"إنما الأعمال بالنيات"
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2009/10/12

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=10913

بعد أقل من سنة على توليه رئاسة أكبر دولة عظمى في العالم، تفاجأ الجميع بما فيهم أوباما نفسه بفوزه بجائزة نوبل للسلام، سلامٌ لم يُترجم بعد إلى واقع، ولم يتجاوز كونه سلامٌ في كلام فحسب.

وعبر أوباما عن تفاجئه قائلاً: "فوجئت بقرار لجنة نوبل، وفي الوقت نفسه أتلقاه بتواضع كبير، مضيفاً: "أنا لا أراها اعترافاً لإنجازاتي الشخصية، أكثر مما هي تأكيداً لزعامة أمريكية، باسم تطلعات يتقاسمها البشر من كل الأمم".

وعلى الرغم من إطلاق أوباما في الأسابيع الأولى من توليه الرئاسة لعددٍ من المبادرات، لكنها حتى الآن تعتبر مجرد إنجازات في الرؤى والتصور، فتصريحاته حول انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وإغلاق معتقل غوانتنامو، وحل الصراع العربي الإسرائيلي، والسعي نحو خفض مخزون العالم من أسلحة الدمار الشامل، وتعافي الاقتصاد الذي وعد أوباما به- وإن كان بعيداً عن جائزة نوبل للسلام-، لم يدخل أياً منها حيز التنفيذ بعد، فأمريكا مازالت في العراق، ومعتقل غوانتنامو لم يغلق بعد، وأسلحة الدمار الشامل لم يقل عددها في العالم، بالإضافة إلى أن أوباما نفسه أمر بإرسال نحو 21 ألف جندي إضافي لأفغانستان، كما أن الصراع العربي الإسرائيلي على حاله.

بل أنه وبينما كان أوباما يتلقى خبر فوزه بالجائزة، كانت قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية تحاصر المصلين في المسجد الأقصى، وتعتقلهم، ووزير خارجية إسرائيل إفيغدور ليبرمان يحاول إقناع جورج ميتشل موفد الولايا ت المتحدة للمنطقة بصعوبة تحقيق السلام الذي جاء من أجله.

ولو أن منح جائزة نوبل للسلام لأوباما كان على أساس النوايا الحسنة، لكان الأمر أكثر منطقية، خاصة بعد ما أبداه أوباما في سعيه نحو كسر صدام الحضارات، ومبادرته لمصافحة العالم الإسلامي، وهذا ما أكده للعرب والمسلمين في القاهرة، عندما شدد على أن "التفاوض هو طريق حل التناقض والاختلاف وليس الصراع أو الحرب"، وما أشادت به الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة عندما أكدت على "جهوده غير العادية لتعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب".

إن ما نعرفه عن جائزة نوبل للسلام هو أنها تُمنح لمن كان له إنجاز على مستوى إحلال السلام والأمن في العالم، إلا إذا اعتبرنا أنها جائزة تشجيعية لأوباما للعمل بجد من أجل تحقيق حلمه ووعده بالسلام العالمي، ودفعه لتسخير كل الطاقات من أجل هذا الهدف، خصوصاً أن أوباما نفسه اعتبرها "نداء للعمل"، وإن لم يتحقق ذلك فسيكون موقف كلٍ ً من الرئيس أوباما والأكاديمية السويدية محرجاً، أمام العالم، ولا نريد أن ننظر للجانب السلبي من منحها، كأن تكون سبباً للتقاعس، عن تحقيق ما تمت مكافئته عليه سلفاً.

وهذه هي المفارقة فقد تكون هذه هي المرة الأولى التي تُمنح فيها الجائزة، قبل أن تكون نتيجة ما منحت لأجله ماثلة على الأرض، وهو تحد صعب سيواجهه أوباما.

وعلى الرغم من أننا لا نشكك بسلامة نواياه، إلا أفعاله على الأرض لم تضح بعد، فالكلام سهل، والأصعب هو مواجهة التغيير على أرض الواقع.

وإذا ما اعتبرنا أن أوباما حصل على جائزة نوبل للسلام لكونه أفضل الموجودون، وجاء سلفاً لبوش الإبن، الذي رأى معه العالم أسوء كوابيسه، فهذا شيء آخر، بل إن هذه هي المعضلة الحقيقية فأوباما ورث إرثاً ثقيلاً من سابقه، يجعله في مرحلة صعبة، لحل الأزمات التي خلفها بوش، دون إهمال أو إغفال لأحدها.

وهو حمل لا شك أنه ثقيل، وربما للتخفيف من وطأة مسؤولية الجائزة صرح أوباما بأنه سيتبرع بقيمتها (1.4 مليون دولار) لصالح الأعمال الخيرية.

جائزة نوبل للسلام التي مُنحت سابقاً للرئيس الإسرائيلي مناحيم بيجن، مناصفة مع الرئيس المصري أنور السادات عقب توقيع كامب ديفيد عام 1978، وكذلك للرئيس إسحاق رابين مناصفة مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وشمعون بيرز وزير الخارجية آنذاك، عقب توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994، لكن المعضلة الحقيقة والمثيرة للقلق، هي أن الحديث عن السلام لا يعني بالضرورة تحقيقه، كما أن السلام الحقيقي يتجاوز مجرد التوقيع على اتفاقيات ومعاهدات سلام، فإذا ما تحدث رئيس وزراء إسرائيل عن أمله في تحقيق السلام، هل سيُهدى جائزة نوبل؟!!، وهل ستتحول جائزة نوبل للسلام، لجائزة تمنح على النوايا الطيبة- على أساس "إنما الأعمال بالنيات"، يُخشى ذلك لأنه عندها ستنال الشكوك من مصداقية الجائزة وجديتها.

http://www.miftah.org