ماذا ينتظر نساء غزة؟!

تدخين النارجيلة وتعريف ‘الفعل الخادش للحياء’
بقلم: الاء كراجة لمفتاح
2010/7/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=11789

لست من المدخنات ولا حتى للنارجيلة أو ما تُعرف ب"الشيشة"، بل على العكس أعتبر نفسي من أشد المنادين بمنع التدخين في الأماكن العامة، وعلى الرغم من ذلك كان الخبر الذي طالعنا أول أمس حول منع داخلية الحكومة المقالة في قطاع غزة النساء من تدخين "الأرجيلة" بالأماكن العامة أي في (المقاهي، والمطاعم، والفنادق، والمنتزهات)، أكثر من مستفز بالنسبة لي، ليس لأن منع تدخين الشيشة جاء بهدف الحفاظ على صحة المواطنين أو حرية الآخرين في الأماكن العامة كما كنت آمل، بل بذريعة الحفاظ على "الحياء العام" على حد تعبيرهم، فقرار المنع اقتصر على النساء ومن هم دون سن 18 سنة، وجاء مدعماً بحجج ومبررات وأعذار أقبح من الذنب نفسه، وكما ورد في الخبر "فأن تدخين المرأة للشيشة يخدش الحياء العام، وينافي العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية". وأدرك تماماً أن الكثيرين في مجتمعنا مازالوا لا يتقبلون فكرة تدخين المرأة، لكن أن يقال أن هذا فعل خادش للحياء فهذا تجاوز مبالغ فيه.

وهنا يحق لي التساؤل: "عن أي أعراف وتقاليد.. وعن أي مجتمع يتحدثون، فالنارجيلة تعتبر لدى البعض في مدينة نابلس جزء من جهاز العروس، لا تخرج إلى بيت زوجها إلا بها، وكان الأحرى بمن يريد المنع أن يطبقه على كلا الجنسين لئلا يضع نفسه في خانة التمييز على أساس الجنس.

والغريب اللافت هو ما يجري عادة بعد نشر هكذا تقارير، إذ ما تلبث الجهات المسؤولة في الحكومة المقالة إلى النفي والإنكار، ما يدفعنا للحديث على افتراض أن قرار المنع كان صحيحاً. ففي حين ذكرت المصادر أن الناطق باسم وزارة الداخلية في الحكومة المقالة إيهاب الغصين هو من أعلن أنه تم منع النساء من تدخين النرجيلة في الأماكن العامة في قطاع غزة لمنافاتها للعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، أوردت مصادر أخرى نفي إيهاب الغصين أن يكون هناك قرار بمنع الداخلية لتدخين النرجيلة في الأماكن العامة.

فيما نقل عن مصدر آخر بأن المكتب الإعلامي للشرطة أوضح أن القرار الحكومي قديم جديد، حيث تم استصداره مسبقاً و تفعيله حديثاً، مشيراً إلى أن أي مقهى أو مطعم يخالف القرار الحكومي، فإن صاحبه سيتحمل المسؤولية كاملة، بحيث سيتم تغريمه مالياً.

وقال أحد أصحاب المقاهي في غزة: "اعتقد أن منع الشيشة سيضر بأوضاع الاستراحات والمقاهي على شاطئ البحر، لأنها تشكل عائداً جيداً بالنسبة لنا". وتابع "نحن مع منع الشيشية كلياً للأطفال والصبية، لكن بالنسبة للنساء فيمكن أن يدخن الشيشة داخل الخيمة". وكأن هذا هو الحل، بحيث لا يجب أن ينخدش الحياء العام بمشاهدة المرأة في هذا الوضع المشين!!، أما إذا ما توارت عن الأنظار فلا ضرر ولا ضرار!!.

إن مثل هذه الممارسات التعسفية والتصرفات المزاجية التي تستهدف النساء بشكل مباشر إنما تتنافى مع القانون الأساسي الذي كفل الحرية الشخصية للأفراد، ومن حقنا هنا أن نتساءل: "من أعطاهم الحق بتحديد ما هو مقبول وغير مقبول مجتمعياً، وكيف يتطاولون على نصف مجتمعنا بمثل هذه الأقاويل، إن هذا الوصف أكبر من أن يرتبط بالتدخين وإنما يعطي إيحاءً وكأن الفتاة كانت تدخن "الماريوانا" أو غيرها أو أنها ارتكبت فعلاً مشيناً يمس بشرف العائلة، فتخيل لو أن أباً تمت مخالفة ابنته لارتكابها فعلاً "خادشاً للحياء في مكان عام" كما وصفوه، فمن ذا الذي سيصدق أن الفعل الخادش هذا ما هو إلا تدخين "الأرجيلة"، ومن يدري فقد يوفر دم الوالد ويقتلها قبل أن يتم إعلامه بأن ما فعلته لم يكن سوى التدخين، ومن ثم تصنف الجريمة على أنها "قتل على خلفية خدش الحياء"؟؟!!. وهذا أعاد إلى ذاكرتي نكتة ساخرة حول فتاة كانت تقنع أباها يومياً بأنها تخرج لتدرس مع صديقتها وعندما تعقبها والدها وجدها تعمل راقصة، فلما رآها قال: "مش ناقص إلا ادخني كمان"، تاركاً الفعل الأكبر ومشيراً إلى أن المصيبة الحقيقة فيما لو ضبطها تدخن.

و من المخجل أن تتفشى هذه العقلية التي تبيح كل شيء للرجل فيما يرتبط كل ما تفعله المرأة بالحياء والعفة وكأنها أمور مقتصرة على الإناث فحسب، بل أن الذريعة الأخرى التي سمعتها بأن مظهر المرأة وهي تدخن يتنافى مع ما يعانيه القطاع من ألآم وحصار، على اعتبار أن تدخين الرجل لا يتنافى مع أي شيء بل هو بسبب الكبت والضغط النفسي الذي أحدثه الحصار!!! وإن كانت الحجة من الدين كما يزعمون، فلم نسمع عن شيء كهذا من قبل، بل كيف للدين أن يفرق بين امرأة ورجل، في أمر هو في الأساس ضار صحياً للطرفين.!

إن ممارسات كهذه لدليل على تخلف ورجعية ودونية تسيطر على من يفتي بمثل هذه الفتاوى أو يتبنى نهج هذه الممارسات التي تسعى لتحجيم المرأة ووجودها في المجتمع وقمعها، وهذا لا يقتصر على منعها من تدخين "الأرجيلية"، بل يتجاوزه إلى منعها من ممارسة حقها وحريتها بالتساوي مع الرجل وعلى كافة الأصعدة، وما يجري في غزة الآن أكبر دليل على ما تتعرض له المرأة من اضطهاد وسلب لحقوقها المشروعة فكثيراً ما طلعتنا الأخبار الواردة من غزة عن منع الحكومة المقالة النساء من ركوب الدراجات النارية أو منعهن من فعل كذا أو كذا، فمن منا كان سيعترض لو أن القرار جاء لمنع التدخين في الأماكن العامة ولكلا الجنسين، فالمعضلة ليست بالمنع بل بالتحديد والمبررات الواهية والسخيفة المقترنة به، فإذا كانت هي من يخدش الحياء العام فهم يطعنون في كرامة وأخلاق المجتمع بهذا الوصف. أما أن يقتصر منع المرأة ومن هم دون سن ال 18 من تدخين الأرجيلة، يفهم منه أيضاً أنها كامرأة يسري عليها ما يسري القُصر.

والمؤسف أن القطاع يعاني من مئات المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية التي تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والتركيز لحلها، فيما تعد هذه القضايا ثانوية وتتعلق بمجملها بكل ما تفعله وما لا تفعله النساء كأولوية بالنسبة لمن يطلقونها على حساب غيرها من القضايا الأساسية، والمخيف أنه لا يمكن توقع ما الذي ستتفتق عنه عقلية من يطلقون مثل هذه القرارات دون هدى وروية، وما الذي ستمنعه وتحظره لاحقاً وتخص به النساء دون غيرهم، فقد يكون منع قيادة المرأة للسيارة هي الخطوة القادمة، وقد تصبح حينها السيارة تلك المركبة الشيطانية التي ستقود المرأة إلى المفسدة والتهلكة!!، لذا فنحن لا نبالغ في تخوفنا من أن نتحول إلى مجتمع طالباني، والمؤلم المؤسف هو أننا نصنع ذلك بأيد فلسطينية، فأي مستقبل هذا الذي ينتظر النساء في غزة إذا لم يتغير الوضع القائم هناك، وتتلاشى مثل هذه الممارسات تجاه المرأة؟.

http://www.miftah.org