إلى ديكور الصالونات، كنوع من التفاخر و(البرستيج) الاجتماعي ليس إلا، وهنا نتساءل ما حاجتنا لأعداد كبيرة من المتعلمين، طالما أنهم لا يسعون لإضافة أي جديد على حاضر ومستقبل الوطن والأجيال القادمة، ولا يستطيعون أن يكونوا عنصراً فاعلاً في بناء المجتمع وتحريره، من جهله أولاً- فالجهل عدونا الأول-، ومن ثم من محتله ثانياً.

وهذا هو الجهل الحقيقي وما يمكن أن نسميه بالأُميَة المبطنة، التي نعاني منها، والتي لا يمكن أن تزول إلا إذا أدركنا كيف نتعلم ونمحو هذه الأُميَة؟

http://www.miftah.org