واشنطن بوست تنشر تحقيقا عن فنون تعذيب الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية
بقلم: مفتاح
2004/6/17

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=1112


لا أظن أن السياسة الأمريكية الراهنة تجاه الشرق الأوسط الكبير ـ حسب التعبير الأمريكي الجديد ـ سوف تمثل نهاية للشر كما يعتقد ديفيد فروم أحد أعضاء الفريق الذي يتولي كتابة خطب الرئيس بوش والذي أصدر مع ريتشارد بيرل فيلسوف حركة المحافظين الجدد‏,‏ كتابا تحت هذا العنوان نهاية للشر لتبرير الحرب ضد العراق‏,‏ والادعاء بأن أمريكا ليس أمامها خيار في التعامل مع المشكلات الدولية والاقليمية سوي خيار القوة والحرب‏!‏ ولست أنا الذي أقول ـ وحدي ـ بعقم هذه السياسة الأمريكية الفجة تجاه العرب والمسلمين ولكن عددا كبيرا من الخبراء والمحللين في أوروبا وأمريكا يقولون‏,‏ ماهو أكثر من ذلك الي الحد الذي دفع جوناثان كلارك أحد أبرز خبراء الشئون الخارجية الي وصف ماورد في كتاب نهاية للشر بأنه محاولة فاشلة لسد الثغرات في سفينة غارقة وأن محتوي الكتاب يعكس شعور مؤلفيه فروم وبيرل ببدء أفول نجم حركة المحافظين الجدد في أمريكا التي فضحت نفسها بالمبالغة في تدليل إسرائيل والمبالغة في الحقد علي العرب والمسلمين‏.‏

ولعل أهمية هذا الكتاب تكمن في أنه يعكس فكر التيار المتشدد في الإدارة الأمريكية الحالية لأن مؤلفه الرئيسي ريتشارد بيرل ليس فقط فيلسوف حركة المحافظين الجدد‏,‏ وانما هو كما وصفته صحيفة واشنطون بوست بمثابة الأب الروحي للحركة التي استغلت مايسمي الحرب ضد الارهاب في تجريم حركة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي‏,‏ بل والمضي قدما باتجاه شطب حقائق التاريخ والجغرافيا اذا لزم الأمر‏.‏

ومن أرضية هذا الفكر المتشدد فليس غريبا ولامفاجئا أن ينكربيرل وفروم في كتابهما وجود اية شرعية للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي‏,‏ فهؤلاء ـ من جهة نظرهما ـ مجرد مجموعة من عملاء الشرطة السرية وجواسيس نظام صدام الذين تحالفوا مع مجموعة من القتلة والمجرمين‏,‏ وان بعض قادة النظام السابق الذين مازالوا طلقاء وعلي قيد الحياة لديهم اموال تمكنهم من تجنيد هؤلاء اليائسين ضمن وحدات شبه عسكرية وخلايا ارهابية‏!‏

وايضا فليس غريبا ولامفاجئا ان يستمر التضليل بعد انكشاف كذبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل‏,‏ وثبوت عدم وجودها ان يلجأ مؤلفا كتاب نهاية للشر الي الحديث عن وجود برامج لأسلحة كيماوية وبيولوجية ربما تمكنه في المستقبل من انتاج وامتلاك مثل هذه الاسلحة‏.‏

بل ان بيرل وفروم يتورطان ـ دون قصد طبعا ـ في اعتراف بالدوافع الحقيقية للحرب ضد العراق واهمها البحث عن كبش فداء بعد احداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ لكي يثبت للدنيا كلها ان امريكا لم تهتز مما جري لها وانها قوية جدا وليست ضعيفة‏..‏ حيث يقول المؤلفان بالحرف الواحد‏:‏ لو ان هجمات الحادي عشر من سبتمبر اعقبها احتفاظ صدام حسين بالسلطة لكان ذلك معناه ان امريكا تبعث برسالة الي العالم مفادها ان الامريكيين يزدادون ضعفا وان المستقبل لأعداء امريكا‏.‏

لقد كان علي امريكا ـ كما يقول كتاب نهاية للشر ـ ان ترد علي احداث‏11‏ سبتمبر بكل قوة وقسوة لتثبت ان الارهاب لايحرز انتصارا وانه لو كان الامريكيون قد اكتفوا بغزو افغانستان فقط لكانوا قد نقلوا رسالة تفيد بأنهم يرغبون في قبول المهمات السهلة للحرب ضد الارهاب ويتجنبون المهام الشاقة‏,‏ ولكانوا قد ابدوا الذعر والتردد في الوقت الذي يحتاجون فيه الي ضرورة اظهار الثقة بأنفسهم وقوتهم‏!‏

واغلب الظن ـ وهذا مجرد اجتهاد شخصي من جانبي ـ ان هناك رابطة قوية كانت تجمع بين ريتشارد بيرل فيلسوف حركة المحافظين الجدد واحمد الجلبي زعيم مايسمي المؤتمر الوطني العراقي المعارض وان الجلبي لعب دورا كبيرا في الاطاحة بريتشارد بيرل قبل ان يطاح به هو الآخر بعد ثبوت عدم صحة المعلومات التي قدمها الجلبي للادارة الامريكية بشأن اسلحة الدمار الشامل‏,‏ وعلاقة نظام صدام بتنظيم القاعدة وكان ريتشارد بيرل احد اقوي المدافعين عن معلومات الجلبي والمؤكدين لصحتها‏!‏

وربما يعزز من صحة ما اقول به انه رغم ان كتاب نهاية للشر ينطلق من الرغبة في الدفاع عن سياسة ادارة بوش بوجه عام وسياستها تجاه العراق بوجه خاص الا ان الكتاب يري ان اخطر اخطاء ادارة بوش يتمثل في عدم رغبتها في السماح للمؤتمر الوطني العراقي بزعامة احمد الجلبي بتشكيل حكومة مؤقتة بعد سقوط بغداد علي غرار مافعلت امريكا عام‏1944‏ عندما سمحت بدخول القوات الفرنسية الي باريس قبل القوات الامريكية البريطانية‏.‏

ويورد المؤلفان في كتابهما ان المؤتمر الوطني العراقي كان قد ابدي استعداده لتقديم قوات جاهزة للقتال وقوات امن مستعدة لحفظ النظام ولكن واشنطون رفضت هذا العرض تحت تأثير الكراهية التي تبديها كل من وزارة الخارجية الامريكية وادارة المخابرات المركزية الامريكية تجاه احمد الجلبي‏.‏

‏ولست اريد ان اتوقف طويلا امام ماورد من تطاول علي الاسلام وترجمة بعض آيات القرآن الكريم ووضعها في غير سياقها الصحيح‏,‏ وبما يكشف عن ميول صهيونية لايخفيها تيار المحافظين الجدد بشكل عام‏,‏ و لكنني اتوقف عند فجاجة المغالطة التي يلجأ اليها بيرل وفروم وهما يجيبان علي السؤال المطروح بشدة في امريكا وهو‏:‏ من اين نبعت كراهية شعوب الشرق الاوسط لأمريكا؟

علي طريقة ذات المغالطات التي لجأ اليها المؤلفان بشأن اسلحة الدمار الشامل وعلاقة نظام صدام بتنظيم القاعدة يتجاهل بيرل وفروم الاسباب الواضحة وضوح الشمس والمتمثلة في المواقف الامريكية المتحيزة علي الدوام ضد العرب ولصالح اسرائيل التي تحظي بكل اشكال الدعم والحماية من جانب امريكا‏.‏

وفي تشخيص سطحي اشبه بالهلفطة والجهل بحقائق الامور يزعم مؤلفا كتاب نهاية للشر ان من يسميهم بالمتشدين الاسلاميين ودعاة العلمانية واهل السنة واهل الشيعة والشيوعيين والفاشيين في الشرق الاوسط يندمجون مع بعضهم البعض ليشكلوا خليطا ينهل من منبع واحد‏,‏ هو نبع الغضب المتفجر نحو هدف واحد هو‏:‏ الولايات المتحدة الامريكية‏.‏

وهذا الغضب القاتل ضد امريكا يجب ـ علي حد زعم بيرل وفروم مواجهته وهزيمته علي ثلاث جبهات‏...‏ الاولي داخل امريكا حيث تجري محاولات لاختراق دفاعاتنا وقتل شعبنا‏..‏ والثانية في الخارج حيث يدعو هذا الغضب حكومات وجماعات ارهابية للتآمر بالتحرك النووي والبيولوجي ضدنا‏.‏ اما الجبهة الثالثة فتتمثل في لاعقول الرجال والنساء في العالم الاسلامي وهذا هو جوهر ماتسعي ادارة الرئيس بوش هذه الايام الي فرضه علي الدول العربية والاسلامية باسم تغيير مناهج التعليم‏.‏

فهل هناك افتراء علي الحقيقة بأكثر من ذلك الذي يدعي به علي امة العرب والمسلمين في اجندة المحافظين الجدد الممسكين بزمام السلطة في اقوي دولة في العالم‏!‏

ثم ألا يثير التساؤل هذا التوافق في الرؤي بين مايقوله المحافظون الجدد في واشنطون وثلة المتطرفين العنصريين في تل ابيب‏!‏

‏والحقيقة ان توافق الرؤي في التحريض علي العرب والمسلمين يتماثل تماما مع توافق الرؤي بشأن القضية الفلسطينية‏,‏ فالذي يراه المحافظون الجدد في امريكا لايبتعد كثيرا عما يريده المتشددون اليمينيون في إسرائيل‏.‏

ان كتاب نهاية للشر يكشف بوضوح لا لبس فيه ان مايمكن السماح به ـ امريكيا واسرئيليا ـ هو مجرد ميني دولة للفلسطينيين تمثل نصبا تذكاريا مؤلما ودائما لاعظم هزائم العرب الاخيرة علي حد تعبير مؤلفا الكتاب بيرل وديفيد فروم‏!‏

وفي بداية تناولهما لهذه القضية تبدو سخريتهما من فكرة اقامة دولة فلسطينية من بين السطور التي يستهلان بها حديثهما فيقولان‏:‏ ان فرقة مونتي بايثون الكوميدية البريطانية اعتادت ان تستخدم سكتشا مسرحيا يدور حول برنامج فوازير تكون فيه الاجابة عن أي سؤال بكلمة لحم الخنزير ويبدو ان كثيرا من خبراء سياستنا الخارجية وخاصة في شئون الشرق الاوسط‏,‏ يتناولون مشكلات العالم نفسها والاجابة بالنسبة لهم عن كل سؤال عن السلام والامن الدوليين هي‏:(‏ دولة فلسطينية‏)‏ وفوق كل هذا يشعر هؤلاء الخبراء بالثقة في ان الوسيلة المؤكدة لتهدئة غضب العرب والمسلمين الذي افرز احداث الحادي عشر من سبتمبر هي تقديم تنازلات للفلسطينيين‏!‏

ويشير مؤلفا الكتاب الي مقال نشره اثنان من مستشاري الامن القومي السابقين عشية حرب العراق‏,‏ وهما زبجنيو بربجينسكي‏,‏ وبرنت سكوكروفت وطالبا فيه الولايات المتحدة باعلان التزامها بالإسراع باقامة دولة فلسطينية في كل ـ او تقريبا في كل ـ الضفة الغربية وقطاع غزة‏.‏

ويطرح المؤلفان السؤال التالي‏:‏ لماذا يجب علي الولايات المتحدة ان تفعل ذلك ؟ وماذا يفيد ذلك الامريكيين؟ لقد قدم المستشاران السابقان بربجينسكي وسكوكروفت الاجابة التالية‏:‏ ان التزاما امريكيا باقامة الدولة الفلسطينية قد يسهل ايضا التعاون مع الولايات المتحدة في حربها علي الارهاب‏,‏ وفي جهودها لتشجيع احلال الديمقراطية علي مستوي العالم‏,‏ ويعقب المؤلفان علي ذلك بقولهما‏:‏ بعبارة اخري اذا اعطينا الفلسطينيين مايطلبونه فسوف يكون العالم الاسلامي والدول الاوروبية اقرب الي التعاون معنا‏!‏

ثم يبدأ المؤلفان في شرح نوع تلك الدولة التي يزعمان ان المجتمع الدولي سوف يرحب بها وهي كالتالي من وجهة النظر الصهيونية الصرفة ـ بطبيعة الحال ـ‏:‏ دولة ديمقراطية لاتملك الوسائل ولا الرغبة في تدمير اسرائيل وتستطيع حفظ النظام ووقف‏(‏ الارهاب‏),‏ دولة تقبل نزع السلاح وتتخلي عن المطالبة بأية ارض لازمة لأمن اسرائيل والدفاع عنها‏...‏ ولكن وجود مثل هذه الدولة التي قد تكون نافعة لن يوفر علي الولايات المتحدة حربها ضد الارهاب التي ينبغي ان تخوضها وتربحها‏..‏ ويري رجال مثل بربجينسكي وسكوكروفت غير ذلك‏..‏ ويعتبر مؤلفا الكتاب وجهات نظرهما مجرد حكمة تقليدية في اطار مؤسسة السياسة الخارجية في امريكا‏,‏ وربما اكثر من ذلك في اوروبا‏.‏

ويسرد الكتاب مبررات المستشارين السابقين كما يفهمها المؤلفان‏:‏ يري مئات الملايين من المسلمين في العالم ان مأزق الفلسطينيين اصبح اكبر مثل حي للاذلال والهزيمة‏,‏ وتثير القضية الفلسطينية السخط والغضب مما يمكن القاعدة والجماعات المتطرفة الاخري من استغلالها‏,‏ كما ان عجز الحكومات العربية والاسلامية عن حل تلك المشكلة يسقطها في اعين شعوبها وباقامة الدولة الفلسطينية تستطيع الولايات المتحدة تهدئة المشاعر في العالم الاسلامي‏,‏ وتقوية موقف الحكومات العربية الصديقة واثبات ان امريكا نفسها تكن الصداقة للطموحات الاسلامية‏.‏

ويري بيرل وفروم ان هذا التفكير ليس مخطئا بشكل كامل ويضيفان القول بأسلوب اقرب الي السخرية‏:‏ اذا كانت الولايات المتحدة ستتهم اسرائيل بأنها تحتل اراضي اسلامية بشكل غير قانوني وتقوم بترحيل السكان اليهود وتعيد الحرم القدسي إلي الفلسطينيين فربما سوف نستمتع ببعض الفوائد التي ذكرها المستشاران آنفا‏,‏ ولكن الولايات المتحدة لن تفعل شيئا مثل هذا‏,‏ وفي اقصي الحالات قد تستخدم امريكا نفوذها للتوسط في المساعدة علي اقامة ميني دولة فلسطينية محايدة ومنزوعة السلاح في الضفة الغربية وغزة وتكون عاصمتها من جزء من القدس تحت قيادة رئيس بعيد عن التطرف‏,‏ وسوف تظل اسرائيل قوية وغنية و‏(‏فلسطين‏)‏ ضعيفة وفقيرة وسوف تشكل حدود‏(‏فلسطين‏)‏ الضيقة وسيادتها المنقوصة نصبا تذكاريا دائما ومؤلما لأعظم هزائم العرب الاخيرة‏,‏ وافضل صفقه قد يحصل عليها الفلسطينيون من ادارة بوش لن تكون بالتأكيد اكثر جاذبية من الصفقة التي رفضها ياسر عرفات في كامب ديفيد في سبتمبر‏2000.‏

‏‏..‏ يا سبحان الله علي نزاهة وعدالة وديمقراطية هؤلاء الناس‏!‏ إنهم لايتجهون نحو إحداث نهاية للشر وإنما هم يسعون لبدء السير الخطر علي طريق الشر‏! - الأهرام -

http://www.miftah.org