أمريكا: تعرفنا ونعرفها، وإسرائيل تعرف الكل
بقلم: نداء ابراهيم لمفتاح
2010/12/16

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12220

قالوا قديما: "اللي بتعرفه أحسن من اللي ما بتعرفه" والفلسطينيون تعودوا أمريكا ويعرفونها جيدا. هذا ما جعلنا نقبلها راعية لسلامٍ –يأبى أن يتحقق- طوال هذه المدة.

كما أننا، وفي ظل انقسامنا الداخلي لا نعلم في أي ملعب نرمي كراتنا، واكتراث اللاعبين الآخرين من اتحاد أوروبي أو أمم متحدة أو رباعية أو صينيين أو إيرانيين بالقضية وقدرتهم على حلها غير معروف النوايا ولا النتائج.

وكان الساسة الفلسطينيون يأملون بأن كل مرة ستكون هي الأخيرة قبل أن يتحقق الحلم بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة؛ استنادا إلى ثِقَل أمريكا، وإلى مصالحها التي تتطلب وجود استقرار في المنطقة أساسه تحقيق حل الدولتين.

لكننا الآن بتنا نعلم أكثر من ذي قبل أن الأمل الذي اعترانا وقت وصول الرئيس باراك اوباما إلى البيت الأبيض وخطاباته للعالم الإسلامي، لم يكن واقعيا.

ضغوطه ومحاولاته وموفدوه قوبلوا بانزعاج إسرائيلي أيقنت الدولة العبرية استغلاله بالمماطلة والتشدد، إلى أن أدت نتائج انتخابات الكونغرس إلى هزيمة للديموقراطيين قيدت يدي أوباما، وحرفته عن مساراته ليتجه عائدا إلى اقتصاده وقضاياه الداخلية.

هذا ما بدا واضحا اليوم، فلما كان الرئيس محمود عباس متطلعا إلى الأمم المتحدة بشقيها: مجلس الأمن والجمعية العامة كإحدى خياراته-البعيدة عن التفاوض- للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، أعلنت أمريكا الرد الصارم عبر مجلس شيوخها الذي قال: "الفيتو" مقابل أي قرار في مجلس الأمن.

وعلى الأرض، أدى الفشل الأمريكي في إقناع إسرائيل بالعرض المغري مقابل وقف الاستيطان إلى عودة المبعوث الأميركي لعملية السلام جورج ميتشل إلى المنطقة ضمن سلسلة محادثات غير مباشرة. في جعبة ميتشل هدف أمريكي يتمثل بالوصول إلى اتفاق إطار يتضمن "التسويات الأساسية" لقضايا الوضع النهائي تمهيداً للتوصل إلى اتفاق سلام. خطوة كانت للخلف هذه المرة عوضا عن التقدم، فالحديث حول تلك القضايا يمكن أن يحتاج أعواما وسنين.

إذا أمريكا تعرفنا ونحن نعرفها جيدا، لكن العارفة بالأمور بحق والمخططة لها هي إسرائيل بقادتها وسياسييها، وإسرائيل فقط! وبينما كان العرب والأمريكان مشغولون بالحديث والمحادثات، كانت إسرائيل فوق الأرض الفلسطينية تنفذ خطط الاستيطان والتهويد، وأعمال الحفريات في القدس، وتقف ساكنة أمام عدوان مستوطنيها ناهيك عن احتلالها.

إسرائيل علمت كيف تتفادى أصبع الاتهام الأمريكي الذي كان يمكن أن يشار إليها كمعيقة لعملية السلام، وعلمت أيضا كيف يمكن لإدارة اوباما أن تسحب ضغوطها بوقف الاستيطان.

صحيح أن أمريكا تعرفنا، لكنها عرفت عن نفسها الآن الشيء الجديد. أيقنت أن علاقاتها المتشابكة مع إسرائيل وارتباطها بها وباللوبي اليهودي النابع منها تعني الكثير. هذا الإدراك المتأخر هو ما على للفلسطينيين الاقتناع به الآن كي يوجهوا بوصلتهم نحو وجهات أخرى قد لا تكون معروفة، أساسها تقوية الجبهة الداخلية من أجل امتلاك المبادرة والقوة، والسعي لكسب المجتمع الدولي واستغلاله للضغط على إسرائيل وعزلها.

قد تكون أمريكا "معروفة" لكنهم قالوا أيضا: "اللي بجرّب مجرَّب...".

نداء ابراهيم هي كاتبة في دائرة الإعلام والمعلومات في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية-مفتاح. يمكن الاتصال بها عن طريق البريد الالكتروني:mid@miftah.org

http://www.miftah.org