شعوب تغني..والكل ستار

متى نتحول عن اكتشاف نجوم الغناء إلى اكتشاف العلماء؟!.
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2010/4/26

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11524

قبل يومين قرأت إعلاناً في إحدى الصحف المحلية حول الدعوة للمشاركة في برنامج غنائي على قناة العودة الفلسطينية –فضائية جديدة- باسم Palestine Star، أو نجم فلسطين وبرعاية محافظ رام الله د.ليلى غنام، وقد تزامن هذا الإعلان في الصحف مع إعلان آخر "برومو" يعرض حالياً للترويج لبرنامج بعنوان "فنان المدارس-غنيها" على شاشة فضائية فلسطين، وهو من تنظيم مؤسسة صابرين للتطوير الفني، وبالتعاون مع تلفزيون فلسطين وكل من وزارة التربية والتعليم، والأونروا والبطركية اللاتينية، وبدعم من مكتب الملحق الثقافي الأمريكي في القدس، وقد عبر القنصل الثقافي والإعلامي الأمريكي عن مدى سروره لانطلاق المسابقة، فهو يرى أن الشباب الفلسطيني مليء بالمواهب التي يحتاج إلى من يساعده في تطويرها وتنميتها.

وقد سبق الإعلان عن هذين البرنامجين، برنامج غنائي آخر هو برنامج "نيو ستار"، والذي حظي أيضاً بحملة إعلانية وإعلامية في المواقع الالكترونية واللوحات والوسائل الإعلانية في الفترة القليلة الماضية، وقد بدأ عرضه قبل ثلاثة أشهر حصرياً على القناة العربية الفضائية MIXالتي تبث على قمر "النايل سات" (تردد HOR 10892).

أما الذي يجمع بين هذه البرامج الثلاثة هو اكتشاف المواهب الشبابية الغنائية وتبنيها، فنيو ستار برنامج غنائي تلفزيوني فلسطيني يُعنى بالأغنية الوطنية والشعبية الفلسطينية من أجل إدخالها إلى جوار مثيلاتها من الأغاني اللبنانية والخليجية والمصرية، وهو يجمع ما بين البرامج الغنائية وما بين برامج تلفزيون الواقع أي ما بين السوبر ستار والستار أكاديمي، لكنه يستهدف الشباب الفلسطيني وبالتحديد من أراضي ال48، والذين حُرموا من المشاركة في برنامج سوبر ستار بسبب حملهم لجواز السفر الإسرائيلي رغم أصواتهم الجيدة، واجتيازهم المراحل الأولى، والفائز في هذه المسابقة ستتاح له فرصة تسجيل اسطوانة خاصة وأخرى مشتركة مع زملائه المتسابقين إضافة إلى فرصة العرض في حفلات داخل وخارج فلسطين ناهيك عن الجائزة المالية النهائية، أما "نجم فلسطين" و"فنان المدارس" فلما ينطلقان بعد.

ورغم أن حملات كثيرة من النقد توجهت لمثل هذه البرامج، على اعتبار أن الشعب الفلسطيني شعب لديه قضية وطنية عادلة وهو مشغول بالدفاع عنها، إلا أن البعض رأى أن الشعب الفلسطيني كغيره من شعوب العالم يفرح ويغني ويعيش رغم المعاناة .

ومثل هذه البرامج ليست بالجديدة على الفضائيات العربية التي ينقسم نصفها لفضائيات غنائية وأقل من نصفها بقليل إلى فضائيات لصناعة هؤلاء المغنيين، من سوبر ستار إلى نجم الخليج إلى ستار أكاديمي، ثم إلى برنامج لتأهيل مدراء لهؤلاء النجوم، في برنامج "The Manger"، بما يوحي وكأن القضية الأولى والوحيدة في العالم العربي، هو كيفية تحويل شعبه إلى نجوم ومغنيين ومغنيات، بل وكأن موهبة الغناء هي الملكة الأهم التي يتميز بها الشعب العربي، هذا إذا ما افترضنا أصلاً أن ما يقدمه هو غناءً، لكن الغناء والصوت الجميل بات يشكل النسبة الأقل في العملية برمتها، فالأهم من ذلك هو الصورة والشكل والجمال و"خفة الدم والدلع" والقدرة على الرقص والأداء، والكاريزما والإمكانيات المادية التي تسمح بإنتاج فيديو كليب مبهر يحتوي على أجمل الراقصات والراقصين، وكما قالت مريم نور يوماً "سنحتاج لاستقدام من يصفق لأن الكل يريد الغناء".

وفي كل الأحوال نحن لسنا بصدد الدعوى لمقاطعة الغناء بحد ذاته شرط أن يحمل رسالة وأن لا يكون هابطاً كما هو حاله الآن، بل إن حالة الغناء التي نشهدها على الفضائيات العربية أصبحت أشبه بما يمكن تسميته "هستيريا الغٌنى"، وهي لا تأتي في وضع اجتماعي وثقافي وعلمي عربي مزدهر، -يعني نغني فرحاً بأنفسنا!!-.

فمعظم هذه البرامج منقولة عن نسخة أجنبية لها سواءً أمريكية أو أوربية، وخاصة تلك التي تأتي على شكل برامج الواقع، وتصوير حياة المتسابقين اليومية ليل نهار، في صورة لا تمت لثقافتنا ولا لعاداتنا أو تقاليدنا العربية في شي، لكن هذه ليست المعضلة وحدها، بل إن الأشد إيلاماً هو الواقع المؤسف الذي يعيشه الشباب العربي، والذي يعاني في وطنه من الفقر والجهل والبطالة المستشرية وتردي الخدمات الصحية والتعليمية، ومن تهميشه وإهدار طاقاته من قبل المسؤولين، فكثير من الخريجين الجامعيين ينتظرون لسنوات طويلة دون أن يحظوا بفرصة عمل في معظم الدول العربية، أو يضطرون للعمل في أعمال لا تناسبهم ولا تناسب دراستهم، ومن ثم يعانون من الاكتئاب والإحباط، ما يجعلهم يعيشون أزمة انتماء لأوطانهم، بل وفراغاً ثقافياً وفكرياً ما قد يقودهم في النهاية إلى الضياع أو ربما الجريمة، -رغم صلاحهم-، أو في معظم الأحيان إلى الهجرة، فكيف نلومهم إذن على اللجوء إلى أقصر الطرق، للخلاص من الفقر والذل، والانضمام لركب المنضمين للغناء والشهرة والمجد، فهذه البرامج الغنائية في معظمها تقدم جوائز مادية قيمة بالإضافة لتسجيل ألبوم غنائي للفائز وفيديو كليب، ما يعني ضمان ألانطلاقه والنجومية له.

إن مثل هذه البرامج التي تستهدف الشباب العربي وتقدم له المغريات للانضمام لها، لا تعكس الواقع الذي يعيشه هؤلاء الشباب والذين يبحثون عن متنفس لسماع صوتهم ومطالبهم- وليس بالضرورة بالغناء-، فيما تقتصر اهتماماتهم في هذه البرامج على سفائف الأمور وشكلياتها من الاهتمام الطاغي بالأناقة والمظاهر وأساليب الرقص المختلفة، وهذا يعيدنا إلى واقع أزمة الشباب في العالم العربي، كواحد من المشاكل والأزمات الأخرى، والتي يقع على عاتق المسؤولين جزء كبير لإيجاد حلول جذرية لها، فيما يتحمل الشباب أنفسهم جزءاً من المسؤولية أيضاً.

وفيما كانت العرب تحتفل وتحيي الليالي بولادة شاعر جديد، فلا يسعنا الوقت الآن لتذكر لا أشكال ولا أسماء المغنيين الذين يولدون كل دقيقة، والمؤسف في هذا التقليد المطلق للغرب هو أنه لا ينطبق على كل المجالات، فقد يحق للغرب أن يغني ويرقص ويقيم البرامج لذلك، فقد أنجز ما عليه من بناء حضاري وتقدم علمي وتطور اقتصادي لبلاده، أما نحن فقد دخلنا الطريق من آخره ولا أدري إن كنا سنصل لأوله، وإن كان البعض يحب أن يسمي هذا جزء من الاستعمار الثقافي للعالم العربي، إلا أنه لا ينبغي لنا أن نعلق أخطاءنا دوماً على الآخرين، و ننكر مسؤوليتنا الجماعية وضعفنا وتشرذمنا.

إن المسؤولين في العالم العربي مطالبون بإيجاد حلول لكل الأزمات التي تعتري الشباب، وتوفير فرص عمل لهم، وحوافز لدعمهم وتشجيعهم على الإبداع والتطور والبحث العلمي، فمن المؤلم أن نرى الشباب العربي مشغول بالغناء والرقص، فيما يعيش الوطن العربي أزمة ضياع فكرية وثقافية وعلمية، فالمجتمع العربي مجتمع فتي ولا بد له من استغلال الطاقات الكامنة في شبابه، على الأقل إلى حين أن نتوقف عن الاعتماد على الغير حتى في تصنيع "الشماغ الخليجي"، وسجادات الصلاة التي تأتينا من الصين وغيرها، فمتى نتحول عن اكتشاف نجوم الغناء -الذي وصل حتى إلى المدارس-، إلى اكتشاف المبدعين والمخترعين والعلماء؟!، قبل أن نفقد هويتنا وثقافتنا ونزداد ضياعاً على ضياع.

http://www.miftah.org