ولو بقايا..

شهداؤنا يعودون إلى بقايا وطن.
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2010/1/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11189

في روايته "بقايا" التي أهداني إياها، الكاتب الفلسطيني أحمد حرب، كان الكاتب يتحدث عن بقايا جثمان شهيد فلسطيني تُرد لأهله بعد عشرات السنوات، كانت الصورة أصعب علي من أن أكمل قراءة الرواية في ذاك الوقت، لكنني الآن أراها أمامي واقعا ً، يرتسم بحذافير القصة التي لا شك أنها تجسيدٌ لواقع مرير يعيشه الشعب الفلسطيني.

فهاهو ما تبقى من جثمان الشهيد الفدائي مشهور طلب صالح العاروري المولود في عام 1956، يعود بعد 33 عاماً من احتجاز جثمانه في إحدى مقابر الأرقام الإسرائيلية فيما كانت سلطات الاحتلال كعادتها تنفي ذلك وتنفي معرفتها بمصيره، منذ استشهاده في معركة الجفتلك في الغور منتصف العام 1976، حيث تسللت إحدى خلايا الجبهة الديمقراطية من خلف الحدود إلى منطقة الأغوار الوسطى (الجفتلك) بهدف الوصول إلى نابلس وعلى رأسها الشاب العاروري، لتنفيذ عملية فدائية، عندما سقطت بكمين للجيش الإسرائيلي هناك، واستمرت في القتال على مدار 12 ساعة، استشهد فيها العاروري وحافظ أبو زنط من نابلس، و خالد أبو زياد من يافا.

وجاء قرار إسرائيل الإفراج عن جثمان مشهور إثر الالتماس النوعي الذي تقدّم به مركز القدس للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان بواسطة المحامي هيثم خطيب، إلى المحكمة الإسرائيليّة، فعلى مدى 33 عاما ً لم تتوقف عائلة مشهور العاروري عن إحياء الأمل، بحلم استلام جثمان عزيزها، ومثلها مئات العائلات الفلسطينية، التي أضحت فرصة دفنها لأبنائها حلما ً بعيد المنال، إذ أن هناك أكثر من 300 شهيد فلسطيني وعربي مدفونين بطريقة لا إنسانية ولا أخلاقية ولا قانونية، في ما يسمى بمقابر الأرقام، وهو أمر مخالف للقانون الدولي واتفاقيات جنيف التي تلزم بتسليم جثامين المقاتلين وإكرامهم ودفنهم حسب تقاليدهم الدينية وأن تُحترم قبورهم.

وهذه جريمة تضاف إلى جرائم إسرائيل، خصوصاً إذا ما عرفنا أن العديد من جثامين الشهداء فُقدت من هذه المقابر جراء إنجرافات التربة، أو نبشها من قبل سباع الأرض، إثر دفنها على مسافة قريبة من السطح، وما هذا إلا ترجمة لسياسة الحقد الإسرائيلي للفلسطينيين والعرب أحياءً كانوا أم أمواتاً، وانتقاماً منهم ومن ذويهم بصورة عقابٍ جماعي، أو بهدف الضغط والابتزاز السياسي، ناهيك عن كون هذه الطريقة ما هي إلا أسلوب لإخفاء جرائم إسرائيل بتمثيلها وعبثها بالجثث، ما يؤكد الفضيحة التي كشفتها الصحيفة السويدية مؤخراً حول سرقة دولة الاحتلال لأعضاء الشهداء الداخلية، إذ حين يتم إعادة الجثامين تكون محللة وقد أخفيت معالمها، ولا يبقى سوى حمض النووي ريبي 'DNA'ـ للتأكد من الجثة تماما ً كما طالبت عائلة الشهيد العاروري بذلك.

وبهذا تتحمل إسرائيل مسؤولية فقدان شهداء الأرقام، بالإضافة إلى الذين لا يُعرف مصيرهم بعد، في المقابل فإنه يتوجب على كافة الجهات الرسمية والمؤسسات الحقوقية، متابعة هذا الملف وحمله على أعلى المستويات، من أجل وقف هذه المعاناة التي يعيشها أهالي الأسرى والمفقودين، ومن أجل أن يكون الشهيد العاروري الأول على طريق الإفراج عن البقية، فهو إنجاز وإن محدود، على طريق تحقيق إنجازات أكبر، على صعيد تحرير الأسرى أحياءً كانوا أم بقايا أموات ...ليعودوا في بقايا أحلام .. وليغيبهم تراب ما تبقى من وطن اشتاق لضمهم. وطن ضحوا من أجله، ودفعوا أرواحهم ثمناً لحريته، وهانحن نقف أمام ما تبقى منه منقسمين على أنفسنا، متناسين شهدائنا، فلنعود لرشدنا وصوابنا، حتى عن نتمكن من لملمة جراحنا وبقايا وطننا، عله يعود كما كان.

فلترقد بسلام الآن يا مشهور العاروري...ولن يهدأ لنا بال حتى نستعيد أسرانا وشهداءنا.

http://www.miftah.org