المعادلة الإسرائيلية المقلوبة: الضحية تتحول إلى جلاد.
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2010/2/1

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11262

ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي تقوم فيها إسرائيل بقلب الحقائق، وتزويرها إخفاءً لجرائمها، عملاً بالمثل القائل: "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"، فهي التي حولت في بداية انتفاضة الأقصى، محمد الدرة ووالده إلى إسرائيليين، وألبستهما القلنسوة اليهودية، في خدعة تقنية خبيثة، لتحول الأبرياء إلى قتلة، والمجرمين إلى قديسين.

وهاهي ذا اليوم تستخدم صورة طفلة غزية تبكي أقرباءها الخمسة الذين قتلوا بأيدي الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة مطلع العام الماضي، على أساس أنها فتاة إسرائيلية، تريد إسرائيل أن تستجدي بدموعها وذعرها قلوب العالم من أجل مساعدة أطفال إسرائيل وانتشالهم من الفقر والجوع، حيث وزعت صورتها على غلاف مطبوعات "جمعية الإغاثة الإسرائيلية للتبرع للفقراء" تحت عنوان: "أطعموا أطفال إسرائيل المشردين والجياع".

ليس غريباً ولا مستهجناً ممن سرق الأرض والماء والهواء، وحتى التاريخ والثقافة، أن يزور الحقائق ويزيف المعلومات من أجل تحقيق أهدافه ومآربه، مستخدماً أفضل وأسرع وأنجع وسيلة لتحقيق ذلك، وهي الإعلام والرأي العام العالمي، مستفيداً من الضعف الإعلامي العربي الذي نعيشه، وانشغال وسائل الإعلام العربية بنقل أخبار الفنانين ومباريات كرة القدم، ومستغلاً الطفولة والبراءة التي ينتهكها هو يومياً من أجل خدمته وإيصال رسالته المغلوطة.

إن هذه الممارسات تثير في النفس غصة عميقة، ليس لكوننا كفلسطينيين مظلومين وأصحاب حق، وأصحاب قضية فحسب، بل لأننا نتحول في نظر العالم إلى مجرمين وقتلة، في محاولات إسرائيلية حثيثة تبعدنا دائماً عن طريق نيل حقوقنا واستحقاقاتنا، ولأننا إضافة إلى فقدنا أرضنا ووطنا ومائنا، وحقنا في العيش الكريم والآمن، تحاول إسرائيل جاهدة سلبنا هويتنا الثقافية والتاريخية في استراتيجية ممنهجة ومتأصلة ليس فقط في سياسة الدولة بل حتى في أفرادها، فبدءاً بالدبكة والحطة الفلسطينية التي صبغتها باللون الأزرق وبنجمة داوود، فهي تروج طعمانا العربي كالحمص والفلافل كوجبات إسرائيلية خفيفة، في محاكاة دائمة، بل وسرقة لكل ما يميزنا ويعزز وجودنا وتراثنا وتاريخنا.

والحقيقة أن الإسرائيليين "كذبوا الكذبة وصدقوها" كما يقولون، فهم كعادتهم يرتكبون أفظع الجرائم وأبشعها تحت غطاء الدفاع عن النفس أو الخطأ الفردي، فيما لا يرحمون أحداً إذا ما واجههم بحقيقتهم العدوانية، فالتهمة دائماً حاضرة وجاهزة أنها "معاداة السامية".

هذه هي معادلة إسرائيل المقلوبة، فلم تكتف إسرائيل بتشريد شعبنا وقتل أبنائنا وسرقة أعضائهم، وإنما ذهبت لأبعد من ذلك باستغلال مأساتنا لصالحها، فيتحول الجلاد إلى الضحية، والعكس، ومن هنا فلا يجب السكوت على هذه السرقات والجرائم بحق شعبنا، بل يتوجب محاسبة إسرائيل ومحاكمتها على أفعالها وانتهاكاتها أولاً، ومن ثم على تزويرها وتزييفها للحقائق ثانياً، وإلا فإنها ستتمادى في غيها وطغيانها، ولن تجد من يوقفها عن أفعالها، ولن نجد نحن منبراً ينقل معاناتنا ومأساتنا، بل لن نجد من يصدقنا في زمن تُقلب فيه الحقائق، ويتحول الجلاد إلى ضحية.

http://www.miftah.org