جولات ميتشل المكوكية!!
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2009/9/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10848

ذهابا ً وإيابا ً، وجولة إثر جولة، هو حال وترحال المبعوث الأمريكي جورج ميتشل، الذي ما فتئ يغادر المنطقة حتى يعودها مرة أخرى بعد فترة ليست بطويلة، دون ان تظفر يداه بما جاء من أجله والذي كلفته به إدارته، وهو إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان تجميدا ًكاملاً ووقفه بما في ذلك النمو الطبيعي لمدة عام.

وردا ًعلى ذلك جاءت تصريحات بنيامين نتنياهو مباشرة: "لن يكون هناك وقفا ًتام للبناء في المستوطنات، والقدس ليست مستوطنة، والبناء سيستمر بشكل طبيعي فيها حتى في حال الوقف المؤقت للبناء".

كما يقال في المثل العامي: "تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي"، إذن فشل تلو الأخر يتوج لقاءات ميتشل بنتياهو، بما فيهما لقاءهما الأخير الأربعاء الماضي، والذي أُعلن أنه لم يحمل أي تقدم في موضوع الاستيطان، حيث تطلب الإدارة الأمريكية إعلان لوقف الاستيطان لسنة كاملة في الوقت الذي تريد الحكومة الإسرائيلية الإعلان عن 6 أشهر فقط، كذلك فإن الإدارة الأمريكية تضع سقف زمني للمفاوضات لسنتين في الوقت الذي يحاول فيه نتياهو التملص من السقف الزمني.

وفي كل مرة يأتي الرد الإسرائيلي اللا مبالي والمتعنت على المناشدات الدولية لتجميد الاستيطان، إما بالإعلان عن خطط جديدة لبناء مئات الوحدات السكنية داخل الأراضي الفلسطينية، أو بتصعيد تهويدها للمدينة المقدسة، وفرض سيطرتها عليها، والتضييق على المقدسيين، وممارسة السياسات التعسفية بحق المواطنين في الضفة الغربية، واغتصاب المزيد من الأراضي لبناء المستوطنات وتوسيعها، والتلذذ بقهر وإذلال الفلسطينيين على الحواجز حتى في ذهابهم للصلاة في الحرم القدسي.

ورغم محاولات إدارة أوباما الحثيثة لفرض رؤيتها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المنطقة، وإقناع إسرائيل بالعدول عن موضوع الاستيطان، إلا أنها الآن تقف أمام تحد صعب يضع مصداقيتها على المحك أمام السلطة الفلسطينية والدول العربية، إثر فشلها المتعاقب في موضوع تجميد الاستيطان كبداية فحسب، فكيف إذن مع القضايا المصيرية كالقدس واللاجئين، وقيام الدول الفلسطينية، وغيرها.

وبالتالي فإن موقف الإدارة الأمريكية في التعامل مع موضوع الاستيطان لاشك يعطي مؤشرا ًلماهية المداولات والمناورات، وسقف المفاوضات في التعاطي مع القضايا الحساسة في المرحلة المقبلة. بالإضافة إلى أن الوقت الذي استنفذه موضوع المطالبة بتجميد الاستيطان، همش حقيقة الاحتلال الإسرائيلي، وحجم ممارساته التعسفية، كما حيد العديد من قضايا الصراع وأبعاده، في محاولة لفصل القضايا المصيرية عن بعضها البعض، وتفنيدها كل على حدا، والخوض في التفاصيل والأجزاء بما يبعدنا عن المسار الحقيقي للواقع المأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الاحتلال، ويضيع الرؤية الحقيقية للقضية عامة.

وهذا ما سعت إليه إسرائيل دائماً، حيث ضمنت خلخلة الدعم الأمريكي حول مطلب تجميد الاستيطان، بالإضافة إلى ابتزازها للدول العربية للتطبيع معها، مقابل وقف الاستيطان بما يعطي الاستيطان شرعية دولية وأمريكية وعربية إذا لم يتحقق ما قايضت به إسرائيل الفلسطينيين والعرب، باعتبارهم أنهم هم من أخلوا بالاتفاق.

لذا ربما كان من الأجدر بإدارة أوباما، أن تقود عملية المفاوضات بالتركيز على الوصول إلى هدف نهائي، في سقف زمني محدد، وليس مفتوحاً إلى ما لا نهاية كما كان حال المفاوضات السابقة، استناداً إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى إيجاد ضغط دولي يدفع بذات الاتجاه.

وبالتالي فالإدارة الأمريكية تبدو في موقف لا تحسد عليه، فهي حتى تضمن نجاح مبعوثها ميتشل، ستضطر لقبول الموقف الإسرائيلي الرافض لتجميد الاستيطان، والذي يخرج القدس من المعادلة باعتبارها ليست مستوطنة، وتستمر في بناء آلاف الوحدات السكينة التي صادقت الحكومة الإسرائيلية على بنائها مؤخرا ً لاسترضاء المستوطنين.

ولاشك أن تعنت إسرائيل في موقفها وتمسكها به، سيوجه أنظار ميتشل إلى المفاوض الفلسطيني لإقناعه بترك موضوع الاستيطان جانبا ًباعتباره شرطاً غير أساسي لعقد القمة الثلاثية في نيويورك التي تجمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس الأمريكي باراك أوباما، والرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستئناف المفاوضات.

وبالتالي وعلى ضوء ما تقدم فإن الاعتماد على الإدارة الأمريكية كوسيط قادر على فرض رأيه، والضغط باتجاه التوصل لحل يرضي جميع الأطراف، غير مجدي خاصة بعد وضعها للظالم والمظلوم في كفة واحدة، وهي سياسة ليست بجديدة على الإدارة الأمريكية، لذا يتوجب على الفلسطينيين والعرب الاعتماد على أنفسهم وحسب، وان ينتصروا لمصالحهم بإنهاء الانقسام والتوحد أولا ًوأخيراً.

http://www.miftah.org